فاتن
02-15-2017, 08:37 AM
دور العلماء بزمن الفتن ومايجب اتباعة من عامة المسلمين .,.!
بداية يجدر بنا أن ننبه إلى أن الابتلاء والامتحان سنة ربانية لا يخرج منها أحد:
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:35].
وبعض الناس يظن أن الفتن خاصة بالشر، فإذا نزل بالمسلمين أو بأي أمة من الأمم نازلة من بلاء ومصيبة ونحو ذلك، ظن أن هذه هي الفتنة، والبلية التي أصابتهم، بينما الأمة التي لم يصبها هذا، وإنما أصابها نوع آخر من الابتلاء، وهو الابتلاء بالرخاء، وكثرة الخير والإمهال، اختلط عليه الأمر وظن أن الفتنة عند أولئك، وهو بالنسبة له ولمن حوله ليس عندهم فتنة، وهذا خطأ لأنه أحيانا تكون الفتنة في الرخاء أشد منها في البلاء..
وننوه أن النوازل: هي الأمور الكبار التي تنزل بالأمة، وقورنت بالفتن، لأن النوازل الكبار يقع فيها الاختلاف بين العلماء وبين الناس، ويكثر الخوض فيها، ومن هنا لما وقعت الفتن على المسلمين في بلاد الأندلس، ثم في بلاد المغرب، أكثر منها في بلاد المشرق وأشد، كبرت النوازل عندهم وصار تعبير علمائهم بعبارة النوازل بدل الفتاوى، لأن النازلة كأنها حادثة كبيرة وليست مسألة من المسائل تحتاج إلى جواب، وإنما هي نازلة تحتاج إلى علماء واجتهاد ونظر، وتدبر... إلخ.
ونظرا لواقعنا وماتمر به الامة من أزمات وفتن اصبحت بين أيدينا ،وأصبح يخرج علينا كل يوم خبرا عن
أناس يتجرأون على الدين ويتطاولون عليه بمفاهيمهم الخاطئة التي تخرج من المله ، ووصل بهم الحال التجرأ على رب العباد والتعرض من بعضهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته الكرام وأمهات المؤمنين .
ومع الاسف الشديد تجد المسلمين لايحركون ساكنا في التعامل مع هؤلاء بحزم وشدة ، بل يكتفون بالشجب والحتى المقاطعة الاقتصادية لبلادهم اختلف عليها المسلمين فمنهم من قاطع ومنهم من تجاهل ولا حول ولا قوة الا بالله .
تمر الأمة في بعض فتراتها بفتن كثيرة وعظيمة يضل فيها كثير من الناس، وقد لا يقف الضلال عند حد المعصية والذنوب والمخالفات الشرعية، بل قد يتطور إلى الكفر بالله! روى أبو هرير رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
إنَّ الفتنة قد تأتي مظلمة تمامًا بحيث يصبح التعرُّف على الحق فيها أمرًا شاقًا جدًا، كمن يسير في الظلام الدامس لا يكاد يرى موضع قدميه..
وكلما اقترب المسلمون من الساعة زادت الفتنة واشتد ظلامها..
روى أبو هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يُقْبَضُ العِلْمُ، وَيَظْهَرُ الجَهْلُ وَالفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الهَرْجُ"، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الهَرْجُ؟ فَقَالَ: "هَكَذَا بِيَدِهِ فَحَرَّفَهَا، كَأَنَّهُ يُرِيدُ القَتْلَ"
ماذا نفعل في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن؟
إنَّ هناك إشارة غير مباشرة في الحديث السابق لرسول الله صلى الله عليه وسلم توضِّح المخرج.. فإنه صلى الله عليه وسلم بدأ كلامه بقوله: "يُقْبَضُ العِلْمُ"، ثم أتبعها بقوله: "وَيَظْهَرُ الجَهْلُ وَالفِتَنُ"، وكأنه يشير إلى دور العلماء في مقاومة الفتن، وإخراج المسلمين من أزمتهم الخطيرة.
