MS HMS
04-24-2017, 11:51 PM
يقول السائل: ما قولكم في مزاعم بعض الناس بأن المجاهرةَ بالفطرِ في رمضان من باب الحريةِ الشخصية، أفيدونا ؟
الجواب:
أولاً:صوم رمضان ركنٌ من الأركان التي بُني عليها الإسلام،وقد أخبر الله أنه كتبه على عباده المؤمنين من الأمة المحمدية، كما كتبه على من كان قبلهم،قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}سورة البقرة الآية 183.
وقال تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}سورة البقرة الآية 185.
وعن ابن عمر رضي الله عنه قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ:شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ،وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ،وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَان)رواه البخاري ومسلم.
وعن عمر رضي الله عنه في حديث جبريل المشهور:(يا مُحَمَّدُ!أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ؟ فَقَالَ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه:( أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ.قَالَ: تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا. فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا) رواه البخاري ومسلم.
ثانياً: قرر أهلُ العلم حُرمةَ الإفطارِ في رمضان بدون عذرٍ شرعيٍ، وأنه كبيرةٌ من كبائر الذنوب، وإذا فعله الإنسانُ فيكون فاسقاً مستحقاً العقوبة في الدنيا من الحاكم المسلم والعقوبة الأخروية إن لم يتب. وإذا أنكر أحدٌ الصيام فهو كافرٌ خارجٌ عن الملة،لأنه أنكَر أمراً معلوماً من الدِّين بالضَّرورة، ورُكناً من أركان الإسلام.
فقد ورد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ حَمَّادٌ: وَلَا أَعْلَمَهُ إِلَّا قَدْ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،قَالَ:( عُرَى الْإِسْلَامِ وَقَوَاعِدُ الدِّينِ ثَلَاثَةٌ عَلَيْهِنَّ أُسِّسَ الْإِسْلَامُ،مَنْ تَرَكَ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً،فَهُوَ بِهَا كَافِرٌ حَلَالُ الدَّمِ:شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ،وَإِقَامُ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ،وَصَوْمُ رَمَضَانَ،ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:تَجِدُهُ كَثِيرَ الْمَالِ لَا يُزَكِّي وَلَا يَزَالُ بِذَلِكَ كَافِرًا،وَلَا يَحِلُّ دَمُهُ،وَتَجِدُهُ كَثِيرَ الْمَالِ لَمْ يَحُجَّ فَلَا يَزَالُ بِذَلِكَ كَافِرًا،وَلَا يَحِلُّ دَمُهُ)رواه أبو يعلى بتمامه.
ورواه الطبراني في الكبير بلفظ :”بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله والصلاة وصيام رمضان فمن ترك واحدة منهن كان كافراً حلال الدم ” فاقتصر على ثلاثةٍ منها ولم يذكر كلام ابن عباس الموقوف وإسناده حسن،قاله الهيثمي في مجمع الزوائد 1/205.وحسنه المنذري أيضاً.
وعن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ:( سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:(بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلَانِ فَأَخَذَا بِضَبْعَيَّ فَأَتَيَا بِي جَبَلًا وَعْرًا فَقَالَا لِيَ:«اصْعَدْ»فَقُلْتُ:«إِنِّي لَا أُطِيقُهُ»فَقَالَا:«إِنَّا سَنُسَهِّلُهُ لَكَ»فَصَعِدْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي سَوَاءِ الْجَبَلِ إِذَا أَنَا بأَصْوَاتٍ شَدِيدَةٍ فَقُلْتُ:«مَا هَذِهِ الأَصْوَاتُ؟»قَالُوا:«هَذَا عُوَاءُ أَهْلِ النَّارِ»ثُمَّ انْطُلِقَ بِي فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيبِهِمْ،مُشَقَّقَةٌ أَشْدَاقُهُمْ،تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا،قَالَ:قُلْتُ:«مَنْ هَؤُلَاءِ؟»قَالَ:«هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ–أي قبل وقت الإفطار-)رواه ابن خزيمة وابن حبان وصححه العلامة الألباني في صحيح موارد الظمآن.
