رحيل المشاعر
02-24-2017, 07:43 PM
عدما يأوي الناس إلى منازلهم
فإنهم يطرحون عنهم أعباء الكلفة ويتخفّفون من ملابسهم ،
ويظهر منهم ما لا يرغبون أن يطّلع عليه الآخرون ،
فجاءت الشريعة لترشد الناس إلى أدب الاستئذان
صيانةً لتلك البيوت ورعايةً لأهلها .
والمقصود بالاستئذان :
طلب الإذن بالدخول ، خوفاً من الاطلاع على عورات المسلمين ،
أو وقوع النظر على ما لا يرغبه صاحب البيت ،
ويقرّر النبي – صلى الله عليه وسلم – ذلك بقوله :
( إنما جعل الاستئذان من أجل البصر ) متفق عليه .
وإذا نظرنا إلى الآداب المتعلّقة بالاستئذان
وجدنا أنها تنقسم إلى قسمين :
قسمٌ يتعلّق بالدخول إلى البيت ،
وآخر بالحركة داخله ،
أما الأوّل ،
فقد جاء النهي عن دخول البيوت قبل استئذان أهلها ،
فقال الله تعالى :
{ يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها
ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون } ( النور : 27 ) .
ويظهر حرص النبي – صلى الله عليه وسلم – على تعويد أصحابه على الاستئذان
لا سيّما مع حديثي العهد بالإسلام والجهلة من الأعراب ،
فقد جاء في سنن الترمذي
أن صفوان بن أمية ذهب إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد إسلامه بشيءٍ من الطعام ،
فدخل عليه ولم يسلّم ولم يستأذن ،
فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - :
( ارجع ، فقل: السلام عليكم ، أأدخل ؟ ) .
وفي سنن أبي داود
أن رجلاً من بني عامر استأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيت فقال :
ألج ؟ ،
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لخادمه :
( اخرج إلى هذا فعلّمه الاستئذان ،
فقل له :
قل السلام عليكم ، أأدخل ) ،
فسمعه الرجل فقال :
السلام عليكم ، أأدخل ؟ ،
فأذن له النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخل .
وينبّه النبي – صلى الله عليه وسلم –
على ضرورة حفظ النظر عند الوقوف والانتظار فيقول :
( لا يحل لامرئ مسلم أن ينظر إلى جوف بيتٍ حتى يستأذن ، فإن فعل فقد دخل )
رواه البخاري في الأدب المفرد .
ولخطورة النظر على العورات والاطلاع عليها ،
أهدر النبي – صلى الله عليه وسلم – عين الناظر إلى بيوت الآخرين
وأسقط عنها الدية فقال :
( لو أن رجلا اطّلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة – أي رميته بها -
ففقأت عينه ، ما كان عليك من جناح ) متفق عليه ،
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قائماً يصلي ،
فاطّلع رجل في بيته ،
فأخذ سهماً من كنانته فسدّد نحو عينيه ، رواه البخاري في الأدب المفرد .
وأخبر سهل بن سعد الأنصاري رضي الله عنه عن موقفٍ آخر ،
حين اطّلع رجلٌ من ثقبٍ في باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم – يسرّح شعره بمشطٍ في يده ، فقال للرجل :
( لو أعلم أنك تنظر طعنت به في عينك ؛ إنما جعل الله الإذن من أجل البصر ) رواه مسلم .
ولأجل هذا المقصد
جاء النهي أيضاً عن استقبال الباب والوقوف أمامه ،
والإرشاد إلى أخذ جانبه الأيمن أو الأيسر ،
فقد جاء عن طلحة عن هزيل رضي الله عنه
أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأذن بالدخول ،
فوقف مستقبل الباب ،
فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - :
( هكذا عنك أو هكذا – أي اذهب يميناً أو شمالاً - فإنما الاستئذان من النظر ) رواه أبو داود .
وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال :
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
إذا جاء الباب يستأذن ،لم يستقبله ، يمشي مع الحائط حتى يستأذن ، فيؤذن له أو ينصرف ،
رواه أحمد ،
وعند البخاري في الأدب المفرد أن النبي - صلى الله عليه وسلم –
كان إذا أتى بابا يريد أن يستأذن لم يستقبله ، وجاء يمينا أوشمالا ، فإن أذن له وإلا انصرف .
