مشاهدة النسخة كاملة : الحج خطوة خطوة ....حج عام 1433هـ
شاعر في المشاعر
10-02-2013, 11:06 AM
هـ , اليد , خطوة
الحج خطوة خطوة - حج عام 1433هـ
المواقيت - المواقيت الزمانية
=======
من حكمة الله سبحانه في تشريعه تنويع العبادات والفرائض، فمنها ما وقته طويل واسع، ومنها ما وقته ضيق قصير، ومنها ما يتعلق بالبدن، ومنها ما يتعلق بالمال، ومنها ما يتعلق بهما جميعاً، ولعل حكمة ذلك ألا يمل العباد من عبادة واحدة، وليعلم الله تعالى من يخضع لأمره ويسمع ويطيع ممن يخالف ويعصي ويعاند.
ومن أمهات تلك العبادات: حج بيت الله الحرام، الذي جعل الشارع الحكيم له مواقيت مكانية وزمانية؛ أحببنا في هذا المقال أن نتعرف على جزء منها وهي المواقيت الزمانية:
متى يحرم المسلم بالحج؟
اعلم أيها الحبيب أن الأصل في تحديد المواقيت الزمانية لفريضة الحج هو كتاب الله تعالى، وذلك كما جاء في سورة البقرة حيث يقول تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} (سورة البقرة:197) "أي وقت أعمال الحج أشهر معلومات، والعلماء مجمعون على أن المراد بأشهر الحج شوال، وذو القعدة، واختلفوا في ذي الحجة هل هو بكماله من أشهر الحج، أو عشر منه؟.
وكذلك فهم مجمعون على أن من لم يحرم بالحج حتى طلع عليه فجر يوم النحر " اليوم العاشر " لم يصح حجه.
أما خلافهم في ذي الحجة هل هو بكماله من أشهر الحج، أو عشر منه؟.
فذهب ابن عمر، وابن عباس، وابن مسعود، والأحناف والشافعي، وأحمد، إلى الثاني (أي العشر الأول منه فقط)، وذهب مالك إلى الأول (أي أن الشهر بكماله من أشهر الحج)، ورجحه ابن حزم" 1 ، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} يعني أن الحج يكون في أشهر معلومات؛ وهي شوال، وذو القعدة، وذو الحجة؛ وقيل: العشر الأول من ذي الحجة، والأول أصح" 2 .
"فإن قال قائل: هل يترتب على هذا الخلاف شيء؟
قلنا: نعم، يترتب عليه أشياء:
أولاً: في مسائل الأَيمان، فلو قال قائل: والله لأصومن ثلاثة أيام من أشهر الحج، وصام الحادي والعشرين، والثاني والعشرين، والثالث والعشرين من ذي الحجة؛ فلا يكون باراً بيمينه على المذهب؛ لأن أيام الحج انتهت، وعلى قول مالك يكون باراً بيمينه؛ لأنه صام في أشهر الحج، وأشهر الحج لا تنتهي إلا بدخول شهر محرم.
ثانياً: أنه لا يجوز أن يؤخر شيئاً من أعمال الحج عن الأشهر الثلاثة إلا لضرورة، وإلا فالواجب ألا يخرج ذو الحجة وعليه شيء من أعمال الحج؛ إلا طواف الوداع؛ لأن طواف الوداع منفصل عن الحج، فهو لمن أراد الخروج من مكة؛ وإن طال لبثه فيها.
وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يؤخر حلق رأسه إلى أن يدخل المحرم، ولا يجوز أن يؤخر طواف الإفاضة إلى أن يدخل المحرم، لكن إذا كان لعذر فلا بأس.
فعذر الحلق أو التقصير: أن يكون في رأسه جروح لا يتمكن معها من الحلق أو التقصير، فله أن يؤخر حتى يبرأ، أما عذر الطواف فأن تصاب المرأة بنفاس كأن يأتيها وهي واقفة في عرفة، والنفاس عادة يبقى أربعين يوماً، فهذه سوف يخرج شهر ذي الحجة ولم تطف طواف الإفاضة؛ فلا بأس؛ لأن تأخيرها للطواف لعذر، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس، ويرتاح إليه القلب لموافقته لظاهر الآية، والأصل في الدلالات أن نأخذ بالظاهر، إلا بدليل شرعي يخرج الكلام عن ظاهره" 3 .
أما الميقات الزماني للعمرة:
فالعمرة ليس لها ميقات زماني ، حيث إنها تفعل في أي يوم من أيام السنة , فيُحرم بها المعتمر متى شاء, ولا يختص إحرامها بوقت, فيعتمر: في شعبان , أو رمضان , أو شوال أو غير ذلك من الشهور . لكنها في رمضان تعدل حجة في فضلها ، وكذلك العمرة في أشهر الحج أفضل من غيرها إلا رمضان . حيث اعتمر الرسول صلى الله عليه وسلم أربع عمرات كلها في ذي القعدة .
شاعر في المشاعر
10-02-2013, 11:07 AM
المواقيت المكانية
============
والمقصود بها تلك الأماكن التي حدَّدها الشارع الحكيم ليُحرم منها الحاج أو المعتمر، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم هذه المواقيت وحددها كما في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هنَّ لهن ولمن أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة)) رواه البخاري (1524) واللفظ له، ومسلم (2860)، ويبقى أن ميقات أهل العراق وخراسان وما وراءها هو ذات عرق كما في حديث عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل العراق ذات عرق)) 1 .
وتفصيل هذه المواقيت بالنظر إلى المسافة الواقعة بينها وبين مكة المكرمة كما يلي:
ميقات أهل المدينة ذو الحُليفة: بضم الحاء وفتح اللام تصغير الحلفاء، وهو نبت معروف ينبت بتلك المنطقة، وتسمى الآن "آبار علي"، ويكاد عمران المدينة المنورة الآن يصل إليها، وتبلغ المسافة من ضفة وادي الحليفة إلى المسجد النبوي ثلاثة عشر كيلاً، ومن تلك الضفة إلى مكة المكرمة عن طريق وادي الجموم أربعمائة وثمانية وعشرين كيلاً، والحُليفة ميقات أهل المدينة، ومن أتى عن طريقهم.
وميقات أهل الشام الجحفة: وهي قرية بينها وبين البحر الأحمر عشرة أكيال، وهي الآن خراب، ويُحرم الناس من:
رابغ: وهي مدينة كبيرة فيها الدوائر والمرافق والمدارس الحكومية، وتبعد عن مكة المكرمة عن طريق وادي الجموم مائة وستة ثمانين كيلاً، ويحرم من رابغ أهل لبنان وسوريا، والأردن وفلسطين، ومصر والسودان، وحكومات المغرب الأربع، وبلدان أفريقيا، وبعض المنطقة الشمالية في المملكة العربية السعودية.
وميقات أهل نجد قرن المنازل: وهذا الميقات اشتهر اسمه الآن بـ"السيل الكبير" ومسافته من بطن الوادي إلى مكة المكرمة ثمانية وسبعون كيلاً، ويحرم من قرن المنازل أهل نجد، وحاج الشرق كله من أهل الخليج، والعراق، وإيران، وغيرهم.
وميقات أهل اليمن يلملم: ويقال ألملم، ويلملم نسبة إلى الوادي المعترض لجميع طرق اليمن الساحلي، وساحل المملكة العربية السعودية، وهو ميقات أهل اليمن ومن جاء من طريقهم، ويبعد وادي يلملم عن مكة 120 كيلواً متراً، ويسمى اليوم السعدية.
وميقات أهل العراق ذات عرق: وتسمى الضريبة، وهو موضع في الشمال الشرقي لمكة بينه وبينها 100كيلومتراً.
وقد نظمها بعضهم فقال:
عرق العراق ويلملم اليمن وبذي الحـليفة يُحرم المدني
والشام جحفة إن مررت به ولأهــل نجد قرن فاستبن
فهذه هي المواقيت التي بيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي مواقيت لكل من مرَّ بها سواء كان من أهل تلك الجهات، أو كان من جهة أخرى وجاء من جهة تلك المواقيت، وقد جاء في كلامه صلى الله عليه وسلم: ((هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة)) رواه البخاري (1524) واللفظ له، ومسلم (2860)، أي أن هذه المواقيت لأهل البلاد المذكورة، ولمن مرَّ بها وإن لم يكن من أهلها فإنه يحرم منها إذا أتى قاصداً النسك.
مجاوزة الميقات بدون إحرام
لا يجوز لمن عزم على الحج أو العمرة أن يتجاوز هذه المواقيت بدون إحرام، ومن تجاوزها بغير إحرام وأحرم بعدها فعليه كفارة دم يوزع على فقراء الحرم، أو يلزمه الرجوع إلى ميقات بلده الذي جاء منه فيحرم منه.
قال سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله: (من جاوز الميقات بلا إحرام وجب عليه الرجوع فإن لم يرجع فعليه دم وهو سبع بقرة أو سبع بدنه أو رأس من الغنم يجزئ في الأضحية إذا كان حين مر على الميقات ناويا الحج أو العمرة لحديث ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين).
ومن مَرّ بالمواقيت وهو لا يريد حَجّاً ولا عمرة، ثم بدا له بعد ذلك أن يعتمر أو يحج فإنه يُحرم من المكان الذي عزم فيه على ذلك لحديث ابن عباس السابق : (ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة ).
جاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء : من مر على أي واحد من المواقيت التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو حاذاه جواً أو براً أو بحراً وهو يريد الحج أو العمرة وجب عليه الإحرام، وإذا كان لا يريد حجاً ولا عمرة فلا يجب عليه أن يحرم، وإذا جاوزها بدون إرادة حج أو عمرة، ثم أنشأ الحج أو العمرة من مكة أو جدة فإنه يحرم بالحج من حيث أنشأ من مكة أو جدة مثلاً. أما العمرة فإن أنشأها خارج الحرم أحرم من حيث أنشأ، وإن أنشأها من داخل الحرم فعليه أن يخرج إلى أدنى الحل ويحرم منه للعمرة. هذا هو الأصل في هذا الباب، وهذا الشخص المسئول عنه إذا كان أنشأ العمرة من جدة وهو لم يردها عند مروره الميقات، فعمرته صحيحة ولا شيء عليه.
والأصل في هذا حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: وقّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، قال: "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان دونهن فمهله من أهله وكذلك أهل مكة يهلون منها" متفق عليه. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصب، فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر، فقال: "اخرج بأختك من الحرم فتهل بعمرة ثم لتطف بالبيت، فإني أنتظركما هاهنا" قالت: فخرجنا فأهللت ثم طفت بالبيت وبالصفا والمروة، فجئنا رسول الله وهو في منزله في جوف الليل، فقال: "هل فرغت؟"، قلت: نعم، فأذن في أصحابه بالرحيل، فخرج فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح ثم خرج إلى المدينة متفق عليه. وبالله التوفيق.
من كان منزله دون المواقيت:
وَمَن كان أقربَ إلى مكة من هذه المواقيت فَيُحرم من مكانه، كذلك من كان بمكة وأراد الحج فميقاته منازل مكة لقوله عليه الصلاة والسلام: ((حتى أهل مكة من مكة)) رواه البخاري واللفظ له، ومسلم.
قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى : من كان دون المواقيت أحرم من مكانه مثل أهل أم السلم وأهل بحرة يحرمون من مكانهم وأهل جدة يحرمون من بلدهم ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس : "ومن كان دون ذلك – أي دون المواقيت – فمهله من حيث أنشأ "وفي لفظ آخر : "فمهله من أهله حتى أهل مكة يهلون منها" 2
أما في العمرة فيحرم من كان في الحَرَم من أدنى الحلّ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم قال لعبدالرحمن بن أبي بكر : « اخْرُج بأُختِك ـ يعني عائشة لما طلبت منه العمرة ـ من الحَرَم فَلتُهِل بعمرة» متفق عليه.
وقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء :" ميقات العمرة لمن بمكة الحل؛ لأن عائشة رضي الله عنها، لما ألحت على النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتمر عمرة مفردة، بعد أن حجت معه قارنة، أمر أخاها عبد الرحمن أن يذهب معها إلى التنعيم؛ لتحرم منه بعمرة، وهو أقرب ما يكون من الحل إلى مكة، وكان ذلك ليلاً، ولو كان الإحرام بالعمرة من مكة أو من أي مكان من الحرم جائز، لما شق النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه وعلى عائشة وأخيها، بأمره أخاها أن يذهب معها إلى التنعيم لتحرم منه بالعمرة، وقد كان ذلك ليلاً وهم على سفر، ويحوجه ذلك إلى انتظارهما، والإذن لها أن تحرم من منزلها معه ببطحاء مكة، وعملاً بسماحة الشريعة الإسلامية ويسرها؛ ولأنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وحيث لم يأذن لها في الإحرام بالعمرة من بطحاء مكة، دل ذلك على أن الحرم ليس ميقاتاً للإحرام بالعمرة، وكان هذا مخصصاً لحديث: "وقّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمهله من أهله، حتى أهل مكة من مكة". وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم"
محاذاة الميقات المكاني:
ومن كان طريقه يميناً أو شمالاً من هذه المواقيت فإنه يحرم عند محاذاة ميقاته سواء كان في الطائرة، أم في الباخرة، أم في السيارة، والدليل على ذلك ما رواه البخاري رحمه الله في الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لما فتح هذان المصران أتوا عمر فقالوا يا أمير المؤمنين: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّ لأهل نجد قرناً، وهو جور عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرناً شق علينا، قال: فانظروا حذوها من طريقكم؛ فحدَّ لهم ذات عرق" رواه البخاري (1531)
فإن لم يُحاذِ ميقاتاً مثل أهل سواكنَ في السودان ومن يمر من طريقهم فإنهم يحرمون من جُدّة.
هل تعتبر مدينة جدة من المواقيت المكانية:
تعتبر جدة ميقاتاً لأهلها وللمقيمين فيها من غير أهلها، وكذا لمن أتى إلى جدة ولم ينو الحج أو العمرة إلا وهو في أرض جدة، وعلى ذلك إذا أراد أحد من أهل جدة أو المقيمين فيها؛ أن يحج أو يعتمر فإنه يحرم من جدة، ولا يلزمه الذهاب إلى أحد المواقيت ليحرم منها.
أما غير أهلها فقد جاء في كلام لفضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وأما جعل جدة ميقاتاً لكل من يأتي بالطائرة فهو قول واه مصادم للنصوص، ينبغي هجره، والرد على قائله، فالسنة واضحة في هذا الأمر، والأحكام لا تختلف بالطيران والارتفاع عن الأرض عن القرار عليها في مثل هذا" 3 .
وصدرت بذلك فتوى من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، ومن غيره من العلماء؛ لأن جدة دون المواقيت التي جاءت بها النصوص الشرعية.
لكنها ميقات لمن لم يحاذ ميقاتاً، وقد ضرب العلماء بهذا مثال مدينة سواكن بالسودان؛ لأن أهل هذه المدينة يصلون إلى جدة قبل أن يحاذوا ميقاتاً، فإن أهل هذه المدينة هم الذين يحرمون منها فقط، أما ما عداهم من أناس يحاذون ميقاتاً؛ فيجب عليهم الإحرام من المكان الذي يحاذون فيه الميقات
شاعر في المشاعر
10-02-2013, 11:07 AM
إن من أركان الحج المتفق عليها الإحرام، فلا يصح الحج إلا به، ولهذا الركن مواقيت زمانية، ومواقيت مكانية، والتزام مريد الحج بهذه المواقيت من الواجبات التي لابد منها في حجه.
وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز لمن أراد الحج أو العمرة مجاوزة الميقات المكاني بغير إحرام, فإن جاوزه متعمداً فهو آثم.
وهنا يحصل تساؤل : ما الواجب في حق من تجاوز الميقات بدون إحرام وهو يريد الحج أو العمرة؟
الأقوال في ذلك هي:
1- إن لم يحرم بعد فيعود إلى الميقات ويحرم ولا شيء عليه، وليس في ذلك خلاف.
2- إن أحرم بعد أن تجاوز الميقات فعليه دم، سواء عاد إلى الميقات أم لم يعد. ( مالك وأحمد ) وهذا هو القول الراجح. وممن رجحه ابن قدامة والشيخ محمد ابن إبراهيم والشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين واللجنة الدائمة.
3- إن عاد إلى الميقات قبل أن يتلبس بأفعال الحج أو العمرة فلم يلزمه دم، وإن أحرم بعد الميقات. ( الشافعي )
4- إن رجع إلى الميقات فلبى سقط عنه الدم وإن لم يلبِّ لم يسقط. ( أبو حنيفة )
وهذه الأقوال يذكرها ابن قدامه رحمه الله في المغني فيقول:
مسألة: قال : ومن أراد الإحرام فجاوز الميقات غير محرم رجع فأحرم من الميقات فإن أحرم من مكانه فعليه دم وإن رجع محرماً إلى الميقات.
وجملة ذلك أن من جاوز الميقات مريداً للنسك غير محرم فعليه أن يرجع إليه ليحرم منه إن أمكنه سواء تجاوزه عالماً به أو جاهلاً، علم تحريم ذلك أو جهله، فإن رجع إليه فأحرم منه فلا شيء عليه لا نعلم في ذلك خلافاً، وبه يقول جابر بن يزيد والحسن وسعيد بن جبير والثوري والشافعي وغيرهم : لأنه أحرم من الميقات الذي أمر بالإحرام منه فلم يلزمه شيء كما لو لم يتجاوزه.
وإن أحرم من دون الميقات فعليه دم سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع، وبهذا قال مالك وابن المبارك.
وظاهر مذهب الشافعي أنه إن رجع إلى الميقات فلا شيء عليه إلا أن يكون قد تلبس بشيء من أفعال الحج كالوقوف وطواف القدوم فيستقر الدم عليه، لأنه حصل محرماً في الميقات قبل التلبس بأفعال الحج فلم يلزمه دم، كما لو أحرم منه.
وعن أبي حنيفة إن رجع إلى الميقات فلبى سقط عنه الدم وإن لم يلب لم يسقط.
وعن عطاء و الحسن و النخعي : لا شيء على من ترك الميقات.
وعن سعيد بن جبير : لا حج لمن ترك الميقات..."[1] .
ثم يرجح رحمه الله القول بأنه ( إن أحرم من دون الميقات فعليه دم سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع )، ويذكر الأدلة على ترجيحه فيقول: "... ولنا ما روى ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: (من ترك نسكا فعليه دم)[2] روي موقوفاً ومرفوعاً، ولأنه أحرم دون ميقاته فاستقر عليه الدم كما لو لم يرجع، أو كما لو طاف عند الشافعي، أو كما لو لم يلب عند أبي حنيفة، ولأنه ترك الإحرام من ميقاته فلزمه الدم كما ذكرنا، ولأن الدم وجب لتركه الإحرام من الميقات ولا يزول هذا برجوعه، ولا بتلبيته، وفارق ما إذا رجع قبل إحرامه منه، فإنه لم يترك الإحرام منه ولم يهتكه"[3].
وما رجحه ابن قدامة هو ما ذكره الإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ، قال: "إن كان قاصدًا الحج والعمرة من أصل سفره، فهذا إذا تعدى الميقات فعليه دم بلا نزاع؛ للسنة الظاهرة، وإن أمكنه أن يرجع قبل الإحرام رجع وأحرم ولا شيء عليه"
حكم من مر بالميقات وهو لا يريد حجاً أو عمرة:
يقول الشيخ محمد ابن إبراهيم رحمه الله: " وقوله: ((ممن أراد الحج والعمرة))[4] يحتج به من يذهب إلى أن مريد تجارة، أو زيارة الأرحام لا يلزمه إحرام، والمعروف لزوم ذلك، لزوم كل مريد مكة بحج أو عمرة أو غير ذلك، وهو من خصائص مكة، وهذا أحد القولين أو الثلاثة، وأحمد وأكثر أهل العلم وقول ابن عباس، ويقولون إنه خرج مخرج الغالب فلا يكون قيدًا؛ لأن الغالب قصد مكة لذلك"[5].
ويرجح ابن عثيمين رحمه الله أنه لا شيء على من تجاوز الميقات وهو لا يريد الحج أو العمرة، فقال: "وأما إذا تجاوزه وهو لا يريد الحج ولا العمرة، فإنه لا شيء عليه، سواء طالت مدة غيابة عن مكة أم قصرت، وذلك لأننا لو ألزمناه بالإحرام من الميقات في مروره هذا، لكان الحج يجب عليه أكثر من مرة أو العمرة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحج لا يجب في العمرة إلا مرة، وأن ما زاد فهو تطوع، وهذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم في من تجاوز الميقات بغير إحرام، إي أنه إذا كان لا يريد الحج ولا العمرة ، فليس عليه شيء، ولا يلزمه الإحرام من الميقات"[6].
من تجاوز الميقات ناسياً أو جاهلاً مكانه:
والدم واجب على مريد الحج أو العمرة إذا تجاوز الميقات ولم يرجع إليه، ولو كان ناسياً أو جاهلاً مكانه،سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "شخص أراد أن يأخذ عمرة ولكنه نسى أن يحرم من الميقات؟ الجواب: يرجع لميقاته الذي نسى أن يحرم منه فيحرم من هناك وإن لم يستطع فإنه يحرم من مكانه الذي ذكر فيه، ويذبح فدية في مكة يوزعها على فقراء مكة، أما إذا كان لم ينو العمرة، وقال إن تيسر لي اعتمرت فإنه يحرم من حيث تيسر له"[7].
حكم الإحرام من جدة لغير أهلها:
وفي هذه الأيام نجد أن الكثير ممن يصل إلى مطار جدة لا يحرم إلا من جدة، فهو يمر على ميقات بلده ولا يحرم، على أنه سيحرم من جدة، وعلى هذه المسألة نبه العلامة ابن جبرين رحمه الله إذ يقول: "إذا مر على الميقات وجب عليه أن يحرم منه، فإذا جاوز الميقات وأحرم بعدما جاوزه فعليه دم؛ لأنه ترك الإحرام من الميقات. وكثيراً ما يقع السؤال عن الذين يذهبون إلى جدة، ثم يحرمون منها، فهؤلاء عليهم دم؛ حيث إنهم تجاوزوا الميقات، سواء كان سفرهم براً أو جواً، فيلزمهم أن يحرموا من الميقات، فيحرم -مثلاً- في الطائرة من محاذاة الميقات، ولو تقدمه بخمس أو عشر دقائق جاز، ويحرم من كان في سيارة إذا مر بالميقات، وإذا قدر أنه تجاوز الميقات ووصل إلى جدة، ثم أراد أن يحرم؛ لزمه أن يرجع حتى يحرم من الميقات، فمن لم يرجع وأحرم بعدما جاوز الميقات فعليه دم، ولا يفيده رجوعه بعد الإحرام، فلو وصل -مثلاً- إلى الزيمة، ثم أحرم منها، ورجع بعد ما أحرم إلى السيل ما سقط عنه الدم، أما إذا رجع قبل أن يحرم فإن عليه أن يحرم من الميقات ولا دم عليه، وهكذا إذا وصلوا إلى جدة عن طريق الجو ولم يحرموا، نقول لهم: ارجعوا إلى الميقات، وإن أحرمتم من جدة فعليكم الدم لمجاوزة الميقات"[8].
وبهذا يتضح عدم جواز مجاوزة الميقات بدون إحرام لمن مر عليه وهو يريد الحج أو العمرة ، فإن جاوزه وجب عليه أن يرجع فيحرم منه ولا شيء عليه، فإن أحرم بعد أن تجاوزه فعليه دم ، شاة يذبحها في مكة ويوزعها على فقراء الحرم ، سواء رجع إلى الميقات بعد أن أحرم أم لم يرجع.
شاعر في المشاعر
10-02-2013, 11:08 AM
انواع النسك
===================
الإفراد
تعريفه:
هو أن يحرم بالحج وحده في أشهر الحج بأن يقول: " لبيك اللهم حجاً " وذلك من الميقات أو من منزله إن كان دون الميقات أو من مكة إذا كان مقيماً بها ،ثم يبقى على إحرامه إلى أن يتحلل التحلل الأول يوم النحر .
