محمد بن
مسلمة رضي
الله عنه (حارس الرسول)
هو:
أبو عبد
الله مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ بنِ سَلَمَةَ بنِ خَالِدٍ ابْنِ عَدِيِّ بنِ مَجْدَعَةَ الأَنْصَارِيُّ
وَهُوَ حَارِثيٌّ، مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ. وَكَانَ رَجُلاً طُوَالاً، أَسْمَرَ، مُعْتَدِلاً، أَصْلَعَ، وَقُوْراً. كان من نجباء
الصحابة؛ أسلم على يد مُصعب بن عمير قبل إسلام سعد بن معاذ رضي
الله عنهم أجمعين، وخلّف من الولد: عشرة بنين، وست بنات.
شهد بدر وأحد والمشاهد كلها مع رسول
الله صلى
الله عليه وسلم، إلا غزوة تبوك حيث استخلفه رسول
الله صلى
الله عليه وسلم على المدينة يومئذ.
وآخى رسول
الله صلى
الله عليه وسلم بينه وبين أبي عُبيدة بن الجراح رضي
الله عنه.
في غزوة بني قينقاع تولى
محمد بن
مسلمة رضي
الله عنه إخراج
اليهود من المدينة وجمع الغنائم والأموال والأسلحة التي خلّفوها وراءهم.
وكان يحرس
النبي صلى
الله عليه وسلم ومعسكر المسلمين في يوم أحد، وبعد أن دارت الدائرة على المسلمين وكادوا أن ينهزموا وجُرح النبي صلى
الله عليه وسلم خرج
محمد بن
مسلمة يطلب من
النساء ماء فلم يجد عندهن ماء، وكان رسول
الله صلى
الله عليه وسلم قد عطش عطشًا شديدًا، فذهب
محمد رضي
الله عنه إلى قناة حتى استقى، فأتى بماء عذب فشرب رسول
الله صلى
الله عليه وسلم، ودعا له بخير.
محمد بن مسلمة يقتل اليهودي كعب بن الأشرف:
وكان ذلك في الرابع عشر من شهر ربيعٍ الأول للعام الثالث من الهجرة النبوية، وكان كعب هذا شاعرًا يؤذي رسول
الله صلى
الله عليه وسلم، ويهجو الصحابة رضي
الله تعالى عنهم، ويحرض عليهم الكفار.
عن جابر بن عبد
الله رضي
الله عنهما قال: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «
مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟» فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ قَالَ: «
نَعَمْ». قَالَ: فَأْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ شَيْئًا (أي يقول كلامًا في حق النبي صلى
الله عليه وسلم) قَالَ: «
قُلْ».
فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَأَلَنَا صَدَقَةً وَإِنَّهُ قَدْ عَنَّانَا وَإِنِّي قَدْ أَتَيْتُكَ أَسْتَسْلِفُكَ. قَالَ: وَأَيْضًا وَاللَّهِ لَتَمَلُّنَّهُ. قَالَ: إِنَّا قَدْ اتَّبَعْنَاهُ فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَصِيرُ شَأْنُهُ وَقَدْ أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ، فَقَالَ: نَعَمِ ارْهَنُونِي. قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُ؟ قَالَ: ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ! قَالَ: فَارْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ فَيُقَالُ: رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا؛ وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ (يعني السلاح).
فَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فَجَاءَهُ لَيْلًا وَمَعَهُ أَبُو نَائِلَةَ وَهُوَ أَخُو كَعْبٍ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْحِصْنِ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ. فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: أَيْنَ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَخِي أَبُو نَائِلَةَ.
قَالَتْ: أَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ قَالَ: إِنَّمَا هُوَ أَخِي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ إِنَّ الْكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ بِلَيْلٍ لَأَجَابَ. قَالَ: وَيُدْخِلُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَعَهُ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ إِذَا مَا جَاءَ فَإِنِّي قَائِلٌ بِشَعَرِهِ فَأَشَمُّهُ فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رَأْسِهِ فَدُونَكُمْ فَاضْرِبُوهُ. فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ مُتَوَشِّحًا وَهُوَ يَنْفَحُ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رِيحًا أَيْ أَطْيَبَ. قَال:َ عِنْدِي أَعْطَرُ نِسَاءِ الْعَرَبِ وَأَكْمَلُ الْعَرَبِ، فَقَالَ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَشُمَّ رَأْسَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَشَمَّهُ ثُمَّ أَشَمَّ أَصْحَابَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَتَأْذَنُ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ قَالَ: دُونَكُمْ، فَقَتَلُوهُ ثُمَّ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ" (رواه
البخاري).