ماذا ينبغي على العلماء في زمن الفتنة؟
إنه ينبغي عليهم بوضوح أن يعلنوا عن رأيهم الذي يرونه صوابًا بناءً على ما درسوه من قواعد الشريعة، وقد جرَّدوا نواياهم لله عز وجل، وأجرهم عليه سبحانه..
إنَّ هذا الأمر خطير في زمان الفتنة!
فالفتنة بتعريفها أمر يحتار فيه الناس، ولا يدركون على وجه اليقين الكامل الصواب من الخطأ، ومن ثم تكثر الرؤى، وتتباين الآراء، وقد يتحمس كل فريق لرأيه حتى لا يرى رأيًا غيره، وقد يتهور بعض طلبة العلم على مشايخهم وأساتذتهم نتيجة مخالفتهم لرأيهم، أو لاتباعهم رأي عالم آخر يرى أمرًا مغايرًا، مع أنَّ هذه المخالفة العلمية في الرأي أمر طبيعي جدًا في زمن الفتنة..
ولن يستطيع العالم أبدًا أن يرضي كل الأطراف، ومن ثم فعليه أن يقول رأيه مخلصًا، وهو لا يبغي إلا إرضاء رب العالمين وكفى.
وعودة سريعة إلى صفحات التاريخ لمعرفة اختلاف العلماء في زمان الفتنة..
فبعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه حدثت فتنة كبيرة في الأمة، واختلف علماؤها اختلافًا كبيرًا في آرائهم، ولم يكن الاختلاف في تحديد مَنْ الذي على الحق، ومَنْ الذي على الباطل، ولكن كان الاختلاف في كيفية التعامل مع الحدث..
كان الانقلابيون المتمردون من أخبث الناس، وأكثرهم خيانة، فلم يختلف على ذلك أحد، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه من أعظم الناس وأشرفهم، ولم يختلف على ذلك أحد أيضًا، ولكن الاختلاف كان في كيفية التعامل مع قاتلي هذا الرجل العظيم، مع إدراك الجميع أن الانقلابيين مجرمون خسيسون.
رأى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومعه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن يؤخِّر إقامة الحد على الإنقلابيين القتلة، بل سمح بوجودهم في جيشه، وذلك لأنه نظر إلى الأمر بشكل واسع، فوجد أن الحدَّ الذي سيقام على القتلة الانقلابيين سيقود جموع قبائلهم إلى التمرد على الدولة في بقاع كثيرة، مما قد يؤدي إلى انهيار الدولة، فقدَّم بقاء الدولة على إقامة الحدِّ عاجلاً، ومن ثم قرر تأجيله.
أما عائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم جميعًا فقد رأوا تطبيق الحدِّ على القتلة عاجلاً، لأنه لا يجوز تعطيل شرع الله، وقد قُتل عثمان رضي الله عنه مظلومًا، ولابد من أخذ الحق من قاتليه الآن..
فهاتان رؤيتان مختلفتان تمامًا، مع أن كلا الفريقين يعلم أن الحق كان مع عثمان رضي الله عنه، وأن المنقلبين عليه مفسدون مجرمون.
وهناك فريق ثالث من العلماء آنذاك لم يستطع أن يحدد على وجه اليقين أين الصواب في التعامل مع ملف الانقلابيين، واحتاروا هل ينبغي الصدام معهم الآن كما قرر فريق عائشة وطلحة والزبير ومعاوية رضي الله عنهم، أم الأفضل تأجيل إقامة الحدِّ وتفويت فرصة الصدام كما رأى علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وكان من هذا الفريق الثالث عبد الله بن عمر، و سعد بن أبي وقاص، وأسامة بن زيد رضي الله عنهم جميعًا، وهؤلاء قرروا اعتزال الأمر إلى أن تتضح لهم الرؤية..
والآن مع نقطة مهمة جدًا في الفهم..
