ضوء القمر
01-22-2017, 05:35 AM
التعليم العالي الأهلي على وجه الخصوص أصبح تجارياً بشكل غريب ويبدو أنه لا أحد يكترث لهذا الأمر رغم أن هناك العديد من الذين يلفتون النظر لهذه الظاهرة لكن دون إحداث أي تغيير حقيقي، مع أنه من المفترض أن يكون التعليم الأهلي أكثر تركيزاً وتميزاً كما هو معروف في بقية أنحاء العالم
كنت أشاهد أحد الأفلام الهندية للممثل الهندي المعروف "أميتاب باتشان"
ومر بي أحد أبنائي فقال لي متعجباً: "يا أبي تشاهد فيلم هندي؟" فقلت له إني أشاهد هذا الفيلم للمرة الرابعة لأنه يتناول موضوعاً يهمني ويهمك ويهم المجتمع ككل ألا وهو "تجارة التعليم".
قصة الفيلم الذي عنوانه Aarakshan تتحدث عن أستاذ جامعي متخصص في الرياضيات يفصل من عمله ويتم طرده من منزله
لأنه رفض الاتجار بالتعليم واستغلال أبناء المجتمع كي يدفعوا مبالغ طائلة على برامج تعليمية هشة وضعيفة فقرر الانتقال إلى مبنى يسمى "الاسطبل" مقابل لمبنى الجامعة الخاصة وبدأ يقدم الدروس المجانية لأبناء الفقراء الساكنين في المكان وبالفعل تغير مستوى الطلاب
وحققوا نتائج متميزة فبدأ أبناء الأثرياء كذلك يرتادون مدرسته المجانية وتطوع بعض الاساتذة لمساعدته لكنهم تعرضوا لضغوط من مالك الجامعة الخاصة فانفضوا من حوله. وحتى لا أطيل عليكم الدكتور "آناند" ينجح في النهاية وينتصر على "مافيا التعليم"
حتى عندما حاولوا إزالة مدرسته البسيطة لأن المجتمع وقف معه وتنبه متخذ القرار للدور المهم الذي يقدمه مثل هذا الرجل الذي قرر أن يضحي بكل ما يملك من أجل "إنقاذ مجتمعه".
ربما أكثر عبارة توقفت عندها هي قول الدكتور "آناند" "التعليم في الهند لن يرضخ لتجار التعليم"، فتذكرت ما حدث خلال السنوات الفائتة من
"دكاكين التعليم الأهلي" لدينا التي تركت على هواها كي تعبث بتعليمنا ومستقبلنا ولم يقف في وجهها أحد.
لا أنكر أبداً أنني شعرت ببعض الغيرة كون مجتمعنا يفتقر لمثل الدكتور "آناند"
وتضحيته الكبيرة من أجل المبادئ والقيم واستعداده التام للتطوع مجانا لتعليم أبناء المجتمع حتى إنه صار يعمل طوال اليوم دون راحة عندما انفض المتطوعون الآخرون عنه.
المجتمعات لا تصنع الحياة دون عمل ودون تضحيات ولا يمكن أن تبقى دون مبادئ وقيم، وعندما تنتهك القيم والكل يغض الطرف عن هذا الانتهاك فبشّر الجميع بالهلاك.
التعليم العالي الأهلي على وجه الخصوص أصبح تجارياً بشكل غريب ويبدو أنه لا أحد يكترث لهذا الأمر رغم أن هناك العديد من الذين يلفتون النظر لهذه الظاهرة لكن دون إحداث أي تغيير حقيقي، مع أنه من المفترض أن يكون التعليم الأهلي أكثر تركيزا وتميزا كما هو معروف في بقية أنحاء العالم. المشكلة من وجهة نظري تكمن في المجتمع نفسه فهو الذي يصنع ثقافة الفساد لأنه يريد هذه الثقافة وهنا مكمن الخطر.
قد لا يتفق معي البعض بأن المجتمع هو من يصنع أنماط الفساد التي تتماشي مع أسلوب الحياة التي يرغبها، وهذه مسألة خلافية وكل له وجه نظر بالتأكيد، فمثلاً المجتمع يريد جامعات متساهلة لا تقدم تعليماً بقدر ما تقدم شهادات معتمدة لأبنائهم، وليس مهماً عند كثير من الأسر التي تبعث بأبنائها وبناتها للجامعات الخاصة ماذا يحدث داخل الجامعة بقدر ما تكون الجامعة مكاناً "ترفيهياً" للأبناء والبنات وممراً سهلاً للحصول على شهادة عليا. الجودة والتعليم الحقيقي غير مهمين طالما أن الهدف سهل المنال. المجتمع هنا من وجهة نظري هو السبب الرئيس في تنامي أنماط تجارة التعليم وصناعة طبقة من التجار التي لا يهمها سوى الربح وبالطبع لم يظهر بيننا من هو مثل الدكتور "آناند" ليقاوم هذه التجارة ويقف أمام هؤلاء التجار بل إن العديد منا اعتبروها فرصة للكسب والانخراط في هذه الظاهرة المربحة وبالطبع وزارة التعليم العالي سابقاً والتعليم حالياً "لا أرى لا أسمع لا أتكلم".