من قال إنه أفضل الأنساك:
ذهب مالك والشافعي إلى أن: الإفراد بالحج أفضل من القران والتمتع[1]، وروي ذلك عن عمر وعثمان وجابر وابن مسعود وابن عمر وعائشة. وقال أبو حنيفة : القران أفضل، وقال الإمام أحمد: التمتع أفضل.
قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: " ولم يختلف كلام أحمد أن من لم يسق الهدي وقدم في أشهر الحج فالتمتع أفضل له ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذين حجوا معه جميعهم أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة إلا من ساق الهدي . ومذهب أحمد أيضاً أنه إذا أفرد الحج بسفرة والعمرة بسفرة فهذا الإفراد أفضل له من التمتع . نص على ذلك في غير موضع . وذكره أصحابه : كالقاضي أبي يعلى في تعليقه وغيره . وكذلك مذهب سائر العلماء حتى أصحاب أبي حنيفة فإنهم نصوا على أن العمرة الكوفية أفضل من القران" (مجموع الفتاوى 26/ 37 ).
ثم قال رحمه الله: " فالصحابة الذين استحبوا الإفراد كعمر بن الخطاب وغيره إنما استحبوا أن يسافر سفرا آخر للعمرة ؛ ليكون للحج سفر على حدة وللعمرة سفر على حدة . وأحمد وأبو حنيفة وغيرهما اتبعوا الصحابة في ذلك واستحبوا هذا الإفراد على التمتع والقران ". ( مجموع الفتاوى 26/ 45)
وقال أيضاً : " ولهذا كان الصواب أن من ساق الهدي فالقران له أفضل، ومن لم يسق الهدي وجمع بينهما في سفر وقدم في أشهر الحج فالتمتع الخاص أفضل له، وإن قدم في شهر رمضان وقبله بعمرة فهذا أفضل من التمتع، وكذلك لو أفرد الحج بسفرة والعمرة بسفرة فهو أفضل من المتعة المجردة ؛ بخلاف من أفرد العمرة بسفرة ثم قدم في أشهر الحج متمتعاً فهذا له عمرتان وحجة فهو أفضل، كالصحابة الذين اعتمروا مع النبي صلى الله عليه وسلم عمرة القضية ثم تمتعوا معه في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج فهذا أفضل الإتمام . وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أولاً ثم قرن في حجه بين العمرة والحج لما ساق الهدي ؛ لكنه لم يزد على عمل المفرد فلم يطف للعمرة طوافاً رابعاً ولهذا قيل : إنه أفرد بالحج . ثم إن الناس كانوا في عهد أبي بكر وعمر لما رأوا في ذلك من السهولة صاروا يقتصرون على العمرة في أشهر الحج ويتركون سائر الأشهر . لا يعتمرون فيها من أمصارهم فصار البيت يعرى عن العمار من أهل الأمصار في سائر الحول فأمرهم عمر بن الخطاب بما هو أكمل لهم بأن يعتمروا في غير أشهر الحج فيصير البيت مقصوداً معموراً في أشهر الحج وغير أشهر الحج وهذا الذي اختاره لهم عمر هو الأفضل حتى عند القائلين بأن التمتع أفضل من الإفراد والقران كالإمام أحمد وغيره". ( مجموع الفتاوى 26 / 276 )
وقد بينَّا في كلامنا على نسك التمتع أنه أفضل الأنساك، وذكرنا الأدلة على ذلك فلتراجع هناك.
أعمال المفرد:
- إذا وصل الحاج إلى الميقات وهو يريد الإفراد فإنه يغتسل ويتطيب في رأسه، ولحيته، وجسمه - لا في ثيابه -، ويلبس الإزار والرداء، ثم يقول: "لبيك اللهم حجاً".
- إذا وصل إلى مكة طاف طواف القدوم، سبعة أشواط، وهو ليس من واجبات الحج ، فمن وصل إلى منى مباشرة أو إلى عرفة مباشرة ولم يدخل مكة قبل يوم عرفة فليس عليه طواف القدوم.
- ثم بعد طواف القدوم يسعى سعي الحج بين الصفا والمروة ، وهذا ركن من أركان الحج، ويمكن تأخيره إلى ما بعد طواف الإفاضة.
- يخرج الحجاج كلهم - المتمتع والقارن والمفرد - فينزلون بمنى يوم الثامن ، ويصلون فيها الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وفجر اليوم التاسع قصراً بلا جمع.
- فإذا كان اليوم التاسع دفعوا بعد طلوع الشمس إلى عرفة، فينزلون بنمرة إن تيسر، وإلا استمروا إلى عرفة، ونزلوا بها، حتى إذا زالت الشمس (يعني: حلَّ وقت صلاة الظهر) صلوا الظهر والعصر جمعاً وقصراً، ثم شرعوا بعد ذلك في الدعاء إلى غروب الشمس، ويدعو الحاج بما شاء من أمور الدين والدنيا، وإذا تعب وملَّ يُروّح عن نفسه إما بحديث مع أصحابه، وإما بقراءة كتب، وإما بقراءة قرآن، ومما يدفع الملل أن يمسك الإنسان المصحف إن كان لا يحفظ، أو يقرأ إن كان يحفظ، كلما مرَّ بآية رحمة سأل، وبآية وعيد تعوذ، وبآية تسبيح سبح، وهذا في الحقيقة يجمع بين القراءة والدعاء، والغالب أنه إذا سلك هذا لا يمل فليفعل؛ لأنه خير، إلى أن تغرب الشمس من اليوم التاسع. وخير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما يقوله العبد: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
- يدفع بعد غروب الشمس من عرفة إلى مزدلفة، ويصلي بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً، ويبيت بها إلى طلوع الفجر.
- فإذا طلع فجر اليوم العاشر صلى الفجر بسنتها، وبقي يذكر الله سبحانه وتعالى بما أحب، إلى أن يسفر جداً، فيدفع قبل أن تطلع الشمس متجهاً إلى منى، ويسلك أقرب طريق إلى الجمرة - جمرة العقبة - لأن النبي صلى الله عليه وسلم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة، فيرمي الجمرة - جمرة العقبة - بسبع حصيات يأخذهن من أي مكان شاء، يكبر مع كل حصاة تذللاً لله عز وجل، وتأسياً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإقامة لذكر الله.
- ثم يحلق شعره أو يقصر، وبذلك يكون قد تحلل التحلل الأول، فيجوز له ما حرم عليه بالإحرام إلا النساء.
- ثم ينزل إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة: وهذا الطواف ركن من أركان الحج يفعله المتمتع والقارن والمفرد. ويمكن أن يؤخره ويجمعه مع طواف الوداع إن شق عليه. لكن تعجيله أفضل وموافقة للسنة.
- ثم إن كان المفرد قد سعى بين الصفا والمروة بعد طواف القدوم فيكفي السعي الأول، وإلا سعى بعد طواف الإفاضة. وبذلك يكون قد تحلل التحلل الثاني وحل له كل ما حرم عليه بالإحرام حتى النساء.
- ثم يخرج إلى منى فيبيت بها ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر، وبعد الزوال من كل يوم يرمي الجمرات الثلاث الأولى ( الصغرى )، ثم الوسطى، ثم العقبة ( الكبرى، يرمي كل واحدة بسبع حصيات متعاقبات يقول عند رمي كل حصاة: "الله أكبر".
فإذا فرغ من الجمرة الأولى تقدم قليلاً وأخذ ذات اليمين، فوقف مستقبلاً القبلة، رافعاً يديه، يدعو الله تعالى دعاءً طويلاً فيما أحب. وكذلك أيضاً بعد رمي الوسطى يتقدم قليلاً إلى اليسار، ويقف مستقبلاً القبلة يدعو ويسأل الله من خيري الدنيا والآخرة. أما العقبة فلا وقوف بعدها لا يوم النحر ولا الأيام التي بعده، بل يرميها وينصرف.
_ فإذا رمى اليوم الثاني عشر فله الخيار بين أن يبقى إلى الثالث عشر ويرمي، أو ينزل إلى مكة ويتعجل، لقول الله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} (البقرة:203). فإن نوى التعجل فإنه يخرج من منى قبل غروب شمس اليوم الثاني عشر. والتأخر أفضل لأنه سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر عملاً.
_ ثم يطوف طواف الوداع إن كان من غير أهل مكة وأراد السفر ، وهو واجب ويسقط عن النفساء والحائض.
وبهذا يتبين أن عمل المُفرد والقارن سواء، إلا أن القارن عليه الهديُ لحصول النُّسُكين له دون المفرد، وبصيغة الإحرام أيضاً. [2]
شاعر في المشاعر
10-02-2013, 11:08 AM
التمتع
لحج بيت الله تعالى ثلاثة أنواع من النسك هي: التمتع، والقران، والإفراد، وهذا من حكمة الله تعالى وتسهيله على عباده لئلا يُحرِّج عليهم، وفي هذه السطور سنتحدث عن النوع الأول من هذه الأنواع: وهو التمتع.
تعريفه:
لغة: هو الانتفاع.
وشرعاً: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ( شوال وذي القعدة وعشر ذي الحجة ) ويفرغ منها ويتحلل بطواف وسعي وتقصير، ويحل له كل شيء من محظورات الإحرام، ثم يحرم بالحج في نفس العام.
وسمي تمتعاً لأن الإنسان يتمتع فيه بما أحل الله له بين النسكين العمرة والحج.
فضله:
الذي عليه الأدلة الصحيحة والصريحة أن هذا النسك (التمتع) هو أفضل الأنساك الثلاثة، ويدل على ذلك:
- أن الله تعالى نص عليه في القرآن فقال: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (سورة البقرة:196).
- وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به من لم يسق الهدي من أصحابه لما طافوا وسعوا أن يجعلوها عمرة، وتمنى أن يوافقهم لولا أنه قد ساق الهدي فقال: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أن معي الهدي لأحللت)) البخاري (1568) واللفظ له، ومسلم (1216)، وهو صلى الله عليه وسلم لا يختار لهم فيأمرهم إلا بالأفضل، ولا يتأسف إلا على الأفضل، وأحاديث التمتع متواترة رواها أكابر الصحابة.
- ولإتيانه بأفعالهما كاملة على وجه اليسر والسهولة.
- ولأنه أكثر عملاً من غيره.
- ولأن المتمتع يلزمه هدي، ولزوم الهدي هذا فضيلة ليس غرماً وخسراناً، بل هو فضيلة ونعمة من الله عز وجل؛ لأنه شكر لله عز وجل على تيسير هذين النسكين جميعاً؛ العمرة والحج. قال الترمذي رحمه الله: "وأهل الحديث يختارون التمتع بالعمرة إلى الحج، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق"، وقد قال بأفضليته الحنابلة ، وبذلك أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة[1]، والشيخان ابن باز وابن عثيمين رحمه الله[2]؛ وغيرهم للأسباب السابقة، مع إجماع كل العلماء على جواز اختيار أي نسك من الثلاثة بلا كراهة.
والتمتع أفضل في حق من لم يسق الهدي، ويتأكد أكثر في حق من لم يأت بعمرة من قبل، أما القران فهو أفضل لمن ساق الهدي لحديث النبي صلى الله عليه وسلم وفعله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ولهذا كان الصواب أن من ساق الهدي فالقران له أفضل، ومن لم يسق الهدي وجمع بينهما في سفر وقدم في أشهر الحج فالتمتع الخاص أفضل له، وإن قدم في شهر رمضان وقبله بعمرة فهذا أفضل من التمتع، وكذلك لو أفرد الحج بسفرة والعمرة بسفرة فهو أفضل من المتعة المجردة ؛ بخلاف من أفرد العمرة بسفرة ثم قدم في أشهر الحج متمتعاً فهذا له عمرتان وحجة فهو أفضل، كالصحابة الذين اعتمروا مع النبي صلى الله عليه وسلم عمرة القضية ثم تمتعوا معه في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج فهذا أفضل الإتمام" ( مجموع الفتاوى 26 / 276 )
أعمال المتمتع:
- يحرم بالعمرة أولاً من الميقات، "والإحرام: هو نية النسك، وليس لبس ثوب الإحرام؛ لأن الإنسان قد ينوي النسك فيكون محرماً، ولو كان عليه قميصه وإزاره، ولا يكون محرماً ولو لبس الإزار والرداء إذا لم ينو، والنية محلها القلب فيكون داخلاً في النسك إذا نوى أنه داخل فيه"[3]، "فإذا وصل الميقات اغتسل اغتسالاً تاماً كما يغتسل للجنابة، لا فرق في هذا بين الرجال والنساء، ولا بين النساء الطاهرات والنساء الحائضات، الكل يغتسل كما يغتسل للجنابة، وهذا من سنّة الإحرام ومستحباته، ثم يتطيب الرجل في رأسه ولحيته بأطيب ما يجد، ويكثر حتى يرى بريق الطيب في رأسه لا في ثيابه، ثم يلبس إزاراً ورداءً، والأفضل أن يكونا أبيضين نظيفين أو جديدين، وتتطيب المرأة بطيب لا تفوح رائحته للرجال لما روت عائشة رضي الله عنها قالت:" كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمد جباهنا بالمسك عند الإحرام، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهاها"[4].
ثم يلبي قائلاً: "لبيك اللهم عمرة" إذا ركب السيارة، وإن شاء بعد الصلاة إن كان هناك صلاة، "لبيك عمرة".. "لبيك عمرة". أي: يسمي نسكه في التلبية، "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"، يصوّت بها الرجل، وتخفيها المرأة، ويقول: "لبيك عمرة".
- فإذا وصل إلى مكة دخل المسجد الحرام، ويقدم رجله اليمنى ويقول: "باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك".
- ثم يأتي بالعمرة كاملة فيطوف ويسعى ويقصر، ثم يلبس ثيابه، ويحل من إحرامه إحلالاً تاماً بعكس القارن والمفرد فإنهما لا يحلان من إحرامهما، بل يبقيان محرمين.
- فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج من مكان نزوله، وخرج إلى منى، وصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء قصراً للرباعية من غير جمع، وبات بها ليلة التاسع، وأما القارن والمفرد فيخرج إلى منى بدون إحرام جديد؛ لأنه أصلاً لم يحل من إحرامه.
- فإذا كان يوم التاسع صلى الفجر بمنى، ثم يدفع بعد طلوع الشمس إلى عرفة - يفعل ذلك المتمتع والقارن والمفرد - فينزلون بنمرة إن تيسر، وإلا استمروا إلى عرفة، ونزلوا بها، حتى إذا زالت الشمس (يعني: حلَّ وقت صلاة الظهر) صلوا الظهر والعصر جمعاً وقصراً، ثم شرعوا بعد ذلك في الدعاء إلى غروب الشمس، ويدعو الحاج بما شاء من أمور الدين والدنيا، وإذا تعب وملَّ يُروّح عن نفسه إما بحديث مع أصحابه، وإما بقراءة كتب، وإما بقراءة قرآن، ومما يدفع الملل أن يمسك الإنسان المصحف إن كان لا يحفظ، أو يقرأ إن كان يحفظ، كلما مرَّ بآية رحمة سأل، وبآية وعيد تعوذ، وبآية تسبيح سبح، وهذا في الحقيقة يجمع بين القراءة والدعاء، والغالب أنه إذا سلك هذا لا يمل فليفعل؛ لأنه خير، إلى أن تغرب الشمس من اليوم التاسع. وخير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما يقوله العبد: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدبر.
- يدفع بعد غروب الشمس من عرفة إلى مزدلفة، ويصلي بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً، ويبيت بها إلى طلوع الفجر.
- فإذا طلع فجر اليوم العاشر صلى الفجر بسنتها، وبقي يدعو ويذكر الله سبحانه وتعالى بما أحب، إلى أن يسفر جداً، فيدفع قبل أن تطلع الشمس متجهاً إلى منى، ويسلك أقرب طريق إلى الجمرة - جمرة العقبة - لأن النبي صلى الله عليه وسلم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة، فيرمي الجمرة - جمرة العقبة - بسبع حصيات يأخذهن من أي مكان شاء، يكبر مع كل حصاة تذللاً لله عز وجل، وتأسياً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإقامة لذكر الله.
- ثم ينحر هديه ( شاة أو سبع بقرة أو سبع بدنة ). فإن لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله.
- ثم يحلق شعره أو يقصر، وبذلك يكون قد تحلل التحلل الأول، فيجوز له ما حرم عليه بالإحرام إلا النساء.
ويحصل التحلل الأول بفعل اثنين من ثلاثة : الرمي والحلق أو التقصير والطواف، والسنة ترتيب أعمال يوم العيد: الرمي ثم الذبح للمتمتع والقارن ثم الحلق أو التقصير ثم الطواف ثم سعي الحج للمتمتع ، وللقارن والمفرد إن لم يكون قد طاف مع طواف القدوم.
- ثم ينزل إلى مكة فيطوف طواف الإفاضة ( ويسمى طواف الحج وطواف الزيارة )، ويسعى سعي الحج، أما القارن فسينوي بطواف الإفاضة الذي يكون يوم العيد أنه للحج والعمرة جميعاً، كما ينوي بالسعي الذي سعاه بعد طواف القدوم أو أخره إلى ما بعد الإفاضة أنه للحج والعمرة جميعاً.
وطواف الإفاضة ركن من أركان الحج يفعله المتمتع والقارن والمفرد. ويمكن أن يؤخره ويجمعه مع طواف الوداع إن شق عليه. لكن تعجيله أفضل وموافقه للسنة.
فإذا أتم نسكه فرمى وحلق وطاف وسعى فقد تحلل التحلل الثاني وحل له كل شيء حرم عليه بالإحرام حتى النساء.
ومن هذا يتبين لنا أن على المتمتع طوافين وسعيين ( طواف العمرة وسعي العمرة ) ( وطواف الحج وسعي الحج ).
- ثم يرجع إلى منى فيبيت بها ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر، وبعد الزوال من كل يوم يرمي الجمرات الثلاث الأولى ( الصغرى )، ثم الوسطى، ثم العقبة ( الكبرى، يرمي كل واحدة بسبع حصيات متعاقبات يقول عند رمي كل حصاة: "الله أكبر".
فإذا فرغ من الجمرة الأولى تقدم قليلاً وأخذ ذات اليمين، فوقف مستقبلاً القبلة، رافعاً يديه، يدعو الله تعالى دعاءً طويلاً فيما أحب. وكذلك أيضاً بعد رمي الوسطى يتقدم قليلاً إلى اليسار، ويقف مستقبلاً القبلة يدعو ويسأل الله من خيري الدنيا والآخرة. أما العقبة فلا وقوف بعدها لا يوم النحر ولا الأيام التي بعده، بل يرميها وينصرف.
- فإذا رمى الجمار في اليوم الثاني عشر فله الخيار بين أن يبقى إلى الثالث عشر ويرمي، أو ينزل إلى مكة ويتعجل، لقول الله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} (البقرة:203). فإن نوى التعجل فإنه يخرج من منى قبل غروب شمس اليوم الثاني عشر. والتأخر أفضل لأنه سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر عملاً.
- فإن تأخر إلى اليوم الثالث عشر ، بات بمنى تلك الليلة ، ثم يرمي الجمرات الثلاث في اليوم الثالث عشر، وهو آخر أيام التشريق.
- وإذا أراد أن يرجع إلى بلده فإنه لا يخرج حتى يطوف للوداع.وهو واجب ويسقط عن النفساء والحائض.
شاعر في المشاعر
10-02-2013, 11:08 AM
القِران
هذا هو النوع الثاني من أنواع النسك، وإليك شيئاً من تفصيله:
تعريفه:
أن يحرم بالعمرة والحج جميعاً فيقول: لبيك عمرة وحجاً، أو يحرم بالعمرة أولاً، ثم يُدْخِل الحج عليها قبل الشروع في طوافها كما جرى ذلك لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين أحرمت بالعمرة فأصابها الحيض، فأمرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تُدْخِل الحج على العمرة، وكان ذلك قبل أن تطوف للعمرة.
صور القِران:
مما يتميز به هذا النسك عن غيره أن له ثلاث صور:
الأولى: أن يحرم بالحج والعمرة معاً فيقول: لبيك عمرة وحجاً، أو لبيك حجاً وعمرة، وقالوا: الأفضل أن يقدم العمرة في التلبية فيقول: "لبيك عمرة وحجاً"؛ لأن تلبية النبي صلّى الله عليه وسلّم هكذا، ولأنها سابقة على الحج.
الثانية: أن يحرم بالعمرة وحدها، ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في الطواف.
الثالثة: أن يحرم بالحج أولاً، ثم يدخل العمرة عليه، وهذه الصورة فيها خلاف بين العلماء.[1] وقد رجح جوازها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
فضله لمن ساق الهدي:
تبين لنا في الكلام على موضوع التمتع أن التمتع هو أفضل أنواع الحج على القول الراجح، وذكرنا هناك مستند هذا الترجيح، لكن إن كان الحاج قد ساق الهدي فالقران أفضل في حقه، وذلك لثلاثة أوجه:
الأول: لأن التمتع في حقه متعذر فكيف يتمتع وهو لم يحل، والذي ساق الهدي لا يحل إلا في يوم العيد فمتى يتمتع؟
الثاني: لأن القران مع سوق الهدي فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم، فالقران إذاً أفضل.
الثالث: أنه يجمع بين الحج والعمرة، مع أنه لو أفرد وقد ساق الهدي صح، فصار القران لمن ساق الهدي أفضل لهذه الأوجه الثلاثة[2].
ومن العلماء من قال بأن القران أفضل مطلقاً سواء ساق الهدي، أم لم يسقه وهم الحنفية[3]، علماً أن هذا هو نسك النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أنس رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لبيك عمرة وحجاً))[4]، لكن إنما نسك النبي صلى الله عليه وسلم هذا النسك لأنه ساق الهدي لا لأنه أفضل الأنساك الثلاثة؛ بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم تمنَّى أنه لو لم يسق الهدي كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، ولحللت مع الناس حين حلُّوا)) رواه البخاري (7229) واللفظ له، ومسلم (2990).
أعمال القارن:
- إذا وصل الحاج إلى الميقات وهو يريد القران فإنه يغتسل ويتطيب في رأسه، ولحيته، وجسمه - لا في ثيابه -، ويلبس الإزار والرداء، ثم يقول: "لبيك اللهم عمرة وحجاً" أو " لبيك حجاً وعمرة " والأول أولى.
- إذا وصل إلى مكة طاف طواف القدوم، سبعة أشواط، وهو ليس من واجبات الحج ، فمن وصل إلى منى مباشرة أو إلى عرفة مباشرة ولم يدخل مكة قبل يوم عرفة فليس عليه طواف القدوم.
- ثم بعد طواف القدوم يسعى بين الصفا والمروة ( وهذا السعي لحجه وعمرته )، وهذا ركن من أركان الحج، ويمكن تأخيره إلى ما بعد طواف الإفاضة.
- يخرج الحجاج كلهم - المتمتع والقارن والمفرد - فينزلون بمنى يوم الثامن ، ويصلون فيها الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وفجر اليوم التاسع قصراً بلا جمع.
- فإذا كان اليوم التاسع دفعوا بعد طلوع الشمس إلى عرفة، فينزلون بنمرة إن تيسر، وإلا استمروا إلى عرفة، ونزلوا بها، حتى إذا زالت الشمس (يعني: حلَّ وقت صلاة الظهر) صلوا الظهر والعصر جمعاً وقصراً، ثم شرعوا بعد ذلك في الدعاء إلى غروب الشمس، ويدعو الحاج بما شاء من أمور الدين والدنيا، وإذا تعب وملَّ يُروّح عن نفسه إما بحديث مع أصحابه، وإما بقراءة كتب، وإما بقراءة قرآن، ومما يدفع الملل أن يمسك الإنسان المصحف إن كان لا يحفظ، أو يقرأ إن كان يحفظ، كلما مرَّ بآية رحمة سأل، وبآية وعيد تعوذ، وبآية تسبيح سبح، وهذا في الحقيقة يجمع بين القراءة والدعاء، والغالب أنه إذا سلك هذا لا يمل فليفعل؛ لأنه خير، إلى أن تغرب الشمس من اليوم التاسع. وخير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما يقوله العبد: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
- يدفع بعد غروب الشمس من عرفة إلى مزدلفة، ويصلي بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً، ويبيت بها إلى طلوع الفجر.