وقال العلامة الألباني:[هذه عقوبة من صام ثم أفطر عمداً قبل حلول وقت الإفطار،فكيف يكون حالُ من لا يصوم أصلاً؟!نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والآخرة].والعُرقوب هو العَصَب الذي فوق مؤخرة قدم الإنسان.والشِّدق هو جانب الفم.
ولا شك أن تعمدَ الفطرَ في نهار رمضان يُذهب بسهمٍ من أسهم المرء في دين الإسلام الثلاثة،فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(ثلاثٌ أحلفُ عليهن:لا يجعلُ اللهُ مَنْ له سهمٌ في الإسلام كمَنْ لا سهمَ له،وسهامُ الإسلام:الصوم،والصلاة،والصدقة)رواه أحمد والحاكم وصححه العلامة الألباني.
قال الإمام الذهبي:[“الكبيرة العاشرة:إفطار رمضان بلا عُذر ولا رُخصة”:وعند المؤمنين مُقرَّرٌ أنَّ مَن ترك صومَ شهرِ رمضان بلا مرضٍ ولا غرضٍ-بدون عذرٍ يبيح ذلك-أنَّه شرٌّ من الزَّاني والمكَّاس ومُدمِنِ الخمر،بل يَشكُّون في إسلامه،ويَظُنُّون به الزَّندقة والانحِلال]الكبائر ص 64.
وقال القفَّال الشاشي:[ومَن أفطر في رمضان بغير جِماعٍ من غير عُذرٍ وجَب عليه القضاءُ وإمساكُ بقيَّة نهاره،ولا كفَّارةَ عليه،وعزَّرَه السلطان،وبه قال أحمد وداود]حلية العلماء 3/198.
ثالثاً: من أشدِّ المنكرات التي يقعُ فيها بعضُ الناس في شهر رمضان المجاهرةُ بالفطر مع تبجحٍ وافتخارٍ بالمعصية،وقلةِ حياءٍ،فالمجاهرةُ بالفطر في رمضان وقاحةٌ وسوءُ أدبٍ مع الله عز وجل،ومع عباد الله الصائمين،وهذا المجاهر بفطره وقع في كبيرةٍ من كبائر الذنوب،ومجاهرتهُ بالفطر من أفعال أهل الفسق والمجون،نسأل الله العفو والعافية.ولو أن هذا المفطر في نهار رمضان بلا عذرٍ قد ستر على نفسه لكان ذنبهُ أهونُ،وإن كان هو عظيماً في ذاته،
قال العلامة ابن القيم:[ والمستخفي بما يرتكبه أقلُّ إثماً من المجاهر المستعلن،والكاتمُ له أقلُّ إثماً من المخبر المحدث للناس به،فهذا بعيدٌ من عافية الله تعالى وعفوه،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ،وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ:يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا،وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ)أو كما قال،وفي الحديث الآخر عنه صلى الله عليه وسلم:(اجْتَنِبُوا هذهِ القَاذُوراتِ التي نَهَى اللهُ عزَّ وجلَّ عَنْهَا،فَمَنْ أَلَمَّ بِشَيءٍ منها فَلْيَسْتتِر بِسِتْرِ الله عز وجل وليتب إلى الله؛ فإنَّه مَن يُبْدِ لنَا صَفْحَتَه نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ الله)وفي الحديث الآخر:(إِنَّ الْمَعْصِيَةَ إِذَا خَفِيَتْ لَمْ تَضُرَّ إِلا صَاحِبَهَا،وَإِذَا أُعْلِنَتْ فَلَمْ تُغَيَّرْ ضَرَّتِ الْعَامَّةَ]إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان 2/147-148.
