منتديات تراتيل شاعر - عرض مشاركة واحدة - رواية مارد في صدري _1
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-30-2022, 10:58 PM   #2


الصورة الرمزية رحيل المشاعر

 
 عضويتي » 406
 جيت فيذا » Dec 2014
 آخر حضور » يوم أمس (12:53 AM)
آبدآعاتي » 1,159,497
 حاليآ في » البيت يلي قبل الاخير بكوكب زحل
دولتي الحبيبه »  Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » التراث ♡
آلعمر  » 90 سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبطه ♡
 التقييم » رحيل المشاعر has a reputation beyond reputeرحيل المشاعر has a reputation beyond reputeرحيل المشاعر has a reputation beyond reputeرحيل المشاعر has a reputation beyond reputeرحيل المشاعر has a reputation beyond reputeرحيل المشاعر has a reputation beyond reputeرحيل المشاعر has a reputation beyond reputeرحيل المشاعر has a reputation beyond reputeرحيل المشاعر has a reputation beyond reputeرحيل المشاعر has a reputation beyond reputeرحيل المشاعر has a reputation beyond repute
مشروبك   danao
قناتك carton
اشجع ahli
مَزآجِي  »  1

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop 7,0 My Camera:

My Flickr My twitter

sms ~

لاحـــول ولا قـوت الا بالله
سبحان الله وبحمده
استغفر الله واتوب اليه
 

رحيل المشاعر متواجد حالياً

افتراضي رد: رواية مارد في صدري _1



* * *

كانت سلسلة المواقف والأحداث المثيرة تتلاحق، فتجعلني أكثر اندفاعاً لاقتحام عالم سناء الغامض.. فالسنة الدراسية تودع يومها النهائي، والطالبات يكسرن قيود النظام المدرسي، ليتسلموا البطاقات بابتهاج، ثم لتنتقل هذه البهجة إلى الآباء.. فهو يوم التهاني والفرحة بالنجاح.

كنت وزميلاتي ننطلق في الدروب كالفراشات المهفهفة، وأنا أحلم بهدية والدي التي أنتظرها بمشاعر الترقّب والأمل، وغالباً ما تكون مجموعة قصصية هادفة، أستمتع بقراءتها في الإجازة في إحدى القرى الجبلية المحيطة ببلدتنا الساحلية، في أحضان الطبيعة، بين أشجار الصفصاف والأزهار وعلى ضفاف الجداول الرقراقة.

حملنا أحلامنا مع بطاقاتنا، نزاحم الخطى والمنى، تملأ نفوسنا بنشوة الفوز والنجاح، ونثرثر بلا توقّف، ونحلّق بسعادة وعيوننا تخطف ما في بطاقات بعضنا، ونقارن بينها.. وقد نعبر عن رغباتنا في كيفية قضاء الإجازة.. نوزعها على هوانا بين الرحلات لإزالة التعب، والرغبة بالراحة والكسل، أو بالمطالعة، والمداومة على الدروس المسجدية وحفظ القرآن و..

في لحظات الفرح، يتدخل القدر، ويبتسم ساخراً من بهجتنا.. أفيق على صوت ارتطام الصفيحة بالأرض مع سناء.. تراجعت مذعورة والماء يندلق هارباً في كل اتجاه، وتسرع الفتيات في المضيّ بغير مبالاة.

اقتربت منها لأعينها على النهوض من عثرتها، وإصلاح شأنها.. عصرت ثوبها المبلل، وفركت ساقها، ثم رفعت الصفيحة التي التوى جانباً منها.. بانكسار اتجهت نحو البيت من غير كلام، وبصمت كانت دموعها تنهمر.

موقف حقاً أثار عطفي، فآلمني.. تغلب على فرحتي، وحزّ في نفسي عدم اهتمام الأخريات بها.. هي كائن موجود بيننا في الحي، لكن.. كأن ليس لها وجود.. تبعتها وهي تحمل الصفيحة الفارغة بيدها، وبأسى تساءلت: كيف ستواجه غضب المرأة القاسية؟

لاشك، ستمر بها لحظات قهر، قد يكون تأثيرها بليغاً في نفسها.. نظرت إلى بطاقتي، تصورت اسمها مكان اسمي، وتصورت سناء هي أنا، وأنا هي.. غلبتني الرأفة والشفقة، فبكيت عنها، وبالتياع قلت:

- ألا يحق لهذه المسكينة كما وصفتها أمي بأن تصرخ، وتشتم، وتبكي؟ طويت البطاقة، وطويت معها حلمي.