نحن أمام ثلاثة آراء مختلفة لثلاثة فرق من العلماء الكرام، وكلهم من المبشرين بالجنة، وممن يشهد لهم الجميع بالصلاح والتقوى، فما الحل؟
هل يغيِّر أحدهم رأيه ليوافق الآخرين؟!
إنَّ هذا -في نظر كل واحد منهم- لا يجوز!
إنَّ كل فريق يرى - مخلصًا - أن الصواب معه، وأنه لا يجوز أن يسير في الاتجاهين الآخرين، ومن ثم أعلنها صريحة واضحة، وثبت في اتجاهه الذي اختاره..
حتى الفريق الثالث وهو فريق المعتزلين للفتنة، فعلوا ذلك لأنهم لم يدركوا أين الحق، ولو أدركوا أن الحق مع أحد الفريقين ولم ينصروه ما جاز لهم الاعتزال..
ولاحظ أننا نتكلم عن هذه الآراء وقت حدوث المشكلة لا بعدها، لأنه بعد شهور أو سنوات من الحدث قد يغير أحدهم رؤيته بناءً على النتائج التي رآها الجميع بعد ذلك، ولأننا أدركنا أن الصواب كان مع التهدئة التي أرادها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والذي كان ينظر إلى العواقب، ولا يتأثر بالحماسة المفرطة عند المطالبين بحلِّ المشكلة الآن، ولم يكن عاطفيًا مندفعًا، خاصة أن الجريمة التي تمت كانت قتل الخليفة وليس مجرد عزله، ومع ذلك فأنا أقول أنه في وقت أخذ القرار لم تكن هذه النتائج ظاهرة، ومن ثم كان لابد من أن يعلن كل صحابي رأيه الذي يجده صائبًا وموافقًا للشريعة فيما يظن، وهذا ما سيسأله الله عنه، حتى لو كان مخالفًا لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وناتي لفتنة أخرى يخرج علينا الاعلام بتوسعها وانتشارها يوما بعد يوم وقد تكون الانباء مقصوده وهي غير حقيقية ولكن تدخل في منظومة الحرب على الاسلام وهي قضية الالحاد .
نذكر هنا سؤال لطالبة علم لاحد مشايخ المسلمين
السؤال
أريد أن أسأل عن موضوع يحيرني كثيرا وهو هل يغفر الله للملحد إذا تاب؟ لماذا لم يذكر القرآن حكم الملحد؟ قرأت عن وجود من يسمون بالدهريين في عصر الجاهلية، لكن القرآن لم يذكر بوضوح إذا كانوا ينكرون وجود الله أم لا، كما أنني قرأت في هذا المنتدى أن الملحد يختلف عن الدهري، فهل هذا يعني أن الدهريين كانوا يؤمنون بوجود الله وينكرون فقط البعث؟ وأكثر شيء يحيرني لماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم أن الشرك هو أعظم الذنوب ولم يقل الإلحاد أو إنكار وجود الله؟ فهل هذا لأن في ذلك الوقت لم يكن يوجد ملحدون وبهذا يمكننا أن نستنتج أن في هذا الوقت الإلحاد هو أعظم الذنوب، لكن وجدت أنه في العصر القديم كان يوجد أناس ملحدون وفلاسفة وذلك قبل الميلاد أي في القرن السادس قبل الميلاد، والله يعلم بوجود هؤلاء الملحدين قديما قبل الميلاد، لكن لم يذكر القرآن ذلك، فهل هذا يعني أن الإلحاد لا يغفره الله في الدنيا لأن أعظم ذنب هو الشرك؟ مع أن الإلحاد أعظم من الشرك، أرجوكم أجيبوني فقد أصبت بوسواس شديد عن وجود الله وفعلت أفعالا أشك في أنها كفر مع كرهي الشديد للكفر لكن تخرج مني الأفعال من دون وعي فأستغفر وأتشهد وأصبح الآن يراودني وسواس أن الله لا يغفر للملحد في الدنيا أيضا، لأنه اعتبر أن الشرك هو أعظم الذنوب التي يغفرها في الدنيا، فهل الشيطان يعتبر مشركا أم كافرا؟ وهل يغفر الله للشياطين التائبين؟ وهل كفر الشيطان أعظم من الشرك؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما الوساوس فأعرضي عنها ولا تلتفتي إليها، واعلمي أنها لا تضرك، فإن من رحمة الله بعباده أن تجاوز لهم عما حدثت به أنفسهم ما لم يعملوا أو يتكلموا، وما دمت كارهة لهذه الوساوس نافرة منها، فإن كرهك لها علامة على صدق إيمانك، فعليك أن تجاهديها وتحاولي التخلص منها، وأنت على خير ما دمت تجاهدين نفسك في ترك هذه الوساوس، وانظري الفتوى رقم: 147101.