ولا شك أن المجاهرة بالإفطار فيها نوعٌ من التبجح والافتخار بالمعصية،وهذه وقاحةٌ عظيمةٌ وقلةُ حياءٍ،فهذا العاصي المجاهر لم يستحِ من الله سبحانه وتعالى ولم يستحِ من الناس.والحديث الأول الذي ذكره ابن القيم رواه البخاري ومسلم. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني:[قوله:(كُلُّ أُمَّتِي مُعَافَى)بفتح الفاء مقصور اسم مفعول من العافية،وهو إما بمعنى عفا الله عنه وإما سلَّمه الله وسلم منه…ومحصل الكلام:كلُّ واحدٍ من الأمة يُعفى عن ذنبه ولا يُؤاخذ به إلا الفاسق المعلن…وقال الطيبي:الأظهر أن يقال:المعنى كلُّ أمتي يتركون في الغيبة إلا المجاهرون,والعفو بمعنى الترك،وفيه معنى النفي كقوله:{وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ}والمجاهر الذي أظهر معصيته وكشف ما ستر الله عليه فيحدث بها,وقد ذكر النووي أن من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكرُهُ بما جاهر به دون ما لم يجاهر به أ.هـ والمجاهر في هذا الحديث يحتمل أن يكون من جاهر بكذا بمعنى جهر به…ويحتمل أن يكون على ظاهر المفاعلة،والمراد الذي يجاهر بعضهم بعضاً بالتحدث بالمعاصي]فتح الباري 10/597-598.
وقال الحافظ أبو العباس القرطبي في شرح الحديث السابق بعد أن ذكر اختلاف الروايات فيه:[وهذه الروايات وإن اختلفت ألفاظُها هي راجعةٌ إلى معنىً واحدٍ قد فسَّره في الحديث،وهو أن يعمل الرجلُ معصيةً في خُفيةٍ وخلوةٍ ثم يخرج يتحدثُ بها مع الناس ويجهر بها ويعلنها.وهذا من أكبر الكبائر وأفحش الفواحش وذلك:أن هذا لا يصدر إلا من جاهلٍ بقدر المعصية أو مستهينٍ مستهزئٍ بها مُصرٍ عليها غير تائبٍ منها مظهرٍ للمنكر.والواحدُ من هذه الأمور كبيرةٌ فكيف إذا اجتمعت؟!فلذلك كان فاعلُ هذه الأشياء أشدَّ الناس بلاءً في الدنيا وعقوبةً في الآخرة،لأنه تجتمع عليه عقوبةُ تلك الأمور كلها،وسائر الناس ممن ليس على مثل حاله،وإن كان مرتكب كبيرة فأمرهُ أخفُّ وعقوبته إن عوقب أهون.ورجوعه عنها أقرب من الأول،لأن ذلك المجاهر قلَّ أن يتوب أو يرجع عما اعتاده من المعصية وسهل عليه منها.فيكون كل العصاة بالنسبة إليه إما معافى مطلقاً إن تاب،وإما مُعافى بالنسبة إليه إن عوقب والله تعالى أعلم]المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 6/618.
وينبغي أن يُعلم أن الإنسان إذا ابتُلي بمعصيةٍ من المعاصي،فالواجب عليه أن يستر نفسه ولا يُظهر شيئاً من ذلك،وعليه أن يتوب إلى الله تعالى،فقد ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(اجْتَنِبُوا هذهِ القَاذُوراتِ التي نَهَى اللهُ عزَّ وجلَّ عَنْهَا،فَمَنْ أَلَمَّ بِشَيءٍ منها فَلْيَسْتتِر بِسِتْرِ الله عز وجل وليتب إلى الله؛فإنَّه مَن يُبْدِ لنَا صَفْحَتَه نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ الله)رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 663.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني:[قال ابن بطال:في الجهر بالمعصية استخفافٌ بحقِّ الله ورسوله وبصالحي المؤمنين, وفيه ضَربٌ من العناد لهم,وفي السترِ بها السلامةُ من الاستخفاف,لأن المعاصي تُذلُّ أهلَها,ومن إقامة الحدِّ عليه إن كان فيه حدٌّ،ومن التعزير إن لم يوجب حداً,وإذا تمحض حقُ الله فهو أكرمُ الأكرمين ورحمتهُ سبقت غضبَهُ,فلذلك إذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة,والذي يجاهر يفوته جميع ذلك]فتح الباري 10/598- 599.
رابعاً:المجاهرةُ بالفطر في رمضان بدعوى أن ذلك من الحرية الشخصية،كلامٌ باطلٌ يردده العلمانيون والليبراليون وأدعياءُ الحرية الكاذبة،بل إن المجاهرةَ بالفطر في رمضان تعدٍ على دينِ المجتمع المسلم،واستفزازٍ لمشاعر الصائمين، واستخفافٍ بعقيدة الأمة وشريعتها.