حثّتني قدماي على التوجه نحو بيتها، قد أعتذر للمرأة عما بدر منّا قبل أن تنهال عليها ركلاً، وسباباً.. مضيت بهدوء، وأنا ألوك كلمات التأسّف في فمي.. وجدت الباب نصف مفتوح، وقفت.. لم أدر كم مضى عليّ في تلك اللحظة فقد خيل إليّ أن الزمن قد توقف، أو أنه يمر بسرعة رهيبة.. لكني أفقت من ذهولي على ضجيج وصراخ يصدر من ذاك البيت.. هربت الكلمات خائفة.. لم أجرؤ على عمل شيء.. تسمّرت في مكاني، وكأني أصبت بضربة أذهلتني عن كل شيء..

كان الصوت الأجش يعلو الأصوات بشكل مقزّز ومريع، يتبعه صفعات على الوجه، وقرع بالقبقاب الخشبي على الظهر.. ثم همهمة من سناء تشعر زوجة أبيها أن الإصابة في ساقها تؤلمها حين تعرضت للسقوط، ولكن الصوت أردف بلهجة آمرة:

- كفّي عن كذبك يا لعينة.. لا تزيدي من توتّر أعصابي.. ولا تبرري تضييع وقتك مع البنات بشكواك.. هيا.. أسرعي إلى البئر، وإياك أن ترجعي بالصفيحة فارغة.

- حسناً يا خالتي، سأفعل ما تأمرين به، سأمضي لإحضار الماء.

واستدركت بقولها تستدعي شفقتها:

- استمعي إليّ للحظة، كي أعلمك بأني ما كنت أضيع وقتي في الطريق مع أي إنسان.. فقط يا خالتي، تذرعي بالصبر، أنا لا أقصد أن أغضبك.

وقفت برهة أحاول أن أركّز تفكيري فيما ينبغي أن أفعل:

- هل أحمل عنها الصفيحة وأواسيها؟

- هل أقرب منها كتفي تتوكأ عليه؟

- ماذا كان بوسعي أن أفعل؟

- هل كان عليّ أن أدخل البيت لأقدّم الاعتذار؟

بعد لحظات خرجت سناء، تصحبها الصفيحة في طريقها إلى بئر الحارة، وهي تجرّ إحدى ساقيها جراً.. خفق قلبي بعنف حين رأيتها، والألم يلبسها في بدنها، ونفسها، وتكتسي عيناها الواسعتان بغلالة حمراء من أثر البكاء، وشيء من شعرها الطويل، قد انتزع بشدة من رأسها، والتصق بثوبها.

ضعفت.. جبنت.. والله جبنت.. فلم أجرؤ على التحدث معها.. ثم مضيت في طريقي إلى البيت، تدفعني الخيبة والهزيمة.. ومضت سناء إلى البئر بصمت.

صار هذا الحدث هاجسي، اكتظّت به غرفتي، وأثقل رأسي.. لجأت إلى حضن الوسادة، أحكي لها حكاية القسوة، والظلم، والحرمان، حرمان المسكينة سناء من الرأفة والرحمة.. ورحل تصوري معها، وهي ترفع صفيحة الماء فوق رأسها، وساقها المتألمة تخذلها.

كان لهذا الموقف أبعاد ورؤى في خاطري، فلم تكن نفسي قد تكوّن فيها مثل ذلك الخليط المتمازج كي ينتج أشياء جديدة، ولم أكن أدري وأنا أراقب الموقف أنني أكثر من إقحام نفسي في سلسلة من المواقف والأحداث التي كانت تتربص بسناء أو بكلينا.

* * *

في يوم ربيعي، أعلن والدي بأن نستعد لنزهة عند شاطئ البحر، عمّت الفرحة جو البيت، قفز الصغار كالقرود، تعلقوا بكتفيه، قاموا بحركات غريبة يعبرون عن بهجتهم.. أعدّت الفطائر والأشياء ومعها السطل الصغير، ومجرفة الرمل، والكرة..

