![]() |
خَلوةٌ فكْرية
,
• فرَّ من الشوارعِ المزدحمة، والصراعات الصادمة، والأنفاق العاتمة، والجاً مكتبتَه، وجالساً على أريكة منزله، متأملا وقارئاً، ومستشرفاً قضايا وأحداث ، لا زالت شغلُه الشاغل، وهمُّه المتصاعد ..! وخلوتُ للفكر الجميل فهالَني.... أنداؤهُ في لذة ومَسيلِ...! • وجميلٌ أن تخلو بنفسك ، وتُعملَ العقل في مصيرك وعملك، وتتأمل ملكوتَ السموات والأرض، وحُسن ما أودعه الله فينا وفي خلقه وفي كونه ( وفِي الأرض آياتٌ للموقنين . وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) سورة الذاريات . وقد قيل: إن اللحظة الصادقة تكمن في الخلوة بالنفس، والدخول في أسرارها ..! • لقد حان الوقت.. وقد نضجتَ عمرًا وعقلًا، أن تعتزل ضجيج الحياة الاجتماعية قليلا، وتتفرغ لإسعاد العقل، وإنماء الفكر، بمنحه مجالاته، وضخ أنسامه، وفتح مساراته ، ليحدثك في همس وخفاء، ويذكرك ذِكر َالوعظ والاعتبار . • فقد جرّتنا الدنيا إلى مناكبها، وألهمتنا ملاذها، وبتنا في شغل وأشغال، وهم وإهمال، حتى إننا لنضيع واجبات شرعية، وفرائض أساسية ...! • ومن المؤسف أن فِكرَنا في دنيانا، وانحسر في أشغالنا واهتماماتنا، حتى تعطل الفكر، وضاق العقل، وقلت الطموحات، ولم يستثمر العقل البشري مواهب الكريم عليه..! • ولو أننا فعّلنا الفكر في القرآن ودرسه ، والذكر وغايته، والتنزيل وتدبره، لأدركنا خيرا كثيرا، ولنبت اليقين في القلوب، وزاد الإيمان، وتصدينا لكثير من الشبهات والتعثرات . ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها ) سورة محمد . وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله ( الفكرة مخّ العقل ). • وكذلك المجال الاستنباطي في السنن وفقه الأحاديث وما انطوت عليه من فوائد جمة، وزبد مهمة..! ولكن للأسف طار صوابُنا، وغاب فكرنا، وصرنا نجر أذيال السطحية والتخلف . • ولذلك حينما يستيقظ فكرك، عُد إلى خلوتك، وحاسب نفسك، وتفكر في عاقبة شأنك، وانظر مننَ الله عليك وعلى الخلائق ( قل انظروا ماذا في السموات والأرض ) سورة يونس . • وكما قال بعضهم :" إن الكون كتاب مفتوح ، جعله الله تبارك وتعالى ليُقرَأ بكل لغة وبكل لسان، ويدرك بكل الحواس وبأي وسيلة للوقوف على صنع الله الذي أتقن كلّ شيء، والذي أعطى كل شيء خلقة ثم هدى ". • والعجيب أن القرآن المطلوب تدبُره، يحضك على آيات الكون ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (ظ،ظ©ظ ) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) سورة آل عمران . ويروى أنه قال عندها عليه الصلاة والسلام ( لقد نزلت علي الليلة آيةٌ ، ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر ) . • ومن المفيد النافع للمؤمن، أن يحظى بمثل هذه الساعات، ويراجع نفسه، ويجدد إيمانه . ويظفر بحدائق النجاة الإيمانية والعلمية، كما قال: ( وليسعك بيتُك ). • وعلّمنا