والحرية الشخصية أقرها الإسلامُ بضوابط،وليس على إطلاقها،لأن الحريةَ المطلقةَ مفسدةٌ مطلقةٌ،فالشرعُ ضبط الحريةَ الشخصية للمحافظة على المجتمع،لأن الحرية المطلقة تؤدي إلى مفاسد عظيمةٍ تخرب وتدمر المجتمع.وكل الأنظمة والقوانين الوضعية منعت الحرية المطلقة،بل وضعت لها حدوداً معينةً على تفاوتٍ بينها.والإسلام لا يقرُّ بحالٍ من الأحوال الحريةَ المنفلتة من كل عقالٍ،حرية الغرب المستوردة،لأنها حريةُ التهتُّك والانفلات،التي تؤدي إلى نشر المنكرات والفواحش بين الناس،وتوصل إلى الدمار والخراب والهلاك،بدعوى الحرية الشخصية،فالإسلام جعل المجتمع مسؤولاً عن ضبط حريات الأفراد كما في الحديث عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا،كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ،فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا،فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ،فَقَالُوا:لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا،فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا،وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا،وَنَجَوْا جَمِيعًا)رواه البخاري.ففي هذا الحديث نلاحظ أن مَنْ كانوا في أعلى السفينة لو تركوا الآخرين ليخرقوا السفينة في نصيبهم،باسم الحرية لعادت هذه الحرية على جميع ركاب السفينة بالغرق والهلاك.
وبناءً على كل ما سبق لا يجوز بحالٍ من الأحوال أن يسكت المسلمون عن المجاهرة بالفطر في رمضان،لأن ذلك إهانةٌ لدينهم في ديارهم،وإهانةُ دينهم إنما هي إهانةٌ لهم،والواجب على من رأى المجاهر بالفطر أن ينصحه بالتي هي أحسن،وأن يُبين له سوءَ عمله بلطفٍ ولينٍ وحكمةٍ،والواجب على الحاكم أن يعاقب المجاهرَ بالفطر في رمضان بموجب قانون العقوبات المطبق في بلادنا والذي ينص في المادة 274 على عقوبة الإفطار العلني في رمضان فيعاقب من يفطر علناً في رمضان بالحبس حتى شهرٍ واحدٍ أو بالغرامة حتى 15 ديناراً.
وخلاصة الأمر أن صوم رمضان ركنٌ من الأركان التي بُني عليها الإسلام.
وأن العلماء متفقون على حُرمة الإفطارِ في رمضان بدون عذرٍ شرعيٍ،وأنه كبيرةٌ من كبائر الذنوب.
وأن من أشدِّ المنكرات التي يقعُ فيها بعضُ الناس في شهر رمضان المجاهرةُ بالفطر مع تبجحٍ وافتخارٍ بالمعصية،وقلةِ حياءٍ.
وأن المجاهرةَ بالفطر في رمضان وقاحةٌ وسوءُ أدبٍ مع الله عز وجل،ومع عباد الله الصائمين.
وأن المجاهرة بالفطر في رمضان بدعوى أن ذلك من الحرية الشخصية،كلامٌ باطلٌ يردده العلمانيون والليبراليون وأدعياءُ الحرية الكاذبة،بل إن المجاهرة بالفطر في رمضان تعدٍ على دين المجتمع المسلم،واستفزازٍ لمشاعر الصائمين،واستخفافٍ بعقيدة الأمة وشريعتها.
وأنه لا يجوز بحالٍ من الأحوال أن يسكت المسلمون عن المجاهرة بالفطر في رمضان،لأن ذلك إهانةٌ لدينهم في ديارهم،وإهانةُ دينهم إنما هي إهانةٌ لهم.
وأن الواجب على من رأى المجاهر بالفطر أن ينصحه بالتي هي أحسن،وأن يُبين له سوءَ عمله بلطفٍ ولينٍ وحكمةٍ،وأن الواجب على الحاكم أن يعاقب المجاهرَ بالفطر في رمضان بما يردعه وأمثاله عن ذلك.
