ضوء القمر
09-25-2016, 11:32 PM
ذات صيف كنا (صديقتي وأنا) نمشي في أحد شوارع بلاد المهجر التي اكتسبت جنسيتها في ثالث قارة تتلقف هجرتها.
كم مرة استوقفتها لأتأمل قسماتها المقطبة، وأبحث فيها عن ذاك المجهول الذي تحدثني عنه! وقد مارست معها شقاوة القلم، واستدرجتها لتفضفض لي،
وتسمح بأن تدلق طفولتها الصعبة على الورق حتى ظهرت رواية مؤثرة!!
وقتها كان المجهول يستعصي عليّ، ولا تقنعني أناتها وحسراتها وذاك اللهيب الساخن الذي يفزع أحشاءها؛ ليس لأنها لم تجد الكلام،
بل أبدعت بصوتها الهادئ وحركاتها الثقيلة، ونتأت الحروف من قواميس الظلم والقهر والجوع والحرمان وكل سواد الكلمات ومفرداتها..
لكنها حين وصلت لمخيمات اللجوء عجزتُ (أنا) عن التخيُّل؛ وبالتالي الوصف بالكلمات، أو هكذا وجدتُني!! لم أجد صعوبة بالغة وأنا أروي عذابات صديقتي وهي صغيرة،
تهرب وحدها برفقة قافلة من بلادها الموبوءة بالحرب والخطف والتجنيد والاغتصاب، وعائلتها تُهرِّبها حماية لها!
تقذفها للمجهول لتحميها!
فسيقانها طالت فجأة، وأصبحت أنثى بحسابات الجنود والضباط وهم يفتشون عن الصبايا، وكانت آخر محاولة لهم في انتزاعها من عائلتها مريرة،
وقد استطاعت والدتها أن تنقذها بأقراص الخبز الطازج الذي سدت به أفواه الجنود، وحشت بطونهم الفارغة، وهي توقد نارها،
وتلقي أقراص العجين على عجل؛ فتعصف رائحته بعقولهم، ويخرجوا غانمين بالشبع دون الفتاة. لم أتوقف وأنا أصف مشاعر الصغيرة وهي تنفصل عن والدتها،
وترمي بها لأحضان الظلمة والخوف والرعب مع أناس لم تخبرهم، ولا تعرفهم، ونساء يحضنَّ أطفالهن، وينشغلن بهم، وهي وحيدة تعاني تيهًا لا ينتهي.
كان حزني ثقيلاً وأنا أعيش مع صديقتي الإفريقية لحظات الشقاء.. أركب معها على الجِمال،
وأصعد فوق الجبال، ويقرقر بطني من الجوع أيضًا!! وأخشى الذئاب البشرية منها والحيوانية،
وتتعلق عيناي بالسماء، أرقب طائرة قد تقذف حممها على قافلتنا،
وأكاد أتأمل أشلائي تتدحرج أمامي في لحظات الفزع والتيه من صوت الصاروخ الذي شق سمعي وقلبي. كنت أعيش لحظاتها الموجعة وهلعها الذي تتدثر به من مفاجأة المجهول الغامض،
لكنه كان وقتيًّا، ويكاد يمضي بكل ما فيه.
أما حين وصلت القافلة لمخيمات اللجوء توقفتُ تمامًا عن التخيل،
وهرعت لمحركات البحث ومقاطع اليوتيوب؛ أبحث في وجوه اللاجئين؛ لأصور معاناتهم وقسوة عيشهم المستمرة، والنهاية المسدودة التي وصلوا لها،
وكم الإحباط الذي يحاصرهم،
وقصة الصدمة العنيفة التي تجرعوها وهم يرون نهاية حلمهم في النجاة من مصائبهم وقد أصبحت مصيبة جديدة!!
ما أريد قوله أن ذلك لم يمر عليه بضع سنوات حتى تكاثرت مخيمات اللجوء، ولم يعد عصيًّا علي البحث عنها!!
بل أصبحت تحاصرنا في نشرات الأخبار كل دقيقة!! وكلها تقريبًا في بلاد العرب والمسلمين تبعًا لنيران الحروب التي اشتعلت في بلادهم، ولم تنطفئ،
نسأل الله تعالى أن يجلي عنهم الغمة. ومع تكاثر اللاجئين والمشردين منهم على أبواب بلاد الغربة، التي تلفظهم أو تتقبلهم على مضض،
ويتجرعون ذُلَّ التشرد والتهجير، وهم ينتزعون من أوطانهم هربًا منها.. وما أقسى أن تهرب من وطنك الذي يفترض أن يضمك، ويكون الملجأ الآمن لك!
نراهم في بلادنا الآمنة، وندعو الله تعالى ألا نعيشه حقيقة، ونسأله - عز وجل - الصواب والأخذ بالأسباب، وأن يديم علينا نعمة الأمن والأمان وكل بلاد المسلمين.
يتطلب ذلك أن نشكر الله تعالى على نِعَمه بالقول والعمل..
ونحن حين نلتفت للوراء نرى أجدادنا وقد عاشوا مرارة التشرد والجوع والخوف في حين كانت البلاد التي تعيش تلك الظروف القاسية في رغد من العيش! ويا رب لُطفك!