من يتحدث عن الفساد في بعض المؤسسات الحكومية ينسى أنه هو أحد أسباب نشوء الفساد بإلحاحة وضغوطه على معارفه وأقاربه من أجل الحصول على مصالح خاصة نتيجة لوجود هذه القرابة.. ولكن لماذا صرنا نصنع الفساد بدلاً من أن نحاربه؟
أعتقد أنها ظاهرة تستحق الدراسة لأنها تمثل حالة غريبة تدل على وجود تناقضات داخلية يعيشها المجتمع، ففي حين أننا نحارب الفساد بألسنتنا نمارسه بأفعالنا وجوارحنا بشكل متكرر ونوجد لأنفسنا أعذاراً واهيةً ودون أن نسأل أنفسنا ماذا عملنا من أجل إيقاف هذه الظاهرة الخطيرة. بالطبع فساد التعليم يعني فساد كل شيء ولعل الكثير منا شاهد مقطع "اليوتيوب" الذي يصور تساهل أحد الأساتذة في غش طلابه وأصبح هذا الطالب طبيباً واحتاجت زوجة المعلم إلى جراحة بعد سنوات وقام الطالب الذي أصبح طبيباً بعمل الجراحة وماتت زوجة المعلم لتكون الرسالة هي "الغش يدمر المجتمع" والحقيقة أن الفساد خصوصاً فساد التعليم هو من يدمر المجتمع ويمأسس الفساد فيه لأنه ببساطة يقتل في الأفراد الهمة بعد أن يقضي على مبادئهم وقيمهم.
نحن نعيش هذه الأيام فترة صعبة تتطلب وجود "القدوة" الذي يقدم مصلحة المجتمع على مصلحته الشخصية ويعمل من أجل الإصلاح بتجرد وبعيد من الأغلال التي بناها مجتمعنا من مناطقية وقبائلية ويفكر في الصغار قبل الكبار. ليس التعليم وحده يعاني بل كل أمر يمس الناس يعاني من أنماط فساد كان المجتمع شريكاً في صنعها والمطلوب الآن أن نصحح، وأقصد أن نصحح أنفسنا أولاً بحيث يجب أن يسأل كل منا هل نحن نقوم بواجبنا على الوجه الأكمل حتى لو بالحد الأدنى أو أننا نتوقع أن يقوم بالأصلاح غيرنا ونحن كالعادة مجرد متفرجين نفتح أفواهنا ونتثاءب عندما نشعر بالتعب وننام دون أن نراوح أمكنتنا.
راقَ لي !
كنت أشاهد أحد الأفلام الهندية للممثل الهندي المعروف "أميتاب باتشان"
ومر بي أحد أبنائي فقال لي متعجباً: "يا أبي تشاهد فيلم هندي؟" فقلت له إني أشاهد هذا الفيلم للمرة الرابعة لأنه يتناول موضوعاً يهمني ويهمك ويهم المجتمع ككل ألا وهو "تجارة التعليم".
قصة الفيلم الذي عنوانه Aarakshan تتحدث عن أستاذ جامعي متخصص في الرياضيات يفصل من عمله ويتم طرده من منزله
لأنه رفض الاتجار بالتعليم واستغلال أبناء المجتمع كي يدفعوا مبالغ طائلة على برامج تعليمية هشة وضعيفة فقرر الانتقال إلى مبنى يسمى "الاسطبل" مقابل لمبنى الجامعة الخاصة وبدأ يقدم الدروس المجانية لأبناء الفقراء الساكنين في المكان وبالفعل تغير مستوى الطلاب
وحققوا نتائج متميزة فبدأ أبناء الأثرياء كذلك يرتادون مدرسته المجانية وتطوع بعض الاساتذة لمساعدته لكنهم تعرضوا لضغوط من مالك الجامعة الخاصة فانفضوا من حوله. وحتى لا أطيل عليكم الدكتور "آناند" ينجح في النهاية وينتصر على "مافيا التعليم"
حتى عندما حاولوا إزالة مدرسته البسيطة لأن المجتمع وقف معه وتنبه متخذ القرار للدور المهم الذي يقدمه مثل هذا الرجل الذي قرر أن يضحي بكل ما يملك من أجل "إنقاذ مجتمعه".
ربما أكثر عبارة توقفت عندها هي قول الدكتور "آناند" "التعليم في الهند لن يرضخ لتجار التعليم"، فتذكرت ما حدث خلال السنوات الفائتة من
"دكاكين التعليم الأهلي" لدينا التي تركت على هواها كي تعبث بتعليمنا ومستقبلنا ولم يقف في وجهها أحد.