والله الهادي إلى سواء السبيل
الجواب:
أولاً:صوم رمضان ركنٌ من الأركان التي بُني عليها الإسلام،وقد أخبر الله أنه كتبه على عباده المؤمنين من الأمة المحمدية، كما كتبه على من كان قبلهم،قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}سورة البقرة الآية 183.
وقال تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}سورة البقرة الآية 185.
وعن ابن عمر رضي الله عنه قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ:شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ،وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ،وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَان)رواه البخاري ومسلم.
وعن عمر رضي الله عنه في حديث جبريل المشهور:(يا مُحَمَّدُ!أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ؟ فَقَالَ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه:( أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ.قَالَ: تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا. فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا) رواه البخاري ومسلم.
ثانياً: قرر أهلُ العلم حُرمةَ الإفطارِ في رمضان بدون عذرٍ شرعيٍ، وأنه كبيرةٌ من كبائر الذنوب، وإذا فعله الإنسانُ فيكون فاسقاً مستحقاً العقوبة في الدنيا من الحاكم المسلم والعقوبة الأخروية إن لم يتب. وإذا أنكر أحدٌ الصيام فهو كافرٌ خارجٌ عن الملة،لأنه أنكَر أمراً معلوماً من الدِّين بالضَّرورة، ورُكناً من أركان الإسلام.
فقد ورد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ حَمَّادٌ: وَلَا أَعْلَمَهُ إِلَّا قَدْ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،قَالَ:( عُرَى الْإِسْلَامِ وَقَوَاعِدُ الدِّينِ ثَلَاثَةٌ عَلَيْهِنَّ أُسِّسَ الْإِسْلَامُ،مَنْ تَرَكَ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً،فَهُوَ بِهَا كَافِرٌ حَلَالُ الدَّمِ:شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ،وَإِقَامُ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ،وَصَوْمُ رَمَضَانَ،ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:تَجِدُهُ كَثِيرَ الْمَالِ لَا يُزَكِّي وَلَا يَزَالُ بِذَلِكَ كَافِرًا،وَلَا يَحِلُّ دَمُهُ،وَتَجِدُهُ كَثِيرَ الْمَالِ لَمْ يَحُجَّ فَلَا يَزَالُ بِذَلِكَ كَافِرًا،وَلَا يَحِلُّ دَمُهُ)رواه أبو يعلى بتمامه.
ورواه الطبراني في الكبير بلفظ :”بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله والصلاة وصيام رمضان فمن ترك واحدة منهن كان كافراً حلال الدم ” فاقتصر على ثلاثةٍ منها ولم يذكر كلام ابن عباس الموقوف وإسناده حسن،قاله الهيثمي في مجمع الزوائد 1/205.وحسنه المنذري أيضاً.
وعن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ:( سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:(بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلَانِ فَأَخَذَا بِضَبْعَيَّ فَأَتَيَا بِي جَبَلًا وَعْرًا فَقَالَا لِيَ:«اصْعَدْ»فَقُلْتُ:«إِنِّي لَا أُطِيقُهُ»فَقَالَا:«إِنَّا سَنُسَهِّلُهُ لَكَ»فَصَعِدْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي سَوَاءِ الْجَبَلِ إِذَا أَنَا بأَصْوَاتٍ شَدِيدَةٍ فَقُلْتُ:«مَا هَذِهِ الأَصْوَاتُ؟»قَالُوا:«هَذَا عُوَاءُ أَهْلِ النَّارِ»ثُمَّ انْطُلِقَ بِي فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيبِهِمْ،مُشَقَّقَةٌ أَشْدَاقُهُمْ،تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا،قَالَ:قُلْتُ:«مَنْ هَؤُلَاءِ؟»قَالَ:«هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ–أي قبل وقت الإفطار-)رواه ابن خزيمة وابن حبان وصححه العلامة الألباني في صحيح موارد الظمآن.
وقال العلامة الألباني:[هذه عقوبة من صام ثم أفطر عمداً قبل حلول وقت الإفطار،فكيف يكون حالُ من لا يصوم أصلاً؟!نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والآخرة].والعُرقوب هو العَصَب الذي فوق مؤخرة قدم الإنسان.والشِّدق هو جانب الفم.