لم يكن في السماء سحابة واحدة، وأشعة الشمس في الربيع ممتعة، والمكان الذي اختاره والدي كان خالياً، كي لا ترمقنا عيون الفضوليين.. كانت السعادة تجري معنا حيث نجري.. فوق الرمال، وبين الصخور القائمة، نتسلقها حيناً، ونتزحلق إلى تجاويفها حيناً آخر، ونلتقط صغار السمك التي ألقت بها الأمواج في أحضانهاـ وإن تعبنا لجأنا إلى ظلالها القاتمة.. وأشد استمتاعنا كان الرمل المبلل، نشكل منه بيوت أحلامنا، ونتفنن في أجزائها، وعلى حين غفلة منا، تباغتنا مويجة زحفت خلسة، لتهدم ما جسدنا من أحلام.

طلبت من أختي الكبرى مشاركتنا في الجري فوق الرمال، والتقاط القواقع، هزّت برأسها وقالت:

- أحب أن أجلس فوق صخرة أتأمل الطبيعة.

ضحكت، وقلتُ:

- وأنا أحب أن أجري، وأتجول وأتفرج.

أشارت بيدها:

- دعيني وشأني.. اذهبي مع سطلك ومجرفتك والكرة.

ابتسمت، وأردفت:

- ما أجمل الطبيعة بكل ما فيها!.. إن مجرد لمسها بنظري يثير في نفسي إحساساً بهيجاً، وتعميقاً للإيمان.. الحياة يا أختي بدون إيمان موحشة.

قلتُ:

- أما أنا فسأشغل نفسي بشيء منها.. بالرمل، وصغار السمك، والتقاط القواقع و..

كانت تبرر استرخاءها فوق الصخرة بقولها: أنها تحب أن ترى الحياة في الطبيعة المتسعة أمامها، بدلاً من أن تشترك بالمتعة في شيء معين، فيفوتها الكثير.

بعد لحظات عمدتُ إلى تجويف بين صخرتين، أغسل فيه قدمي، وأبلل وجهي ووقفت أتأمل، وأتتبع ساحل البحر ورماله بنظري، كان خالياً في ذلك الوقت، إلا من قطة كبيرة رمادية، تنكت في الرمل بمخالبها، تبحث عن حيوانات صغيرة نثرتها الأمواج.

تفقدتُ السطل، وصغار السمك الأسيرة، فلم أجدها، صرخت أسأل عنها، ضحك إخوتي، وقالوا بسخرية:

- ابحثي عنها في البحر، لقد سرقتها الموجة، واختطفتها في غفلة منك. قلت:

- استردت ما أعطت.

هربت إلى الرمل حزينة، أشكو له ما فقدت.. حفرت حفرة، وجرفت ما فيها بالمجرفة.. باغتني منها سرطان بحريّ كبير، جرى، وجريتُ مذعورة، أصرخ أطلب النجدة.. قالت لي أختي الكبرى بهدوء، وبرودة أعصاب:

- إنه سرطان بحري.

- لقد أخافني.

ضحكت، وقالت:

- بل أنت التي أخفته، وروّعت سكنه.

أخذت أتأمله وهو يجري بطريقة عجيبة، يبحث عن مكان يختفي فيه.. ثم لجأت مع إخوتي إلى حجارة مبعثرة، صنعنا منها كوخاً، وجلسنا فيه محنية ظهورنا، وعندما شاهدنا والدي ضحك وهو يقول لنا:

- إنه يبدو كصخرة متفجرة.. ثم ما لبث أن هوى فوقنا.

أطال والدي النظر إلينا، وهو صامت، كأنه يفكر وقال لنا:

- الأيام ثمينة يا أولادي، تكرّ من بين أيدينا كالرمل الناعم، استمتعوا بحياتكم مع الطبيعة الجميلة، واشكروا الله ربكم.

رددنا وراءه:

الحمد لله حمداً كثيراً.