- فإذا طلع فجر اليوم العاشر صلى الفجر بسنتها، وبقي يذكر الله سبحانه وتعالى بما أحب، إلى أن يسفر جداً، فيدفع قبل أن تطلع الشمس متجهاً إلى منى، ويسلك أقرب طريق إلى الجمرة - جمرة العقبة - لأن النبي صلى الله عليه وسلم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة، فيرمي الجمرة - جمرة العقبة - بسبع حصيات يأخذهن من أي مكان شاء، يكبر مع كل حصاة تذللاً لله عز وجل، وتأسياً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإقامة لذكر الله.
- ثم ينحر هديه ( شاة أو سبع بقرة أو سبع بدنة ). فإن لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله.
- ثم يحلق شعره أو يقصر، والحلق أفضل. لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حلق ودعا للمحلقين ثلاث مرات، وفي الرابعة بعد المراجعة دعا للمقصرين، وبالرمي والحلق أو التقصير يحل التحلل الأول وإن لم ينحر؛ لأن النحر لا علاقة له بالتحلل.
- ثم ينزل إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة: وهو طواف الحج بالنسبة للمتمتع والمفرد، وبالنسبة للقارن طواف حج وعمرة. وهذا الطواف ركن من أركان الحج. ويمكن أن يؤخره ويجمعه مع طواف الوداع إن شق عليه. لكن تعجيله أفضل وموافقه للسنة.
- ثم إن كان القارن قد سعى بين الصفا والمروة بعد طواف القدوم فيكفي السعي الأول، وإلا سعى بعد طواف الإفاضة. وبذلك يكون قد تحلل التحلل الثاني وحل له كل ما حرم عليه بالإحرام حتى النساء.
- ثم يخرج إلى منى فيبيت بها ليلة الحادي عشر، وليلة الثاني عشر، وبعد الزوال يرمي الجمرات الثلاث: الأولى، ثم الوسطى، ثم الكبرى. الأولى تسمى الصغرى، والوسطى الوسطى، والكبرى جمرة العقبة، يرمي كل واحدة بسبع حصيات متعاقبات، يقول عند رمي كل حصاة: "الله أكبر"، فإذا فرغ من الجمرة الأولى تقدم قليلاً إلى اليمين حتى لا يتأذى بالمزاحمة، فوقف مستقبلاً القبلة رافعاً يديه يدعو الله تعالى دعاءً طويلاً فيما أحب، وكذلك أيضاً بعد رمي الوسطى فإنه يتقدم إلى اليسار ويدعو، أما العقبة فلا وقوف بعدها لا يوم النحر ولا الأيام التي بعدها.
-فإذا رمى الجمار في اليوم الثاني عشر فله الخيار بين أن يبقى إلى الثالث عشر ويرمي، أو ينزل إلى مكة ويتعجل، لقول الله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} (البقرة:203). فإن نوى التعجل فإنه يخرج من منى قبل غروب شمس اليوم الثاني عشر. والتأخر أفضل لأنه سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر عملاً.
- فإن تأخر إلى اليوم الثالث عشر ، بات بمنى تلك الليلة ، ثم يرمي الجمرات الثلاث في اليوم الثالث عشر، وهو آخر أيام التشريق.
- وإذا أراد أن يرجع إلى بلده فإنه لا يخرج حتى يطوف للوداع.يطوفه بثيابه المعتادة، وهو واجب ويسقط عن النفساء والحائض.
وبذلك تمت له عمرته وحجه قارناً بهما، وبهذا يتبين أن عمل المُفرد والقارن سواء، إلا أن القارن عليه الهديُ لحصول النُّسُكين له دون المفرد، وبصيغة الإحرام أيضاً.
شاعر في المشاعر
10-02-2013, 11:09 AM
أنواع النسك
إن مما تميزت به الشريعة الإسلامية الغراء اليسر والسهولة في كافة تشريعاتها، ومن ذلك اليسر والسهولة في الحج، وهذا أمر معلوم لدى من تأمل في مناسك الحج وشعائره..
ومن اليسر والسهولة المتمثلة في الحج اليسر والسهولة في المناسك، فقد جاءت الشريعة بتخيير الحاج بين أن ينوي الحج على وفق ثلاثة أنساك، ولم تلزمه بنسك واحد، بل تركت الشريعة الخيار لمن وصل إلى الميقات في أشهر الحج-شوال، وذو القعدة, والعشر الأول من ذي الحجة-, وهو يريد الحج من عامه أن يحرم بأي نسك شاء من هذه الأنساك الثلاثة:
"الأول: التمتع بالعمرة إلى الحج، وهو أن يُحرم في أشهر الحج بالعمرة وحدها، ثم يفرغ منها بالطواف والسعي والتقصير، ويحل من إحرامه، ثم يحرم بالحج في وقته من نفس العام.
الثاني: القِران؛ وهو أن يحرم بالعمرة والحج جميعاً، أو يُحرم بالعمرة أولاً ثم يُدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها, فإذا وصل إلى مكة طاف طواف القدوم، وسعى بين الصفا والمروة للعمرة والحج سعياً واحداً، ثم استمرّ على إحرامه حتى يُحل منه يوم العيد.
ويجوز أن يؤخر السعي عن طواف القدوم إلى ما بعد طواف الحج، لاسيما إذا كان وصوله إلى مكة متأخراً وخاف فوات الحج إذا اشتغل بالسعي.
الثالث: الإفراد؛ وهو أن يُحرم بالحج مفرداً، فإذا وصل مكة طاف طواف القدوم، وسعى للحج، واستمر على إحرامه حتى يحل منه يوم العيد, ويجوز أن يؤخر السعي إلى ما بعد طواف الحج كالقارن. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "الإفراد أن يحرم بالحج وحده، فإذا وصل مكة طاف للقدوم ثم سعى للحج، ولا يحلق ولا يقصر، ولا يحل من إحرامه، بل يبقى محرمًا حتى يحل بعد رمي جمرة العقبة يوم العيد، وإن أخر سعى الحج إلى ما بعد طواف الحج فلا بأس"[1].
وبهذا تبين أن عمل المُفرد والقارن سواء، إلا أن القارن عليه الهديُ لحصول النُّسُكين له دون المفرد"[2]
فهذه الأنساك الثلاثة جائزة بإجماع العلماء. يقول النووي رحمه الله: "وقد أجمع العلماء على جواز الأنواع الثلاثة"[3]
وقال ابن قدامة رحمه الله: "أجمع أهل العلم على جواز الإحرام بأي الأنساك الثلاثة شاء"[4]
ودليل الجواز ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من أهل بعمرة -تمتع-، ومنا من أهل بحج وعمرة -قارن-، ومنا من أهل بحج-مفرد-" رواه البخاري(4056) ومسلم(2113)
شاعر في المشاعر
10-02-2013, 11:10 AM
أفضل أنواع النسك:
اختلف الفقهاء في الأفضل من هذه الأنواع الثلاثة:
فذهبت الشافعية إلى أن الإفراد والتمتع أفضل من القران، إذ أن المفرد أو المتمتع يأتي بكل واحد من النسكين بكمال أفعاله, والقارن يقتصر على عمل الحج وحده.
وقالوا في التمتع والإفراد قولان: أحدهما أن التمتع أفضل، والثاني أن الإفراد أفضل.
وقالت الحنفية: القران أفضل من التمتع والإفراد, والتمتع أفضل من الإفراد.
وذهبت المالكية إلى أن الإفراد أفضل من التمتع والقران.
وذهبت الحنابلة إلى أن التمتع أفضل من القران ومن الإفراد, وهذا هو الأقرب إلى اليسر، والأسهل على الناس[5].
وهو الذي تمناه رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، وأمر به أصحابه.
وهو ما رجحه كثير من العلماء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم أمر به أصحابه وحثهم عليه، بل أمرهم أن يُحولوا نية الحج إلى العمرة من أجل التمتع.
وروى المروذي عن أحمد: إن ساق الهدي، فالقران أفضل. وإن لم يسقه، فالتمتع أفضل.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ، فَقَالَ: "أَهَلَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَهْلَلْنَا فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اجْعَلُوا إِهْلَالَكُمْ بِالْحَجِّ عُمْرَةً إِلَّا مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ)), فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَتَيْنَا النِّسَاءَ وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ))[6].
وعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ مَعَنَا النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ, فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ طُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ, فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ), قَالَ: قُلْنَا: أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: (الْحِلُّ كُلُّهُ) قَالَ: فَأَتَيْنَا النِّسَاءَ وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ وَمَسِسْنَا الطِّيبَ, فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ) رواه مسلم (2128).
وفي رواية له عن عَطَاء قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي نَاسٍ مَعِي قَالَ: "أَهْلَلْنَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحَجِّ خَالِصاً وَحْدَهُ, قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ: "فَقَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُبْحَ رَابِعَةٍ مَضَتْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ, فَأَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ, قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ: (حِلُّوا وَأَصِيبُوا النِّسَاءَ) قَالَ عَطَاءٌ: وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِمْ, وَلَكِنْ أَحَلَّهُنَّ لَهُمْ, فَقُلْنَا لَمَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إِلَّا خَمْسٌ أَمَرَنَا أَنْ نُفْضِيَ إِلَى نِسَائِنَا فَنَأْتِيَ عرَفَةَ تَقْطُرُ مَذَاكِيرُنَا الْمَنِيَّ, قَالَ يَقُولُ جَابِرٌ بِيَدِهِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى قَوْلِهِ بِيَدِهِ يُحَرِّكُهَا, قَالَ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا، فَقَالَ: (قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَصْدَقُكُمْ وَأَبَرُّكُمْ وَلَوْلَا هَدْيِي لَحَلَلْتُ كَمَا تَحِلُّونَ وَلَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ فَحِلُّوا) فَحَلَلْنَا وَسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ: فَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ سِعَايَتِهِ فَقَالَ بِمَ أَهْلَلْتَ؟ قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا), قَالَ وَأَهْدَى لَهُ عَلِيٌّ هَدْيًا, فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَقَالَ: (لِأَبَدٍ) رواه مسلم (2131).
فهذا صريح في تفضيل التمتع على غيره من الأنساك؛ لقوله صلى الله عليه وسلّم: (لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ), ولم يمنعه من الحِلِّ إلا سوقُ الهدي، ولأنّ التمتُّع أيسر على الحاج، حيث يتمتع بالتحلل بين الحج والعمرة، وهذا هو الذي يُوافق مُرادَ الله عزّ وجل حيث قال سبحانه: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} سورة البقرة (185).
وممن ذهب إلى تفضيل التمتع على غيره من الأنساك العلامة ابن باز، وابن عثيمين، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، فقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: "أيهما أفضل للحاج التمتع أو القران فإذا كان التمتع، فكيف يرد على من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم حج قارنًا، وإن كان القران أفضل فكيف يرد على من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم نوى التمتع ولم ينو إلا الأفضل؟".
فأجاب رحمه الله بقوله: "الأفضل التمتع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالتمتع بعمرة، وهي أن يطوفوا ويسعوا ويقصروا وهذا الأفضل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن معي الهدي لأحللت) (رواه البخاري(1456) ومسلم(2193).
والذي معه هدي الأفضل أن يحرم بالحج والعمرة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والذي ليس معه هدي الأفضل أن يحرم بالعمرة فيطوف ويسعى ويقصر ويحل، ثم يحرم بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة هذه السنة"[7]
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "وأفضل هذه الأنواع الثلاثة التمتع، وهو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، وحثهم عليه، حتى لو أحرم الإنسان قارناً أو مفرداً فإنه يتأكد عليه أن يقلب إحرامه إلى عمرة -وهذه المسألة سيأتي الحديث عنها- ليصير متمتعاً ولو بعد أن طاف وسعى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما طاف وسعى عام حجة الوداع ومعه أصحابه أمر كل من ليس معه هدي أن يقلب إحرامه عمرة ويقصر ويحل. وقال صلى الله عليه وسلم: (لولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به).[8]
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/160)، فتوى رقم: (5229) ما نصه: "... وأفضل أنواع النسك الثلاثة: التمتع بالعمرة إلى الحج".
شاعر في المشاعر
10-02-2013, 11:11 AM
مسائل متعلقة بتغيير نية النسك:
تغيير النية في النسك له ست صور :
إما أن يكون من التمتع إلى الإفراد ، فهذا لا يجوز لأنه لما نوى العمرة وجب عليه إتمامها.
أو من التمتع إلى القران ، وهذا جائز بلا خلاف إذا أدخل الحج على العمرة قبل أن يشرع في طوافها.
أو من القران إلى الإفراد ، فهذا لا يجوز، حيث دخلت العمرة في أعمال الحج وهو مأمور بإتمامها.
و من القران إلى التمتع ، فهذا جائز، وهو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، ولو كان بعد أن طاف وسعى، فيتحلل بالعمرة، ثم يحرم للحج يوم الثامن.
أو من الإفراد إلى القران ، فهذا لا يجوز عند جمهور العلماء، وأجازه أبو حنيفة، ورجح الجواز ابن عثيمين رحمه الله.
أو من الإفراد إلى التمتع، فهذا جائز وهو السنة، أن يفسخ إحرامه إلى عمرة، ولو كان بعد الطواف والسعي، فيتحلل بالعمرة ، ثم يحرم بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة. وهذا الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه.
وإليك تفصيل كلٍّ من هذه المسائل:
تغيير النية من التمتع إلى الإفراد:
لا يجوز للمتمتع تغيير النية إلى إفراد؛ لأنه لما نوى العمرة وجب عليه إتمامها؛ لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (سورة البقرة: 196). ومعنى الإفراد أنه لن يعتمر وإنما يحج فقط.
أما إذا لم يتمكن المتمتع من العمرة قبل الحج، فإنه يغير نيته من التمتع إلى القران، فينوي أنه صار قارناً بين الحج والعمرة معاً.
وهذا هو ما وقع لعائشة رضي الله عنها، فإنها كانت متمتعة ثم حاضت ولم تتمكن من العمرة قبل الحج فأدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة. كما في البخاري ومسلم
وقد سئل ابن عثيمين رحمه الله عن مجموعة من الشباب خافوا ألا يتمكنوا من الاعتمار قبل الحج، فغيروا النية إلى الإفراد.
فأجاب: "إن كان تغيير النية قبل الإحرام فلا حرج في ذلك، وإن كان بعد الإحرام فإن حجهم كان قراناً، ولم يكن إفراداً، ومعنى أنه كان قراناً أنه لما أدخلوا الحج على العمرة صاروا قارنين، فإن القران له صورتان:
الأولى: أن يحرم بالحج والعمرة جميعاً من أول عقد الإحرام.
الثانية: أن يحرم بالعمرة أولاً ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها.
وعلى هذا ما دمتم أحرمتم بالعمرة أولاً ثم بدا لكم أن تجعلوها حجاً فإنكم تكونون قارنين، فإن كنتم قد ذبحتم هدياً في عيد الأضحى من حجكم ذلك العام فقد أتيتم بالواجب وتم لكم الحج والعمرة ، فإن لم تكونوا قد ذبحتموه فإن عليكم أن تذبحوه الآن بمكة وتأكلوا منه وتتصدقوا . فمن لم يجد الهدي منكم ـ أي ما يشتري به الهدي ـ فإن عليه أن يصوم عشرة أيام الآن" مجموع فتاوى ابن عثيمين (22/39).
تغيير النية من التمتع إلى القران:
وهذا من صيغ القران الجائزة عند أهل العلم بلا خلاف، وهو أن يُحرم بالعمرة أولاً ثم يُدخل الحج عليها قبل أن يشرع في طواف للعمرة.
وذلك لما ثبت في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج، فقدمنا مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحرم بعمرة ولم يهد فليحلل، ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل حتى يحل بنحر هديه، ومن أهل بحج فليتم حجه قالت: فحضت فلم أزل حائضا حتى كان يوم عرفة ولم أهلل إلا بعمرة، فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أنقض رأسي وأمتشط وأهل بحج، وأترك العمرة، ففعلت ذلك حتى قضيت حجي؛ فبعث معي عبد الرحمن بن أبي بكر، وأمرني أن أعتمر، مكان عمرتي، من التنعيم. متفق عليه واللفظ للبخاري
وفي رواية لمسلم «أنها أهَلْتْ بعمرةٍ فقَدِمتْ ، فلم تَطُفُ بالبَيْتِ ، حتَّى حَاضَتُ ، فَنَسَكَتِ الْمَناسِكَ كُلَّها، وقد أهلَّت بالحج ، فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ النَّحْرِ : يَسَعُكِ طوافُكِ لِحَجِّكِ وعُمْرَتِكِ ؟ فأبَت ، فَبَعَثَ بها مع عبد الرحمن إلى التَّنعيم ، فاعتمرتْ بعد الحج».
وإدخال الحج على العمرة له حالتان:
- أن يكون قبل الطواف ، فهذا جائز بلا خلاف. قال ابن المنذر: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن لمن أهل بالعمرة أن يدخل عليها الحج ما لم يفتتح الطواف بالبيت"[9]
- أن يكون بعد الطواف ففيه قولان: الأول، لا يصح. وهو قول الشافعي وأحمد. والثاني: يصح ويصير قارناً. وهو قول مالك ورواية عن أبي حنيفة. وفي قول لأبي حنيفة: يصح إن كان قبل مضي أربعة أشواط.[10].
قال النووي رحمه الله: " فان أحرم بالعمرة ثم أدخل عليها الحج قبل الطواف جاز ويصير قارناً، لما روي (أن عائشة رضي الله عنها أحرمت بالعمرة فحاضت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أهلي بالحج واصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ولا تصلي) وإن أدخل عليها الحج بعد الطواف لم يجز. واختلف أصحابنا في علته (فمنهم) من قال لا يجوز لأنه قد أخذ في التحلل (ومنهم) من قال لا يجوز لأنه قد أتى بمقصود العمرة. " [11]
تغيير النية من القران إلى الإفراد:
لا يجوز تغيير نية الإحرام من القران إلى الإفراد، وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء والشيخ ابن باز رحمه الله وجمع كبير من أهل العلم، فقد وجه سؤال للجنة نصه: "في أحد الأعوام نويت بالحج والعمرة معاً وقت الإحرام ، وعندما سارت السيارة من قريتنا حوالي اثنين كيلو متر وجدت أن رفقاءنا في الحج أحرموا بالحج فقط – أي بالإفراد – فعملت مثلهم ؛ فهل على شيء في ذلك أم لا ؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً ، علماً بأنني ذهبت للعمرة بعد ذلك في رمضان عدة مرات".
فكان الجواب: "إذا كان تحول نيتك من الإحرام بالحج والعمرة معاً إلى الإحرام بالحج فقط حصل قبل الإحرام فلا شيء عليك ، وإن كان ذلك بعد عقد الإحرام بالحج والعمرة فلا يسقط ذلك عنك حكم القران ، ودخلت أعمال عمرتك في أعمال حجك ، وعليك هدي التمتع. [12]
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: "ما حكم من نوى بالحج متمتعًا، وبعد الميقات غير رأيه ولبى بالحج مفردًا، هل عليه هدي؟".
فأجاب رحمه الله بقوله: "هذا فيه تفصيل، فإن كان نوى قبل وصوله إلى الميقات أنه يتمتع، وبعد وصوله إلى الميقات غير نيته وأحرم بالحج وحده، فهذا لا حرج عليه ولا فدية، أما إن كان لبى بالعمرة والحج جميعًا من الميقات أو قبل الميقات، ثم أراد أن يجعله حجًا فليس له ذلك، ولكن لا مانع أن يجعله عمرة، أما أن يجعله حجًا فلا، فالقران لا يفسخ إلى حج، ولكن يفسخ إلى عمرة إذا لم يكن معه هدي؛ لأن ذلك هو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عليه الصلاة والسلام، الذين لم يسوقوا الهدي في حجة الوداع، فإذا أحرم بهما جميعًا من الميقات ثم أراد أن يجعله حجًا مفردًا فليس له ذلك، ولكن له أن يجعل ذلك عمرة مفردة وهو الأفضل له كما تقدم، فيطوف ويسعى ويقصر ويحل، ثم يلبي بالحج بعد ذلك في اليوم الثامن من ذي الحجة فيكون متمتعًا"[13]
شاعر في المشاعر
10-02-2013, 11:11 AM
تغيير النية من القران إلى التمتع:
وهذه الصورة جائزة ، وهذا الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم به أصحابه ممن لم يكن قد ساق الهدي، كما في حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين (فخرج إلى أصحابه فقال من لم يكن معه منكم هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل ومن كان معه هدي فلا فمنهم الآخذ بها والتارك لها ممن لم يكن معه هدي فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان معه الهدي ومع رجال من أصحابه لهم قوة ) البخاري (2117 )
قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله: "الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الحجاج المفردين والقارنين أن ينتقلوا من حجهم وقرانهم إلى العمرة، وليس لأحد كلام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالرسول عليه الصلاة والسلام أمر أصحابه في حجة الوداع وكانوا على ثلاثة أقسام:
قسم منهم: أحرموا بالقران أي لبوا بالحج والعمرة. وقسم: لبوا بالحج مفردًا. وقسم: لبوا بالعمرة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد لبى بالحج والعمرة جميعًا أي قارنًا؛ لأنه قد ساق الهدي، فأمرهم عليه الصلاة والسلام لما دنوا من مكة أن يجعلوها عمرة إلا من كان معه الهدي، فلما دخلوا مكة وطافوا وسعوا أكد عليهم أن يقصروا ويحلوا إلا من كان معه الهدي. فسمعوا وأطاعوا وقصروا وحلوا.
هذا هو السنة لمن قدم مفردا أو قارنا وليس معه هدي حتى يستريح ولا يتكلف، فإذا جاء يوم الثامن أحرم بالحج.
ولا يخفى ما في هذا من الخير العظيم؛ لأن الحاج إذا بقي من أول ذي الحجة أو من نصف ذي القعدة وهو محرم لا يأتي ما نهي المحرم عن فعله، فإنه يشق عليه ذلك، فينبغي قبول هذا التيسير من الله سبحانه وتعالى. والله ولي التوفيق"[14]
تغيير النية من الإفراد إلى التمتع:
السنة لمن قدم إلى مكة وقد نوى الإفراد بالحج أن يفسخ إحرامه إلى عمرة، فيأتي بالعمرة ويتحلل ، ثم يحرم بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة. فيصبح بذلك متمتعاً. وهذا الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه. ففي حديث جابر عند أبي داود قال:" أهللنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحج خالصا لا يخالطه شىء فقدمنا مكة لأربع ليال خلون من ذى الحجة فطفنا وسعينا ثم أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نحل وقال « لولا هديي لحللت ». ثم قام سراقة بن مالك فقال يا رسول الله أرأيت متعتنا هذه ألعامنا هذا أم للأبد فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « بل هى للأبد » "[15]
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن: "حكم من نوى الحج بالإفراد ثم بعد وصوله إلى مكة قلبه تمتعًا، فأتى بالعمرة ثم تحلل منها فماذا عليه؟ ومتى يحرم بالحج؟ ومن أين؟".
فأجاب رحمه الله بقوله: "هذا هو الأفضل إذا قدم المحرم بالحج أو الحج والعمرة جميعًا، فإن الأفضل أن يجعلها عمرة، وهو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه لما قدموا، بعضهم قارن وبعضهم مفرد بالحج، وليس معهم هدي، أمرهم أن يجعلوها عمرة، فطافوا وسعوا وقصروا وحلوا إلا من كان معه الهدي فإنه يبقى على إحرامه، حتى يحل منهما إن كان قارنًا أو من الحج إن كان محرمًا بالحج يوم العيد.
والمقصود: أن من جاء مكة محرمًا بالحج وحده أو بالحج والعمرة جميعًا في أشهر الحج وليس معه هدي، فإن السنة أن يفسخ إحرامه إلى عمرة فيطوف ويسعى ويقصر ويتحلل، ثم يحرم بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة في مكانه الذي هو مقيم فيه داخل الحرم أو خارجه، ويكون متمتعًا وعليه دم التمتع"[16]
تغيير النية من الإفراد إلى القران:
وهو أن يحرم بالحج ثم يدخل عليه العمرة، فلأهل العلم في ذلك قولان:
الأول: يصح ، ويصير قارناً. وهو مذهب أبي حنيفة، وهو الذي رجحه العلامة ابن عثيمين رحمه الله.
