![]() |
لماذا لم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم المنافقين
الحمد لله
أولا : النفاق : هو إظهار الإيمان وإبطان الكفر . قال ابن الأثير رحمه الله تعالى : " ( النفاق ) وما تصرف منه اسما وفعلا ، وهو اسم إسلامي ، لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به ، وهو الذي يستر كفره ويظهر إيمانه ، وإن كان أصله في اللغة معروفا " . انتهى من " النهاية " (5 / 98) . والأصل في الشرع أن مجرد إظهار الشخص للإسلام كاف لجريان أحكام الإسلام عليه ومنها عصمة دمه ، ويكتفى بما يُظْهره وتوكل سريرته إلى الله تعالى . كما ورد في حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ في قصة الرّجل الذي اعترض على قسمة النبي صلى الله عليه وسلم لبعض المال وقال له : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اتَّقِ اللَّهَ ! " فقَالَ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلاَ أَضْرِبُ عُنُقَهُ ؟ ، قَالَ: ( لاَ، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي ) ، فَقَالَ خَالِدٌ : وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ ) رواه البخاري (4351) ، ومسلم (1064) . وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: " بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ ، فَصَبَّحْنَا الْحُرُقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا ، فَقَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَقَتَلْتَهُ ؟ ) ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ ، قَالَ: ( أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا ؟ )فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ " رواه البخاري (6872) ، ومسلم (96) واللفظ له . قال النووي رحمه الله تعالى : " وقوله صلى الله عليه وسلم أفلا شققت عن قلبه فيه دليل للقاعدة المعروفة في الفقه والأصول أن الأحكام يعمل فيها بالظواهر والله يتولى السرائر " انتهى من " شرح صحيح مسلم " (2 / 107) . لكن في المقابل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أنّ من ارتد وأظهر الكفر بعد إظهاره الإسلام أنه يقتل . ومن هنا يظهر الإشكال : فإنّ من المنافقين من أظهر النطق بالكفر وناصر الكفار وراسلهم بذلك وتمنى انهزام الإسلام وأهله ، كما حكى القرآن عنهم ذلك . قال الله تعالى : ( وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ، لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ) التوبة /65 -66 . وقال الله تعالى : ( اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ) المنافقون /2 – 3. وقال الله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) الحشر/11 . ومع هذا لم يثبت أنّ النبي صلى الله عليه وسلم عاقبهم ؟! ولحلّ هذا الإشكال : علينا أن نعلم أن أهل العلم اختلفوا في قتل المنافق إذا أعلن توبته بعد ظهور نفاقه . القول الأول : أن المنافق إذا أعلن التوبة بعد ظهور نفاقه فإنّ توبته تقبل على ظاهرها ولا يقتل . قال ابن المنذر رحمه الله تعالى : " واختلفوا في الزنديق [يعني : المنافق] يُظهر عليه ، هل يستتاب أم يقتل ، ولا يقبل منه الرجوع ؟ فقالت طائفة : تقبل توبته إن تاب ، ويقتل إن لم يتب ، يُروى هذا القول عن علي بن أبي طالب ، وبه قال عبيد الله بن الحسن ، والشافعي . قال أبو بكر – أي ابن المنذر - : كما قال الشافعي أقول . وقد احتج بقول الله تعالى في المنافقين : ( اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) قال : وهذا يدل على أن إظهار الإيمان جُنّة – أي وقاية - من القتل " انتهى من " الإشراف على مذاهب العلماء " (8 / 64) . فمن ذهب من أهل العلم إلى هذا القول ، قالوا : بأن هؤلاء المنافقين كانوا يسارعون إلى إظهار التوبة بعد كل افتضاح لأمرهم ، ويقسمون بأغلظ الأيمان ليرضى عنهم النبي صلى الله عليهم وسلم ومن معه ، كما قصّ الله تعالى لنا حالهم في الآيات التي سبق ذكرها . القول الثاني : أن المنافق إذا ظهر نفاقه لا يستتاب ، بل يقتل . وهؤلاء لمّا سئلوا عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين وعدم قتلهم أو عقابهم على كفرهم الذي ظهر منهم ، أجابوا بأحد جوابين : الجواب الأول : أنّ المنافقين وإِنْ عُلِم حالهم بالوحي ، أو ظهرت بعض أمارات نفاقهم : إلّا أنه لم تظهر للناس البينة الشرعية التي بها تقام الحدود الشرعية ، كالإقرار أو اكتمال نصاب شهادة الشهود . فرأوا أن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين تدل ـ أيضا ـ على أنّ القاضي لا يحكم بمجرد علمه ، بل لا بدّ من بينة ظاهرة يحتكم إليها . قال ابن قدامة رحمه الله تعالى : " ظاهر المذهب أن الحاكم لا يحكم بعلمه في حد ولا غيره ، لا فيما علمه قبل الولاية ولا بعدها . هذا قول شريح ، والشعبي ، ومالك ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، ومحمد بن الحسن . وهو أحد قولي الشافعي ... وقال أبو حنيفة : ما كان من حقوق الله ، لا يحكم فيه بعلمه ؛ لأنّ حقوق الله تعالى مبنية على المساهلة والمسامحة ... ولنا ، قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فأقضي له على نحو ما أسمع منه ) . فدل على أنه إنما يقضي بما يسمع، لا بما يعلم . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في قضية الحضرمي والكندي: ( شاهداك أو يمينه ، ليس لك منه إلا ذاك ) ... ولأن تجويز القضاء بعلمه يفضي إلى تهمته ، والحكم بما اشتهى ، ويحيله على علمه " . انتهى من " المغني " (14 / 31 - 33) . وانظر " الاستذكار " لابن عبد البر ( 6 / 335 – 336) . الجواب الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ترك عقابهم لمصلحة تأليف القلوب ، وإخماد الفتن ولعدم تنفير الناس عن الإسلام . عن جَابِر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قال : " ... قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ: أَقَدْ تَدَاعَوْا عَلَيْنَا ، لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ ، فَقَالَ عُمَرُ: أَلاَ نَقْتُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الخَبِيثَ ؟ لِعَبْدِ اللَّهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ ) " رواه البخاري (3518) ، ومسلم (2584) . قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " والنبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له : ألا تقتلهم ؟ ، لم يقل : ما قامت عليهم بينة ، بل قال: ( لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ) . فالجواب الصحيح إذن : أنه كان في ترك قتلهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مصلحة تتضمن تأليف القلوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجمع كلمة الناس عليه ، وكان في قتلهم تنفير، والإسلام بعد في غربة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أحرص شيء على تأليف الناس ، وأترك شيء لما ينفرهم عن الدخول في طاعته " انتهى من في زاد المعاد ( 3 / 497 ). ويستفاد من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن كلا الجوابين صحيح ، وأن كل جواب منهما كان ينطبق على بعض المنافقين ، فقال رحمه الله : " فإن قيل : فلم لم يقتلهم النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه بنفاق بعضهم وقبل علانيتهم ؟ قلنا: إنما ذاك لوجهين: أحدهما: أن عامتهم لم يكن ما يتكلمون به من الكفر مما يثبت عليهم بالبينة ، بل كانوا يظهرون الإسلام ، ونفاقهم يعرف تارة بالكلمة يسمعها منهم الرجل المؤمن ، فينقلها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فيحلفون بالله أنهم ما قالوها ، أو لا يحلفون . وتارة بما يظهر من تأخرهم عن الصلاة والجهاد ، واستثقالهم للزكاة ، وظهور الكراهية منهم لكثير من أحكام الله ، وعامتهم يعرفون في لحن القول... ثم جميع هؤلاء المنافقين يظهرون الإسلام ، ويحلفون أنهم مسلمون، وقد اتخذوا أيمانهم جنة . وإذا كانت هذه حالهم : فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقيم الحدود بعلمه ، ولا بخبر الواحد، ولا بمجرد الوحي ، ولا بالدلائل والشواهد ، حتى يثبت الموجب للحد ، ببينة أو إقرار ... فكان ترك قتلهم ، مع كونهم كفارا : لعدم ظهور الكفر منهم بحجة شرعية ... الوجه الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم كان يخاف أن يتولد من قتلهم من الفساد أكثر مما في استبقائهم ، وقد بين ذلك حيث قال: ( لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه) ... وأن يخاف من يريد الدخول في الإسلام أن يُقتل مع إظهاره الإسلام كما قُتل غيرُه . وقد كان أيضا يغضب لقتل بعضهم قبيلتُه ، وناس آخرون ، ويكون ذلك سببا للفتنة ، واعتبر ذلك بما جرى في قصة عبد الله بن أبي لما عرّض سعد بن معاذ بقتله ، خاصم له أناس صالحون وأخذتهم الحمية ، حتى سكَّتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( القصة رواها البخاري 4141 ، ومسلم 2770 ) . وقد بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لما استأذنه عمر في قتل ابن أبيّ . قال أصحابنا : ونحن الآن إذا خفنا مثل ذلك كففنا عن القتل . فحاصله : أن الحد لم يقم على واحد بعينه ، لعدم ظهوره بالحجة الشرعية التي يعلمه بها الخاص والعام ، أو لعدم إمكان إقامته ، إلا مع تنفير أقوام عن الدخول في الإسلام ، وارتداد آخرين عنه ، وإظهار قوم من الحرب والفتنة ما يربى فساده على فساد ترك قتل منافق ، وهذان المعنيان حكمهما باق إلى يومنا هذا " انتهى من "الصارم المسلول" (3 / 673 – 681). والله أعلم . |
رد: لماذا لم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم المنافقين
طرح رائع الف شكر لك ع جهودك المميزه يعطيك العافيه |
رد: لماذا لم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم المنافقين
أسعدني كثيرا مروركم
وتعطيركم هذه الصفحه وردكم المفعم بالحب والعطاء دمتم بخيروعافيه |
رد: لماذا لم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم المنافقين
الله يعطيك العافية
جزاك الله خير وجعله بموازينً حسنااتك بارك الله فيك وفي طرحك لك احترامي وتقديري |
رد: لماذا لم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم المنافقين
انتقاااء راائع ومميز
الله يسعد قلبك يعطيك العافية |
رد: لماذا لم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم المنافقين
جزاك الله كل خير
|
رد: لماذا لم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم المنافقين
تسلم الانامل والذوق الرفيع:107:
الابداع والتميز في حضورك يو1 |
رد: لماذا لم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم المنافقين
طرح قيم بارك الله فيك
وجعله في ميزان حسناتك حفظك المولى |
رد: لماذا لم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم المنافقين
أسعدني كثيرا مروركم
وتعطيركم هذه الصفحه وردكم المفعم بالحب والعطاء دمتم بخيروعافيه https://gallery.yopriceville.com/var...g?m=1461120901 |
رد: لماذا لم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم المنافقين
اقتباس:
وتعطيركم هذه الصفحه وردكم المفعم بالحب والعطاء دمتم بخيروعافيه https://gallery.yopriceville.com/var...g?m=1461120901 |
الساعة الآن 09:26 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by
Advanced User Tagging (Lite) -
vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd.
mamnoa 4.0 by DAHOM