على غير موعد يتدخل القدر، ليزيد من بهجتي، وحسن حظي.. كنا نتقاذف الكرة، ونتلقاها بأيدينا، وحصل أن ألقاها أخي بقوة، اجتازت المكان، وجرت بعيداً، وفجأة اصطدمت "بسناء" وهي منحنية فوق تجويف بين الصخور.. جريت وراء الكرة، ثم توقفت أمام سناء.. رفعت رأسها، واضطرم وجهها، بلطف قلت:

- نحن بغاية الأسف، أرجو ألا نكون قد أزعجناك.

أومأت برأسها.. مضت برهة.. قلت:

- إنه يوم بهيج، أليس كذلك؟

ردت بابتسامة:

- كل شيء بهيج هنا.

تردّدت قبل أن أسألها:

- هل يمكن أن نجلس معاً، ونتحدث؟

انبسطت أسارير وجهها بالرضى، ونفضت يديها، ثم مسحتهما بثوبها، وهي تجيبني:

- نعم، يمكن ذلك.

تأملتها بصمت، كانت غلالة من الحزن تلفها، وشعرها يتناثر في الهواء، وقدماها الحافيتان عند ضفة التجويف.. جلسنا والمويجات تنساب برقة، وتمازحنا برذاذ الماء، كانت تزحف خلسة، ثم تنحسر هاربة بعد أن تلقي شيئاً من أعشاب البحر.. كانت سناء قد انتهت من غسل فوط الأطفال، وجعلتها في طست بجانبها، فوجدت الفرصة قد حانت لأتعرف عليها عن كثب، فلا مجال الآن لتنفيذ الأوامر والنواهي، فوالداي على مقربة مني، يتسامران وأختي الكبرى.

رششتها بالماء أمازحها، ردّت خصلات من شعرها إلى الخلف، وبادلتني المزاح بمثله، تلاقت ضحكاتنا فكانت بوابة العبور للتعارف.. نظرت إليّ من خلال أهدابها الكثيفة، لاحظت هالة سمراء تحيط بعينيها النجلاوين، قلت ببساطة:

- اسمك "سناء" أليس كذلك؟

عرفت اسمك بالصدفة، أشاهدك باستمرار، ولا تتكلمين مع أحد، وأنت واحدة منّا، لم..؟

أجابتني بمرارة:

- لقد حكم عليّ بالعزلة عن الناس.

قلت باستنكار:

- العزلة.. شيء غريب؟!

ردّدت وهي تلعق المرارة:

- هكذا.. كما ترين.

بهتُّ، أكاد لا أصدّق ما أسمع.. قطعت صمتي بسؤالها عن اسمي:

- "نعماء" اسمي "نعماء".

هل تحضرين إلى هنا باستمرار؟

- الواقع، كما ترين، لأغسل فوط الأطفال.

كان الحديث فيما بيننا عادياً وبسيطاً، تمهيداً للتعارف، وكان وجهها ينمّ عن نباهة وذكاء، وبدا لي في تلك اللحظة أن وراء هدوئها أشياء غامضة، ورغم بساطة أسئلتي، فقد كانت تفكّر قبل أن تجيب.

سألتني:

- أتحبين البحر، ورطوبة الهواء؟

قلت:

- البحر أحبه، أما الرطوبة فشيء مزعج، نهرب منها صيفاً إلى الجبال، حيث الهواء الجاف، والبرودة المنعشة.

ابتسمت وأنا أقول:

- من السهل أن أتذكر اسمك، معناه جميل، ونغمته أيضاً جميلة، و..

توقفتُ عن إتمام العبارة، حين لمحت سحابة من الحزن تغلف وجهها، وتطفئ البسمة على شفتيها، فقلت في نفسي: قد أكون قد أخطأت في حديثي معها على هذا النحو، بلطف سألتها:



 توقيع : رحيل المشاعر




_______________________
________________


والله لو صحب الإنسانُ جبريلا لن يسلم المرء من قالَ ومن قيلا َ
قد قيل فى الله أقوالٌ مصنفة تتلى لو رتل القرآنُ ترتيلا َ
قالوا إن له ولدًا وصاحبة زورًا عليه وبهتانًا وتضليلا َ
هذا قولهمُفي.. الله خالقهم
فكيف لو قيل فينا بعض ما قيلا ..
***
انا زينـــــــــــــه





رد مع اقتباس
2 أعضاء قالوا شكراً لـ رحيل المشاعر على المشاركة المفيدة:
 (02-02-2022),  (02-01-2022)