ومن سنن الاستئذان
ألا يزيد عن ثلاث مرّات ،
فإن أذن صاحب البيت وإلا انصرف ،
يشير إلى ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال :
خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يريد سعد بن عبادة ،
حتى أتاه فسلّم فلم يؤذن له ،
ثم سلّم الثانية ثم الثالثة ، فلم يؤذن له ، فقال :
( قضينا ما علينا ) ،
ثم رجع فأدركه سعد فقال :
يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق ما سلّمت من مرة إلا وأنا أسمع وأرد عليك ،
ولكن أحببت أن تكثر من السلام عليّ وعلى أهل بيتي ،
رواه البخاري في الأدب المفرد .
ويُستثنى من ذلك
إذا دعى صاحب البيت الزائر وأرسل إليه من يطلبه ،
فلا داعي حينئذٍ من الاستئذان ،
ويدلّ على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
( إذا دعي أحدكم فجاء مع الرسول فهو إذنه ) ، رواه الطبراني ،
وبهذا المعنى يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
( رسول الرجل إلى الرجل إذنه ) رواه أبو داوود .
ويمكن لصاحب البيت أن يستثني من أراد في الدخول عليه بدون إذن ،
أو يجعل له علامةً يتفقان عليها للدلالة على الإذن ،
كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
( آذنك على أن ترفع الحجاب وأن تسمع سوادى –
يعني الخاصّ من الكلام - حتى أنهاك ) رواه مسلم ،
يقول الإمام النووي تعليقاً على الحديث :
" وفيه دليل لجواز اعتماد العلامة في الأذن فى الدخول ،
فإذا جعل الأمير والقاضى ونحوهما وغيرهما
رفع الستر الذي على بابه علامة فى الأذن فى الدخول عليه ، للناس عامة ،
أو لطائفة خاصة ، أو لشخص ،
أو جعل علامةً غير ذلك ، جاز اعتمادها والدخول إذا وجدت بغير استئذان " .
ومن الآداب الشرعيّة في الاستئذان ،
عدم رفع الصوت أو إزعاج أهل البيت ،
ولذلك نرى من أدب الصحابة أنهم كانوا يقرعون أبواب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأظافير ،
رواه البخاري في الأدب المفرد ،
يقول الإمام ابن العربي :
" وهذا محمول منهم على المبالغة في الأدب ،
وهو حسن لمن قرب محله من بابه ،
أما من بعد عن الباب بحيث لا يبلغه صوت القرع بالظفر
فيستحب أن يقرع بما فوق ذلك بحسبه " .
وينبغي للمستأذن أن يُفصح عن اسمه حتى يعرفه صاحب البيت فيتهيّأ له ،
وبذلك نفهم سرّ غضب النبي – صلى الله عليه وسلم –
عندما استأذنه جابر رضي الله عنه بالدخول ،
فسأله عن اسمه ، فقال :
أنا ، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم – :
( أنا أنا ) كأنه كرهها ، متفق عليه .
وإذا قال أهل المنزل للمستأذن :
ارجع ، وجب عليه الرجوع ؛
لأنهم ما طلبوا منه الرجوع إلا لعدم تهيّئهم لاستقباله وحصول الضرر والإحراج من دخوله ،
قال تعالى :
{ وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم } ( النور : 28 ) .
وللمعاني العظيمة التي شُرع لها الاستئذان
جاء النهي عن الدخول على أهل البيت عند القدوم من السفر دون إشعارٍ سابقٍ ،
حتى تتهيّأ المرأة لزوجها ولا يطّلع منها على ما يكره ،
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
( إذا دخلت ليلاً فلا تدخل على أهلك حتى تستحدّ المغيبة وتمتشط الشعثة ) متفق عليه .
وكما يُشرع الاستئذان عند الدخول ،
يُشرع كذلك عند الانصراف ،
وقد امتدح الله المؤمنين في سورة النور بقوله :
{ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله
وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه
إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله } ( النور : 62 ) .
وتلك الآداب متعلّقة بالبيوت المسكونة دون غيرها ،
أما البيوت غير المأهولة كالتي تكون على الطريق أو المعدّة للتأجير
فلا استئذان لها ،
كما قال تعالى :
{ ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون }
( النور :29 ) .
وفيما يتعلّق بآداب الحركة داخل البيت
فقد جاء التخفيف للمماليك والصغار أن يتنقّلوا في البيت دون استئذانٍ للحاجة إلى ذلك ،
سوى ثلاثة أوقات :
قبل الفجر ، ووقت الظهيرة ، وبعد صلاة العشاء ،
ففي هذه الأوقات يغلب على أهل البيت نزع ثيابهم واللجوء إلى الفراش ،
فشرع الاستئذان حينئذٍ .
وفي ثنايا التوجيهات الربّانية والسنن النبويّة التي مرّت بنا ،
تظهر عظمة الإسلام في حرصه على حفظ العرض ،
واحترام الخصوصيّة ،
ومراعاة مشاعر الناس ،
والله الموفق .