وأما الإلحاد: فهو في اللغة يطلق على مطلق الميل، والملحد هو المائل عن الصواب، فكل مشرك أو كافر فإنه ملحد لميله عن الحق الذي هو الإسلام، واختصاص اسم الإلحاد بمن ينكر وجود الله تعالى اصطلاح حادث، والملحد بهذا الاصطلاح أي المنكر لوجود الله هو من جملة الكفار المدعوين إلى الإسلام، فإن أسلم ورجع عن إلحاده وكفره قبل الله تعالى منه وغفر له، قال تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ {الأنفال:38}.
وهو داخل في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ {النساء:116}.
ولتنظر الفتوى رقم: 167997.
وقد كان فرعون ـ قبحه الله ـ منكرا لوجود الله تعالى، وبعث إليه موسى عليه السلام يدعوه إلى التوبة والإيمان بالله وحده، فالقرآن ذكر هؤلاء الملحدين ودعاهم إلى التوبة، كما كان الشأن في قصة موسى عليه السلام، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وفرعون كان يظهر إنكار وجود الله. انتهى.
ولذا تكررت قصة موسى مع فرعون في القرآن لما أنه كان أشد عنادا وأعظم كفرا بخلاف سائر الكفار الذين بعث إليهم الرسل فإن جلهم كانوا مثبتين للرب تعالى مقرين بأنه الخالق لهذا العالم، قال شيخ الإسلام: وثنى قصة موسى مع فرعون، لأنهما في طرفي نقيض في الحق والباطل، فإن فرعون في غاية الكفر والباطل حيث كفر بالربوبية وبالرسالة, وموسى في غاية الحق والإيمان من جهة أن الله كلمه تكليما لم يجعل الله بينه وبينه واسطة من خلقه، فهو مثبت لكمال الرسالة وكمال التكلم ومثبت لرب العالمين بما استحقه من النعوت، وهذا بخلاف أكثر الأنبياء مع الكفار، فإن الكفار أكثرهم لا يجحدون وجود الله ولم يكن أيضا للرسل من التكليم ما لموسى، فصارت قصة موسى وفرعون أعظم القصص وأعظمها اعتبارا لأهل الإيمان ولأهل الكفر. انتهى.
وبه يندفع ما ذكرته من كون ذكر الملحدين بهذا الاصطلاح لم يرد في القرآن، فكل كافر أو مشرك أو ملحد مهما كان شركه وكفره وإلحاده إذا أقبل على الله تائبا منيبا فإن الله يقبل توبته ويقيل عثرته ويغفر له ذنبه سواء كان من الإنس أو الجن، فإن الجن مكلفون كالإنس وإن كنا نجهل ماهية تكليفهم، وقد دعاهم مؤمنوهم إلى الإيمان والتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم واتباعه فدل على أن ذلك ينفعهم إذا تابوا ورجعوا إلى الله تعالى.