الثاني: لا يصح، وهو قول مالك وأحمد وإسحاق والشافعي في الجديد. قال النووي: " لأن أفعال العمرة استحقت بإحرام الحج، فلا يُعَدّ إحرام العمرة شيئاً."[17] وروى ذلك الأثرم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وهو الذي رجحه ابن قدامة في المغني قال: " فأما إدخال العمرة على الحج ، فغير جائز ، فإن فعل لم يصح ، ولم يصر قارنا .
روي ذلك عن علي .وبه قال مالك ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وابن المنذر . وقال أبو حنيفة : يصح ، ويصير قارنا ؛ لأنه أحد النسكين ، فجاز إدخاله على الآخر ، قياسا على إدخال الحج على العمرة .ولنا ـ أي الحنابلة ـ، ما روى الأثرم ، بإسناده عن عبد الرحمن بن نصر ، عن أبيه ، قال : "خرجت أريد الحج ، فقدمت المدينة ، فإذا علي قد خرج حاجا ، فأهللت بالحج ، ثم خرجت ، فأدركت عليا في الطريق ، وهو يهل بعمرة وحجة ، فقلت : يا أبا الحسن ، إنما خرجت من الكوفة لأقتدي بك ، وقد سبقتني ، فأهللت بالحج ، أفأستطيع أن أدخل معك فيما أنت فيه ؟ قال : لا ، إنما ذلك لو كنت أهللت بعمرة ". ولأن إدخال العمرة على الحج لا يفيده إلا ما أفاده العقد الأول ، فلم يصح . "[18]
وقال في كشاف القناع: " ( وإن أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة لم يصح إحرامه بها ) ؛ لأنه لم يرد به أثر ولم يستفد به فائدة بخلاف ما سبق ( ولم يصر قارنا ) ؛ لأنه لا يلزمه بالإحرام الثاني شيء ".[19]
وكما ذكرنا فإن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قد رجح جواز إدخال العمرة على الحج فيصير المفرد قارناً، قال رحمه الله: " الصورة الثالثة: أن يحرم بالحج أولاً ثم يدخل العمرة عليه. فالمشهور عند الحنابلة ـ رحمهم الله ـ أن هذا لا يجوز، لأنه لا يصح إدخال الأصغر على الأكبر، فيبقى على إحرامه إلى يوم العيد، وهذا القول الأول.
أما من حوّل الحج إلى عمرة ليصير متمتعاً فهذا سنة كما سبق.
والقول الثاني: الجواز لحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ: أهلَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالحج[20] ، ثم جاءه جبريل عليه السلام، وقال: «صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة، أو عمرة وحجة»[21] ، فأمره أن يدخل العمرة على الحج، وهذا يدل على جواز إدخال العمرة على الحج.
والقول بأنه لا يصح إدخال الأصغر على الأكبر مجرد قياس فيه نظر، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» رواه مسلم ( 1241 ) ، وسمى العمرة حجاً أصغر [22]، فلا مانع ولا تناقض وهذا القول دليله قوي.
فإن قالوا: إنه لا يستفيد بذلك شيئاً ؟ قلنا: بلى يستفيد، لأنه بدل من أن يأتي بنسك واحد أتى بنسكين.
والإفراد: أن يحرم بالحج مفرداً، فيقول: «لبيك حجاً». وله صورة واحدة فقط، كالتمتع ليس له إلا صورة واحدة.
فإن قيل: أيهما أفضل الإفراد أو القران؟
فالجواب: أن من ساق الهدي، فلا شك أن القران أفضل له، وكذا إن لم يسق الهدي فالقران أفضل؛ لأنه يأتي بنسكين بخلاف الإفراد، وعلى هذا يكون القران أفضل من الإفراد مطلقاً."[23]
على من يجب الهدي؟
يجب الهدي على المتمتع والقارن الآفاقي ( أي من ليس من أهل مكة )، لقوله تعالى {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } ( البقرة 196 ) ، وعن عائشة رضي الله عنها " أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر" رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
والهدي الواجب شاة أو بقرة أو بعير أو سبع البقرة أو البعير عند جمهور الفقهاء، وقال مالك هو بدنة ولا يصح سبع بعير أو بقرة .[24]
وأما عن الحكمة في إيجاب الهدي على المتمتع والقارن دون المفرد بالحج: فإن دم النسك عبادة مستقلة من جملة عبادات النسك ، فالمتمتع عليه دم المتعة ، والقارن عليه دم القران ، أما المفرد فلا دم عليه ، وحكمة شرع الدم في حق المتمتع والقارن ، أنه شكر لنعمة الله تعالى ، حيث جمع العبد بين نسكين في سفر واحد وزمن واحد ،
جاء في فتوى للجنة الدائمة: "أنواع الإحرام ثلاثة: الأول: الإحرام بالحج فقط، ومن حج مفرداً فلا يجب عليه هدي. الثاني: الإحرام بالحج والعمرة معا، وهذا يسمى قارناً، ويسمى أيضا متمتعاً، ويجب على القارن هدي. الثالث: الإحرام بالعمرة في أشهر الحج، ويتحلل منها ثم يحج في نفس السنة، ويسمى من فعل هذا متمتعاً، ويجب عليه هدي، ومن لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى وطنه، أو محل إقامته، وأفضل أنواع النسك الثلاثة: التمتع بالعمرة إلى الحج. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم"[25]
هل يشترط للقارن أن يسوق الهدى من بلده؟
السنة للقارن أن يسوق الهدي معه كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي الحديث: «قَدِمَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابُهُ لِصُبْحِ رِابِعَةٍ يُلَبُّونَ بالحجِّ ، فأمرهم : أن يجعلوها عمرةَ ، إلا من معه هَدْيُ». متفق عليه وفي رواية : " فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ "
فهذه هي السنة للقارن وليست شرطاً ، فيجوز له أن يشتري الهدي ولو بعد الإحرام أو من مكة أو منى ..
سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: "هل يجوز لمن حج قارنا أن يشتري الهدي من ميقات إحرامه، أو يسوقه من بلده؟"
فأجابت: "يجوز لمن حج قارنا أن يسوق من ميقات إحرامه أو قبله أو بعده، وأن يشتريه من بلده، وأن يشتريه من عرفات"[26]
شاعر في المشاعر
10-02-2013, 11:12 AM
إطلاق النية في الإحرام:
من أحرم إحراماً مطلقاً قاصداً أداء ما فرض الله عليه، من غير أن يعين نوعاً من هذه الأنواع الثلاثة، جاز وصح إحرامه، وله صرفه إلى أي من الأنساك الثلاثة قبل الطواف.
قال العلماء: "ولو أهلَّ ولبَّى كما يفعل الناس قاصداً للنسك، ولم يسم شيئاً بلفظه، ولا قصد بقلبه، لا تمتعاً ولا إفراداً، ولا قراناً، صح حجه أيضاً, وفعل واحداً من الثلاثة"[27]
والدليل: ما جاء في حديث جابر في حجة الوداع ، حين قدم علي بالبدن من اليمن ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ماذا قلت حين فرضت الحج ). قال: قلت اللهم إنى أهل بما أهل به رسولك. قال « فإن معي الهدى فلا تحل » رواه مسلم ( 3009 )
شاعر في المشاعر
10-02-2013, 11:12 AM
صفة الإحرام
يعد الإحرام من الميقات أول منسك من مناسك الحج, وحكمه أنه ركن من أركان الحج..
ونقصد هنا بالإحرام: نية الدخول في النسك، وليس المقصود به لبس ثياب الإحرام؛ كما يفهمه البعض، بل المقصود هو النية، فلا يكون الإنسان محرماً بمجرد التجرد من اللباس من غير نية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) رواه البخاري(1) ومسلم(3530).
فينوي بقلبه النسك الذي يريده من تمتع أو قران أو إفراد ثم يلبي به ، ويتلفظ بالتلبية بقوله : " لبيك اللهم عمرة " إن كان متمتعاً ، أو " لبيك اللهم حجاً " إن كان مفرداً ، أو " لبيك اللهم عمرة وحجا " إن كان قارناً،. ويقول كما كان يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك". رواه البخاري ومسلم.
فيتلفظ المحرم بالتلبية لا بالنية ، فلا يقول نويت نسك كذا ، بل يلبي بنسكه ، لبيك حجاً، لبيك عمرة، لبيك عمرة وحجاً. أو لبيك اللهم كذا ..
واجبات الإحرام:
واجبات الإحرام ثلاثة وهي:
الأول: أن يكون الإحرام من الميقات: وهو المكان الذي حدده الشارع للإحرام بحيث لا يجوز تجاوزه بدون إحرام لمن كان يريد الحج أو العمرة.
فإذا بلغ الحاج ميقاته الذي سيعقد منه نية الإحرام براً أو بحراً أو جواً قاصداً الحج أو العمرة، وجب عليه الإحرام منه أو مما يحاذيه، وإن لبس ملابس الإحرام قبل الميقات استعداداً فلا بأس بذلك، ثم ينوي الحج أو العمرة في الميقات.
وإذا كان الحاج يسكن مسكناً دائماً دون هذه المواقيت بأن كان من أهل جدة أو الشرائع فليس مشروعاً في حقه أن يذهب إلى الميقات الذي يليهن بل مكان سكنه هو ميقاته يحرم منه. لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هنَّ لهن ولمن أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة)) رواه البخاري (1524) واللفظ له، ومسلم (2860)
الثاني: التجرد من المخيط للرجال: فلا يلبس الرجل ثوباً، ولا قميصاً، ولا برنساً (غطاء الرأس المتصل بالثوب)، ولا يعتم بعمامة, ولا يغطي رأسه بشيء، كما لا يلبس خفاً إلا أن لا يجد نعلاً.
والمرأة تلبس في إحرامها ما تشاء من الثياب الساترة المحتشمة ، غير متبرجة بزينة ولا متشبهة بالرجال ، ولا تلبس القفاز ولا البرقع ولا تتلثم ، فإذا كانت بحضرة الرجال الأجانب تسدل غطاء وجهها.
ويتجنب المحرمجميع محظورات الإحرامالتي يحرم عليه فعلها أثناء إحرامه .
قال شيخ الإسلام بن تيميه: "والتجرد من اللباس واجب في الإحرام، وليس شرطاً فيه، فلو أحرم وعليه ثياب صح ذلك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وباتفاق أهل العلم وعليه أن ينزع اللباس المحظور"[1].
الثالث: نية الدخول في النسك: فينوي بقلبه النسك الذي يريده من تمتع أو قران أو إفراد ثم يلبي به ، ويتلفظ بالتلبية بقوله : " لبيك اللهم عمرة " إن كان متمتعاً ، أو " لبيك اللهم حجاً " إن كان مفرداً ، أو " لبيك اللهم عمرة وحجا " إن كان قارناً،. ويقول كما كان يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك". رواه البخاري ومسلم.
والتلبية سنة في الإحرام عند الشافعي وأحمد، لا يجب بتركها شيء.
وركن عند أبي حنيفة والظاهرية، لا ينعقد الإحرام بدونها كالتكبير للصلاة.
وواجب عند الإمام مالك. يجب بتركها دم.[2]
سنن الإحرام:
هي أمور يستحب للمحرم فعلها لا على سبيل الوجوب، بل على سبيل الاستحباب، وإن لم يفعلها فلا شيء عليه، ولا علاقة لذلك بصحة الإحرام.
وهي كالتالي:
أولا: الاغتسال بجميع بدنه, فإنه صلى الله عليه وسلم اغتسل لإحرامه, ولأن ذلك أعم وأبلغ في التنظيف وإزالة الرائحة, والاغتسال عند الإحرام مطلوب, حتى من الحائض والنفساء; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس وهي نفساء أن تغتسل. رواه مسلم(2107).
وكذلك أمر صلى الله عليه وسلم عائشة أن تغتسل للإحرام بالحج وهي حائض..
فالاغتسال سنة وليس بواجب، وعليه فمن أحرم وهو على غير طهارة فإحرامه صحيح سواءً كان محدثاً حدثاً أصغر أم أكبر. والحكمة في هذا الاغتسال هي التنظيف وقطع الرائحة الكريهة، وتخفيف الحدث من الحائض والنفساء.
وللإنسان أن يغتسل قبل خروجه من بيته أو قبل وصوله الميقات،
ولا يشرع التيمم إذا فقد الماء وهذا هو قول الجمهور، ولهذا ذهب شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله؛ لأن الله عز وجل ذكر التيمم في طهارة الحدث، فقال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} (سورة المائدة(6). فإذا كان الشرع إنما جاء بالتيمم في الحدث، فلا يقاس عليه غير الحدث؛ لأن العبادات لا قياس فيها، ولم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه تيمم للإحرام، وعليه: " إن وجد الماء وأمكنه استعماله فعل، وإن لم يمكنه فلا تيمم على هذا القول، وهذا أقرب للصواب"[3].
ثانيا: يستحب لمن يريد الإحرام التنظيف, بأخذ ما يشرع أخذه من الشعر، كشعر الشارب والإبط والعانة، مما يحتاج إلى أخذه، لئلا يحتاج إلى أخذه في إحرامه فلا يتمكن منه, فإن لم يحتج إلى أخذ شيء من ذلك، لم يأخذه ; لأنه إنما يفعل عند الحاجة، وليس هو من خصائص الإحرام، لكنه مشروع بحسب الحاجة.
ثالثا: يستحب لمن يريد الإحرام أن يتطيب في بدنه بما تيسر من أنواع الطيب؛ لقول عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت (رواه البخاري(1493)، وقالت: كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم) (رواه مسلم(2042)، الوبيص: اللمعان والبريق ومفارقه: يعني مفرق رأسه.
وسواءً كان الطيب مما تبقى عينه كالمسك أو يبقى أثره كالعود والبخور وماء الورد.
وكره المالكية: التطيب لمن أراد الإحرام، ودليلهم حديث يعلى بن أمية أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات وانزع عنك الجبة، واصنع في عمرتك ما تصنع في حجك) (رواه البخاري(1664) ومسلم(2017).
قال بن عبد البر: "لا خلاف بين أهل العلم بالسير والآثار أن قصة صاحب الجبة كانت عام حنين سنة ثمان وحديث عائشة في حجة الوداع سنة عشر أي أن حديث عائشة رضي الله عنها ناسخ لحديث صاحب الجبة"[4].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وكذلك إن شاء المحرم أن يتطيب في بدنه فهو حسن، ولا يؤمر بذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، ولم يأمر به الناس"[5]..
ويستوي في الطيب الرجال والنساء؛ ويشرع التطيب للنساء عند الإحرام بطيب له أثر وليس له رائحة لئلا تحصل به فتنة ومخالفة شرعية، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمد جباهنا بالمسك عند الإحرام، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهاها"[6].
وأما الطيب في ملابس الإحرام قبل أن يعقد الإحرام فإنه لا يجوز، ولا يجوز لبس الثوب إن طيبه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس) (رواه البخاري (1542)؛ ومسلم (1177)، وقال صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي مات بعرفة وهو محرم: (اغسلوه بماء سدر ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه فإنه يُبْعَث يوم القيامة ملبيًا) رواه البخاري(1719) ومسلم(2092) والحنوط هو الطيب الذي يجعل في قطن على منافذ الميت، ومواضع سجوده.
ولهذا حرم بعض العلماء تطييب ثياب الإحرام، وهذا هو قول جمهور العلماء ما عدا الشافعية في القول المعتمد عندهم، إلا أنهم قالوا: أنه لو نزع ثوب الإحرام، أو سقط عنه، فلا يجوز له أن يعود إلى لبسه ما دامت الرائحة فيه، بل يزيل منه الرائحة ثم يلبسه[7].
وقد سئل ابن باز رحمه الله عن: "حكم وضع الحاج الطيب على ملابس الإحرام قبل عقد النية والتلبية".
فأجاب: "لا يجوز للمحرم أن يضع الطيب على الرداء والإزار، وإنما السنة تطييب البدن كرأسه ولحيته وإبطيه ونحو ذلك، أما الملابس فلا يطيبها عند الإحرام؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تلبسوا شيئا من الثياب مسه الزعفران أو الورس ) (رواه البخاري (1542)، ومسلم (1177).
فالسنة أنه يتطيب في بدنه فقط، أما ملابس الإحرام فلا يطيبها، وإذا طيبها لا يلبسها حتى يغسلها أو يغيرها[8]..
أما إذا تطيب في بدنه أو لحيته أو رأسه ثم سال الطيب فإنه لا يؤثر؛ لأن انتقال الطيب بنفسه ولا دخل للمحرم فيه.
من أحرم بملابسه لحاجة:
إذا أحرم الحاج بملابسه لداعي الحاجة إلى ذلك بسبب برد ومرض ونحو ذلك فهو مأذون له في ذلك شرعاً، والواجب عليه بالنسبة إلى لبس المخيط صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين؛ لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد، أو ذبح شاة تجزئ أضحية، وكذلك الحكم إذا غطى رأسه، ويجزئه الصيام في كل مكان، أما الإطعام والشاة فإن محلها الحرم المكي[9]. والدليل قوله تعالى (فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) البقرة 196
وقد جاء في سؤال وجه للجنة الدائمة للإفتاء بالملكة يقول السؤال: "أنا جندي في الدفاع المدني وأحضر كل عام في موسم الحج في منى وعرفة، ثم في منى أيضاً، ولكن علي اللباس الرسمي العسكري، ولم أتجرد من المخيط، فهل يحصل لي حج إذا نويت الحج وأنا باللباس العسكري ولم أتجرد من المخيط أسوة بالحجاج؟ لأن طبيعة عملي تتطلب الالتزام باللباس العسكري. أفيدونا جزاكم الله خيراً".
فكان الجواب كالتالي: "لا حرج أن تحج في لباسك العسكري وأنت مكلف بأعمال الحج كما ذكر في السؤال، ولا تستطيع أداء العمل بلباس الإحرام؛ لأن الجهة المختصة لا تسمح بذلك، وعليك بسبب ذلك الكفارة، وهي: إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من تمر أو أرز وغيرها من قوت البلد، أو صيام ثلاثة أيام، أو ذبح شاة عن لبس المخيط، وعليك مثل ذلك عن تغطية الرأس.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم"[10].
ثياب الإحرام (بم يكون الإحرام؟)
يكون الإحرام في إزار ورداء أبيضين نظيفين، والأفضل أن يكونا أبيضين ولا يشترط ذلك، فأما دليل الإزار والرداء، فقوله صلى الله عليه وسلم: (وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين)[11]..
وأما الأبيض فلأنه خير الثياب وأفضلها، قال صلى الله عليه وسلم: (البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم)[12].
ويستحب أن يكونا نظيفين جديدين ولا يشترط ذلك فيجوز الإحرام بإزار ورداء ليسا جديدين ولا أبيضين، وكونهما نظيفان؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله جميل يحب الجمال) (رواه مسلم(131).
فالأفضل في حق الرجل أن يحرم في إزار ورداء أبيضين نظيفين، يقول شيخ الإسلام: "ويستحب أن يحرم في ثوبين نظيفين، فإن كانا أبيضين فهما أفضل، ويجوز أن يحرم في إزار ورداء مخيطين أو غير مخيطين باتفاق الأئمة، ولو أحرم في غيرهما جاز إذا كان مما يجوز لبسه، ويجوز أن يحرم في الأبيضين وغيره من الألوان الجائزة، وإن كان ملوناً"[13]. وقال بن قدامه: "ولو لبس إزاراً موصلاً أو أتشح بثوب مخيط كان جائزاً"[14].
هل للإحرام صلاة تخصه؟
الأصح أنه ليس للإحرام, صلاة تخصه, وهو قول شيخ الإسلام[15]، ودليله أنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى للإحرام ركعتين؛ وأما حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل بالحج والعمرة حين صلى الظهر"[16].
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: "ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى للإحرام ركعتين غير فرض الظهر"[17]. وحديث أنس السابق ضعيف، وعلى فرض صحته فإنه يحتمل لأنه صادف ذلك وقت صلاة الظهر، ولم يقصد بذلك الصلاة لأجل الإحرام، والله أعلم.
وقد سئل العلامة ابن عثيمين: "هل للإحرام صلاة تخصه؟".
فأجاب: "ليس للإحرام صلاة تخصه، لكن إذا وصل الإنسان إلى الميقات، وهو قريب من وقت الفريضة فالأفضل أن يؤجل الإحرام حتى يصلي الفريضة ثم يحرم، أما إذا وصل إلى الميقات في غير وقت فريضة فإنه كما هو معلوم يغتسل كما يغتسل من الجنابة، ويتطيب، ويلبس ثياب الإحرام، ثم إن أراد أن يصلي صلاة الضحى فيما إذا كان في وقت الضحى، أو أن يصلى سنة الوضوء فيما إذا لم يكن وقت الضحى وأحرم بعد ذلك فحسن، وأما أن يكون هناك صلاة خاصة للإحرام فإن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم"[18].
لكن من أحرم من ذي الحليفة سُنَّ له أن يصلي ركعتين؛ لحديث عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق، يقول: (أتاني الليلة آتٍ من ربي، فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرةٌ في حجة) (أخرجه البخاري (1534).
وظاهر هذا أن هذه الصلاة خاصة بهذا المكان، لبركته، لا لخصوص الإحرام، فإنه يحتمل أن المراد صلاة الفريضة لا صلاة ركعتي الإحرام، ويحتمل أن المراد الصلاة لأجل الإحرام، لكن لا يثبت هذا الحكم في المواقيت الأخرى[19].
تنبيه:
هنا تنبيه لابد منه, وهو أن كثيرا من الحجاج يظنون أنه لابد أن يكون الإحرام من المسجد المبني في الميقات, فتجدهم يهرعون إليه رجالاً ونساء, ويزدحمون فيه, وربما يخلعون ثيابهم ويلبسون ثياب الإحرام فيه, وهذا لا أصل له, والمطلوب من المسلم أن يحرم من الميقات, في أي بقعة منه, لا في محل معين, بل يحرم حيث تيسر له, وما هو أرفق به وبمن معه, وفيما هو أستر له وأبعد عن مزاحمة الناس, وهذه المساجد التي في المواقيت لم تكن موجودة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم, ولم تبن لأجل الإحرام منها, وإنما بنيت لإقامة الصلاة فيها ممن هو ساكن حولها, هذا ما أردنا التنبيه عليه[20].
إحرام المرأة وما يلزمها:
إذا كان الحاج امرأة فإنه يستحب لها الاغتسال والإحرام، حتى ولو كانت حائضاً أو نفساء، إلا أنها لا تطوف بالبيت مدة حيضها ونفاسها.
ولا يشترط لها نوع خاص من الثياب.
ويجوز أن تحرم فيما شاءت من ثوب أسود أو أخضر أو أي لون آخر.
وتنوي الإحرام على التفصيل المتقدم في إحرام الرجل.
وعلى المرأة المسلمة مراعاة الآتي:
1- أن لا تتشبّه بالرجال في لباسها.
2- يجب أن يكون لباسها ساتراً.
3- ألا تظهر عورتها وزينتها للرجال الأجانب.
4- أن لا تتطيب وتخرج بين الرجال.
5- ألا تلبس البرقع ولا النقاب ولا القفازين ولا الخلاخل[21].
الاشتراط عند الإحرام وكيفيته:
الاشتراط في الإحرام أن يقول مريد الإحرام: "اللهم إني أريد الحج، أو العمرة، أو الحج والعمرة معا، ومحلي حيث تحبسني"، وممن قال بالاشتراط الحنابلة والشافعية والظاهرية.
وقال الحافظ ابن حجر: "صح القول بالاشتراط عن عمر وعثمان وعلي وعمار وابن مسعود وعائشة وأم سلمة، وغيرهم من الصحابة، وَلَمْ يَصِحّ إِنْكَاره عَنْ أَحَد مِنْ الصَّحَابَة إِلَّا عَنْ اِبْن عُمَر، وَوَافَقَهُ جَمَاعَة مِنْ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدهمْ مِنْ الْحَنَفِيَّة وَالْمَالِكِيَّة"[22].