فإنهم يطرحون عنهم أعباء الكلفة ويتخفّفون من ملابسهم ،
ويظهر منهم ما لا يرغبون أن يطّلع عليه الآخرون ،
فجاءت الشريعة لترشد الناس إلى أدب الاستئذان
صيانةً لتلك البيوت ورعايةً لأهلها .
والمقصود بالاستئذان :
طلب الإذن بالدخول ، خوفاً من الاطلاع على عورات المسلمين ،
أو وقوع النظر على ما لا يرغبه صاحب البيت ،
ويقرّر النبي – صلى الله عليه وسلم – ذلك بقوله :
( إنما جعل الاستئذان من أجل البصر ) متفق عليه .
وإذا نظرنا إلى الآداب المتعلّقة بالاستئذان
وجدنا أنها تنقسم إلى قسمين :
قسمٌ يتعلّق بالدخول إلى البيت ،
وآخر بالحركة داخله ،
أما الأوّل ،
فقد جاء النهي عن دخول البيوت قبل استئذان أهلها ،
فقال الله تعالى :
{ يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها
ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون } ( النور : 27 ) .
ويظهر حرص النبي – صلى الله عليه وسلم – على تعويد أصحابه على الاستئذان
لا سيّما مع حديثي العهد بالإسلام والجهلة من الأعراب ،
فقد جاء في سنن الترمذي
أن صفوان بن أمية ذهب إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد إسلامه بشيءٍ من الطعام ،
فدخل عليه ولم يسلّم ولم يستأذن ،
فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - :
( ارجع ، فقل: السلام عليكم ، أأدخل ؟ ) .
وفي سنن أبي داود
أن رجلاً من بني عامر استأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيت فقال :
ألج ؟ ،
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لخادمه :
( اخرج إلى هذا فعلّمه الاستئذان ،
فقل له :
قل السلام عليكم ، أأدخل ) ،
فسمعه الرجل فقال :
السلام عليكم ، أأدخل ؟ ،
فأذن له النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخل .
وينبّه النبي – صلى الله عليه وسلم –
على ضرورة حفظ النظر عند الوقوف والانتظار فيقول :
( لا يحل لامرئ مسلم أن ينظر إلى جوف بيتٍ حتى يستأذن ، فإن فعل فقد دخل )
رواه البخاري في الأدب المفرد .
ولخطورة النظر على العورات والاطلاع عليها ،
أهدر النبي – صلى الله عليه وسلم – عين الناظر إلى بيوت الآخرين
وأسقط عنها الدية فقال :
( لو أن رجلا اطّلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة – أي رميته بها -
ففقأت عينه ، ما كان عليك من جناح ) متفق عليه ،
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قائماً يصلي ،
فاطّلع رجل في بيته ،
فأخذ سهماً من كنانته فسدّد نحو عينيه ، رواه البخاري في الأدب المفرد .
وأخبر سهل بن سعد الأنصاري رضي الله عنه عن موقفٍ آخر ،
حين اطّلع رجلٌ من ثقبٍ في باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم – يسرّح شعره بمشطٍ في يده ، فقال للرجل :
( لو أعلم أنك تنظر طعنت به في عينك ؛ إنما جعل الله الإذن من أجل البصر ) رواه مسلم .
ولأجل هذا المقصد
جاء النهي أيضاً عن استقبال الباب والوقوف أمامه ،
والإرشاد إلى أخذ جانبه الأيمن أو الأيسر ،
فقد جاء عن طلحة عن هزيل رضي الله عنه
أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأذن بالدخول ،
فوقف مستقبل الباب ،
فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - :
( هكذا عنك أو هكذا – أي اذهب يميناً أو شمالاً - فإنما الاستئذان من النظر ) رواه أبو داود .
وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال :
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
إذا جاء الباب يستأذن ،لم يستقبله ، يمشي مع الحائط حتى يستأذن ، فيؤذن له أو ينصرف ،
رواه أحمد ،
وعند البخاري في الأدب المفرد أن النبي - صلى الله عليه وسلم –
كان إذا أتى بابا يريد أن يستأذن لم يستقبله ، وجاء يمينا أوشمالا ، فإن أذن له وإلا انصرف .
ومن سنن الاستئذان
ألا يزيد عن ثلاث مرّات ،
فإن أذن صاحب البيت وإلا انصرف ،
يشير إلى ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال :
خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يريد سعد بن عبادة ،
حتى أتاه فسلّم فلم يؤذن له ،
ثم سلّم الثانية ثم الثالثة ، فلم يؤذن له ، فقال :
( قضينا ما علينا ) ،
ثم رجع فأدركه سعد فقال :
يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق ما سلّمت من مرة إلا وأنا أسمع وأرد عليك ،
ولكن أحببت أن تكثر من السلام عليّ وعلى أهل بيتي ،
رواه البخاري في الأدب المفرد .