وأما إبليس: فهو رأس الكفار والمشركين والملاحدة، وما من شر في هذا العالم إلا وهو الآمر به والمزين له، فهو كافر مشرك، بل هو رأس الكفار والمشركين
بداية يجدر بنا أن ننبه إلى أن الابتلاء والامتحان سنة ربانية لا يخرج منها أحد:
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:35].
وبعض الناس يظن أن الفتن خاصة بالشر، فإذا نزل بالمسلمين أو بأي أمة من الأمم نازلة من بلاء ومصيبة ونحو ذلك، ظن أن هذه هي الفتنة، والبلية التي أصابتهم، بينما الأمة التي لم يصبها هذا، وإنما أصابها نوع آخر من الابتلاء، وهو الابتلاء بالرخاء، وكثرة الخير والإمهال، اختلط عليه الأمر وظن أن الفتنة عند أولئك، وهو بالنسبة له ولمن حوله ليس عندهم فتنة، وهذا خطأ لأنه أحيانا تكون الفتنة في الرخاء أشد منها في البلاء..
وننوه أن النوازل: هي الأمور الكبار التي تنزل بالأمة، وقورنت بالفتن، لأن النوازل الكبار يقع فيها الاختلاف بين العلماء وبين الناس، ويكثر الخوض فيها، ومن هنا لما وقعت الفتن على المسلمين في بلاد الأندلس، ثم في بلاد المغرب، أكثر منها في بلاد المشرق وأشد، كبرت النوازل عندهم وصار تعبير علمائهم بعبارة النوازل بدل الفتاوى، لأن النازلة كأنها حادثة كبيرة وليست مسألة من المسائل تحتاج إلى جواب، وإنما هي نازلة تحتاج إلى علماء واجتهاد ونظر، وتدبر... إلخ.
ونظرا لواقعنا وماتمر به الامة من أزمات وفتن اصبحت بين أيدينا ،وأصبح يخرج علينا كل يوم خبرا عن
أناس يتجرأون على الدين ويتطاولون عليه بمفاهيمهم الخاطئة التي تخرج من المله ، ووصل بهم الحال التجرأ على رب العباد والتعرض من بعضهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته الكرام وأمهات المؤمنين .
ومع الاسف الشديد تجد المسلمين لايحركون ساكنا في التعامل مع هؤلاء بحزم وشدة ، بل يكتفون بالشجب والحتى المقاطعة الاقتصادية لبلادهم اختلف عليها المسلمين فمنهم من قاطع ومنهم من تجاهل ولا حول ولا قوة الا بالله .
تمر الأمة في بعض فتراتها بفتن كثيرة وعظيمة يضل فيها كثير من الناس، وقد لا يقف الضلال عند حد المعصية والذنوب والمخالفات الشرعية، بل قد يتطور إلى الكفر بالله! روى أبو هرير رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
إنَّ الفتنة قد تأتي مظلمة تمامًا بحيث يصبح التعرُّف على الحق فيها أمرًا شاقًا جدًا، كمن يسير في الظلام الدامس لا يكاد يرى موضع قدميه..
وكلما اقترب المسلمون من الساعة زادت الفتنة واشتد ظلامها..
روى أبو هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يُقْبَضُ العِلْمُ، وَيَظْهَرُ الجَهْلُ وَالفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الهَرْجُ"، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الهَرْجُ؟ فَقَالَ: "هَكَذَا بِيَدِهِ فَحَرَّفَهَا، كَأَنَّهُ يُرِيدُ القَتْلَ"
ماذا نفعل في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن؟
إنَّ هناك إشارة غير مباشرة في الحديث السابق لرسول الله صلى الله عليه وسلم توضِّح المخرج.. فإنه صلى الله عليه وسلم بدأ كلامه بقوله: "يُقْبَضُ العِلْمُ"، ثم أتبعها بقوله: "وَيَظْهَرُ الجَهْلُ وَالفِتَنُ"، وكأنه يشير إلى دور العلماء في مقاومة الفتن، وإخراج المسلمين من أزمتهم الخطيرة.