وذهب شيخ الإسلام إلى أن ذلك لمن كان خائفاً من حصول مانع يمنعه عن إتمام النسك مثل ذهاب مال ونحوه. فيقول : اللهم إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني
فإذا قال ذلك، واشترط، أن له أن يفك إحرامه إن وجد مانعا من إتمام العمرة أو الحج، فإنه إذا عرض له مانع مثل المرض، أو الحبس، أو نفاد النفقة، أو وجود عدو، أو قطع طريق إلخ.. فإنه يستفيد من الاشتراط فائدتين:
الأولى: أنه إذا عاقه عائق فإن له أن يتحلل.
الثانية: أنه متى حل بذلك فلا دم عليه ولا صوم.
وهذا الاشتراط قال به جماعة من الصحابة، وجماعة من التابعين، وإليه ذهب أحمد وإسحاق وأبو ثور، وقال الشافعي: لو ثبت حديث عائشة في الاستثناء لم أعده إلى غيره.
وقد ثبت الحديث المذكور كما ثبت غيره، ولا مقال لأحد بعد ثبوت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيستحب الاشتراط لمن يخاف عدم القدرة على إتمام النسك، للأدلة التالية:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن ضباعة بنت الزبير (بن عبد المطلب) قالت: يا رسول الله، إني امرأة ثقيلة، وإني أريد الحج فكيف تأمرني أن أهل؟ فقال: أهلي واشترطي أن محلي حيث حبستني، قال فأدركت[23]. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير، فقال لها: لعلك أردت الحج؟ قالت: والله ما أجدني إلا وجعة، فقال لها: (حجي واشترطي، وقولي: اللهم محلي حيث حبستني). (رواه البخاري(4699) ومسلم(2101).
هذا والاشتراط جائز عند القائلين به سواء أكان المشترط مفردا، أو متمتعا، أو قارنا.
وأصل الاشتراط أن يكون منطوقا وملفوظا به عند الإحرام، فإن نوى الاشتراط ولم يتلفظ به فهناك احتمال أن يصح ذلك، واحتمال آخر بأن الاشتراط لا يصح، والإحرام صحيح.
الإطلاق والتعيين في الإحرام:
سبق أن ذكرنا أن الذي يريد الإحرام له أن يحرم: بالحج، أو بالعمرة، أو بهما معا، وهذا يسمى التعيين في الإحرام، وهو مستحب عند مالك وأحمد وأحد قولي الشافعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عين عند إحرامه، وأرشد الصحابة إلى التعيين.
أما الإطلاق فمعناه أن ينوي أن يصير محرماً صالحاً لأداء النسك، سواء أكان حجاً ذلك النسك، أو عمرة، أو هما معا، وهو جائز وينعقد به الإحرام صحيحاً؛ لأن الإحرام يصح مع الإبهام -وسيأتي الحديث عن هذه المسألة- فيصح عن باب أولى مع الإطلاق، وبعد أن يحرم إحراماً مطلقاً يصير مخيراً في أن يصرف الإحرام بعد ذلك إلى أي نسك من الأنساك الثلاثة، قبل البدء في أي عمل آخر من أعمالها، فله أن يصيره إلى العمرة، أو الحج، أو القران، والأولى إن كان في أشهر الحج صرفه إلى العمرة؛ لأن التمتع أفضل، وإن بدأ في عمل كالطواف بدون تعيين، فإنه لا يعتد به إلا بعد التعيين.
الإحرام بما أحرم به الغير ونسيان ما أحرم به، والإحرام بحجتين أو عمرتين:
يصح الإبهام عند الإحرام، وهو أن يقول: "اللهم إني أحرم بما أحرم به فلان، وأنوي ما نواه"، كما فعل علي حين قال: "أهللت بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم"(رواه البخاري(4005) ومسلم(2131).
ثم هو لا يخلو أمره بعد ذلك من أحد أحوال أربعة:
أحدها:أن يعلم ما أحرم به فلان، فإذا علم انعقد إحرامه بمثل إحرام فلان هذا.
الثاني: أن لا يعلم ما أحرم به فلان؛ فيكون حكمه حينئذ أن يصرف الإحرام إلى أي نسك، من الأفراد، أو التمتع، أو القران، وهذا عند أحمد، وقال أبو حنيفة: يصرفه إلى القران، وهو قول الشافعي في الجديد، وقال في القديم يتحرى فيبني على غالب ظنه.
الثالث: أن لا يكون فلان هذا قد أحرم، فحكمه حينئذ حكم ما قبله (الحالة الثانية).
الرابع: أن لا يعلم هل أحرم فلان أم لا، فحكمه حينئذ حكم الحالة الثانية أيضاً ومن أحرم بنسك ثم نسيه فإن شأنه كذلك مثل الحالة الثانية..
وإن أحرم بحجتين أو عمرتين، فإن الإحرام ينعقد بواحدة والثانية تعتبر لا غية عند مالك، والشافعي وأحمد، وقال أبو حنيفة: ينعقد بهما، فيؤدي واحدة، وعليه قضاء الأخرى[24].
متى ينوي الإحرام ويلبي:
قيل يستحب الإحرام عقب الصلاة، وقيل إذا ركب راحلته واستوت به. وذلك لدلالة الأحاديث على هذين الأمرين. فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " أهل النبي صلى الله عليه وسلم حين استوت به راحلته" رواه البخاري ومسلم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذي الحليفة، ثم ركب راحلته، فلما استوت على البيداء أهل بالحج " رواه مسلم
قال النووي رحمه الله: " الأصح عندنا أنه يستحب إحرامه عند ابتداء السير، وانبعاث الراحلة. وبه قال مالك والجمهور من السلف والخلف. "[25]
وقال أبو حنيفة وأحمد وأبو داود: إذا فرغ من الصلاة. قال في المغني : المستحب أن يحرم عقيب الصلاة ، فإن حضرت صلاة مكتوبة ، أحرم عقيبها ، وإلا صلى ركعتين تطوعا وأحرم عقيبهما .
استحب ذلك عطاء ، وطاوس ، ومالك ، والشافعي ، والثوري ، وأبو حنيفة ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وابن المنذر . وروي ذلك عن ابن عمر ، وابن عباس .
وقد روي عن أحمد أن الإحرام عقيب الصلاة ، وإذا استوت به راحلته ، وإذا بدأ بالسير ، سواء ؛ لأن الجميع قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق صحيحة ، قال الأثرم : سألت أبا عبد الله ، أيما أحب إليك : الإحرام في دبر الصلاة ، أو إذا استوت به راحلته ؟ فقال : كل ذلك قد جاء ، في دبر الصلاة ، وإذا علا البيداء ، وإذا استوت به ناقته ، فوسع في ذلك كله .
قال ابن عباس : " ركب النبي صلى الله عليه وسلم راحلته ، حتى استوت على البيداء أهل هو وأصحابه " ، وقال أنس : " لما ركب راحلته ، واستوت به ، أهل " وقال ابن عمر : " أهل النبي صلى الله عليه وسلم حين استوت به راحلته قائمة ".رواهن البخاري ، والأَولى الإحرام عقيب الصلاة ، لما روى سعيد بن جبير قال : ذكرت لابن عباس إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم الإحرام حين فرغ من صلاته ، ثم خرج ، فلما ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته ، واستوت به قائمة ، أهل ، فأدرك ذلك منه قوم ، فقالوا : أهل حين استوت به الراحلة ، وذلك أنهم لم يدركوا إلا ذلك ، ثم سار حتى علا البيداء ، فأهل ، فأدرك ذلك منه قوم ، فقالوا : أهل حين علا البيداء " .
رواه أبو داود ، والأثرم .وهذا لفظ الأثرم .[26] وهذا فيه بيان وزيادة علم ، فيتعين حمل الأمر عليه ، ولو لم يقله ابن عباس لتعين حمل الأمر عليه ، جمعاً بين الأخبار المختلفة ، وهذا على سبيل الاستحباب ، فكيفما أحرم جاز ، لا نعلم أحدا خالف في ذلك ."
شاعر في المشاعر
10-02-2013, 11:13 AM
محظورات الإحرام
من المهم على المحرم غاية الأهمية أن يعرف ما يفسد عليه إحرامه أو يقدح فيه ، فهو ما سمي محرماً إلا لإحرامه عن بعض المباحات التي أراد الله لحكمٍ بالغة أن تكون قادحة في إحرامه إن ارتكبها، وأمره باجتنابها إلى أن يحلّ مما تلبس به من النسك.
المحظورات – تعريفها وأنواعها-:
المحظورات: هي ما يجب على المحرم بالحج أو العمرة اجتنابه مما هو حلال على غيره بسبب الإحرام.
وعددها تسعة، وهي بمجملها راجعة إلى أربعة أصول:
- ما يتعلق باللباس. ( ويدخل فيه محظوران: لبس المخيط للرجال ، وتغطية الرأس للرجُل ولبس النقاب والقفازين للمرأة )
- ترفيه البدن وتنظيفه. ( ويدخل فيه ثلاث محظورات: الطيب ، وإزالة الشعر بقص أو حلق أو نتف، وقص الأظافر )
- الصيد.( ويدخل فيه محظور واحد: وهو صيد البر )
- النساء. ( ويدخل فيه ثلاث محظورات: عقد النكاح، والمباشرة فيما دون الفرج والاستمناء ، والوطء في الفرج وهو أشد المحظورات)
وتنقسم إلى قسمين باعتبارها مفسداً أو غير مفسد للنسك:
1- نوع لا يفسد النسك به، وهي الأصول الثلاثة الأولى.
2- ونوع يفسد النسك به، وهو الوطء وفيه تفصيل.
الأصل الأول: ما يتعلق باللباس:
( فلا يجوز للرجل المحرم أن يلبس شيئاً مخيطاً أو محيطاً بجسده كالقميص والثوب والسروال وأي لبس على هيئة الجسم أو جزء منه، ولا يجوز له تغطية رأسه بملاصق كالقلنسوة والإزار والخرقة والعمامة، ولا يجوز للمرأة لبس النقاب ولا القفازين، وإنما تغطي وجهها إذا كانت في حضرة رجال أجانب، وتشترك المرأة والرجل في منع الثوب الذي مسه الزعفران أو الورس أو الطيب )
ويجمع ذلك ما جاء في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قام رجل فقال: يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تلبسوا القميص، ولا السراويلات، ولا العمائم، ولا البرانس؛ إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفين، وليقطع أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا شيئا مسه زعفران ولا الورس، ولا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين)) رواه البخاري برقم (1741)، "قال العلماء: هذا من بديع الكلام وجزله، فإنه صلى الله عليه وسلم سئل عما يلبسه المحرم، فقال: لا يلبس كذا وكذا، فحصل في الجواب أنه لا يلبس المذكورات، ويلبس ما سوى ذلك، وكان التصريح بما لا يلبس أولى؛ لأنه منحصر، وأما الملبوس الجائز للمحرِم فغير منحصر، فضبط الجميع بقوله صلى الله عليه وسلم لا يلبس كذا وكذا يعنى ويلبس ما سواه.
وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمحرم لبس شيء من هذه المذكورات، وأنه نبه بالقميص والسراويل على جميع ما في معناهما، وهو ما كان مُحِيطًا أو مَخِيطًا معمولاً على قدر البدن، أو قدر عضو منه.
ونبه صلى الله عليه وسلم بالعمائم والبرانس على كل ساتر للرأس مخيطاً كان أو غيره، حتى العصابة فإنها حرام.
فإن احتاج إليها لشجة أو صداع أو غيرهما شدَّها، ولزمته الفدية".[1]
وستر الرأس ينقسم إلى ستة أقسام:
"الأول: جائز بالنص والإجماع، مثل أن يضع الإنسان على رأسه لبداً بأن يلبده بشيء كالحناء مثلاً، أو العسل أو الصمغ؛ لكي يهبط الشعر، ودليله ما في الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يهل ملبداً"، أي: واضعاً شيئاً يلبد شعره.
الثاني: أن يغطيه بما لا يقصد به التغطية والستر كحمل العفش ونحوه، فهذا لا بأس به؛ لأنه لا يقصد به الستر، ولا يستر بمثله غالباً.
الثالث: أن يستره بما يلبس عادة على الرأس، مثل الطاقية، والشماغ والعمامة، فهذا حرام بالنص، وهو إجماع.
الرابع: أن يغطى بما لا يعدُّ لبساً لكنه ملاصق، ويقصد به التغطية، فلا يجوز، ودليله قوله صلّى الله عليه وسلّم: ((لا تخمروا رأسه)).
الخامس: أن يظلل رأسه بتابع له كالشمسية والسيارة، ومحمل البعير، وما أشبهه، فهذا محل خلاف بين العلماء، فمنهم من أجازه وهو الصحيح، ومنهم من منعه كما سبق.
السادس: أن يستظل بمنفصل عنه، غير تابع كالاستظلال بالخيمة، وثوب يضعه على شجرة، أو أغصان شجرة أو ما أشبه ذلك، فهذا جائز بالاتفاق، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ضُربتْ له قبة بنمرة فبقي فيها حتى زالت الشمس في عرفة"[2].
"ونبه صلى الله عليه وسلم بالخفاف على كل ساتر للرجل من مداس وجورب وغيرها، وهذا كله حكم الرجال"[3].
"فليس للمحرم ستر بدنه بما عُمِل على قدره، ولا ستْر عضوٍ من أعضائه بما عمل على قدره؛ كالقميص للبدن، والسراويل لبعض البدن، والقفازين لليدين، والخفين للرجلين ونحو ذلك، وليس في هذا كله اختلاف قال ابن عبد البر: لا يجوز لباس شيء من المخيط عند جميع أهل العلم، وأجمعوا على أن المراد بهذا الذكور دون النساء"[4].
قال ابن عثيمين رحمه الله: "وقد توهم بعض العامة أن لبس المخيط هو لبس ما فيه خياطة، وليس الأمر كذلك، وإنما قصد أهل العلم بذلك أن يلبس الإنسان ما فُصِّل على البدن، أو على جزء منه كالقميص والسراويل؛ هذا هو مرادهم، ولهذا لو لبس الإنسان رداءً مرقّعاً، أو إزاراً مرقّعاً؛ فلا حرج عليه، ولو لبس قميصاً منسوجاً بدون خياطة كان حراماً"[5].
لكن من لم يجد إزاراً فله أن يلبس السراويل، ومن لم يجد نعلين فله أن يلبس الخفين؛ بدليل ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات، فقال: ((من لم يجد الإزار فليلبس السراويل، ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين)) رواه البخاري برقم (1746)، واللفظ له، ومسلم برقم (1178)، "ومنعه مالك لكونه لم يذكر في حديث ابن عمر السابق، والصواب إباحته بحديث ابن عباس هذا، أما حديث ابن عمر فلا حجة فيه؛ لأنه ذكر فيه حالة وجود الإزار، وذكر في حديث ابن عباس وجابر حالة العدم فلا منافاة، والله أعلم"[6]، "وبهذا نسد العذر على من يقول إذا ركب في الطائرة: إن ثياب الإحرام موجودة في الشنطة في جوف الطائرة، فنقول: هذا ليس بعذر، اجعل الثوب إزاراً، والسراويل رداءً، وإن كان ممن يلبس الغترة اجعل الغترة رداءً، أو اجعل القميص رداءً، والبس السراويل؛ لأنك لا تجد إزاراً"[7].
"وإذا لبس الخفين لعدم النعلين لم يلزمه قطعهما في المشهور عن أحمد ويروى ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبه قال عطاء وعكرمة وسعيد بن سالم القداح، وعن أحمد –غير المشهور- أنه يقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين فإن لبسهما من غير قطع افتدى، وهذا قول عروة بن الزبير و مالك و الثوري و الشافعي وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: ((فمن لم يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين)) رواه البخاري برقم: (5514) ومسلم برقم: (1177) وهو متضمن لزيادة على حديث ابن عباس وجابر والزيادة من الثقة مقبولة. قال الخطابي: العجب من أحمد في هذا فإنه لا يكاد يخالف سنة تبلغه وقلَّ سنةٌ لم تبلغه، واحتج أحمد بحديث ابن عباس وجابر ((من لم يجد نعلين فليلبس خفين)) مع قول علي رضي الله عنه: "قطع الخفين فساد، يلبسهما كما هما" مع موافقة القياس فإنه ملبوس أبيح لعدم غيره فأشبه السراويل وقطعه لا يخرجه عن حالة الخطر فإن لبس المقطوع محرَّم مع القدرة على النعلين، ***س الصحيح وفيه إتلاف ما له نقدٌ ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعته"[8].
قال العلامة ابن عثمين رحمه الله: "الذي يظهر لي أنه لا يلبس الخفين إلا عند الحاجة، أما إذا لم يكن محتاجاً كما في وقتنا الحاضر فلا يلبس"[9].
وقد نقل الإجماع ابن المنذر رحمه الله على أن المحُرم "ممنوع من لبس القميص، والعمامة، والسراويل، والخفاف، والبرانس، بخلاف المرأة فقد أجمعوا على أن لها لبس القميص، والدّروع، والسراويل، والخمر، والخفاف.
بينما الرجل ممنوع من تخمير رأسه"[10].
"قال العلماء: والحكمة في تحريم اللباس المذكور على المحرم ولباسه الإزار والرداء أن يبعد عن الترفه، ويتصف بصفة الخاشع الذليل وليتذكر أنه محرم في كل وقت فيكون أقرب إلى كثرة أذكاره وأبلغ في مراقبته وصيانته لعبادته وامتناعه من ارتكاب المحظورات وليتذكر به الموت ولباس الأكفان ويتذكر البعث يوم القيامة والناس حفاة عراة مهطعين إلى الداعي"[11].
ويحل للمرأة جميع لباسها، وإنما حرم عليها القفازان والنقاب، "والقفازان: لباس اليدين، والنقاب: لباس الوجه، وهو أن تستر المرأة وجهها وتفتح لعينيها بقدر ما تنظر منه، ولم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه حرم على المحرمة تغطية وجهها، وإنما حرم عليها النقاب فقط؛ لأنه لباس الوجه، وفرقٌ بين النقاب وبين تغطية الوجه، وعلى هذا فلو أن المرأة المحرمة غطت وجهها، لقلنا: هذا لا بأس به، ولكن الأفضل أن تكشفه ما لم يكن حولها رجال أجانب، فيجب عليها أن تستر وجهها عنهم"[12].
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : ( كنا نغطي وجوهنا من الرجال وكنا نمشط قبل ذلك في الإحرام )[13]
قال في المغني: " فأما إذا احتاجت إلى ستر وجهها ، لمرور الرجال قريبا منها ، فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها . روي ذلك عن عثمان ، وعائشة . وبه قال عطاء ومالك ، والثوري ، والشافعي ، وإسحاق ، ومحمد بن الحسن . ولا نعلم فيه خلافا ؛ وذلك لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان الركبان يمرون بنا ، ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا ، سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه ". رواه أبو داود ، والأثرم . ولأن بالمرأة حاجة إلى ستر وجهها ، فلم يحرم عليها ستره على الإطلاق ، كالعورة"[14]
الأصل الثاني ترفيه البدن وتنظيفه:
وفيه ثلاثة أمور:
- الأول: استعمال الطيب بعد عقد الإحرام.. سواء في ثوبه أو بدنه، أوفي أكله أو في تغسيله أو في أي شيء يكون، فاستعمال الطيب محرم في الإحرام، لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته أو قال: فأوْقَصَتْهُ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يُبعث يوم القيامة ملبيا)) (رواه البخاري: 1206، ومسلم: 1206) "وتحنيط الميت أطياب مجموعة تجعل في مواضع من جسمه، وهذا عام لكل طيب، وقال: ((فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً)) وهذا دليل على أن المحرم لا يجوز استعماله للطيب"[15].
وقوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي أحرم في جبة بعدما تضمخ بالطيب : ((أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات وأما الجبة فانزعها )) رواه البخاري ( 4602 ) ومسلم ( 2019 )
- "وليس كل ما كان زكي الرائحة يكون طيباً، فالطيب ما أعد للتطيب به عادة، وعلى هذا فالتفاح والنعناع وما أشبه ذلك مما له رائحة زكية تميل إليها النفس لا يكون طيباً، إنما الطيب ما يستعمل للتطيب به كدهن العود والمسك والريحان والورد وما أشبه ذلك، هذا لا يجوز للمحرم استعماله"[16].
وأما بالنسبة للصابون بأنواعه هل يعد من الطيب أم لا, فقد قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله أنه "لما كانت تستعمل في الأيدي للتطهر بها من رائحة الطعام، جعلوا فيها هذه الرائحة الزكية، فالذي يظهر لي أن هذا الصابون الذي فيه رائحة طيبة لا يعد من الطيب المحرم."[17].
"وسبب تحريم الطيب أنه داعية إلى الجماع ولأنه ينافى تذلل الحاج فان الحاج أشعث أغبر وسواء في تحريم الطيب الرجل والمرأة"[18].
فقدأجمع العلماء على أن المحرم "ممنوع من لمس زعفران أو ورس، وأن المرأة ممنوعة مما منع منه الرجال في حال الإحرام إلا بعض اللباس"[19].
"وإذا تطيب أو لبس ما نهي عنه لزمته الفدية إن كان عامداً بالإجماع، وان كان ناسياً فلا فدية عند الثورى والشافعي وأحمد وإسحاق وأوجبها أبو حنيفة ومالك"[20].
أما الادّهان بالزيت والسمن ونحوه مما ليس فيه طيب، فقد قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: " وأما الدهن في رأسه أو بدنه بالزيت والسمن ونحوه، إذا لم يكن فيه طيب، فيه نزاع مشهور، وتركه أولى ".[21]
- الثاني: حلق شعر الرأس لقوله تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (البقرة: 196).
"وقد أجمع العلماء على أن المحرم ممنوع من: حلق رأسه، وإتلافه بجزه، أو نَوْرة، وغير ذلك...
وله حلق رأسه من علة" أو مرض لحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: أتى عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية والقمل يتناثر على وجهي فقال: ((أيؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأسِك؟)) قلت: نعم، قال: ((فاحْلِق وصُمْ ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسك نسيكة)). رواه البخاري برقم: (3954) ومسلم برقم: (1201)
ومن ثمَّ "أجمعوا على وجوب الفدية على من حلق، وهو محرم". بدليل قوله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (البقرة: 196) وعموم الشعر داخل في هذا الحكم كحلق العانة ونتف الإبط...
- الثالث قص الأظافر: وألحقوا بإزالة الشعر إزالةَ الظفر فـ "أجمعوا على أن المحرم ممنوع من أخذ أظفاره، وله أن يزيل عن نفسه ما كان منكسرًا منه"[22]. وذلك لأن فيه ترفّهاً فقيس كشعر البدن. قال صاحب الدر المنثور : وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ( ثم ليقضوا تفثهم ) قال: يعني بالتفث: وضع إحرامهم من حلق الرأس، ولبس الثياب، وقص الأظافر، ونحو ذلك.[23]
الأصل الثالث الصيد:
صيد البحر حلال للمحرم، وصيد البر حرام عليه، لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (المائدة: 96) ونقل الإجماع على ذلك ابن قدامة[24]. وقد "أجمعوا على أن المحرم إذا قتل صيداً عامدًا لقتله ذاكرًا لإحرامه أن عليه الجزاء، ولم يخالف إلا مجاهد وقد قال تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} (المائدة: من الآية95).
والصيد هو: كل حيوان بري حلال متوحش طبعاً كالظباء والأرانب والحمام .
فيحرم على المحرم قتل الصيد واصطياده أو الإعانة على قتله، كما يحرم عليه الأكل من صيد البر إذا صاده أو صيد له أو أعان على قتله بإشارة أو مناولة سلاح، لقوله صلى الله عليه وسلم للصعب بن جثامة الليثي لما أهدى إليه ****اً وحشياً: (( إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم )) متفق عليه.
ويجوز له أن يأكل منه إذا صاده حلالاً بغير سبب منه. لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة: (( هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء؟ )) قالوا: لا. قال: (( فكلوا ما بقي من لحمها )) متفق عليه. ولقوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر : (( صيد البر حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم )) رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي.
