منتديات تراتيل شاعر - بين الهجرة والثورة

بين الهجرة والثورة

لعله من المقبول أن نرى في الهجرة النبوية ثورة , ثورة تحمل رسالة حضارية وإنسانية وعقائدية وإجتماعية وسياسية , هي ثورة شمولية جامعه لكل ما يمكن أن يكون سبباً لثورة أو موجبا لها.
الهجرة انطلقت من رسالة و انطلقت برسالة , هذه الرسالة هدفها الإنسان أولا وآخراً , فإقامة شرع الله في الأرض وإقامة الخلافة لا أظنها إلا ولها هدف أساس هو الرفعة بالإنسان والسمو به وتكريمه وتطهيره وإنصافه وإعداده ليكون في موضع التكريم والرحمة من الله يوم القيامة.
بهذا الشمول فالهجرة أشمل وأكبر وأوسع ثورة يمكن أن تدرس , بالتالي فكل ثورة إنسانية بالمعنى المعروف للثورة يمكن لها أن توضع في ميزان المواصفات والمقاييس لمقايستها بالهجرة.
في هذا العام والذي يشهد ثورات الشعوب العربية نجد أن النهج الإسلامي له أكبر الحضور برغم غياب شطر كبير من هذا النهج عن الثورة أو تأخره باللحاق بها , لكن وحيثما تم تمكين الاختيار الحر نجد أن الاسلام أو حملة الاسلام السياسي أو الإسلام الرسالي هم الفائزون في أي جولة اختيار تتصف بالنزاهة والحيادية , فمن مصر وتونس وليبيا والمغرب إلى اليمن وسوريا وفلسطين وحتى تركيا وباكستان , نجد أن الإسلام ليس هو الحل بل نجد أن الإسلام هو الأمل وهو المطلوب.
السواد الأعظم من الناس في هذه الأمة لو خيرت بنزاهة كاملة فلا أظنها تختار سوى الإسلام والإسلاميين , وهذا لا يمنع وجود نسب متفاوتة من الذي ناصبوا الإسلام في أنفسهم وفي المجتمع العداء والقطيعة.
الثورات العربية كلها تؤشر أن الزمن هو زمان الإسلام وأن الإسلام هو أكبر عامل تحريك لهذه الأمة , ترى كيف يرى الآخر هذا الإسلام !!
بكل أسف أن الآخر خصوصا الغرب الذي هو يقود الحضارة الإنسانية في هذا الزمن لا يرى في الإسلام سوى صور نمطية تمت صناعتها للإسلام والمسلمين بشكل مشوه ساهم فيها بعض المسلمين وساهم فيها بشكل كبير أعداء الله من اليهود وأشياعهم.
صورة الإسلام في الغرب لا تعدو أن تكون صورة إمرأة وضعت في كيس أسود من رأسها لأخمس قدمها حتى أنها لن ترى الشمس من المهد إلى اللحد , ويرى في الإسلام رجال كأنهم أتو من عمق غابات التاريخ همج ووحوش وقتلة أشبه بالقراصنة كل واحد منهم يقود قطيعا من النساء في الأكياس السوداء ليستمته بهن بشكل بهيمي .
صورة الإسلام لديهم صورة قطع الأيدي والرؤوس وختان النساء . أما ابناء جلدتنا من معادي الإسلام فهم في انقطاع تام مع هذا الإرث , وإن أرادوا التواصل مع هذا الإرث فهو للنبش والتنقيب عن أخطأ حصلت في الماضي أو تم بهتانها على الإسلام والمسلمين , هم في ظنهم أن العودة للإسلام تعني العودة للكهوف والمغارات والغابات مع أن الإسلام لم يولد في أرض كهوف ولا غابات ولكن ولد في مجتمع متحضر وحضاري بشكل جيد وله مجموعة نظم وقيم معقولة مقارنة ببقية الأمم في ذلك الزمن , وفي ظنهم أن الإسلام جاء لقبائل صحراوية ولا يناسب هذا الزمان مع أنهم حين يريدون أن ينهلوا من موروث الثقافة فإنهم يعودون لعصور ما قبل الإسلام يشربوا من بقايا قيعانها الضحلة والآسنة .
بعض الإسلاميين يرى في الإسلام مجموعة حدود وقطع أيدي أورؤوس أوجلد أو إغلاق خمارة .
الإسلام أتى ليرفع الإنسان لدرجات تقترب من الملائكية , والإسلام أتى لإكرام الإنسان في الدنيا وتكريمه , وتحقيق التكريم كما قال تعالى ( ولقد كرمنا بني آدم .. ) في الأرض لهذا الإنسان حتى يستحق التكريم في الآخرة , الإسلام أتى مشروع حضاري لسعادة البشر حتى الذين لم يدخلو فيه من خلال تثبيت أسس العدل في الأرض , وهل بغير العدل تقوم الدنيا أو تصلح .
الإسلام أتى لرفعة شأن الإنسان وتحقيق إنسانيته وليس لطمس فطرته ومسخها لتصبح صورة بهيمية أو حيوانية.
ربما آخر ما يفكر فيه الإسلام هو الحدود والعقاب والقطع , وما هذه الحدود إلا آخر درجات تمكين الشرع والدين وآخر العلاجات للنفس البشرية الغير سوية أو التي صعب إصلاحها , لذلك يقول ربنا سبحانه وتعالى ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب.
هذه ليست دعوة للتخلي عن الحدود ولكنها دعوة لأن نوضح أن الإسلام جاء مشروع متكامل للنهوض بالإنسان , وأن الخوف من الإسلاميين أو الإسلام غير مبرر وغير منصف.