لا أنكر أبداً أنني شعرت ببعض الغيرة كون مجتمعنا يفتقر لمثل الدكتور "آناند"
وتضحيته الكبيرة من أجل المبادئ والقيم واستعداده التام للتطوع مجانا لتعليم أبناء المجتمع حتى إنه صار يعمل طوال اليوم دون راحة عندما انفض المتطوعون الآخرون عنه.
المجتمعات لا تصنع الحياة دون عمل ودون تضحيات ولا يمكن أن تبقى دون مبادئ وقيم، وعندما تنتهك القيم والكل يغض الطرف عن هذا الانتهاك فبشّر الجميع بالهلاك.
التعليم العالي الأهلي على وجه الخصوص أصبح تجارياً بشكل غريب ويبدو أنه لا أحد يكترث لهذا الأمر رغم أن هناك العديد من الذين يلفتون النظر لهذه الظاهرة لكن دون إحداث أي تغيير حقيقي، مع أنه من المفترض أن يكون التعليم الأهلي أكثر تركيزا وتميزا كما هو معروف في بقية أنحاء العالم. المشكلة من وجهة نظري تكمن في المجتمع نفسه فهو الذي يصنع ثقافة الفساد لأنه يريد هذه الثقافة وهنا مكمن الخطر.
قد لا يتفق معي البعض بأن المجتمع هو من يصنع أنماط الفساد التي تتماشي مع أسلوب الحياة التي يرغبها، وهذه مسألة خلافية وكل له وجه نظر بالتأكيد، فمثلاً المجتمع يريد جامعات متساهلة لا تقدم تعليماً بقدر ما تقدم شهادات معتمدة لأبنائهم، وليس مهماً عند كثير من الأسر التي تبعث بأبنائها وبناتها للجامعات الخاصة ماذا يحدث داخل الجامعة بقدر ما تكون الجامعة مكاناً "ترفيهياً" للأبناء والبنات وممراً سهلاً للحصول على شهادة عليا. الجودة والتعليم الحقيقي غير مهمين طالما أن الهدف سهل المنال. المجتمع هنا من وجهة نظري هو السبب الرئيس في تنامي أنماط تجارة التعليم وصناعة طبقة من التجار التي لا يهمها سوى الربح وبالطبع لم يظهر بيننا من هو مثل الدكتور "آناند" ليقاوم هذه التجارة ويقف أمام هؤلاء التجار بل إن العديد منا اعتبروها فرصة للكسب والانخراط في هذه الظاهرة المربحة وبالطبع وزارة التعليم العالي سابقاً والتعليم حالياً "لا أرى لا أسمع لا أتكلم".
من يتحدث عن الفساد في بعض المؤسسات الحكومية ينسى أنه هو أحد أسباب نشوء الفساد بإلحاحة وضغوطه على معارفه وأقاربه من أجل الحصول على مصالح خاصة نتيجة لوجود هذه القرابة.. ولكن لماذا صرنا نصنع الفساد بدلاً من أن نحاربه؟
أعتقد أنها ظاهرة تستحق الدراسة لأنها تمثل حالة غريبة تدل على وجود تناقضات داخلية يعيشها المجتمع، ففي حين أننا نحارب الفساد بألسنتنا نمارسه بأفعالنا وجوارحنا بشكل متكرر ونوجد لأنفسنا أعذاراً واهيةً ودون أن نسأل أنفسنا ماذا عملنا من أجل إيقاف هذه الظاهرة الخطيرة. بالطبع فساد التعليم يعني فساد كل شيء ولعل الكثير منا شاهد مقطع "اليوتيوب" الذي يصور تساهل أحد الأساتذة في غش طلابه وأصبح هذا الطالب طبيباً واحتاجت زوجة المعلم إلى جراحة بعد سنوات وقام الطالب الذي أصبح طبيباً بعمل الجراحة وماتت زوجة المعلم لتكون الرسالة هي "الغش يدمر المجتمع" والحقيقة أن الفساد خصوصاً فساد التعليم هو من يدمر المجتمع ويمأسس الفساد فيه لأنه ببساطة يقتل في الأفراد الهمة بعد أن يقضي على مبادئهم وقيمهم.
نحن نعيش هذه الأيام فترة صعبة تتطلب وجود "القدوة" الذي يقدم مصلحة المجتمع على مصلحته الشخصية ويعمل من أجل الإصلاح بتجرد وبعيد من الأغلال التي بناها مجتمعنا من مناطقية وقبائلية ويفكر في الصغار قبل الكبار. ليس التعليم وحده يعاني بل كل أمر يمس الناس يعاني من أنماط فساد كان المجتمع شريكاً في صنعها والمطلوب الآن أن نصحح، وأقصد أن نصحح أنفسنا أولاً بحيث يجب أن يسأل كل منا هل نحن نقوم بواجبنا على الوجه الأكمل حتى لو بالحد الأدنى أو أننا نتوقع أن يقوم بالأصلاح غيرنا ونحن كالعادة مجرد متفرجين نفتح أفواهنا ونتثاءب عندما نشعر بالتعب وننام دون أن نراوح أمكنتنا.
راقَ لي !