فاتن
10-17-2015, 10:45 AM
تُعَدُّ حياة*رسول*الله*من أنصع الأدِلَّة على نُبُوَّتِه؛ لما تَتَّصف به من نقاء ووضوح، ولا يكون ذلك إلاَّ*
لنبي مُرْسَل من ربِّه، لا يُمَثِّلُ نفسه، وإنما يُمَثِّل الإرادة العليا؛ مصداقًا لقوله تبارك وتعالى: {وَمَا*
يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: 3-5]. فانظروا إلى*
الرسول العابد الذي لا يفتر عن ذكر ربِّه في ليله ونهاره، والأمي الذي علَّمه شديد القوى، والحريص*
على أُمَّته من عذاب رب العالمين، والزاهد في الدنيا رغم أنها أتته راغبة، وانظروا أيضًا إلى عصمة*
الله له وإلى نقاء حياته؛ ستدركون عندها أن محمدًارسول*من رب العالمين؛ فهذه الحياةُ النقية لا*
يمكن أن يكون صاحبها دَعِيًّا، ولا يمكن أن يكون دجالاً، كما لا يمكن أن يكون طالب مُلْكٍ، ولا يمكن*
أن يكون رجل دُنْيَا.
وفي المقالات التالية نُقَدِّمُ بعضًا من جوانب حياته،
والتي تَدُلُّ دلالةً واضحةً على صِدْقِ نُبُوَّة*رسولاللهِ .
زهد*رسول*الله*نظرة الإسلام للحياة الدنيا
إن نظرة الإسلام للحياة الدنيا نظرة فريدة؛ لأنها تخلق إنسانًا متوازنًا يُدرك أن الحياة الدنيا مهما*
طالت فهي قصيرة، وأن الآخرة هي خير وأبقى؛ لذلك قال تعالى عن الدنيا:
{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185]. كما وضع القرآن الكريم المعيار الحقيقي أمام*
الإنسان عند تطلُّعه للدنيا: {وَإِنَّ الدَّارَ الآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 64].
فالدنيا في المنظور الإسلامي ما هي إلاَّ مزرعة الآخرة، وهي كذلك مجرَّد طريق يعبر عليه الإنسان*
لوِجْهَته الحقيقيَّة، وهو ما قاله*رسول*الله*: "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ"[1].
وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُويُعَلِّم*
رسول*الله*أُمَّته حقيقة العَلاقة بين الدنيا والآخرة، وأن الآخرة أكرم وأفضل عند الله، فيقول*رسول*
الله : "وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ -وَأَشَارَ يَحْيَى[2] بِالسَّبَّابَةِ-*
فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ"[3].
صور من*زهد*رسول*الله
ومن عظمة*رسول*الله*أن حياته كانت نموذجًا عمليًّا لهذه النظرة الربَّانيَّة للدنيا، وهذه صور ونماذج*
من*زهد*رسول*الله*، فقد وصف عمر بن الخطاب بيت وحال*رسول*الله*بقوله:... فدخلت عليه فإذا*
هو مضطجع على رُمَال حصير[4]، ليس بينه وبينه فراش، قد أَثَّرَ الرمالُ بجنبه، مُتَّكِئًا على وسادة*
من أَدَم حشوها ليف... ثم رفعتُ بصري في بيته، فوالله ما رأيت فيه شيئًا يَرُدُّ البصر غير أَهَبَة[5]*
ثلاثة، فقلتُ: ادعُ*الله*فليوسِّع على أُمَّتِك؛ فإن فارس والروم وُسِّعَ عليهم، وأُعْطُوا الدنيا، وهم لا*
يعبدون الله. وكان متَّكِئًا، فقال: "أَوَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَابْنَ الْخَطَّابِ؟ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي*
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا"[6].
ولقد أشفق أصحاب*رسول*الله*–رضي*الله*عنهم- عليه عندما وجدوا الحصير قد أثَّر في بدنه؛ فعن*
عبد*الله*بن مسعود قال: اضطجع النبي على حصير، فأثَّر في جلده، فقلتُ: بأبي وأمي يا*رسول*
الله، لو كنتَ آذنتنا ففرشنا لك عليه شيئًا يقيك منه. فقال*رسول*الله*: "مَا أَنَا وَالدُّنْيَا، إِنَّمَا أَنَا وَالدُّنْيَا*
كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا"[7].