ويُستثنى من ذلك
إذا دعى صاحب البيت الزائر وأرسل إليه من يطلبه ،
فلا داعي حينئذٍ من الاستئذان ،
ويدلّ على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
( إذا دعي أحدكم فجاء مع الرسول فهو إذنه ) ، رواه الطبراني ،
وبهذا المعنى يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
( رسول الرجل إلى الرجل إذنه ) رواه أبو داوود .
ويمكن لصاحب البيت أن يستثني من أراد في الدخول عليه بدون إذن ،
أو يجعل له علامةً يتفقان عليها للدلالة على الإذن ،
كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
( آذنك على أن ترفع الحجاب وأن تسمع سوادى –
يعني الخاصّ من الكلام - حتى أنهاك ) رواه مسلم ،
يقول الإمام النووي تعليقاً على الحديث :
" وفيه دليل لجواز اعتماد العلامة في الأذن فى الدخول ،
فإذا جعل الأمير والقاضى ونحوهما وغيرهما
رفع الستر الذي على بابه علامة فى الأذن فى الدخول عليه ، للناس عامة ،
أو لطائفة خاصة ، أو لشخص ،
أو جعل علامةً غير ذلك ، جاز اعتمادها والدخول إذا وجدت بغير استئذان " .
ومن الآداب الشرعيّة في الاستئذان ،
عدم رفع الصوت أو إزعاج أهل البيت ،
ولذلك نرى من أدب الصحابة أنهم كانوا يقرعون أبواب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأظافير ،
رواه البخاري في الأدب المفرد ،
يقول الإمام ابن العربي :
" وهذا محمول منهم على المبالغة في الأدب ،
وهو حسن لمن قرب محله من بابه ،
أما من بعد عن الباب بحيث لا يبلغه صوت القرع بالظفر
فيستحب أن يقرع بما فوق ذلك بحسبه " .
وينبغي للمستأذن أن يُفصح عن اسمه حتى يعرفه صاحب البيت فيتهيّأ له ،
وبذلك نفهم سرّ غضب النبي – صلى الله عليه وسلم –
عندما استأذنه جابر رضي الله عنه بالدخول ،
فسأله عن اسمه ، فقال :
أنا ، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم – :
( أنا أنا ) كأنه كرهها ، متفق عليه .
وإذا قال أهل المنزل للمستأذن :
ارجع ، وجب عليه الرجوع ؛
لأنهم ما طلبوا منه الرجوع إلا لعدم تهيّئهم لاستقباله وحصول الضرر والإحراج من دخوله ،
قال تعالى :
{ وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم } ( النور : 28 ) .
وللمعاني العظيمة التي شُرع لها الاستئذان
جاء النهي عن الدخول على أهل البيت عند القدوم من السفر دون إشعارٍ سابقٍ ،
حتى تتهيّأ المرأة لزوجها ولا يطّلع منها على ما يكره ،
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
( إذا دخلت ليلاً فلا تدخل على أهلك حتى تستحدّ المغيبة وتمتشط الشعثة ) متفق عليه .
وكما يُشرع الاستئذان عند الدخول ،
يُشرع كذلك عند الانصراف ،
وقد امتدح الله المؤمنين في سورة النور بقوله :
{ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله
وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه
إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله } ( النور : 62 ) .
وتلك الآداب متعلّقة بالبيوت المسكونة دون غيرها ،
أما البيوت غير المأهولة كالتي تكون على الطريق أو المعدّة للتأجير
فلا استئذان لها ،
كما قال تعالى :
{ ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون }
( النور :29 ) .
وفيما يتعلّق بآداب الحركة داخل البيت
فقد جاء التخفيف للمماليك والصغار أن يتنقّلوا في البيت دون استئذانٍ للحاجة إلى ذلك ،
سوى ثلاثة أوقات :
قبل الفجر ، ووقت الظهيرة ، وبعد صلاة العشاء ،
ففي هذه الأوقات يغلب على أهل البيت نزع ثيابهم واللجوء إلى الفراش ،
فشرع الاستئذان حينئذٍ .
وفي ثنايا التوجيهات الربّانية والسنن النبويّة التي مرّت بنا ،
تظهر عظمة الإسلام في حرصه على حفظ العرض ،
واحترام الخصوصيّة ،
ومراعاة مشاعر الناس ،
والله الموفق .