الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن مِن أعظم الأعمال التي تكون سببًا للعبد في تنزُّل رحمات ربه
عليه وقربه منه، وتكون له كذلك سببًا في دخول الجنة، ومجاورة الحبيب صلى
الله عليه وسلم فيها - كثرةَ
الصلاة على
النبي صلى
الله عليه وآله وسلم.
فالصلاةُ على
النبي صلى
الله عليه وآله
وسلم بابٌ من أبواب الخير في الدنيا والآخرة، فهي سهلة الفعل، عظيمة الأجر، لا ينبغي للمسلم - الذي أُشرِب قلبه إيمانًا - أن يفتر لسانه منها، بَلْهَ أن يتهاون عنها، فهي ذكر لله عز وجل، وهي ذكر للحبيب صلى
الله عليه وسلم.
ولعل السؤال: كيف نُصلِّي عليه؟ ومتى؟ وما فضائل
الصلاة عليه؟
إليك أخي الكريم، وإليك أختي الكريمة الجوابَ الشافي بإذن
الله تعالى:
قال
الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
لقد أرشد
الله عز وجل - في هذه الآية الكريمة - المؤمنين حقًّا أن يُصلُّوا على
النبي صلى
الله عليه وسلم، بعدما أخبر أنه سبحانه وتعالى يُصلِّي عليه، وكذلك الملائكة عليهم السلام.
قال الإمام الطبري في تفسيره:
"إن معنى ذلك أن
الله يرحم
النبي صلى
الله عليه وسلم، وتدعو له ملائكته ويستغفرون...،
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ ﴾ [الأحزاب: 56]، يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا ادعُوا لنبيِّ
الله محمد صلى
الله عليه وسلم ﴿ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، يقول: وحيُّوه تحية الإسلام"؛ تفسير الطبري.
والصلاة
عليه معناها: "سؤال
الله تعالى أن يُصلِّيَ على رسوله صلى
الله عليه وسلم ويسلم عليه"؛ الموسوعة الفقهية الكويتية.
• مِن صيغ
الصلاة على
النبي صلى
الله عليه وسلم:
1 - عن أبي مسعود الأنصاري، قال: أتانا رسول
الله صلى
الله عليه وآله وسلم، ونحن في مجلس سَعد بن عُبادة، فقال له بَشير بن سعد: أمرنا
الله تعالى أن نُصلِّي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول
الله صلى
الله عليه وآله وسلم، حتى تمنَّينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول
الله صلى
الله عليه وآله وسلم: ((قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلَّيت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم في العالَمين، إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علِمْتُم))؛ صحيح مسلم.
2 - وعند البخاري عن عمرو بن سليم الزرقي، قال: أخبرني أبو حُميد الساعدي، أنهم قالوا: يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ قال: ((قولوا: اللهم صلِّ على محمد وأزواجه وذريَّته، كما صلَّيت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد))؛ صحيح البخاري.
فأزواج
النبي رضي
الله عنهن وذريته هم آل بيته صلى
الله عليه وسلم، وفي هذا ردٌّ على مَن يدَّعي أنهن - أي زوجاته - لَسْنَ مِن آله، فنسأل
الله لهم الهداية.
3 - عن كعب بن عُجْرة: سأَلْنا رسول
الله صلى
الله عليه وآله وسلم، فقلنا: يا رسول الله، كيف
الصلاة عليكم أهل البيت، فإن
الله قد علَّمنا كيف نسلم عليكم؟ قال: ((قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارِك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد))؛ صحيح البخاري.
في رواية أخرى: ((فقولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد))؛ صحيح البخاري.
4 - عن أبي سعيد الخدري، قال: قلنا: يا رسولَ الله، هذا السلام عليك، فكيف نصلي؟ قال: ((قولوا: اللهم صلِّ على محمد عبدِك ورسولك، كما صلَّيت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم))؛ صحيح البخاري.
5 - عن محمد بن عبدالله بن زيد، عن عقبة بن عمرو، بهذا الخبر، قال: ((قولوا: اللهم صلِّ على محمد
النبي الأمي، وعلى آل محمد))؛ سنن أبي داود.
6 - عن موسى بن طلحة، قال: سألتُ زَيد بن خارجة قال: أنا سألتُ رسول
الله صلى
الله عليه وآله وسلم، فقال: ((صلُّوا عليَّ واجتهدوا في الدعاء، وقولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد))؛ سنن النسائي.
ومن الصيغ التي دأب عليها العلماء في كتبهم بعد ذكر اسمِه صلى
الله عليه وآله وسلم، صيغة "صلى
الله عليه وسلم"، أو "صلى
الله عليه وآله وسلم".
أوقات
الصلاة على
النبي صلى
الله عليه وسلم:
الصلاة على
النبي صلى
الله عليه وسلم تكون في كل مكان وفي كل زمان، إلا في مكان نُهِي عن الذكر فيه كالخلاء.
ولكن تتأكد
الصلاة على
النبي صلى
الله عليه وآله
وسلم في أوقات وأماكن خاصة؛ منها:
في التشهد الأخير من كل صلاة: للأدلة السابقة في الفقرة الأولى، وكذلك في التشهد الأول.
عند دخول المسجد وعند الخروج منه: عن أبي هريرة أن
النبي صلى
الله عليه وآله
وسلم قال: ((إذا دخل أحدكم المسجد، فليُسلِّم على
النبي صلى
الله عليه وسلم، وليَقُلْ: اللهم افتَحْ لي أبواب رحمتك، وإذا خرج، فليُسلِّم على
النبي صلى
الله عليه وسلم، وليقل: اللهم اعصِمْني من الشيطان الرجيم))؛ سنن ابن ماجه.
