09-10-2016, 04:30 AM
|
#529
|
حبرُ الأَدبْ ..! 
رد: " أدب وأدباء "
فالتفَتَ الوالي إلى الغُلامِ وقال: تبّاً لكَ منْ خِرّيجٍ مارِقٍ. وتِلميذٍ سارِقٍ! فقالَ الفَتى: برِئْتُ منَ الأدَبِ وبَنيهِ. ولحِقْتُ بمَنْ يُناويهِ. ويقوّضُ مَبانِيهِ. إنْ كانتْ أبياتُهُ نمَتْ إلى عِلْمي. قبلَ أن ألّفْتُ نظْمي. وإنّما اتّفقَ تواردُ الخَواطِرِ. كما قدْ يقَعُ الحافِرُ على الحافِرِ. قال: فكأنّ الواليَ جوّزَ صِدْقَ زعْمِهِ. فندِمَ على بادِرَةِ ذمّهِ. فظَلّ يُفكّرُ في ما يكْشِفُ لهُ عنِ الحقائِقِ. ويميّزُ بهِ الفائِقَ. منَ المائِقِ. فلمْ يرَ إلا أخْذَهُما بالمُناضَلَةِ. ولزّهُما في قرَنِ المُساجَلَةِ. فقالَ لهُما: إنْ أرَدْتُما افتِضاحَ العاطِلِ. واتّضاحَ الحقّ منَ الباطِلِ. فتَراسَلا في النّظْمِ وتبارَيا. وتَجاوَلا في حلبَةِ الإجازَةِ وتجارَيا. ليهْلِكَ منْ هلَكَ عنْ بيّنَةٍ. ويحْيا مَنْ حَيّ عنْ بيّنَةٍ. فقالا بلِسان واحِدٍ. وجَوابٍ متوارِدٍ: قدْ رضينا بسَبْرِكَ. فمُرْنا بأمرِكَ. فقال: إني مولَعٌ من أنواعِ البَلاغَةِ بالتّجْنيسِ. وأراهُ لها كالرّئيسِ. فانظِما الآنَ عشَرَةَ أبياتٍ تُلحِمانِها بوَشْيِهِ. وتُرَصّعانِها بحَلْيهِ. وضمِّناها شرْحَ حالي. معَ إلْفٍ لي بَديعِ الصّفَةِ. ألمَى الشّفَةِ. مَليحِ التّثَنّي. كثيرِ التّيهِ والتّجَنّي. مُغْرًى بتَناسي العهْدِ. وإطالَةِ الصّدّ. وإخْلافِ الوعْدِ. وأنا لهُ كالعَبْدِ. قال: فبرَزَ الشيخُ مُجَلّياً. وتلاهُ الفَتى مُصَلّياً. وتجارَيا بيْتاً فبَيْتاً على هذا النّسَقِ. إلى أن كمُلَ نظْمُ الأبياتِ واتّسَقَ. وهيَ:
وأحْوَى حَوى رِقّي بـرِقّةِ ثـغْـرِهِ *** وغادَرَني إلْفَ السُّـهـادِ بـغَـدْرِهِ
تصدّى لقتْلي بالـصّـدودِ وإنّـنـي *** لَفي أسرِهِ مُذْ حازَ قلبـي بـأسْـرِهِ
أصدّقُ منهُ الزّورَ خـوْفَ ازْوِرارِهِ *** وأرْضى استماعَ الهُجرِ خشية هجْرِهِ
وأستَعْذِبُ التّعْذيبَ منـهُ وكـلّـمـا *** أجَدّ عذابي جَـدّ بـي حُـبّ بِـرّهِ
تَناسى ذِمامي والتّـنـاسـي مـذَمّةٌ *** وأحفَظَ قلْبي وهْوَ حـافِـظُ سِـرّهِ
وأعجَبُ ما فيهِ التّباهي بـعُـجْـبِـهِ *** وأكْبِرُهُ عـنْ أنْ أفـوهَ بـكِـبـرِهِ
لهُ منّيَ المدْحُ الذي طـابَ نـشْـرُهُ *** ولي منهُ طيُّ الوِدّ من بعْدِ نـشْـرِهِ
ولوْ كان عدلاً ما تجنّى وقد جَـنـى *** عليّ وغيري يجتَني رشْفَ ثـغـرِهِ
ولوْلا تثَـنّـيهِ ثـنَـيْتُ أعـنّـتـي *** بِداراً إلى منْ أجْتَلـي نـورَ بـدرِهِ
وإني على تصْريفِ أمـري وأمـرِهِ *** أرى المُرّ حُلواً في انقِيادي لأمـرِهِ
فلمّا أنشَداها الوالي مُتراسِلَينِ. بُهِتَ لذَكاءيْهِما المُتعادِلَينِ. وقال: أشهَدُ باللهِ أنّكُم فرْقَدا سماءٍ. وكزَنْدَينِ في وعاءٍ. وأنّ هذا الحدَثَ ليُنْفِقُ ممّا آتاهُ اللهُ. ويستَغْني بوُجْدِهِ عمّنْ سِواهُ. فتُبْ أيها الشيخُ منِ اتّهامِهِ. وثُبْ إلى إكْرامِهِ. فقالَ الشيخُ: هيهاتَ أن تُراجِعَهُ مِقَتي. أو تعْلَقَ بهِ ثِقَتي! وقدْ بلَوْتُ كُفْرانَهُ للصّنيعِ. ومُنيتُ منهُ بالعُقوقِ الشّنيعِ. فاعتَرَضَهُ الفتى وقال: يا هذا إنّ اللّجاجَ شؤمٌ. والحنَقَ لؤمٌ. وتحقيقَ الظِّنّةِ إثمٌ. وإعْناتَ البَريء ظُلمٌ. وهَبْني اقترَفْتُ جَريرةً. أوِ اجتَرَحْتُ كَبيرةً. أمَا تذْكُرُ ما أنشَدْتَني لنفسِكَ. في إبّانِ أُنسِكَ:
سامِحْ أخاكَ إذا خلَـطْ *** منهُ الإصابَةَ بالغلَـطْ
وتجافَ عنْ تعْنـيفِـه *** إنْ زاغَ يوماً أو قسَطْ
واحفَظْ صَنيعَكَ عنـدَه *** شكرَ الصّنيعَةَ أم غمَطْ
وأطِعْهُ إنْ عاصَى وهُـنْ *** إنْ عَزّ وادْنُ إذا شـحَـطْ
واقْنَ الـوَفـاءَ ولَـوْ أخـ *** ـلّ بما اشترَطْتَ وما شرَطْ
واعْلَمْ بأنّـكَ إن طـلـبْـ *** ـتَ مهذَّباً رُمتَ الشّطَـطْ
منْ ذا الذي مـا سـاء قـ *** ـطُّ ومنْ لهُ الحُسْنى فقـطْ
أوَمَا تَرى المَحْبـوبَ والـ *** مَكروهَ لُزّا فـي نـمَـطْ
كالشّوْكِ يبْدو في الغُصـو *** نِ معَ الجَنيّ المُلتَـقَـطْ
ولَذاذَةُ العُمـرِ الـطّـويـ *** ـلِ يَشوبُها نغَصُ الشّمَـطْ
ولوِ انتقَدْتَ بَنـي الـزّمـا *** نِ وجَدتَ أكثرَهُم سقَـطْ
رُضْتُ البَلاغَةَ والـبَـرا *** عَةَ والشّجاعَةَ والخِطَـطْ
فوجَدتُ أحسـنَ مـا يُرى *** سبْرَ العُلومِ معـاً فـقـطْ
2
|
|
|
|