ولا شك أن تعمدَ الفطرَ في نهار رمضان يُذهب بسهمٍ من أسهم المرء في دين الإسلام الثلاثة،فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(ثلاثٌ أحلفُ عليهن:لا يجعلُ اللهُ مَنْ له سهمٌ في الإسلام كمَنْ لا سهمَ له،وسهامُ الإسلام:الصوم،والصلاة،والصدقة)رواه أحمد والحاكم وصححه العلامة الألباني.
قال الإمام الذهبي:[“الكبيرة العاشرة:إفطار رمضان بلا عُذر ولا رُخصة”:وعند المؤمنين مُقرَّرٌ أنَّ مَن ترك صومَ شهرِ رمضان بلا مرضٍ ولا غرضٍ-بدون عذرٍ يبيح ذلك-أنَّه شرٌّ من الزَّاني والمكَّاس ومُدمِنِ الخمر،بل يَشكُّون في إسلامه،ويَظُنُّون به الزَّندقة والانحِلال]الكبائر ص 64.
وقال القفَّال الشاشي:[ومَن أفطر في رمضان بغير جِماعٍ من غير عُذرٍ وجَب عليه القضاءُ وإمساكُ بقيَّة نهاره،ولا كفَّارةَ عليه،وعزَّرَه السلطان،وبه قال أحمد وداود]حلية العلماء 3/198.
ثالثاً: من أشدِّ المنكرات التي يقعُ فيها بعضُ الناس في شهر رمضان المجاهرةُ بالفطر مع تبجحٍ وافتخارٍ بالمعصية،وقلةِ حياءٍ،فالمجاهرةُ بالفطر في رمضان وقاحةٌ وسوءُ أدبٍ مع الله عز وجل،ومع عباد الله الصائمين،وهذا المجاهر بفطره وقع في كبيرةٍ من كبائر الذنوب،ومجاهرتهُ بالفطر من أفعال أهل الفسق والمجون،نسأل الله العفو والعافية.ولو أن هذا المفطر في نهار رمضان بلا عذرٍ قد ستر على نفسه لكان ذنبهُ أهونُ،وإن كان هو عظيماً في ذاته،
قال العلامة ابن القيم:[ والمستخفي بما يرتكبه أقلُّ إثماً من المجاهر المستعلن،والكاتمُ له أقلُّ إثماً من المخبر المحدث للناس به،فهذا بعيدٌ من عافية الله تعالى وعفوه،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ،وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ:يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا،وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ)أو كما قال،وفي الحديث الآخر عنه صلى الله عليه وسلم:(اجْتَنِبُوا هذهِ القَاذُوراتِ التي نَهَى اللهُ عزَّ وجلَّ عَنْهَا،فَمَنْ أَلَمَّ بِشَيءٍ منها فَلْيَسْتتِر بِسِتْرِ الله عز وجل وليتب إلى الله؛ فإنَّه مَن يُبْدِ لنَا صَفْحَتَه نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ الله)وفي الحديث الآخر:(إِنَّ الْمَعْصِيَةَ إِذَا خَفِيَتْ لَمْ تَضُرَّ إِلا صَاحِبَهَا،وَإِذَا أُعْلِنَتْ فَلَمْ تُغَيَّرْ ضَرَّتِ الْعَامَّةَ]إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان 2/147-148.