ذاك رسول الله بتفكره في ( غار حراء ) وتأمله في ملكوت السموات والأرض، وعيشه لحظات الصفاء والمحاسبة ، والتجدد والاستعداد ، لما يُراد له من نبوة مختارة، ورسالة مهدية...! • وفي الخلوة ذكر وتسبيح، وصلاة وترويح، وتأله وخشوع، قد لايُدرك مع الصخب والمتاعب، أو الشغل والمراكب..! • وفي الاختلاء الفكري: حل لأفكار، وترتيب لمشكلات، ومراعاة لمواقف، وتصحيح لأغلاط، ..! ومن الذي يحسن الحلول في عمق الأزمة، أو عند اشتداد الجائحة ..؟! • وفيه تعلُّم معاني الصمت والانزواء قليلًا، لا سيما من استشاط نقدُه، وطال لفظه، ففرصة نفيسة، كما تعلمَ فنون الكلام، أن يتعلم فنون الصمت ، وفي الصمت حكمةٌ وحِكم، وفقهٌ وفهم، وتدريبٌ ومهارات . • وفيه خروج عن المألوف الصاخب ، وإعادة القراءة لكثير من المواقف والعلوم والاختيارات . • وفي الخلوة تعبئة جديدة للعقل، والتركيز في ضخ مواد مختلفة، وإعادة تثقيفه من جديد . • وفيها معالجة لمفهومات مغلوطة، وإحلالها بمفهومات جديدة، تستند لنص منير، أو فكر رشيد ، أو تجربة أكيدة ..! • لا سيما وأن فيها تخففاً من الذنوب الحالكة، والخطايا الماحقة، التي تضر العقل والروح، فيصدأ الاختيار والتصرف، وهو ما لايفقهه كثير من الناس..! ويعتقدون أن الذنوب ليست مؤثرة في الحياة والسلوك ، فتخرج تصرفاتهم وسلوكهم على خلاف الجودة والسداد ..! ( فلا تتبعِ الهوى فيُضِلَّك عن سبيل الله ) سورة ص. • وحينما ينضاف إلى مقصود الاختلاء الفكري الإبداع والإنتاج ، وسبر المقولات والفهوم ، وتوليد المفاهيم المستحدثة ، يتولد الهم لها، فغالبا المقاصد ما تسوق إلى نتائجها ، والقراءة الحادة المتعمقة تنتج وتثري وتتجاوز كل التوقعات . • وفي تدبر الوحيين والغوص في معانيهما نفائس وروائع وعجائب ، لا سيما لمن قرأ بتدبر، وعاش متأملا، ودقق متفكرا ... وفي الفكر بالقرآن روضٌ ونعمةٌ...وفي السنة الغراء درسٌ ومخبرُ...! • ومن حكمة الله أن وضع في العقل سر وجود الإنسان واستمتاعه بمسخرات الحياة الدنيا، فيقيد ويبدع ويتفاعل، وينجز ويبتكر ، وقد يفوق الأوائل . • وكل شيء فيه قد يكبل إلا عقله، فهو مطلق اليدين في كل اتجاه ، وقد قال بعضهم ( قد يكبل الجسد ويرمى في أعتى السجون، ولكن العقل الحر غير قابل للتكبيل أو الاعتقال ). • ومن أجل موانحه: حريته وانطلاقه الإبداعي والابتكاري، فيسبح في مراتع الجمال، ويسيح في حدائق المتع واللذاذات . • ولكن ذلك راجع إلى تثقيفه وما يودع فيه من غذاء ونماء وسناء وضياء . • ولا تُغني عبقريتُه وفطنته عن الغذاء الشرعي ، الذي يهتدي به ويستنير ، فهو أولُ ثقافاته الغذائية والتعبوية ، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل . ~ |
رد: خَلوةٌ فكْرية
دَام عَطَائِكْ..
وَلَا حَرَّمْنَا أَنْتَقَائِكْ الْمُمَيِّز وَالْمُخْتَلِف دَائِمَا تَحِيّه مُعَطَّرَه بِالْمِسْك , |
رد: خَلوةٌ فكْرية
|