في سنة ست من الهجرة بعث النبي صلى
الله عليه وسلم
محمد بن
مسلمة في ربيع الأول في عشرة نفر سرية إلى بني معاوية وبني عوال بذي القصة، فكمن القوم لهم حتى ناموا فما شعروا إلا بالقوم فقُتِل أصحاب
محمد بن
مسلمة وأفلت
محمد رضي
الله عنه جريحًا.
روى
محمد بن عمر رضي
الله تعالى عنه عن شيوخه قالوا: بعث رسول
الله صلى
الله عليه وسلم
محمد بن
مسلمة في عشرة نفر منهم: أبو نائلة، والحارث بن أوس، وأبو عبس بن جبر ، ونعمان بن عصر، ومحيصة بن مسعود، وحويصة أخوه، وأبو بردة بن نيار، ورجلان من مزينة، (ورجل) من غطفان، فوردوا عليهم ليلا.
فكمن القوم لمحمد بن
مسلمة وأصحابه حتى ناموا، فأحدقوا بهم وهم مائة رجل، فما شعر المسلمون إلا بالنبل قد حاطهم، فوثب
محمد بن
مسلمة ومعه قوس فصاح في أصحابه (السلاح)، فوثبوا فتراموا ساعة من الليل.
ثم حملت الأعراب عليهم بالرماح فقتلوا من بقي. ووقع
محمد بن
مسلمة جريحًا، يضرب كعبه فلا يتحرك، وجردوهم الثياب وانطلقوا. فمر رجل (من المسلمين) على القتلى فاسترجع. فلما سمعه
محمد بن
مسلمة تحرك له، فعرض عليه طعاما وشرابا وحمله حتى ورد به المدينة.
استكتبه النبي صلى
الله عليه وسلم لأهل مهرة؛ قال ابن سعد: قالوا: وكتب رسول
الله صلى
الله عليه وسلم: (هذا كتاب من
محمد رسول
الله لمهري بن الأبيض، على من آمن من مهرة أنهم لا يؤكلون ولا يغار عليهم، ولا يعركون، وعليهم إقامة شرائع الإسلام، فمن بدل فقد حارب الله، ومن آمن به فله ذمة
الله وذمة رسوله، اللقطة مؤداة، والسارحة منداة والتفث: السيئة، والرفث الفسوق، وكتب
محمد بن
مسلمة الأنصاري).
وفي فتح مكة حمل رسول
الله صلى
الله عليه وسلم السلاح، والبيض، والدروع، والرماح وقاد مائة فرس عليها
محمد بن
مسلمة رضي
الله عنه، فلما انتهى إلى ذي الحليفة قدم الخيل أمامه، واستعمل على السلاح بشير بن سعد، ومضى مُحمد رضي
الله عنه بالخيل إلى مر الظهران فوجد بها نفرًا من قريش فسألوه فقال: هذا رسول
الله صلى
الله عليه وسلم يصبح هذا المنزل غدًا إن شاء الله.
ولما دخل النبي صلى
الله عليه وسلم مكة وطاف بالكعبة كان
محمد بن
مسلمة رضي
الله عنه هو الذي يمسك بزمام ناقة النبي صلى
الله عليه وسلم.
كان رضي
الله عنه على مقدمة جيش عمر.
وكان رضي
الله عنه ممن اعتزل
الفتنة؛ فلم يحضر موقعة الجمل ولا صِفّين، بل اتخذ سيفًا من خشب وتحول إلى الربذة فأقام بها مُديدة.
عن أبي ثعلبة بن ضبيعة قال: دخلنا على حذيفة فقال: "إني لأعرف رجلًا لا تضره
الفتن شيئًا". قال: فخرجنا فإذا فسطاط مضروب فدخلنا فإذا فيه
محمد بن
مسلمة فسألناه عن ذلك فقال: "ما أريد أن يشتمل عَليّ شيء من أمصاركم حتى تنجلي عما انجلت" (قال الشيخ
الألباني: صحيح لغيره).
مات
محمد بن
مسلمة رضي
الله عنه في صفر سنة ثلاث وأربعين وعاش سبعًا وسبعين سنة.
رضي
الله عنه وأرضاه.
--------------
المصادر:
1- سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي.
2- أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير.
3- سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد للصالحي الشامي.
4-
صحيح البخاري.