وفي الصيد الذي يصيبه المحرم شاة.[25]
وأجمعوا على أن صيد البحر للمحرم مباح اصطياده، وأكله، وبيعه، وشراؤه.
الأصل الرابع النساء:
والكلام فيه عن ثلاثة محظورات:
- عقد النكاح.
- المباشرة فيما دون الفرج والاستمناء
- الوطء في الفرج.
- الأول: عقد النكاح: فهو محرم له أو لغيره، لما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يَنْكِحُ المحرم ولا يُنْكَحُ ولا يخطب)) (رواه مسلم: 1409) فإن فعل فالنكاح باطل عند الجمهور ولا فدية فيه، فلا يتزوج المحرم ولو بوكيل غير محرم، ولا يزوج بولاية أو وكالة، فإن فعل فالزواج باطل. ولأن الإحرام يحرم الطيب، فيحرم النكاح كالعدة. ومتى تزوج المحرم أو زوَّج، أو زُوِّجت محرمة، فالنكاح باطل؛ لأنه منهي عنه.
قال النووي في شرح مسلم: قال مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء من الصحابة فما بعدهم: لا يصح نكاح المحرم.[26]
وتكره الخطبة للمحرم عند كثير من أهل العلم، وخطبة المحرمة، ويكره للمحرم أن يخطب لحلال غير محرم، للحديث السابق ((ولا يخطب)) ولأنه تسبب إلى الحرام.. [27].
الثاني : المباشرة فيما دون الفرج: يحرم على المحرم الجماع ومقدماته من تقبيل ولمس بشهوة ومباشرة فيما دون الفرج، لقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (البقرة:197) والرفث: ما يكنى به عن الجماع وجميع حاجات الرجال إلى النساء.
فإن جامع فيما دون الفرج أو قبل أو لمس بشهوة، أو استمنى، فله حالان:
ـ إذا لم ينزل: فلا يفسد حجه، وهذا قول الجمهور. قال في المغني: لا نعلم أحداً قال بفساد حجه.
ـ إذا أنزل:فالجمهور على أن حجه لا يفسد، ومذهب مالك أنه يفسد.
أما الفدية فسوف تأتي في موضعها مفصلة إن شاء الله
الثالث : الوطء في الفرج: سواء كان قبلاً أو دبراً، إنساناً أو بهيمة، وهو أعظم محظورات الإحرام.
وله حالان:
ـ أن يكون قبل التحلل الأول: سواء قبل الوقوف بعرفة أو بعده. فهذا يفسد الحج عند جمهور أهل العلم. وعند الحنفية ورواية عن مالك يفسد الحج إذا كان قبل الوقوف، وعليه شاة، ولا يفسد إن كان بعد الوقوف بعرفة وعليه بدنة. لحديث ( الحج عرفة ) وحديث عروة ابن مضرس : " من شهد صلاتنا هذه، فوقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه " ، أما الجمهور فاستدلوا لقولهم: بأن الجماع يفسد الإحرام ، والإحرام باق بعد عرفة لبقاء ركن الحج وهو طواف للإفاضة، ولا يتصور بقاء الركن بدون إحرام، فصار الحال بعد الوقوف كالحال قبلها، ويدل على ذلك أيضاً أن من لم يطف للإفاضة لم يتم حجه باتفاق. قال النووي رحمه الله: " قوله: إذا وطئها بعد الوقوف بعرفات قبل التحللين فسد حجه وعليه المضي في فاسده وبدنة والقضاء. قال: هذا مذهبنا، وبه قال مالك وأحمد. وقال أبو حنيفة: لا يفسد ولكن عليه بدنة. وعن مالك رواية: أنه لا يفسد . دليلنا أنه وطئ في إحرام كامل فأشبه الوطء قبل الوقوف "[28]
وعليه: فإن الجماع قبل التحلل الأول عند الجمهور يترتب عليه:
ـ فساد الحج ، ويستوي في ذلك الرجل والمرأة.
ـ وجوب المضي في الحج الفاسد، وهو قول الأئمة الأربعة وجمهور أهل العلم. لقوله تعالى: ( وأتموا الحج والعمرة لله ) ولم يفرق بين صحيح وفاسد.
ـ وجوب الفدية المغلظة، وهي بدنة ، وهذا قول الجمهور. والخلاف هل تجب بدنة على كل منهما أم تكفيهما واحدة.
ـ وجوب قضاء النسك من العام القادم. سواء كان النسك الفاسد فرضاً أو نفلاً. وهذا بإجماع أهل العلم. والخلاف هل القضاء على الفور أم التراخي والراجح أنه على الفور.
ـ التفريق بينهما في القضاء حتى لا يقع منهما ما يفسد حجهما. قال الإمام أحمد: يتفرقا في النزول، وفي المحمل، والفسطاط، ولكن يكون بقربها. وهل يجب التفريق أم يستحب؟ فيه قولان. ورجح ابن قدامة الاستحباب.[29]
قال النووي في المجموع: " و عن ابن عباس (انه سئل عن رجل وقع على أهله وهى بمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدنة) رواه مالك في الموطأ باسناد صحيح وعن ابن عباس أيضا في رجل وقع على امرأته وهو محرم قال (اقضيا نسككما وارجعا إلى بلد كما فإذا كان عام قابل فاخرجا حاجين فإذا أحرمتما فتفرقا ولا تلتقيا حتى تقضيا نسككما واهديا هديا) رواه البيهقى باسناد صحيح وفى رواية (ثم أهلا من حيث أهللتما أول مرة) ... وتفسد العمرة أيضا بالجماع قبل التحلل منها وليس لها الا تحلل واحد "[30] ، ويجب المضي فيها فاسدة والقضاء والفدية، والجمهور على أن الفدية مغلظة كفدية إفساد الحج وهذا الذي رجحه النووي.
ـ الحالة الثانية:الوطء في الفرج بعد التحلل الأول : فهذا لا يفسد الحج عند جمهور أهل العلم. وعليه الفدية، وقال مالك لا يجزئه حجه وتلزمه أعمال عمرة. وفي الفدية خلاف هل هي شاة أم بدنة ، والروايتان عند أحمد.
وعند أحمد أنه لا يفسد حجه ولكن يفسد إحرامه، فعليه أن يحرم من الحل حتى يطوف طواف الإفاضة بإحرام صحيح. وعند الشافعي حجه صحيح ولا يلزمه الإحرام.[31]
أنواع المحظورات من حيث الفدية:
"ومحظورات الإحرام من حيث الفدية تنقسم إلى أربعة أقسام:
الأول: ما لا فدية فيه، وهو عقد النكاح والخطبة . والواجب التوبة والندم والاستغفار.
الثاني: ما فديته مغلظة، وهو الجماع في الفرج قبل التحلل الأول في الحج ، وقبل التحلل في العمرة. فما كان قبل التحلل الأول ترتب عليه فساد النسك ، ووجوب المضي فيه ، ووجوب قضائه في العام القادم ، ووجوب الفدية المغلظة وهي بدنة من الإبل تجزئ في الأضحية، ينحرها ويوزعها على فقراء الحرم ولا يأكل منها شيئاً.
وإن كان الجماع بعد التحلل الأول فالحج صحيح ، وعليه فدية شاة يذبحها ويوزعها على الفقراء ولا يأكل منها شيئاً على الراجح من أقوال العلماء.
الثالث: ما فديته الجزاء أو بدله، وهو قتل الصيد. وجزاء الصيد ذبح مثله يوزعه على فقراء الحرم ، أو يخرج بقيمته طعاماً يفرقه على فقراء الحرم ، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً .
الرابع: ما فديته فدية أذى، وهو بقية المحظورات. وهو ( تغطية الرأس بملاصق ولبس المخيط للرجال ، ولبس النقاب والقفاز للنساء . ويشترك الرجال والنساء في : إزالة الشعر بحلق أو غيره ، وقص الأظافر ، واستعمال الطيب في البدن والثياب ، ولبس القفازين ، والمباشرة بشهوة فيما دون الفرج بغير إنزال ) .
فمن فعل شيئاً منها يخير بين ذبح شاة توزع على فقراء الحرم ولا يأكل منها شيئاً ، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع ، أو صيام ثلاثة أيام في أي مكان ولا يشترط التتابع .
( فإن باشر بشهوة فيما دون الفرج وأنزل فعليه شاة عند الحنفية ، وبدنة عند الحنابلة إن كان قبل التحلل الأول ، وفدية أذى عند الشافعية ) .
وفدية الأذى في قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (البقرة: 196)"[32].
حالات فاعل المحظور
الأولى : أن يفعله عمداً بلا حاجة ولا عذر ، فهذا يأثم وعليه فدية .
الثانية : أن يفعله لحاجة فليس عليه إثم وعليه الفدية . كما لو احتاج تغطية رأسه لبرد أو حر يخاف على نفسه منه جاز له وعليه الفدية . لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (البقرة: 196). وحديث كعب بن عجرة في الصحيحين : " أتى علي النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية ، والقمل يتناثر على وجهي ، فقال : (أيؤذيك هوام رأسك؟ ) قلت : نعم ، قال: ( فاحلق ، وصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، أو انسك نسيكة ).
الثالثة : أن يفعله وهو معذور بجهل أو نسيان أو إكراه أو نوم فهذا فيه خلاف بين العلماء، فعند الحنفية والمالكية عليه الفدية، وعند الشافعية إن كان إتلافاً كالصيد والحلق ففيه الفدية، وإن كان استمتاعا محضاً كالطيب واللباس والجماع فليس فيه فدية، وعند الحنابلة فكقول الحنفية والمالكية، وفي قول آخر لهم إن كان إتلافاً أو وطأ في الفرج أو فيما دون الفرج مع الإنزال ففيه الفدية، وإن كان استمتاعاً محضاً فلا فدية فيه. وقد رجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن لا إثم عليه ولا فدية في جميع المحظورات إذا كان ناسياً أو جاهلاً . لعموم قوله تعالى { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } ( البقرة 286 )، وقوله تعالى في جزاء الصيد: { ومن قتله منكم متعمداً } (المائدة 95)، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) ( صحيح ابن ماجه 1677)، قال رحمه الله: " والصحيح في هذه المسائل كلها أنه لا جزاء عليه " .... " والصحيح أن جميعها تسقط ـ أي فديتها ـ، وأن المعذور بجهل أو نسيان أو إكراه لا يترتب على فعله شيء إطلاقاً، لا في الجماع، ولا في الصيد، ولا في التقليم، ولا في لبس المخيط، ولا في أي شيء، وذكرنا فيما سبق الدليل من القرآن، والسنة، والنظر.
وهكذا في جميع المحظورات في العبادات، لا يترتب عليها الحكم، إذا كانت مع الجهل أو النسيان، أو الإكراه؛ لعموم النصوص، ولأن الجزاء، أو الفدية، أو الكفارة إنما شرعت لفداء النفس من المخالفة أو للتكفير عن الذنب، والجاهل أو الناسي أو المكره لم يتعمد المخالفة، ولهذا لو كان ذاكراً أو عالماً أو مختاراً لم يفعل."[33]
ارتفاع الحظر عن المحرم:
"إذا طاف الحاج طواف الإفاضة لا يحل له إتيان النساء إلا إذا كان قد استوفى الأمور الأخرى كرمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير ، والسعي، وعند ذلك يباح له النساء وإلا فلا. الطواف وحده لا يكفي، ولابد من رمي الجمرة يوم العيد، ولابد من حلق أو تقصير، ولابد من الطواف والسعي إن كان عليه سعي، وبهذا يحل له مباشرة النساء، أما بدون ذلك فلا، لكن إذا فعل اثنين من ثلاثة بأن رمى وحلق أو قصر فإنه يباح له اللبس والطيب ونحو ذلك ما عدا النساء، وهكذا لو رمى وطاف، أو طاف وحلق، فإنه يحل له الطيب واللباس المخيط، ومثله الصيد وقص الظفر وما أشبه ذلك، لكن لا يحل له جماع النساء إلا باجتماع الثلاثة: أن يرمي جمرة العقبة، ويحلق أو يقصر، ويطوف طواف الإفاضة ويسعى إن كان عليه سعي كالمتمتع، وبعد هذا تحل له النساء"[34].
وكل ما ليس من المحظورات فهو مباح للمحرم، مثل:
إخراج الدم وخروجه من الأسنان وغيرها، والاحتجام دون أن يزيل شعراً.
الترفُّه بالأكل والشرب والاغتسال.
تبديل ملابس الإحرام وغسلها.
حك الرأس والبدن إذا احتاج إليه.
الاستظلال بالبيت والشجرة والخيمة ونحو ذلك.
استعمال الصابون المطيب.
صيد البحر وطعامه.
الاكتحال بما لا طيب فيه.
شاعر في المشاعر
10-02-2013, 11:13 AM
أركان الحج أربعة
الحج ركن من أركان الإسلام الخمسة العظيمة قال تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} 1 ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)) 2 ، وقد فرضه الله على القادرين مرة في العمر لقوله صلى الله عليه وسلم: ((الحج مرة فمن زاد فهو تطوع)) 3 ، وجعل للمسلمين فيه منافع دينية ودنيوية كثيرة, لذا كان الاستعداد له بكل ما يلزم مما ينبغي على المسلم قبل الشروع فيه؛ ومن ذلك معرفة صفته, وكيفية القيام به على أكمل وجه حتى يؤدي مناسكه كما أحب الله وأراد, ويرجع من حجه قد نال مرامه.
والحج في اللغة هو: "القصد، وفي الشرع: التعبد لله عز وجل بأداء المناسك على ما جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقول بعض الفقهاء في تعريفه: قصد مكة لعمل مخصوص؛ لا شك أنه قاصر؛ لأن الحج أخص مما قالوا؛ لأننا لو أخذنا بظاهره لشمل من قصد مكة للتجارة مثلاً، ولكن الأولى أن نذكر في كل تعريف للعبادة: التعبد لله عز وجل" 4 .
وأركان الحج أربعة: الإحرام، والوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة، والسعي. وهذا قول المالكية والحنابلة وهو الراجح عند جمهور العلماء لثبوت الأدلة في ذلك.
وعند الشافعية خمسة أركان: الإحرام، والوقوف بعرفة، والطواف والسعي، والحلق أو التقصير.
وللحج عند الحنفية ركنان فقط هما: الوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة.
وقد جاء في مختصر كتاب المناسك من الشرح الممتع لابن عثيمين: "أركان الحج:
1- الإحرام: وهو نية الدخول في النسك، والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) 5 .
2- الوقوف بعرفة: لقوله صلى الله عليه وسلم: ((الحج عرفة)) 6 ، ولقوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} (سورة البقرة:198)، فدل على أنه لا بد منه.
3- طواف الزيارة (الإفاضة): ودليله قوله تعالى :{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (سورة الحج:29).
4- السعي: والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: ((اسعوا، فإن الله كتب عليكم السعي)) 7 ، وقوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ} (سورة البقرة:158)، وقول عائشة رضي الله عنه: "والله ما أتم الله حج الرجل ولا عمرته إن لم يطف بهما" 8 " 9 .
وعندما ذكر الحلق والتقصير ذكر الآية: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} سورة الفتح (27)، ثم قال: "قال بعض العلماء: وإذا عبر بجزء من العبادة عن العبادة كان دليلاً على وجوبه فيها" 10 ، فلا تفيد الآية ركنية الحلق أو التقصير بل تفيد الوجوب فقط.
شاعر في المشاعر
10-02-2013, 11:14 AM
الركن الأول ( الإحرام )
الإحرام: هو نية الدخول في أحد النسكين (الحج أو العمرة) بعد التهيؤ للإحرام، والتجرد من المخيط.
وواجبات الإحرام ثلاثة وهي:
1- الإحرام من الميقات: وهو المكان الذي حدده الشارع للإحرام بحيث لا يجوز تعديه بدون إحرام لمن كان يريد الحج أو العمرة.
2- التجرد من المخيط للرجال: فلا يلبس الرجل ثوباً، ولا قميصاً، ولا برنساً (غطاء الرأس المتصل بالثوب)، ولا يعتم بعمامة, ولا يغطي رأسه بشيء، كما لا يلبس خفاً إلا أن لا يجد نعلاً.
والمرأة تلبس في إحرامها ما تشاء من الثياب الساترة المحتشمة ، غير متبرجة بزينة ولا متشبهة بالرجال ، ولا تلبس القفاز ولا البرقع ولا تتلثم ، فإذا كانت بحضرة الرجال الأجانب تسدل غطاء وجهها.
3- عقد النية والتلبية : فينوي بقلبه النسك الذي يريده من تمتع أو قران أو إفراد ثم يلبي به ، فهذا هو الإحرام وليس مجرد لبس ملابس الإحرام كما يظن البعض ، ويتلفظ بالتلبية بقوله : " لبيك اللهم عمرة " إن كان متمتعاً ، أو " لبيك اللهم حجاً " إن كان مفرداً ، أو " لبيك اللهم عمرة وحجا " إن كان قارناً،. ويقول كما كان يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك". رواه البخاري ومسلم.
والتلبية سنة في الإحرام عند الشافعي وأحمد، لا يجب بتركها شيء.
وركن عند أبي حنيفة والظاهرية، لا ينعقد الإحرام بدونها كالتكبير للصلاة.
وواجب عند الإمام مالك. يجب بتركها دم. 1 (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F31%23_ftn1)
وقد رجح الوجوب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهي رواية عند الإمام أحمد. قال في الإنصاف: الإحرام هو نية النسك وهي كافية على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه الأصحاب، وذكر أبو الخطاب في الانتصار رواية : أن نية النسك كافية مع التلبية أو سوق الهدى واختاره الشيخ تقي الدين. 2 (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F31%23_ftn2)قال شيخ الإسلام: ولا يكون الرجل محرماً بمجرد ما في قلبه من قصد الحج ونيته. فإن القصد ما زال في قلبه منذ خرج من بلده، بل لا بد من قول أو عمل يصير به محرما- يعني كالتلبية أو سوق الهدي- هذا هو الصحيح من القولين. وقال: فإذا أراد الإحرام فإن كان قارناً قال : لبيك عمرة وحجاً . وإن كان متمتعاً قال لبيك عمرة متمتعاً بها إلى الحج . وإن كان مفرداً قال : لبيك حجة أو قال : اللهم إني أوجبت عمرة وحجاً أو أوجبت عمرة أتمتع بها إلى الحج أو أوجبت حجا أو أريد الحج أو أريدهما أو أريد التمتع بالعمرة إلى الحج، فمهما قال من ذلك أجزأه باتفاق الأئمة ليس في ذلك عبارة مخصوصة ولا يجب شيء من هذه العبارات باتفاق الأئمة كما لا يجب التلفظ بالنية في الطهارة والصلاة والصيام باتفاق الأئمة، بل متى لبى قاصدا للإحرام انعقد إحرامه باتفاق المسلمين. 3 (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F31%23_ftn3)
ويستحب تكرار التلبية، ورفع الصوت بها من الرجال, وتجديدها عند كل مناسبة من نزول، أو ركوب، أو إقامة صلاة، أو فراغ منها، أو ملاقاة رفاق, وتقطع التلبية في العمرة إذا شرع في طوافها، وتقطع في الحج إذا شرع في رمي جمرة العقبة.
سنن الإحرام ومستحباته:
1- تنظيف البدن وقص الشارب وقص الأظافر وأخذ شعر الإبط والعانة ، ويسنّ الغسل لكل محرم صغيراً أو كبيراً ذكراً أو أنثى لما روى خارجة بن زيد عن أبيه زيد بن ثابت ( أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم تجرد لإهلاله واغتسل ) أخرجه التّرمذيّ وحسّنه . ويطلب أيضاً من المرأة الحائض والنّفساء في حال الحيض والنّفاس . فعن ابن عبّاس مرفوعاً إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : ((إنّ النّفساء والحائض تغتسل وتحرم وتقضي المناسك كلّها ، غير أن لا تطوف بالبيت حتّى تطهر)) أخرجه أبو داود والتّرمذيّ وحسّنه واللّفظ للتّرمذيّ . ولما ورد في حديث جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة . فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر . فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم كيف أصنع ؟ قال اغتسلي . واستثفري بثوب وأحرمي ) رواه مسلم. ص 431
2- التطيب قبل الإحرام استعداداً له، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت : ( كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه و سلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت ) متفق عليه. وعنها رضي الله عنها أيضاً قالت : « كأنّي أنظر إلى وبيص الطّيب في مفارق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو محرم » . متّفق عليه. أما تطييب ثياب الإحرام فقد منعه جمهور العلماء. قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله ( ولا ينبغي وضع الطيب على الرداء أو الإزار ، إنما السنة تطييب البدن ، كرأسه ولحيته وإبطيه ونحو ذلك، أما الملابس فلا يطيبها عند الإحرام، لقوله صلى الله عليه وسلم : ((ولا تلبسوا شيئاً مسه الزعفران أو الورس )) متفق عليه. فالسنة أن يتطيب في بدنه فقط، أما ملابس الإحرام فلا يطيبها، وإذا طيبها لم يلبسها حتى يغسلها أو يغيرها.
3- يسن للرجل لبس إزار ورداء أبيضين نظيفين جديدين أو غسيلين لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((البسوا من ثيابكم البياض . فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم)) رواه الترمذي . ولبس نعلين أيضا لقوله صلى الله عليه و سلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما : (( ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين )) رواه الإمام أحمد
4- أن يحرم عقب صلاة إما مكتوبة أو نافلة ، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما : « كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين » . أخرجه مسلم . ولا يصلّيهما في الوقت المكروه ،. وتجزئ الصّلاة المكتوبة عن سنّة الإحرام . قال ابن قدامة في المغني: والأَولى : الإحرام عقب صلاة.
5- التلفظ بالنية وتعيين النسك الذي أحرم به فإن أطلق صرفه حيث شاء وإن أحرم بإحرام غيره صح كأن يقول : أحرمت بمثل ما أحرم بمثل ما أحرم به فلان لما روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قال : ( قدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو منيخ بالبطحاء فقال لي : أحججت ؟ فقلت : نعم . فقال : بم أهللت ؟ قال : قلت لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه و سلم . قال : فقد أحسنت ) رواه مسلم.
6- أن يشترط حين إحرامه إذا خشي عدم إتمام النسك فيقول : "وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستنيي " لما روت عائشة رضي الله عنها قالت : ( دخل النبي صلى الله عليه و سلم على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب فقالت : يا رسول الله إني أريد الحج . وأنا شاكية فقال النبي صلى الله عليه و سلم :حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني ) رواه مسلم. ويفيد هذا الشرط في شيئين : أنه متى عاقه عائق من مرض أو غيره فله التحلل ، وأنه إذا حل لذلك فلا شيء عليه من دم ولا غيره .
7- البداءة بالتلبية إذا ركب راحلته. لما روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما ( أنه صلى الله عليه و سلم أهل حين استوت به راحلته ) ( متفق عليه ) ، قال النووي في المجموع: الأصح عندنا أنه يستحب إحرامه عند ابتداء السير، وانبعاث الراحلة، وبه قال مالك والجمهور من السلف والخلف.
ويرفع الرجل صوته بالتلبية لما روى خلاد بن السائب بن خلاد عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية )) ( رواه الترمذي ) ، أما المرأة فتسمع نفسها فقط ويكره لها الجهر .
ويستحب الإكثار من التلبية ، ويتأكد استحبابها عند تغير الأوضاع والأحوال، فيلبي في صعود وهبوط أو تلبس بمحظور ناسيا وفي أدبار الصلوات وإقبال الليل والنهار وبالأسحار وإذا التقت الرفاق، لما روى جابر رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يلبي إذا رأى راكبا أو صعد أكمة أو هبط واديا وفي إدبار المكتوبة وآخر الليل ) ويستمر الحاج في التلبية إلى أن يرمي جمرة العقبة يوم النّحر ، ويقطعها عند الطّواف والسّعي للاشتغال بالأذكار والأدعية الواردة فيها.