ماذا ينبغي على العلماء في زمن الفتنة؟
إنه ينبغي عليهم بوضوح أن يعلنوا عن رأيهم الذي يرونه صوابًا بناءً على ما درسوه من قواعد الشريعة، وقد جرَّدوا نواياهم لله عز وجل، وأجرهم عليه سبحانه..
إنَّ هذا الأمر خطير في زمان الفتنة!
فالفتنة بتعريفها أمر يحتار فيه الناس، ولا يدركون على وجه اليقين الكامل الصواب من الخطأ، ومن ثم تكثر الرؤى، وتتباين الآراء، وقد يتحمس كل فريق لرأيه حتى لا يرى رأيًا غيره، وقد يتهور بعض طلبة العلم على مشايخهم وأساتذتهم نتيجة مخالفتهم لرأيهم، أو لاتباعهم رأي عالم آخر يرى أمرًا مغايرًا، مع أنَّ هذه المخالفة العلمية في الرأي أمر طبيعي جدًا في زمن الفتنة..
ولن يستطيع العالم أبدًا أن يرضي كل الأطراف، ومن ثم فعليه أن يقول رأيه مخلصًا، وهو لا يبغي إلا إرضاء رب العالمين وكفى.
وعودة سريعة إلى صفحات التاريخ لمعرفة اختلاف العلماء في زمان الفتنة..
فبعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه حدثت فتنة كبيرة في الأمة، واختلف علماؤها اختلافًا كبيرًا في آرائهم، ولم يكن الاختلاف في تحديد مَنْ الذي على الحق، ومَنْ الذي على الباطل، ولكن كان الاختلاف في كيفية التعامل مع الحدث..
كان الانقلابيون المتمردون من أخبث الناس، وأكثرهم خيانة، فلم يختلف على ذلك أحد، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه من أعظم الناس وأشرفهم، ولم يختلف على ذلك أحد أيضًا، ولكن الاختلاف كان في كيفية التعامل مع قاتلي هذا الرجل العظيم، مع إدراك الجميع أن الانقلابيين مجرمون خسيسون.
رأى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومعه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن يؤخِّر إقامة الحد على الإنقلابيين القتلة، بل سمح بوجودهم في جيشه، وذلك لأنه نظر إلى الأمر بشكل واسع، فوجد أن الحدَّ الذي سيقام على القتلة الانقلابيين سيقود جموع قبائلهم إلى التمرد على الدولة في بقاع كثيرة، مما قد يؤدي إلى انهيار الدولة، فقدَّم بقاء الدولة على إقامة الحدِّ عاجلاً، ومن ثم قرر تأجيله.
أما عائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم جميعًا فقد رأوا تطبيق الحدِّ على القتلة عاجلاً، لأنه لا يجوز تعطيل شرع الله، وقد قُتل عثمان رضي الله عنه مظلومًا، ولابد من أخذ الحق من قاتليه الآن..
فهاتان رؤيتان مختلفتان تمامًا، مع أن كلا الفريقين يعلم أن الحق كان مع عثمان رضي الله عنه، وأن المنقلبين عليه مفسدون مجرمون.
وهناك فريق ثالث من العلماء آنذاك لم يستطع أن يحدد على وجه اليقين أين الصواب في التعامل مع ملف الانقلابيين، واحتاروا هل ينبغي الصدام معهم الآن كما قرر فريق عائشة وطلحة والزبير ومعاوية رضي الله عنهم، أم الأفضل تأجيل إقامة الحدِّ وتفويت فرصة الصدام كما رأى علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وكان من هذا الفريق الثالث عبد الله بن عمر، و سعد بن أبي وقاص، وأسامة بن زيد رضي الله عنهم جميعًا، وهؤلاء قرروا اعتزال الأمر إلى أن تتضح لهم الرؤية..
والآن مع نقطة مهمة جدًا في الفهم..