وهذا*رسول*الله*-وهو القائد العامُّ لجموع المسلمين في الجزيرة العربيَّة، ومع ما فتح*الله*عليه من*
الفتوح- مستمسِّكًا بحياة الزهد، مبتعدًا عن الزعامة المتصنَّعة، متواضعًا في مأكله ومشربه، وقد لا*
يجد هذا المأكل في كثير من الأحيان، فقد خطب النعمان بن بَشِير ، فقال: ذَكَر عُمَرُ ما أصاب*
الناس من الدنيا، فقال: "لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ يَظلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوِي[8] مَا يَجِدُ دَقَلاً[9] يَمْلأُ بِهِ بَطْنَهُ"
[10].
وكثيرًا ما كان يلتوي*رسول*الله*من الجوع طيلة حياته!! ومن هذه المواقف ما ذكره أبو هريرة بقوله:*
خرج*رسول*الله*ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر، فقال: "مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ*
السَّاعَةَ؟" قالا: الجوع يا*رسول*الله. قال: "وَأَنَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، قُومَا".*
فقامَا معه: فأتى رجلاً من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلمَّا رأته المرأة قالت: مرحبًا وأهلاً. فقال*
لها*رسول*الله*: "أَيْنَ فُلانٌ؟" قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء. إذ جاء الأنصاري، فنظر إلى*رسول*
الله وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله، ما أحد اليوم أكرم أضيافًا منِّي. قال: فانطلق فجاءهم بعِذْق[11]
فيه بُسْر وتمر ورُطب. فقال: كُلُوا من هذه. وأخذ المدية[12]، فقال له*رسول*الله*: "إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ".*
فذبح لهم، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العِذْق، وشربوا، فلمَّا أن شبعوا وَرَوُوا، قال*رسول*الله*لأبي
بكر وعمر: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ، ثُمَّ
لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ"[13].
لقد كان*زهد*رسول*الله*في حقيقته علامة من علامات نبوَّته، ودليلاً على صدق بعثته، فقد تؤثِّر*
الدنيا في أحدنا فتغيِّره، فيصبح عندها موضع انتقاد الجميع، ولكن*رسول*الله*ظلَّ على عهده*
بالزهد، مصاحبًا له، ومقترنًا به إلى موته، وهو ما تُقرِّره أمُّ المؤمنين عائشة -رضي*الله*عنها-*
بقولها: "مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعًا مِنْ خُبْزِ بُرٍّ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ"[14].
لنبي مُرْسَل من ربِّه، لا يُمَثِّلُ نفسه، وإنما يُمَثِّل الإرادة العليا؛ مصداقًا لقوله تبارك وتعالى: {وَمَا*
يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: 3-5]. فانظروا إلى*
الرسول العابد الذي لا يفتر عن ذكر ربِّه في ليله ونهاره، والأمي الذي علَّمه شديد القوى، والحريص*
على أُمَّته من عذاب رب العالمين، والزاهد في الدنيا رغم أنها أتته راغبة، وانظروا أيضًا إلى عصمة*
الله له وإلى نقاء حياته؛ ستدركون عندها أن محمدًارسول*من رب العالمين؛ فهذه الحياةُ النقية لا*
يمكن أن يكون صاحبها دَعِيًّا، ولا يمكن أن يكون دجالاً، كما لا يمكن أن يكون طالب مُلْكٍ، ولا يمكن*
أن يكون رجل دُنْيَا.
وفي المقالات التالية نُقَدِّمُ بعضًا من جوانب حياته،
والتي تَدُلُّ دلالةً واضحةً على صِدْقِ نُبُوَّة*رسولاللهِ .
زهد*رسول*الله*نظرة الإسلام للحياة الدنيا
إن نظرة الإسلام للحياة الدنيا نظرة فريدة؛ لأنها تخلق إنسانًا متوازنًا يُدرك أن الحياة الدنيا مهما*
طالت فهي قصيرة، وأن الآخرة هي خير وأبقى؛ لذلك قال تعالى عن الدنيا:
{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185]. كما وضع القرآن الكريم المعيار الحقيقي أمام*
الإنسان عند تطلُّعه للدنيا: {وَإِنَّ الدَّارَ الآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 64].
فالدنيا في المنظور الإسلامي ما هي إلاَّ مزرعة الآخرة، وهي كذلك مجرَّد طريق يعبر عليه الإنسان*
لوِجْهَته الحقيقيَّة، وهو ما قاله*رسول*الله*: "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ"[1].
وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُويُعَلِّم*
رسول*الله*أُمَّته حقيقة العَلاقة بين الدنيا والآخرة، وأن الآخرة أكرم وأفضل عند الله، فيقول*رسول*
الله : "وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ -وَأَشَارَ يَحْيَى[2] بِالسَّبَّابَةِ-*
فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ"[3].
صور من*زهد*رسول*الله
ومن عظمة*رسول*الله*أن حياته كانت نموذجًا عمليًّا لهذه النظرة الربَّانيَّة للدنيا، وهذه صور ونماذج*
من*زهد*رسول*الله*، فقد وصف عمر بن الخطاب بيت وحال*رسول*الله*بقوله:... فدخلت عليه فإذا*
هو مضطجع على رُمَال حصير[4]، ليس بينه وبينه فراش، قد أَثَّرَ الرمالُ بجنبه، مُتَّكِئًا على وسادة*
من أَدَم حشوها ليف... ثم رفعتُ بصري في بيته، فوالله ما رأيت فيه شيئًا يَرُدُّ البصر غير أَهَبَة[5]*
ثلاثة، فقلتُ: ادعُ*الله*فليوسِّع على أُمَّتِك؛ فإن فارس والروم وُسِّعَ عليهم، وأُعْطُوا الدنيا، وهم لا*
يعبدون الله. وكان متَّكِئًا، فقال: "أَوَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَابْنَ الْخَطَّابِ؟ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي*
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا"[6].
ولقد أشفق أصحاب*رسول*الله*–رضي*الله*عنهم- عليه عندما وجدوا الحصير قد أثَّر في بدنه؛ فعن*
عبد*الله*بن مسعود قال: اضطجع النبي على حصير، فأثَّر في جلده، فقلتُ: بأبي وأمي يا*رسول*
الله، لو كنتَ آذنتنا ففرشنا لك عليه شيئًا يقيك منه. فقال*رسول*الله*: "مَا أَنَا وَالدُّنْيَا، إِنَّمَا أَنَا وَالدُّنْيَا*
كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا"[7].
وهذا*رسول*الله*-وهو القائد العامُّ لجموع المسلمين في الجزيرة العربيَّة، ومع ما فتح*الله*عليه من*
الفتوح- مستمسِّكًا بحياة الزهد، مبتعدًا عن الزعامة المتصنَّعة، متواضعًا في مأكله ومشربه، وقد لا*
يجد هذا المأكل في كثير من الأحيان، فقد خطب النعمان بن بَشِير ، فقال: ذَكَر عُمَرُ ما أصاب*
الناس من الدنيا، فقال: "لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ يَظلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوِي[8] مَا يَجِدُ دَقَلاً[9] يَمْلأُ بِهِ بَطْنَهُ"
[10].
وكثيرًا ما كان يلتوي*رسول*الله*من الجوع طيلة حياته!! ومن هذه المواقف ما ذكره أبو هريرة بقوله:*
خرج*رسول*الله*ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر، فقال: "مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ*
السَّاعَةَ؟" قالا: الجوع يا*رسول*الله. قال: "وَأَنَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، قُومَا".*
فقامَا معه: فأتى رجلاً من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلمَّا رأته المرأة قالت: مرحبًا وأهلاً. فقال*
لها*رسول*الله*: "أَيْنَ فُلانٌ؟" قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء. إذ جاء الأنصاري، فنظر إلى*رسول*
الله وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله، ما أحد اليوم أكرم أضيافًا منِّي. قال: فانطلق فجاءهم بعِذْق[11]
فيه بُسْر وتمر ورُطب. فقال: كُلُوا من هذه. وأخذ المدية[12]، فقال له*رسول*الله*: "إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ".*
فذبح لهم، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العِذْق، وشربوا، فلمَّا أن شبعوا وَرَوُوا، قال*رسول*الله*لأبي
بكر وعمر: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ، ثُمَّ
لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ"[13].
لقد كان*زهد*رسول*الله*في حقيقته علامة من علامات نبوَّته، ودليلاً على صدق بعثته، فقد تؤثِّر*
الدنيا في أحدنا فتغيِّره، فيصبح عندها موضع انتقاد الجميع، ولكن*رسول*الله*ظلَّ على عهده*
بالزهد، مصاحبًا له، ومقترنًا به إلى موته، وهو ما تُقرِّره أمُّ المؤمنين عائشة -رضي*الله*عنها-*
بقولها: "مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعًا مِنْ خُبْزِ بُرٍّ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ"[14].