8- يستحب للمحرم قلة الكلام إلا فيما ينفع لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )) ( رواه ابن ماجه ) فهذا في حال الإحرام والتلبس بطاعة الله تعالى والاستشعار بعبادته أولى . 4 (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F31%23_ftn4)
محظورات الإحرام:
وينبغي الإشارة هنا إلى محظورات الإحرام: وهي الأعمال الممنوعة التي لو فعلها الحاج أو المعتمر وجب عليه فيها فدية، أو صيام، أو إطعام, وهي:
1- حلق الشعر من أي جزء من بدنه.
2- تقليم الأظفار.
3- تغطية الرأس للرجل، وتغطية الوجه من الأنثى إلا إذا مرَّ بها رجال أجانب.
4- لبس المخيط: وهو ما يخاط على حجم عضو الجسم كالثوب والسروال ونحوهما، وهذا خاص بالرجال دون النساء.
5- الطيب.
6- قتل الصيد البري المأكول.
7- عقد النكاح.
8- الجماع، فإن كان قبل التحلل الأول فسد نسكهما، ويجب في ذلك بدنة، ويمضيان فيه، ويقضيان من العام المقبل، وإن كان بعد التحلل الأول فلا يفسد به النسك لكن يجب في ذلك شاة.
9- مباشرة الرجل المرأة فيما دون الفرج, فإن أنزل فعليه بدنة, وإن لم ينزل فعليه شاة، ولا يفسد حجه في كلا الحالين.
والمرأة كالرجل فيما سبق من المحظورات إلا في لبس المخيط فتلبس ما شاءت غير متبرجة، وتغطي رأسها، وتكشف وجهها ولا تغطيه إلا عند وجود رجال أجانب منها.
ويحصل التحلل الأول في الحج بفعل اثنين من ثلاثة:
1- طواف.
2- رمي.
3- حلق أو تقصير.
وإذا حاضت المرأة المتمتعة قبل الطواف، وخشيت فوات الحج؛ أحرمت به، وصارت قارنة، وليعلم أن الحائض والنفساء تفعل المناسك كلها غير الطواف بالبيت.
ويجوز للمحرم ذبح بهيمة الأنعام، والدجاج ونحوهما، وله قتل الصائل المؤذي كالأسد، والذئب، والنمر، والفهد، والحية، والعقرب، والفأرة؛ وكل مؤذ، كما يجوز له صيد البحر وطعامه.
ويحرم على المحرم وغير المحرم قطع شجر الحرم وحشيشه إلا الإذخر, كما يحرم قتل صيد الحرم, فإن فعل فعليه الفدية، ويحرم صيد حرم المدينة، وقطع شجره، ولا فدية فيه.
وحيث ذكرنا أن من واجبات الحج أن يحرم الحاج من الميقات فنشير هنا إلى المواقيت، ونقول:
المواقيت قسمان:
أ- زمانية: وهي أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة. مع خلاف هل هي عشر ذي الحجة أم شهر ذي الحجة كاملاً. والاتفاق على أن من طلع عليه فجر اليوم العاشر قبل أن يحرم بالحج لا يصح حجه ولا ينعقد إحرامه بالحج.
ب- مكانية: وهي التي يحرم منها من أراد الحج أو العمرة, وهي خمسة:
1- ذو الحليفة: وهو ميقات أهل المدينة.
2- الجحفة: وهي ميقات أهل الشام ومصر ومن حاذاها أو مرَّ بها.
3- يلملم: وهو ميقات أهل اليمن ومن بحذائها أو مرَّ بها.
4- قرن المنازل: وهو ميقات أهل نجد والطائف ومن مرَّ به، وهو المشهور الآن بـ"السيل الكبير".
5- ذات عرق: وهي ميقات أهل العراق، وخراسان، ووسط، وشمال نجد، ومن حاذاها أو مرَّ بها.
فهذه المواقيت لأهلها، ومن مرَّ عليها من غيرهم ممن أراد الحج أو العمرة, ومن كان دون المواقيت فميقاته من حيث أنشأ؛ حتى أهل مكة من مكة, ومن أراد الحج من أهل مكة أحرم منها، ومن أراد العمرة من أهل مكة أحرم من الحل وهو خارج الحرم من جميع الجهات.
وإذا لم يكن طريق الحاج أو المعتمر على ميقات فميقاته حذو أقرب المواقيت إليه، فيُحرم إذا حاذاه سواء كان بطائرة أو سيارة أو باخرة.
ولا يجوز لحاج أو معتمر تجاوز الميقات بلا إحرام، ومن تجاوزه بلا إحرام لزمه الرجوع إلى الميقات ليحرم منه، فإن لم يرجع أحرم من موضعه ولزمه دم، وحجته وعمرته صحيحة، وإن أحرم قبل الميقات صحّ إحرامه.
أنواع النسك:
- يكون الإحرام على مناسك ثلاثة: مفرد أو قارن أو متمتع،
التمتع: هو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج – وهي: شوال, وذو القعدة, وعشر من ذي الحجة – ويقول عند الإحرام وعقد النية ( لبيك اللهم عمرة ) ثم يفرغ منها بالطواف والسعي والحلق أو التقصير ويحل من إحرامه ، ثم يحرم بالحج من مكة أو مكان نزوله يوم التروية في نفس عامه ويقول ( لبيك اللهم حجاً ) ، ويلزمه هدي التمتع ما لم يكن من أهل مكة ، ويأكل منه ويهدي ويتصدق فإن عدم الهدي أو ثمنه سقط عنه وانتقل إلى الصوم لقوله تعالى {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} . وهو أفضل الأنساك عند الحنابلة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من لم يسق الهدي أن يجعل إحرامه عمرة، وقال: (( لولا أنِّي سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به )) متفق عليه.
القران: وهو الإحرام بالعمرة والحج معاً في أشهر الحج فيقول: " لبيك عمرة وحجاً " ثم يبقى على إحرامه إلى أن يتحلل التحلل الأول يوم النحر. أو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها . وهو الأفضل في حق من ساق الهدي معه ، ويلزمه هدي القران ما لم يكن من أهل مكة فلا هدي عليه .
الإفراد: وهو أن يحرم بالحج وحده في أشهر الحج بأن يقول: " لبيك اللهم حجاً " وذلك من الميقات أو من منزله إن كان دون الميقات أو من مكة إذا كان مقيماً بها ،ثم يبقى على إحرامه إلى أن يتحلل التحلل الأول يوم النحر .
وفي إحرام القارن أمور؛ يقول ابن عثيمين رحمه الله: "والقران له ثلاث صور:
الأولى: أن يحرم بالحج والعمرة معاً، فيقول: لبيك عمرة وحجاً، أو لبيك حجاً وعمرة، وقالوا: الأفضل أن يقدم العمرة في التلبية فيقول: ((لبيك عمرة وحجاً))؛ لأن تلبية النبي صلى الله عليه وسلم هكذ 5 (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F31%23_ftn5) ، ولأنها سابقة على الحج.
الثانية: أن يحرم بالعمرة وحدها، ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في الطواف.
الثالثة: أن يحرم بالحج أولاً، ثم يدخل العمرة عليه، وهذه الصورة فيها خلاف بين العلماء على قولين: فالمشهور عند الحنابلة رحمهم الله أن هذا لا يجوز؛ لأنه لا يصح إدخال الأصغر على الأكبر، فيبقى على إحرامه إلى يوم العيد، وهذا القول الأول، أما من حوّل الحج إلى عمرة ليصير متمتعاً فهذا سنة.
والقول الثاني: الجواز لحديث عائشة رضي الله عنها: "أهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج" 6 (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F31%23_ftn6) ، ثم جاءه جبريل عليه السلام وقال: ((صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة، أو عمرة وحجة))7 (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F31%23_ftn7) ، فأمره أن يدخل العمرة على الحج، وهذا يدل على جواز إدخال العمرة على الحج.
والقول بأنه لا يصح إدخال الأصغر على الأكبر مجرد قياس فيه نظر؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة)) 8 (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F31%23_ftn8) ، وسمى العمرة حجاً أصغر 9 (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F31%23_ftn9) ، فلا مانع ولا تناقض وهذا القول دليله قوي.
فإن قالوا: إنه لا يستفيد بذلك شيئاً؟ قلنا: بلى يستفيد، لأنه بدل من أن يأتي بنسك واحد أتى بنسكين" 10 (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F31%23_ftn10) .
مسألة تجاوز الميقات المكاني:
لا يجوز لمن أراد الحج أو العمرة مجاوزة الميقات بغير إحرام إجماعاً, فإن جاوزه متعمداً فهو آثم. قال في المغني : من جاوز الميقات وهو يريد الإحرام بالحج أو العمرة ولم يحرم , فعليه أن يرجع إليه ليحرم منه, إن أمكنه , سواء تجاوزه عالماً به أو جاهلاً، فإن رجع إليه , فأحرم منه , فلا شيء عليه . لا نعلم في ذلك خلافا ..؛ لأنه أحرم من الميقات الذي أُمر بالإحرام منه, فلم يلزمه شيء, كما لو لم يتجاوزه. وإن أحرم من مكانه الذي نزل فيه, فعليه دم . أ.هـ ، وهي شاة يذبحها في مكة ويوزعها على فقراء الحرم .
ومن جاوز الميقات قاصداً مكة من غير نية الحج أو العمرة ثم بدا له بعد ما وصل مكة أن يحج أو يعتمر، فإنه يحرم من مكانه الذي هو فيه، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما : " ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ " ( المجموع 7/209 ) إلا إن بدا له أن يعتمر وكان في مكة فيخرج إلى أدنى الحل ( مثل التنعيم ) ويحرم منه .
ومن جاوز الميقات وفي نيته الحج إن تيسر له ثم تيسر له فعزم على الحج، فإنه يُحرم من مكانه سواء كان داخل المواقيت أو في مكة ، ( مجموع فتاوى ابن باز 17/ 43 )
وفي اختيارات اللجنة الدائمة للإفتاء: "فيجب على من مرَّ بأحد المواقيت مريداً الحج والعمرة أن يحرم منها، فإن تجاوزها بدون إحرام وجب عليه الرجوع قبل الإحرام ليحرم منها، وإن لم يرجع وجب عليه دم جبراً للنسك" 11 (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F31%23_ftn11) .
وإن أراد حاج الإحرام من الميقات فأخَّره إلى "جدة" حيث تهبط الطائرة ، ففيه يقول الشيخ ابن باز رحمه الله إجابة على سؤال: "بعضهم يفتي للقادم للحج بطريق الجو بأن يحرم من جدة، وآخرون ينكرون ذلك؛ فما هو وجه الصواب في هذه المسألة؟ أفتونا مأجورين.
فيجيب رحمه الله: الواجب على جميع الحجاج جواً وبحراً وبراً أن يحرموا من الميقات الذي يمرُّون عليه براً، أو يحاذونه جواً أو بحراً لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما وقَّت المواقيت: ((هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة)) 12 (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F31%23_ftn12) الحديث متفق عليه.
أما جدة فليست ميقاتاً للوافدين، وإنما هي ميقات لأهلها، ولمن وفد عليها غير مريدين الحج ولا العمرة، ثم أنشأوا الحج والعمرة منها" 13 (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F31%23_ftn13) .
هذه بعض الإشارات المهمة فيما يخص الركن الأول من أركان الحج الذي هو الإحرام. والحمد لله أولاً وآخراً
شاعر في المشاعر
10-02-2013, 11:14 AM
الركن الثاني ( الوقوف بعرفة )
يوم عرفة هو أحد الأيام التي أقسم الله تعالى بها منوهاً إلى عظيم فضلها، وعلوِّ قدرها وشرفها قال تعالى: {وَالفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} (سورة الفجر:2) قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إنها عشر ذي الحجة"، وقال ابن كثير: "وهو الصحيح، وقد ثبت في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء))[1] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn1).
- ولم لا يكون كذلك وحسبه أنه يومٌ ختم الله به الدين، وأتمَّ به النعمة على عباده فقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (سورة المائدة:3).
- وهو يوم أقسم الله به خصوصاً، فهو اليوم المشهود في قوله تعالى: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} (سورة البروج:3)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اليوم الموعود: يوم القيامة، واليوم المشهود: يوم عرفة، والشاهد: يوم الجمعة))[2] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn2).
- وقد ورد في فضل صيام هذا اليوم لغير الحاج أنه يكفر الذنوب لسنة ماضية، وسنة باقية؛ فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة فقال: ((يكفِّر السنة الماضية والباقية)) رواه مسلم (2804).
- ويوم عرفة هو أكثر يوم يعتق الله فيه رقاب عباده من النار، ويباهي بهم ملائكته فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهى بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء)) رواه مسلم (3354).
- وهو يوم عيد للمسلمين، حين يقف حجاج بيت الله الحرام على صعيد عرفة يجأرون إلى الله تعالى بالدعاء والتضرع، والابتهال إليه.
الوقوف بعرفة ركن الحج الأعظم:
أجمعت الأمة على أن الوقوف بعرفة هو الركن الأعظم للحج ، وأنه لا يتم الحج إلا به، فمن لم يأت عرفة قبل طلوع فجر يوم النحر ، ولو لحظة ، ولو ماراً ، فقد فاته الحج بإجماع العلماء . لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الْحَجُّ عَرَفَةُ ، فَمَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ ))[3] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn3) . قال ابن المنذر رحمه الله:" أجمعوا على أن الوقوف بعرفة فرض، ولا حج لمن فاته الوقوف بها"[4] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn4)، وقال الماوردي رحمه الله: "أما الوقوف بعرفة حكمه فركن من أركان الحج واجب، لا نعرف فيه خلافاً بين العلماء"[5] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn5).
- شروط الواقف بعرفة:
يشترط لصحة حج الواقف بعرفة:
1- أن يكون مسلماً، فغير المسلم ليس أهلاً للحج.
2- أن يكون مُحرماً؛ لأن غير المُحرم ليس أهلاً للحج، ولم يكن في إحرام حتى يصح منه الوقوف.
3-: أن يكون عاقلاً، فإن كان مجنوناً لم يصح وقوفه.
فكيفما حصل وقوفه سواء كان قائماً، أو جالساً، أو راكباً، أو محمولاً، أو نائماً، ذاكراً، أوناسياً، عالماً بأنها عرفة أو جاهلاً، أجزأه ذلك. وبذلك قال الأئمة الأربعة.[6] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn6)
4- واختلفوا في المغمى عليه والسكران. فعند الشافعي وأحمد لا يصح وقوفهما. وعند أبي حنيفة ومالك يصح منهما ويجزئهما.[7] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn7) واختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قول المذهب بعدم صحة وقوف المغمى عليه والسكران.[8] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn8)
مكان الوقوف بعرفة:
وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوقوف به وقال ((عرفة كلها موقف ، وارتفعوا عن بطن عرنة ))[9] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn9)
وقد بُينت حدود عرفة بعلامات وكتابات توضح عرفة من غيرها، فمن كان داخل الحدود الموضحة فهو في عرفة، ومن كان خارجها فهو ليس في عرفة، وعلى كل حاج أن يتأكد من ذلك، وأن يتعرف على تلك الحدود ليتأكد من كونه في عرفة. قال في المغني : " وليس وادي عرنة من الموقف، ولا يجزئه الوقوف فيه. قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن من وقف به لا يجزئه، وحكي عن مالك أنه يهريق دماً وحجه تام . قال ابن قدامة : ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (كل عرفة موقف وارفعوا عن بطن عرنة ) ولأنه لم يقف بعرفة فلم يجزئه، كما لو وقف بمزدلفة " أ.هـ[10] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn10)
قال الشافعي رحمه الله: " حيث وقف الناس من عرفات في جوانبها، ونواحيها، وحبالها، وسهلها، وبطاحتها، وأوديتها، وسوقتها المعروفة بذي المجاز أجزأه. إذا وقف في الموضع الذي يعرفه العرب بعرفة، فأما إذا وقف بغير عرفة من ورائها، أو دونها في عرفة عامداً، أو ناسياً، أو جاهلاً بها؛ لم تجزه "[11] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn11) ، وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "لا يصح حج من وقف خارج حدود عرفة ولو كان قريباً منها"[12] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn12).
زمن الوقوف بعرفة:
يبدأ الوقوف بعرفة من حين زوال شمس يوم التاسع من ذي الحجة إلى طلوع الفجر الثاني من يوم النحر العاشر من ذي الحجة امتثالاً لفعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه وقف بعد زوال الشمس وهو القائل عليه الصلاة والسلام: ((خذوا عني مناسككم)) رواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه.
واختلف العلماء رحمهم الله فيما قبل الزوال من يوم عرفة هل يجزئ الوقوف فيه أم لا يجزئ ، على قولين: الأكثرون على أن الوقوف لا يجزئ إلا بعد الزوال، لأنه موقف النبي عليه الصلاة والسلام وفعله. وهذا قول الجمهور.وحكى ابن عبد البر ذلك إجماعاً.
وذهب الإمام أحمد وهو اختيار ابن قدامة، إلى أن الوقوف قبل الزوال يجزئ ويدرك به الحج ، وأنّ وقت الوقوف يبدأ من طلوع الفجر يوم عرفة إلى طلوع الفجر يوم النحر، فلو وقف قبل الزوال في صباح عرفة وانصرف أجزأه ذلك ، ولكن عليه دم لأنه لم يقف إلى الغروب . واستدلوا بعموم حديث عروة بن مضرس قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت: يا رسول الله إني جئت من جبل طيء أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه؛ فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً؛ فقد تمَّ حجه، وقضى تفثه))[13] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn13) فأطلق النهار ، قالوا : فهذا يشمل ما قبل الزوال وما بعده.[14] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn14)
لكن الأحوط ما ذهب إليه الجمهور لفعل النبي صلى الله عليه وسلم. واختار هذا القول – بأن الوقوف يبدأ بعد الزوال – ابن تيمية رحمه الله، والشيخ ابن باز رحمه الله وقال: "هذا هو الأحوط"[15] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn15)، وكذا الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال: "ولا شك أن هذا القول أحوط من القول بأن النهار في هذا الحديث يشمل ما قبل الزوال"[16] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn16).
ويجب عند الجمهور (الحنفية والمالكية والحنابلة) الوقوف إلى غروب الشمس ليجمع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة، فإن النبي صلّى الله عليه وسلم وقف بعرفة حتى غابت الشمس في حديث جابر السابق، وفي حديث علي وأسامة: ((أن النبي صلّى الله عليه وسلم جعل يعنق على ناقته، والناس يضربون الإبل يميناً وشمالاً، لا يلتفت إليهم، ويقول: السكينة أيها الناس، ودفع حين غابت الشمس))[17] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn17)؛
فإن دفع قبل الغروب فحجه صحيح تام عند جمهور أهل العلم، وعليه دم.
وذهب مالك إلى أن من دفع من عرفة قبل الغروب وقد وقف نهاراً فقد فسد حجه وعليه القضاء من قابل، وحجته ما روي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج، ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج، فليحل بعمرة وعليه الحج من قابلل[18] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn18)، قال ابن عبد البر: لا نعلم أحداً من فقهاء الأمصار قال بقول مالك.[19] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn19)
وقال الشافعية: يسن الجمع بين الليل والنهار فقط اتباعاً للسنة، فلا دم على من دفع من عرفة قبل الغروب، وإن لم يعد إليها بعده لما في الخبر الصحيح: ((من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً؛ فقد تم حجه، وقضى تفثه))[20] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn20).
والراجح ما ذهب إليه الجمهور من وجوب الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس لمن وقف في النهار، ليجمع بين الليل والنهار ، أما من لم يدرك عرفة إلا بعد الغروب فليس عليه شيء وحجه صحيح إجماعاً.
والحاصل مما ذكرناه :
- أجمع العلماء على أن من وقف بعد زوال الشمس يوم عرفة ، ونفر بعد غروب الشمس فحجه صحيح ، وهو الموافق للسنة.
- أجمع العلماء على أن نهاية زمن الوقوف هو فجر يوم النحر، فمن وقف بعد ذلك فقد فاته الوقوف.
- الجمهور على أن وقت الوقوف يبدأ من زوال الشمس يوم عرفة وينتهي بطلوع فجر يوم النحر، فمن وقف بعرفة قبل الزوال ونفر منها قبل الزوال فلا حج له. وعند الإمام أحمد حجه صحيح، لأن وقت الوقوف عنده من طلوع فجر يوم عرفة إلى طلوع فجر يوم النحر، وعليه دم لأنه نفر قبل الغروب. والراجح والأحوط ما ذهب إليه الجمهور.
- الجمهور على أن من وقف بالنهار وجب عليه البقاء إلى غروب الشمس ليجمع بين الليل والنهار ، فإن خرج من عرفة قبل الغروب فعليه دم لأن الوقوف إلى الغروب واجب. وعند الشافعية يسن له الفدية ولا تجب عليه لأن الجمع بين الليل والنهار سنة ، وعند مالك حجه فاسد إلا أن يعود قبل الفجر، لأن الوقوف بالليل شرط لصحة الوقوف، ولا يُعلم أحد قال بقوله. والراجح ما ذهب إليه الجمهور من وجوب الوقوف إلى الليل لمن وقف بالنهار ، فإن خرج قبل الغروب ولم يرجع فعليه دم ، وإن رجع فوقف حتى غربت الشمس فلا دم عليه.
- وأجمع العلماء على أن من أدرك عرفة بالليل قبل طلوع فجر يوم النحر ولو للحظة ، أو ماراً، فقد أدرك الحج.[21] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn21)
- حكم الطهارة للوقوف بعرفة:
اتفق العلماء على أن من وقف بعرفة على غير طهارة؛ فحجه صحيح، ولا شيء عليه، قال ابن المنذر: "أجمعوا على أنه من وقف بعرفات على غير طهارة أنه مدرك للحج ولا شيء عليه"[22] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn22)، وقال ابن قدامة رحمه الله: "ولا يشترط للوقوف طهارة، ولا ستارة، ولا استقبال، ولا نية، ولا نعلم في ذلك خلافاً"[23] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn23)، ومن الأدلة على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: ((افعلي كما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري)) رواه البخاري(1650) . لكن يستحب أن يكون طاهراً، قال أحمد: "يستحب له أن يشهد المناسك كلها على وضوء"[24] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn24).
ويسن للحاج أن ينزل بنمرة قبل الزوال إن تيسر له، ويستمع لخطبة عرفة، ويصلي الظهر والعصر قصراً، ويجمعهما جمع تقديم؛ وبعدها يدخل عرفة، ويتفرغ الحجاج للدعاء والتضرع والابتهال إلى الله تعالى، وهم في منازلهم من عرفة، ويتأكد الحاج من أنه داخل حدود عرفة، والمستحب أن يقف عند الصخرات وجبل الرحمة ويستقبل القبلة ويدعو لما جاء في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم،[25] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn25) ولا يسن صعود الجبل ، ولا يلزم الحاج أن يذهب إلى جبل الرحمة إن شق عليه أو كان في ذلك مزاحمة، فعرفة كلها موقف كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يستقبل الجبل حال الدعاء، وإنما يستقبل الكعبة المشرفة.
وينبغي أن يجتهد في الدعاء والتضرع والتوبة في هذا الموقف العظيم، ويستمر في ذلك، وسواء دعا راكباً أو ماشياً أو واقفاً أو جالساً أو مضطجعاً على أي حال كان، ويختار الأدعية الواردة والجوامع لقوله صلى الله عليه وسلم : ((خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))[26] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn26)، ويستمر في البقاء بعرفة والدعاء إلى غروب الشمس.
مسألة في فوات الوقوف بعرفة:
الحج عرفة، فمن أحرم بالحج مطلقاً فرضاً كان أو نفلاً، صحيحاً كان أو فاسداً، ثم فاته الوقوف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (8/273) : " فإذا أحرم بالحج ، فلم يقف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج بالإجماع ".
ومن فاته الحج - ولم يكن قد اشترط في أول إحرامه أن محله حيث حبس – فيلزمه عند الجمهور عدة أمور:
1ـ أن يتحلل بعمرة ( من طواف، وسعي، وحلق أو تقصير )، 2ـ ويقضى على الفور من عام قابل، 3ـ ويلزمه الهدي في وقت القضاء، و4ـ وتلزمه التوبة إن كان تأخره لغير عذر.