ممَا تصفحت ,
كم مرة استوقفتها لأتأمل قسماتها المقطبة، وأبحث فيها عن ذاك المجهول الذي تحدثني عنه! وقد مارست معها شقاوة القلم، واستدرجتها لتفضفض لي،
وتسمح بأن تدلق طفولتها الصعبة على الورق حتى ظهرت رواية مؤثرة!!
وقتها كان المجهول يستعصي عليّ، ولا تقنعني أناتها وحسراتها وذاك اللهيب الساخن الذي يفزع أحشاءها؛ ليس لأنها لم تجد الكلام،
بل أبدعت بصوتها الهادئ وحركاتها الثقيلة، ونتأت الحروف من قواميس الظلم والقهر والجوع والحرمان وكل سواد الكلمات ومفرداتها..
لكنها حين وصلت لمخيمات اللجوء عجزتُ (أنا) عن التخيُّل؛ وبالتالي الوصف بالكلمات، أو هكذا وجدتُني!! لم أجد صعوبة بالغة وأنا أروي عذابات صديقتي وهي صغيرة،
تهرب وحدها برفقة قافلة من بلادها الموبوءة بالحرب والخطف والتجنيد والاغتصاب، وعائلتها تُهرِّبها حماية لها!
تقذفها للمجهول لتحميها!
فسيقانها طالت فجأة، وأصبحت أنثى بحسابات الجنود والضباط وهم يفتشون عن الصبايا، وكانت آخر محاولة لهم في انتزاعها من عائلتها مريرة،
وقد استطاعت والدتها أن تنقذها بأقراص الخبز الطازج الذي سدت به أفواه الجنود، وحشت بطونهم الفارغة، وهي توقد نارها،
وتلقي أقراص العجين على عجل؛ فتعصف رائحته بعقولهم، ويخرجوا غانمين بالشبع دون الفتاة. لم أتوقف وأنا أصف مشاعر الصغيرة وهي تنفصل عن والدتها،
وترمي بها لأحضان الظلمة والخوف والرعب مع أناس لم تخبرهم، ولا تعرفهم، ونساء يحضنَّ أطفالهن، وينشغلن بهم، وهي وحيدة تعاني تيهًا لا ينتهي.
كان حزني ثقيلاً وأنا أعيش مع صديقتي الإفريقية لحظات الشقاء.. أركب معها على الجِمال،
وأصعد فوق الجبال، ويقرقر بطني من الجوع أيضًا!! وأخشى الذئاب البشرية منها والحيوانية،
وتتعلق عيناي بالسماء، أرقب طائرة قد تقذف حممها على قافلتنا،
وأكاد أتأمل أشلائي تتدحرج أمامي في لحظات الفزع والتيه من صوت الصاروخ الذي شق سمعي وقلبي. كنت أعيش لحظاتها الموجعة وهلعها الذي تتدثر به من مفاجأة المجهول الغامض،
لكنه كان وقتيًّا، ويكاد يمضي بكل ما فيه.
أما حين وصلت القافلة لمخيمات اللجوء توقفتُ تمامًا عن التخيل،
وهرعت لمحركات البحث ومقاطع اليوتيوب؛ أبحث في وجوه اللاجئين؛ لأصور معاناتهم وقسوة عيشهم المستمرة، والنهاية المسدودة التي وصلوا لها،
وكم الإحباط الذي يحاصرهم،
وقصة الصدمة العنيفة التي تجرعوها وهم يرون نهاية حلمهم في النجاة من مصائبهم وقد أصبحت مصيبة جديدة!!
ما أريد قوله أن ذلك لم يمر عليه بضع سنوات حتى تكاثرت مخيمات اللجوء، ولم يعد عصيًّا علي البحث عنها!!
بل أصبحت تحاصرنا في نشرات الأخبار كل دقيقة!! وكلها تقريبًا في بلاد العرب والمسلمين تبعًا لنيران الحروب التي اشتعلت في بلادهم، ولم تنطفئ،
نسأل الله تعالى أن يجلي عنهم الغمة. ومع تكاثر اللاجئين والمشردين منهم على أبواب بلاد الغربة، التي تلفظهم أو تتقبلهم على مضض،
ويتجرعون ذُلَّ التشرد والتهجير، وهم ينتزعون من أوطانهم هربًا منها.. وما أقسى أن تهرب من وطنك الذي يفترض أن يضمك، ويكون الملجأ الآمن لك!
نراهم في بلادنا الآمنة، وندعو الله تعالى ألا نعيشه حقيقة، ونسأله - عز وجل - الصواب والأخذ بالأسباب، وأن يديم علينا نعمة الأمن والأمان وكل بلاد المسلمين.
يتطلب ذلك أن نشكر الله تعالى على نِعَمه بالقول والعمل..
ونحن حين نلتفت للوراء نرى أجدادنا وقد عاشوا مرارة التشرد والجوع والخوف في حين كانت البلاد التي تعيش تلك الظروف القاسية في رغد من العيش! ويا رب لُطفك!
ممَا تصفحت ,