نحن أمام ثلاثة آراء مختلفة لثلاثة فرق من العلماء الكرام، وكلهم من المبشرين بالجنة، وممن يشهد لهم الجميع بالصلاح والتقوى، فما الحل؟
هل يغيِّر أحدهم رأيه ليوافق الآخرين؟!
إنَّ هذا -في نظر كل واحد منهم- لا يجوز!
إنَّ كل فريق يرى - مخلصًا - أن الصواب معه، وأنه لا يجوز أن يسير في الاتجاهين الآخرين، ومن ثم أعلنها صريحة واضحة، وثبت في اتجاهه الذي اختاره..
حتى الفريق الثالث وهو فريق المعتزلين للفتنة، فعلوا ذلك لأنهم لم يدركوا أين الحق، ولو أدركوا أن الحق مع أحد الفريقين ولم ينصروه ما جاز لهم الاعتزال..
ولاحظ أننا نتكلم عن هذه الآراء وقت حدوث المشكلة لا بعدها، لأنه بعد شهور أو سنوات من الحدث قد يغير أحدهم رؤيته بناءً على النتائج التي رآها الجميع بعد ذلك، ولأننا أدركنا أن الصواب كان مع التهدئة التي أرادها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والذي كان ينظر إلى العواقب، ولا يتأثر بالحماسة المفرطة عند المطالبين بحلِّ المشكلة الآن، ولم يكن عاطفيًا مندفعًا، خاصة أن الجريمة التي تمت كانت قتل الخليفة وليس مجرد عزله، ومع ذلك فأنا أقول أنه في وقت أخذ القرار لم تكن هذه النتائج ظاهرة، ومن ثم كان لابد من أن يعلن كل صحابي رأيه الذي يجده صائبًا وموافقًا للشريعة فيما يظن، وهذا ما سيسأله الله عنه، حتى لو كان مخالفًا لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وناتي لفتنة أخرى يخرج علينا الاعلام بتوسعها وانتشارها يوما بعد يوم وقد تكون الانباء مقصوده وهي غير حقيقية ولكن تدخل في منظومة الحرب على الاسلام وهي قضية الالحاد .
نذكر هنا سؤال لطالبة علم لاحد مشايخ المسلمين
السؤال
أريد أن أسأل عن موضوع يحيرني كثيرا وهو هل يغفر الله للملحد إذا تاب؟ لماذا لم يذكر القرآن حكم الملحد؟ قرأت عن وجود من يسمون بالدهريين في عصر الجاهلية، لكن القرآن لم يذكر بوضوح إذا كانوا ينكرون وجود الله أم لا، كما أنني قرأت في هذا المنتدى أن الملحد يختلف عن الدهري، فهل هذا يعني أن الدهريين كانوا يؤمنون بوجود الله وينكرون فقط البعث؟ وأكثر شيء يحيرني لماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم أن الشرك هو أعظم الذنوب ولم يقل الإلحاد أو إنكار وجود الله؟ فهل هذا لأن في ذلك الوقت لم يكن يوجد ملحدون وبهذا يمكننا أن نستنتج أن في هذا الوقت الإلحاد هو أعظم الذنوب، لكن وجدت أنه في العصر القديم كان يوجد أناس ملحدون وفلاسفة وذلك قبل الميلاد أي في القرن السادس قبل الميلاد، والله يعلم بوجود هؤلاء الملحدين قديما قبل الميلاد، لكن لم يذكر القرآن ذلك، فهل هذا يعني أن الإلحاد لا يغفره الله في الدنيا لأن أعظم ذنب هو الشرك؟ مع أن الإلحاد أعظم من الشرك، أرجوكم أجيبوني فقد أصبت بوسواس شديد عن وجود الله وفعلت أفعالا أشك في أنها كفر مع كرهي الشديد للكفر لكن تخرج مني الأفعال من دون وعي فأستغفر وأتشهد وأصبح الآن يراودني وسواس أن الله لا يغفر للملحد في الدنيا أيضا، لأنه اعتبر أن الشرك هو أعظم الذنوب التي يغفرها في الدنيا، فهل الشيطان يعتبر مشركا أم كافرا؟ وهل يغفر الله للشياطين التائبين؟ وهل كفر الشيطان أعظم من الشرك؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما الوساوس فأعرضي عنها ولا تلتفتي إليها، واعلمي أنها لا تضرك، فإن من رحمة الله بعباده أن تجاوز لهم عما حدثت به أنفسهم ما لم يعملوا أو يتكلموا، وما دمت كارهة لهذه الوساوس نافرة منها، فإن كرهك لها علامة على صدق إيمانك، فعليك أن تجاهديها وتحاولي التخلص منها، وأنت على خير ما دمت تجاهدين نفسك في ترك هذه الوساوس، وانظري الفتوى رقم: 147101.