ولا شك أن المجاهرة بالإفطار فيها نوعٌ من التبجح والافتخار بالمعصية،وهذه وقاحةٌ عظيمةٌ وقلةُ حياءٍ،فهذا العاصي المجاهر لم يستحِ من الله سبحانه وتعالى ولم يستحِ من الناس.والحديث الأول الذي ذكره ابن القيم رواه البخاري ومسلم. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني:[قوله:(كُلُّ أُمَّتِي مُعَافَى)بفتح الفاء مقصور اسم مفعول من العافية،وهو إما بمعنى عفا الله عنه وإما سلَّمه الله وسلم منه…ومحصل الكلام:كلُّ واحدٍ من الأمة يُعفى عن ذنبه ولا يُؤاخذ به إلا الفاسق المعلن…وقال الطيبي:الأظهر أن يقال:المعنى كلُّ أمتي يتركون في الغيبة إلا المجاهرون,والعفو بمعنى الترك،وفيه معنى النفي كقوله:{وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ}والمجاهر الذي أظهر معصيته وكشف ما ستر الله عليه فيحدث بها,وقد ذكر النووي أن من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكرُهُ بما جاهر به دون ما لم يجاهر به أ.هـ والمجاهر في هذا الحديث يحتمل أن يكون من جاهر بكذا بمعنى جهر به…ويحتمل أن يكون على ظاهر المفاعلة،والمراد الذي يجاهر بعضهم بعضاً بالتحدث بالمعاصي]فتح الباري 10/597-598.
وقال الحافظ أبو العباس القرطبي في شرح الحديث السابق بعد أن ذكر اختلاف الروايات فيه:[وهذه الروايات وإن اختلفت ألفاظُها هي راجعةٌ إلى معنىً واحدٍ قد فسَّره في الحديث،وهو أن يعمل الرجلُ معصيةً في خُفيةٍ وخلوةٍ ثم يخرج يتحدثُ بها مع الناس ويجهر بها ويعلنها.وهذا من أكبر الكبائر وأفحش الفواحش وذلك:أن هذا لا يصدر إلا من جاهلٍ بقدر المعصية أو مستهينٍ مستهزئٍ بها مُصرٍ عليها غير تائبٍ منها مظهرٍ للمنكر.والواحدُ من هذه الأمور كبيرةٌ فكيف إذا اجتمعت؟!فلذلك كان فاعلُ هذه الأشياء أشدَّ الناس بلاءً في الدنيا وعقوبةً في الآخرة،لأنه تجتمع عليه عقوبةُ تلك الأمور كلها،وسائر الناس ممن ليس على مثل حاله،وإن كان مرتكب كبيرة فأمرهُ أخفُّ وعقوبته إن عوقب أهون.ورجوعه عنها أقرب من الأول،لأن ذلك المجاهر قلَّ أن يتوب أو يرجع عما اعتاده من المعصية وسهل عليه منها.فيكون كل العصاة بالنسبة إليه إما معافى مطلقاً إن تاب،وإما مُعافى بالنسبة إليه إن عوقب والله تعالى أعلم]المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 6/618.
وينبغي أن يُعلم أن الإنسان إذا ابتُلي بمعصيةٍ من المعاصي،فالواجب عليه أن يستر نفسه ولا يُظهر شيئاً من ذلك،وعليه أن يتوب إلى الله تعالى،فقد ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(اجْتَنِبُوا هذهِ القَاذُوراتِ التي نَهَى اللهُ عزَّ وجلَّ عَنْهَا،فَمَنْ أَلَمَّ بِشَيءٍ منها فَلْيَسْتتِر بِسِتْرِ الله عز وجل وليتب إلى الله؛فإنَّه مَن يُبْدِ لنَا صَفْحَتَه نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ الله)رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 663.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني:[قال ابن بطال:في الجهر بالمعصية استخفافٌ بحقِّ الله ورسوله وبصالحي المؤمنين, وفيه ضَربٌ من العناد لهم,وفي السترِ بها السلامةُ من الاستخفاف,لأن المعاصي تُذلُّ أهلَها,ومن إقامة الحدِّ عليه إن كان فيه حدٌّ،ومن التعزير إن لم يوجب حداً,وإذا تمحض حقُ الله فهو أكرمُ الأكرمين ورحمتهُ سبقت غضبَهُ,فلذلك إذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة,والذي يجاهر يفوته جميع ذلك]فتح الباري 10/598- 599.
رابعاً:المجاهرةُ بالفطر في رمضان بدعوى أن ذلك من الحرية الشخصية،كلامٌ باطلٌ يردده العلمانيون والليبراليون وأدعياءُ الحرية الكاذبة،بل إن المجاهرةَ بالفطر في رمضان تعدٍ على دينِ المجتمع المسلم،واستفزازٍ لمشاعر الصائمين، واستخفافٍ بعقيدة الأمة وشريعتها.