عند سماع الأذان: روى مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عمرو بن العاص، أنه سمع
النبي صلى
الله عليه وآله
وسلم يقول: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ، فإنه مَن صلى عليَّ صلاة صلى
الله عليه بها عشرًا، ثم سَلُوا
الله لي الوسيلة، فإنها منزلةٌ في الجنة، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمَن سأل لي الوسيلة حلَّت له الشفاعة))؛ صحيح مسلم.
في المجالس: عن أبي هريرة عن
النبي صلى
الله عليه وآله
وسلم قال: ((ما جلس قومٌ مجلسًا لم يذكروا
الله فيه، ولم يُصلُّوا على نبيِّهم، إلا كان عليهم تِرَةً، فإن شاء عذَّبهم وإن شاء غفر لهم)).
في الدعاء: روى أبو داود في سننه عن فضالة بن عبيد، صاحب رسول
الله صلى
الله عليه وآله وسلم، يقول: سمِع رسولُ
الله صلى
الله عليه وآله
وسلم رجلًا يدعو في صلاته لم يُمجِّد
الله تعالى، ولم يصلِّ على
النبي صلى
الله عليه وآله وسلم، فقال رسول
الله صلى
الله عليه وآله وسلم: ((عجِل هذا))، ثم دعاه فقال له - أو لغيره -: ((إذا صلَّى أحدكم، فليبدأ بتمجيدِ ربِّه جل وعز، والثناء عليه، ثم يُصلي على
النبي صلى
الله عليه وسلم، ثم يدعو بعد بما شاء))؛ سنن أبي داود؛ إذا صلى: أي إذا دعا.
بعد التكبيرة الثانية من صلاة الجنازة: إذا كبَّر المصلي على الجنازة التكبيرةَ الثانية، فإنه يصلي على
النبي صلى
الله عليه وسلم،
الصلاة الإبراهيمية، إحدى الصيغ السابقة، كما عند جميع الفقهاء.
إذا ذُكِر اسمه صلى
الله عليه وسلم: عن عبدالله بن علي بن حسين، عن أبيه علي بن حسين، عن أبيه أن
النبي صلى
الله عليه وآله
وسلم قال: ((البخيلُ مَن ذُكِرت عنده، ثم لم يصلِّ عليَّ))؛ مسند أحمد.
في يوم الجمعة: عن أوس بن أوس، قال: قال رسول
الله صلى
الله عليه وآله وسلم: ((إن مِن أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خُلِق آدم، وفيه قُبِض، وفيه النَّفخة، وفيه الصَّعقة، فأكثِروا عليَّ مِن
الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليَّ))، قال: قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أَرَمْتَ؟ - يقولون: بَلِيتَ - فقال: ((إن
الله عز وجل حرَّم على الأرض أجساد الأنبياء))؛ سنن أبي داود، وهناك مواطن أخرى؛ كالمتعلقة بأعمال الحج، وفي جميع الخطب.
من فضائل
الصلاة على
النبي صلى
الله عليه وآله
وسلم والإكثار منها:
للصلاة على
النبي صلى
الله عليه وسلم فضائل كثيرة؛ منها:
أنها طاعة لله وذكر له تعالى: قال
الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
علامة من علامات محبة
النبي صلى
الله عليه وسلم: فالصلاة
عليه صلى
الله عليه وسلم علامة من علامات محبته.
مغفرة للسيئات ومضاعفة للحسنات وتنزل الرحمات وإعلاء للدرجات:
عن أبي هريرة، أن رسول
الله صلى
الله عليه وسلم قال: ((مَن صلَّى عليَّ واحدةً صلى
الله عليه عشرًا))؛ صحيح مسلم.
وقال رسول
الله صلى
الله عليه وسلم: ((مَن صلى عليَّ صلاة واحدة صلى
الله عليه عشر صلوات، وحُطَّت عنه عشر خطيئات، ورُفِعَت له عشر درجات))؛ سنن النسائي.
سبب من أسباب قَبول الدعاء: قال رسول
الله صلى
الله عليه وسلم: ((إذا صلَّى أحدُكم، فليبدأ بتمجيدِ ربه جل وعز، والثناء عليه، ثم يُصلِّي على
النبي صلى
الله عليه وسلم، ثم يدعو بعد بما شاء))؛ سنن أبي داود.
سبب من أسباب القرب مِن الرسول الكريم صلى
الله عليه وسلم يوم القيامة:
عن ابن مسعود قال: قال رسول
الله صلى
الله عليه وسلم: ((إن أَوْلى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاةً))؛ صحيح ابن حبان.
علامة من علامات تعظيم
النبي صلى
الله عليه وسلم:
قال
النبي صلى
الله عليه وسلم: ((البخيل مَن ذُكِرت عنده، ثم لم يصلِّ عليَّ)).
تفريج للهموم وكشف للغموم:
عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه، قال:...... قلت: يا رسول الله، إني أُكثِر
الصلاة عليك، فكم أجعل لك مِن صلاتي؟ فقال: ((ما شئتَ))، قال: قلتُ: الرُّبُعَ، قال: ((ما شئتَ، فإن زِدْتَ فهو خيرٌ لك))، قلت: النِّصفَ، قال: ((ما شئتَ، فإن زِدْتَ فهو خيرٌ لك))، قال: قلتُ: فالثُّلُثينِ، قال: ((ما شئتَ، فإن زِدْتَ فهو خيرٌ لك))، قلتُ: أجعلُ لك صلاتي كلَّها، قال: ((إذًا تُكفَى همَّك، ويُغْفرُ لك ذنبُك))؛ سنن الترمذي.
سبيل إلى الجنة:
عن ابن عباس قال: قال رسول
الله صلى
الله عليه وسلم: ((مَن نسِي
الصلاة عليَّ، خطئ طريق الجنة))؛ سنن ابن ماجه.