وأما الإلحاد: فهو في اللغة يطلق على مطلق الميل، والملحد هو المائل عن الصواب، فكل مشرك أو كافر فإنه ملحد لميله عن الحق الذي هو الإسلام، واختصاص اسم الإلحاد بمن ينكر وجود الله تعالى اصطلاح حادث، والملحد بهذا الاصطلاح أي المنكر لوجود الله هو من جملة الكفار المدعوين إلى الإسلام، فإن أسلم ورجع عن إلحاده وكفره قبل الله تعالى منه وغفر له، قال تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ {الأنفال:38}.
وهو داخل في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ {النساء:116}.
ولتنظر الفتوى رقم: 167997.
وقد كان فرعون ـ قبحه الله ـ منكرا لوجود الله تعالى، وبعث إليه موسى عليه السلام يدعوه إلى التوبة والإيمان بالله وحده، فالقرآن ذكر هؤلاء الملحدين ودعاهم إلى التوبة، كما كان الشأن في قصة موسى عليه السلام، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وفرعون كان يظهر إنكار وجود الله. انتهى.
ولذا تكررت قصة موسى مع فرعون في القرآن لما أنه كان أشد عنادا وأعظم كفرا بخلاف سائر الكفار الذين بعث إليهم الرسل فإن جلهم كانوا مثبتين للرب تعالى مقرين بأنه الخالق لهذا العالم، قال شيخ الإسلام: وثنى قصة موسى مع فرعون، لأنهما في طرفي نقيض في الحق والباطل، فإن فرعون في غاية الكفر والباطل حيث كفر بالربوبية وبالرسالة, وموسى في غاية الحق والإيمان من جهة أن الله كلمه تكليما لم يجعل الله بينه وبينه واسطة من خلقه، فهو مثبت لكمال الرسالة وكمال التكلم ومثبت لرب العالمين بما استحقه من النعوت، وهذا بخلاف أكثر الأنبياء مع الكفار، فإن الكفار أكثرهم لا يجحدون وجود الله ولم يكن أيضا للرسل من التكليم ما لموسى، فصارت قصة موسى وفرعون أعظم القصص وأعظمها اعتبارا لأهل الإيمان ولأهل الكفر. انتهى.
وبه يندفع ما ذكرته من كون ذكر الملحدين بهذا الاصطلاح لم يرد في القرآن، فكل كافر أو مشرك أو ملحد مهما كان شركه وكفره وإلحاده إذا أقبل على الله تائبا منيبا فإن الله يقبل توبته ويقيل عثرته ويغفر له ذنبه سواء كان من الإنس أو الجن، فإن الجن مكلفون كالإنس وإن كنا نجهل ماهية تكليفهم، وقد دعاهم مؤمنوهم إلى الإيمان والتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم واتباعه فدل على أن ذلك ينفعهم إذا تابوا ورجعوا إلى الله تعالى.
وأما إبليس: فهو رأس الكفار والمشركين والملاحدة، وما من شر في هذا العالم إلا وهو الآمر به والمزين له، فهو كافر مشرك، بل هو رأس الكفار والمشركين