والحرية الشخصية أقرها الإسلامُ بضوابط،وليس على إطلاقها،لأن الحريةَ المطلقةَ مفسدةٌ مطلقةٌ،فالشرعُ ضبط الحريةَ الشخصية للمحافظة على المجتمع،لأن الحرية المطلقة تؤدي إلى مفاسد عظيمةٍ تخرب وتدمر المجتمع.وكل الأنظمة والقوانين الوضعية منعت الحرية المطلقة،بل وضعت لها حدوداً معينةً على تفاوتٍ بينها.والإسلام لا يقرُّ بحالٍ من الأحوال الحريةَ المنفلتة من كل عقالٍ،حرية الغرب المستوردة،لأنها حريةُ التهتُّك والانفلات،التي تؤدي إلى نشر المنكرات والفواحش بين الناس،وتوصل إلى الدمار والخراب والهلاك،بدعوى الحرية الشخصية،فالإسلام جعل المجتمع مسؤولاً عن ضبط حريات الأفراد كما في الحديث عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا،كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ،فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا،فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ،فَقَالُوا:لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا،فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا،وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا،وَنَجَوْا جَمِيعًا)رواه البخاري.ففي هذا الحديث نلاحظ أن مَنْ كانوا في أعلى السفينة لو تركوا الآخرين ليخرقوا السفينة في نصيبهم،باسم الحرية لعادت هذه الحرية على جميع ركاب السفينة بالغرق والهلاك.
وبناءً على كل ما سبق لا يجوز بحالٍ من الأحوال أن يسكت المسلمون عن المجاهرة بالفطر في رمضان،لأن ذلك إهانةٌ لدينهم في ديارهم،وإهانةُ دينهم إنما هي إهانةٌ لهم،والواجب على من رأى المجاهر بالفطر أن ينصحه بالتي هي أحسن،وأن يُبين له سوءَ عمله بلطفٍ ولينٍ وحكمةٍ،والواجب على الحاكم أن يعاقب المجاهرَ بالفطر في رمضان بموجب قانون العقوبات المطبق في بلادنا والذي ينص في المادة 274 على عقوبة الإفطار العلني في رمضان فيعاقب من يفطر علناً في رمضان بالحبس حتى شهرٍ واحدٍ أو بالغرامة حتى 15 ديناراً.
وخلاصة الأمر أن صوم رمضان ركنٌ من الأركان التي بُني عليها الإسلام.
وأن العلماء متفقون على حُرمة الإفطارِ في رمضان بدون عذرٍ شرعيٍ،وأنه كبيرةٌ من كبائر الذنوب.
وأن من أشدِّ المنكرات التي يقعُ فيها بعضُ الناس في شهر رمضان المجاهرةُ بالفطر مع تبجحٍ وافتخارٍ بالمعصية،وقلةِ حياءٍ.
وأن المجاهرةَ بالفطر في رمضان وقاحةٌ وسوءُ أدبٍ مع الله عز وجل،ومع عباد الله الصائمين.
وأن المجاهرة بالفطر في رمضان بدعوى أن ذلك من الحرية الشخصية،كلامٌ باطلٌ يردده العلمانيون والليبراليون وأدعياءُ الحرية الكاذبة،بل إن المجاهرة بالفطر في رمضان تعدٍ على دين المجتمع المسلم،واستفزازٍ لمشاعر الصائمين،واستخفافٍ بعقيدة الأمة وشريعتها.
وأنه لا يجوز بحالٍ من الأحوال أن يسكت المسلمون عن المجاهرة بالفطر في رمضان،لأن ذلك إهانةٌ لدينهم في ديارهم،وإهانةُ دينهم إنما هي إهانةٌ لهم.
وأن الواجب على من رأى المجاهر بالفطر أن ينصحه بالتي هي أحسن،وأن يُبين له سوءَ عمله بلطفٍ ولينٍ وحكمةٍ،وأن الواجب على الحاكم أن يعاقب المجاهرَ بالفطر في رمضان بما يردعه وأمثاله عن ذلك.
والله الهادي إلى سواء السبيل