وعند الأحناف: أن من فاته الحج وجب عليه أن يتحلل بعمرة، ويقضي الحج من عام قابل، ولكن لا يلزمه دم هدي وقت القضاء. لأن التحلل وقع بأفعال العمرة، فكانت في حق فائت الحج بمنزلة الدم في حق المحصَر، فلا يجمع بينهما، فلو كان الفوات سبباً للزوم الهدي للزم المحرم هديان: للفوات، والإحصار. . قال العلامة برهان الدين ابن مازة من علماء الحنفية: "من فاته الوقوف بعرفة، ووقت الوقوف بعرفة من حين تزول الشمس من يوم عرفة إلى أن يطلع الفجر من يوم النحر على ما مرَّ، إذا لم يقف في شيء من هذا الوقت، فقد فاته الحج، وعليه أن يتحلل بأفعال العمرة عندنا، يطوف ويسعى ويحلق ... ولا دم عليه عندنا"[27] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn27).
ولكن هذا القول خلاف الراجح . والأصح ما ذهب إليه جمهور العلماء من وجوب الهدي مع القضاء. وذلك لما رواه مالك في الموطأ (870) أن أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه : (خَرَجَ حَاجًّا حَتَّى إِذَا كَانَ بِالنَّازِيَةِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ أَضَلَّ رَوَاحِلَهُ ، وَإِنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَوْمَ النَّحْرِ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ عُمَرُ : اصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ ، ثُمَّ قَدْ حَلَلْتَ ، فَإِذَا أَدْرَكَكَ الْحَجُّ قَابِلًا ، فَاحْجُجْ وَأَهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ).[28] (http://www.sudanione.com/vb/go.php?url=http%3A%2F%2Fwww.mnask.com%2Farticles%2 F32%23_ftn28)
وما رواه عِكْرِمَةَ قَالَ : سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ . قَالَ عِكْرِمَةُ : سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَا : صَدَقَ ) رواه أبو داود (1862) وفي لفظ : ( مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ أَوْ مَرِضَ ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود .
ولقول عمر لأبي أيوب رضي الله عنهما : (فَإِذَا أَدْرَكَكَ الْحَجُّ قَابِلًا ، فَاحْجُجْ وَأَهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ)
وروى مالك عن نافع عن سليمان بن يسار (أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَخْطَأْنَا الْعِدَّةَ ، كُنَّا نَرَى أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ ، فَقَالَ عُمَرُ : اذْهَبْ إِلَى مَكَّةَ فَطُفْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ ، وَانْحَرُوا هَدْيًا ، إِنْ كَانَ مَعَكُمْ ، ثُمَّ احْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا ، وَارْجِعُوا ، فَإِذَا كَانَ عَامٌ قَابِلٌ فَحُجُّوا وَأَهْدُوا ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ ) .
قال ابن قدامة في "المغني" (3/280) : " الهدي يلزم من فاته الحج في أصح الروايتين . وهو قول من سمينا من الصحابة , والفقهاء , إلا أصحاب الرأي , فإنهم قالوا : لا هدي عليه...، ولنا , حديث عطاء , وإجماع الصحابة...".
وقال أيضاً (3/281) : " وإذا كان معه هدي قد ساقه نحره [يعني في السنة التي فاته الحج فيها] ، ولا يجزئه , بل عليه في السنة الثانية هدي أيضاً. نص عليه أحمد , وذلك ؛ لحديث عمر رضي الله عنه".
أما من كان قد اشترط فلا يجب عليه قضاء ولا هدي، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير فقال لها: ((لعلك أردت الحج)) قالت: والله لا أجدني إلا وجعة، فقال لها: ((حجي واشترطي، وقولي: اللهم محلي حيث حبستني)) رواه البخاري (5089)
شاعر في المشاعر
10-02-2013, 11:14 AM
الركن الثالث ( طواف الإفاضة )
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالطواف أحد أعمال الحج التي ينبغي القيام بها، وهو من العبادات العظيمة الجليلة التي حثَّ عليها القرآن، فقال تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (سورة الحج:29)، ولهذا السبب كان لابد من معرفة أنواع الطواف، وما يتعلق بكل واحد منها من الأحكام:
أنواع الطواف:
للطواف ثلاثة أنواع هي:
1- طواف القدوم .
2- طواف الإفاضة.
3- طواف الوداع.
ولكل واحد منها أحكام، وسوف نتحدث هنا عن طواف الإفاضة الذي يعتبر ركناً من أركان الحج:
طواف الإفاضة:
وله عدة أسماء: طواف الحج، وطواف الإفاضة، وطواف الزيارة، وطواف الفرض، وطواف الركن، وطواف الصَدَر.
حكمه:
أجمع العلماء رحمهم الله على أنه ركن من أركان الحج، لا يصح الحج إلا به استناداً إلى قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (سورة الحج:29)، وقد أجمعوا على أن المراد بهذا الطواف: طواف الإفاضة، وحديث عائشة رضي الله عنها ( أن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه و سلم حاضت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : أحابستنا هي ؟ قالوا : إنها قد أفاضت . قال : فلا إذا ) ( رواه البخاري 1670 ). ونقل الإجماع على فرضية هذا الطواف غير واحد من أهل العلم رحمهم الله منهم الكاساني[1]، وابن قدامة المقدسي[2]، والنووي[3]، وابن المنذر[4].
ومن نسيه أو تركه لزمه أن يرجع لأدائه ولو وصل إلى أقاصي الأرض شرقاً أو غرباً، فلا يتم الحج ولا التحلل الأكبر إلا به.
شاعر في المشاعر
10-02-2013, 11:16 AM
بداية وقت طواف الإفاضة:
طواف الإفاضة له وقت فضيلة، ووقت جواز:
فأما وقت الفضيلة: فهو يوم النحر أول النهار بعد رمي جمرة العقبة والنحر والحلق، موافقة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم. لما رواه مسلم عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر، ثم رجع فصلى الظهر بمنى، قال نافع: فكان ابن عمر يفيض يوم النحر، ثم يرجع فيصلي الظهر بمنى، ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعَله. رواه مسلم (3225)، قال النووي رحمه الله: "في هذا الحديث إثبات طواف الإفاضة، وأنه يستحب فعله يوم النحر أول النهار... واتفقوا على أنه يستحب فعله يوم النحر بعد الرمي والنحر والحلق"[5].
أما وقت الجواز: فقد اختلف الفقهاء رحمهم الله في أول وقته ( ابتدائه ) على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن ابتداء وقته من طلوع الفجر الثاني من يوم النحر وهو قول الحنفية[6]، والمشهور من مذهب المالكية[7]، ورواية عند الحنابلة[8]، واستدلوا: بفعله صلى الله عليه وسلم مع قوله: ((لتأخذوا مناسككم)) رواه مسلم (1297)، وقد طاف صلى الله عليه وسلم طواف الإفاضة يوم النحر في النهار ولم يطف ليلة النحر، والنهار يبتدئ من طلوع الفجر، والليالي تابعة للأيام السابقة لا اللاحقة، فتكون ليلة النحر وقت ركن آخر وهو الوقوف بعرفة، ولا تكون وقتاً للطواف، لأن الوقت الواحد لا يكون وقتاً لركنين.
وكذلك حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني عندها[9]، ووجه الدلالة: أن طوافها كان بعد طلوع الفجر، لأنها رمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت إلى مكة.
القول الثاني: أن ابتداء وقته من بعد منتصف ليلة النحر، وبه قال الشافعية[10]، والمشهور عن الحنابلة[11]، وهو اختيار العلامة ابن باز[12] رحمه الله، واستدلوا: بحديث عائشة رضي الله عنها المتقدم، والذي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت... إلخ، ووجه الدلالة لهم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل بها في ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت، قالوا: وهذا كله في الليل قبل الفجر.
واستدلوا بأدلة جواز الدفع من مزدلفة قبل فجر يوم النحر، والتي منها عن عبد الله مولى أسماء عن أسماء أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلي، فصلت، ثم قالت: يا بنيّ هل غاب القمر؟ قلت: لا، ثم صلت ساعة ثم قالت: يا بني هل غاب القمر، فقلت: نعم، قالت: فارتحلوا، فارتحلنا فمضينا، ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها، فقلت: يا هنتاه ما أرانا إلا قد غلسنا، قالت: يا بني إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن للظعن. رواه البخاري (1595)، ووجه الدلالة: جواز الدفع من مزدلفة بعد منتصف الليل، وإذا جاز الدفع منها جاز الرمي والطواف.
القول الثالث: أن ابتداء وقته من بعد طلوع شمس يوم النحر، وهو قول عند مالك .[13]
وفي رواية ضعيفة عند بعض المالكية أن طواف الدخول ( القدوم ) إذا وُصِل بالسعي يجزئ عن طواف الإفاضة لمن تركه جاهلا أو ناسياً ولم يؤده حتى رجع إلى بلده، وعليه الهدي. وهذا قول ضعيف مرجوح. قال ابن عبد البر: ولا أعلم أحداً قال بهذا القول غير مالك ومن تبعه من أصحابه. على أن تحصيل مذهبه عند أكثر أصحابه انه لا يجزئ عن طواف الإفاضة إلا ما كان بعد الوقوف بعرفة قبل الجمرة أو بعدها ... وجمهور العلماء على أن طواف القدوم لا يجزئ عن طواف الإفاضة."[14] وقال رحمه الله: " وقال أهل المدينة من أصحاب مالك وهو قول سائر الفقهاء لا يجزئ طواف الدخول ولا ينوب عن طواف الإفاضة بحال من الأحوال، وإنما يجزئ عندهم طواف الإفاضة، كل طواف يعمله الحاج يوم النحر أو بعده في حجته، وأما كل طواف يطوفه قبل يوم النحر فلا يجزئ عن طواف الإفاضة.
وهو قول إسماعيل بن إسحاق وأبي الفرج وجمهور أهل العلم.
قال أبو عمر: وذلك والله أعلم لقول الله عز وجل { ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق } [ الحج 29 ]
فأمر الله عز وجل بالطواف بالبيت بعد قضاء التفث وذلك طواف يوم النحر بعد الوقوف بعرفة"[15]
نهاية وقت طواف الإفاضة:
لم يرد نص في نهاية وقت طواف الإفاضة، وجمهور العلماء على أنه لا آخر لوقته، بل يبقى وقته ما دام صاحب النسك حياً، لكن العلماء اختلفوا في لزوم الدم بالتأخير، أو عدم لزومه إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه لا يلزم بالتأخير دم مطلقاً، ففي أي وقت أتى به أجزأه، وهو مذهب الشافعية[16]، والحنابلة[17]، قال النووي رحمه الله: " ذكرنا أن مذهبنا أن طواف الإفاضة لا آخر لوقته بل يبقى ما دام حيا ولا يلزمه بتأخيره دم قال ابن المنذر ولا أعلم خلافا بينهم في أن من أخره وفعله في أيام التشريق أجزأه ولا دم فان أخره عن أيام التشريق فقد قال جمهور العلماء كمذهبنا لادم . ممن قاله عطاء وعمرو بن دينار وابن عيينة وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد وابن المنذر وهو رواية عن مالك. وقال أبو حنيفة إن رجع إلى وطنه قبل الطواف لزمه العود للطواف فيطوف وعليه دم للتأخير وهو الرواية المشهورة عن مالك. ودليلنا أن الاصل عدم الدم حتى يرد الشرع به والله أعلم. "[18]
واختار هذا القول الشيخ ابن باز رحمه الله فقال: "لا دليل لمن قال بعدم جواز تأخير طواف الإفاضة عن ذي الحجة، والصواب جواز التأخير، ولكن الأولى المبادرة به"[19].
القول الثاني: أن تأخيره عن أيام التشريق يجب فيه دم، وهو مذهب الحنفية[20]. لأنه نسك يفعل في الحج، فكان آخره محدوداً بنهاية أيام النحر.
القول الثالث: أنه لا يجب الدم إلا إذا أخره عن شهر ذي الحجة وهذا هو المشهور عن المالكية[21]،
واختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عدم جواز تأخير الطواف عن شهر ذي الحجة،حيث قال: "الصواب أنه لا يجوز تأخيره عن شهر ذي الحجة إلا إذا كان هناك عذر كمرض لا يستطيع معه الطواف لا ماشياً، ولا محمولاً، أو امرأة نفست قبل أن تطوف طواف الإفاضة؛ فهنا ستبقى لمدة شهر أو أكثر، أما إذا كان لغير عذر فإنه لا يحل له أن يؤخره، بل يجب أن يبادر به قبل أن ينتهي شهر ذي الحجة"[22].
جمع طواف الإفاضة مع طواف الوداع:
إذا أخَّر الحاج طواف الإفاضة إلى الوداع فهل يطوف طوافاً واحداً أم يلزمه طوافان؟
اختلف الفقهاء في جمع طواف الإفاضة مع الوداع، وخلافهم مبنيٌ على: هل طواف الوداع مقصود لذاته؛ فيجب الإتيان به، أو ليس مقصوداً لذاته فيكفيه أن يؤخر الإفاضة إلى وداعه، فالمسألة على أقوال:
القول الأول: تأخير طواف الإفاضة لا يجزئ عن طواف الوداع، بل يلزمه طوافان؛ وهو مذهب الحنفية[23]، والشافعية[24]، وقول في مذهب الحنابلة[25].
القول الثاني: أن تأخير طواف الإفاضة إلى الوداع يجزئ عن الوداع؛ فيكتفي بطواف واحد وهو مذهب المالكية[26]، والمشهور من مذهب الحنابلة[27]، وهو ترجيح الشيخ ابن باز رحمه الله[28]، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله[29] بشرط أن تكون نيته طواف الإفاضة لا الوداع، وذلك لأن طواف الوداع ليس مقصوداً لذاته.
طواف الإفاضة للمرأة الحائض والنفساء:
اتفق الفقهاء على أن الحائض لا تطوف بالبيت[30]، والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: ((فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي)) رواه البخاري (5559) ومسلم (1211)، فإذا حاضت المرأة أو نفست بعد أن تطوف طواف الإفاضة، فلا شيء عليها ، ويسقط عنها طواف الوداع ، لما جاء من حديث عائشة المتقدم ( لما حاضت صفية رضي الله عنها قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: " أحابستنا هي؟ " فقالوا : إنها قد أفاضت. قال: " فلا إذاً " رواه البخاري ومسلم.
أما إذا حاضت أو نفست قبل أن تطوف للإفاضة: فعليها عند جمهور العلماء، أن تبقى في مكة حتى تطهر وتطوف، فإن شق عليها البقاء لعدم وجود نفقة أو محرم أو رفقة، فتعود إلى بلدها من غير أن تطوف ، وتبقى على إحرامها ، ولا يقربها زوجها، حتى تطهر وتعود إلى مكة وتطوف طواف الإفاضة وتتحلل بذلك التحلل الأكبر.
ولكن إذا اضطرت للطواف: ولا يمكنها البقاء في مكة حتى تطهر وتطوف، ولا يمكنها العودة أو يشق عليها ذلك مشقة زائدة. فقد اختلفوا في ذلك. هل يصح منها الطواف أم لا؟ على أقوال كما يلي:
القول الأول: إذا اشترطت في ابتداء إحرامها أن محلها حيث حبسها حابس، فلها ما اشترطت ولها التحلل ولا قضاء عليها ولا هدي.
القول الثاني: أنها تتحلل كما يتحلل المحصر، لأن خوفها منعها من المقام بمكة حتى تطوف، كما لو كان بمكة عدو منعها من الطواف. والجمهور على عدم جواز التحلل بغير حصر العدو.
القول الثالث: وهو الراجح والله أعلم، أنها تغتسل وتتحفظ حفاظاً محكماً ، وتتحرز مما يلوث المسجد، وتطوف على حالها. وتسعى بين الصفا والمروة إن لم تكن قد سعت. وهذا قول الأحناف والحنابلة. واختيار شيخ الإسلام وابن باز وابن عثيمين وغيرهم. ولكن هل يلزمها شيء بذلك؟
- عند الأحناف يلزمها بدنة، إذ إن الطهارة للطواف ليست شرطاً بل هي واجبة، فمن طاف محدثاً أجزأه، وعليه بدنة للجنابة ، وشاة للحدث الأصغر.
- وفي رواية عند الإمام أحمد أنه يجوز منها وتجبره بدم.[31]
- واختار شيخ الإسلام صحة الطواف منها ومن كل معذور، وأنه لا دم على واحد منهما. وهو اختيار الشيخين ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله. قال ابن تيمية رحمه الله: " وإذا دار الأمر بين أن تطوف طواف الإفاضة مع الحدث، وبين أن لا تطوفه، كان أن تطوفه مع الحدث أولى، فإن في اشتراط الطهارة نزاعا معروفا، .......وحينئذ فهذه المحتاجة إلى الطواف أكثر ما يقال: إنه يلزمها دم، كما هو قول أبي حنيفة، وأحد القولين في مذهب أحمد، فإن الدم يلزمها بدون العذر على قول من يجعل الطهارة واجبة، وأما مع العجز فإذا قيل بوجوب ذلك، فهذا غاية ما يقال فيها، وإلا قيس أنه لا دم عليها عند الضرورة......... وقد تبين بهذا أن المضطرة إلى الطواف مع الحيض لما كان في علماء المسلمين من يفتيها بالإجزاء مع الدم، وإن لم تكن مضطرة، لم تكن الأمة مجمعة على أنه لا يجزئها إلا الطواف مع الطهر مطلقا، وحينئذ فليس مع المنازع القائل بذلك لا نص، ولا إجماع، ولا قياس."[32] وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " الواجب على من حاضت قبل طواف الإفاضة أن تنتظر هي ومحرمها حتى تطهر، ثم تطوف الإفاضة، فإن لم تقدر جاز لها السفر، ثم تعود لأداء الطواف، فإن كانت لا تستطيع العودة وهي من سكان المناطق البعيدة كأندونيسيا، أو المغرب، وأشباه ذلك؛ جاز لها على الصحيح أن تتحفظ، وتطوف بنية الحج، و أجزأها ذلك عند جمع من أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة ابن القيم رحمهما الله وآخرون من أهل العلم"[33]. وقال ابن عثيمين رحمه الله: " ولهذا كان القول الراجح أن المرأة إذا اضطرت إلى طواف الإفاضة في حال حيضها كان ذلك جائزاً، لكن تتوقى ما يخشى منه تنجيس المسجد بأن تستثفر، أي: تجعل ما يحفظ فرجها؛ لئلا يسيل الدم فيلوث المسجد. وهذا الذي تطمئن إليه النفس أنه لا يشترط في الطواف الطهارة من الحدث الأصغر، لكنها بلا شك أفضل وأكمل وأتبع للنبي صلّى الله عليه وسلّم، ولا ينبغي أن يخل بها الإنسان لمخالفة جمهور العلماء في ذلك، لكن أحياناً يضطر الإنسان إلى القول بما ذهب إليه شيخ الإسلام، مثل لو أحدث أثناء طوافه في زحام شديد، فالقول بأنه يلزمه أن يذهب ويتوضأ ثم يأتي في هذا الزحام الشديد لا سيما إذا لم يبق عليه إلا بعض شوط ففيه مشقة شديدة، وما كان فيه مشقة شديدة ولم يظهر فيها النص ظهوراً بيناً، فإنه لا ينبغي أن نلزم الناس به، بل نتبع ما هو الأسهل والأيسر؛ لأن إلزام الناس بما فيه مشقة بغير دليل واضح منافٍ لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] ."[34]
شاعر في المشاعر
10-02-2013, 11:16 AM
شروط الطواف :
هناك بعض الشروط يذكرها الفقهاء باتفاق، وهي شروط عامة لكل عبادة فليست خاصة بالطواف وهي:
1- الإسلام: فهو شرط أساس لكل عمل، فلا يصح العمل بلا إسلام.
2- النية: فهي شرطٌ أساسي في كل عبادة؛ فلا يصح الطواف بلا نية.
وهناك شروط أخرى في بعضها خلاف، وهي:
1- الطهارة من الحدث الأصغر: حيث اتفق العلماء على مشروعية الطهارة في الطواف، واختلفوا هل هو شرط أم لا؟ فذهب مالك والشافعي وجمهور أهل العلم إلى أنه شرط لصحة الطواف، وهو المشهور من مذهب أحمد. وذهب أبو حنيفة إلى أنه واجب وليس بشرط، وهي رواية عن أحمد. ورجح ابن تيمية عدم اشتراط الطهارة للطواف،[35] ورجح الشيخ ابن باز رحمه الله لزوم الطهارة في الطواف[36]، وأما الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقد رجح أن الطهارة ليست بشرط، وقال"هذا الذي تطمئن إليه النفس أنه لا يشترط في الطواف الطهارة من الحدث الأصغر، لكنها بلا شك أفضل وأكمل وأتبع للنبي صلّى الله عليه وسلّم"[37].
2- ستر العورة: وهو شرط لحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه في الحجة التي أمَّره عليها قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس ألا لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. رواه البخاري (1622).
3- العقل: وقد اتفق الجمهور على صحة أفعال الحج من المجنون وغير المميز[38]، وقالوا: ينوي عنه وليه.[39]
4- أن يكون الطواف داخل المسجد: فقد اتفق الفقهاء على أنه لا يصح الطواف خارج المسجد، وقال النووي رحمه الله: "واتفقوا على أنه لو طاف خارج المسجد لم يصح طوافه بحال"[40]، ويستثنى من ذلك الضرورة؛ فلو اشتد الزحام حتى لم يستطع الطواف إلا خارج المسجد جاز ذلك.[41]
5- أن يكون الطواف حول البيت كله: قال ابن عبد البر: "أجمع العلماء أن كل من طاف بالبيت لزمه أن يدخل الحجر في طوافه، واختلفوا فيمن لم يدخل الحجر في طوافه، فالذي عليه جمهور أهل العلم أن ذلك لا يجزئ، وأن فاعل ذلك في حكم من لم يطف الطواف كاملاً، وأن من لم يطف الطواف الواجب كاملاً يرجع من طوافه حتى يطوفه وهو طواف الإفاضة، وممن قال ذلك الشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وداود، وهو قول بن عباس وعطاء، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: الحجر من البيت {وليطوفوا بالبيت العتيق} (الحج:29)، ويقول: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجر، وقال أبو حنيفة: من سلك في الحجر ولم يطف من ورائه، وذكر ذلك وهو بمكة؛ أعاد الطواف، فإن كان شوطاً قضاه، وإن كان أكثر قضى ما بقي عليه من ذلك، فإن خرج من مكة وانصرف إلى الكوفة؛ فعليه دم، وحجة تام"[42].
6- إكمال سبعة أشواط: حيث قد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن تبعهم على أن الطواف سبعة أشواط، ولكن حدث خلاف بين الفقهاء: هل إكمال الأشواط السبعة شرط أم واجب، على قولين:
القول الأول: أن إكمال سبعة أشواطٍ واجب وليس بشرط؛ وهو مذهب الحنفية؛ وعلى هذا القول فإن من لم يكمل سبعة أشواط على حالتين:
الأولى: أن يكون بمكة ولم يخرج منها؛ فيلزمه الإتمام.
الثانية: أن يكون قد خرج من مكة فهذه على حالين:
- أنه لم يطف إلا ثلاثة أشواط فيلزمه العودة.
- طاف أربعة أشواط فأكثر أجزأه طوافه، ولا يلزمه العودة، وعليه دم.
القول الثاني: أن إكمال سبعة أشواط شرط لصحة الطواف؛ وهو مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة؛ وجمهور أهل العلم. فيفسد الطواف ولو بترك شوطٍ واحدٍ، ويعود له من بلده.[43] وهو الراجح .
7- الابتداء من الحجر الأسود: واختلف الفقهاء في الابتداء من الحجر الأسود هل هو شرط لصحة الطواف؛ وعلى هذا لا يعتد بالشوط الذي طافه من ابتدأ بعد الحجر، أو أن ما طافه صحيح، وأن الابتداء من الحجر ليس شرطاً؛ فالمسألة على أقوال:
القول الأول: أن الابتداء من الحَجَر سنة، وهو المشهور من مذهب الحنفية.
القول الثاني: أن الابتداء من الحجر واجب؛ وعلى من ابتدأ من غير الحجر الإعادة أو دم؛ وهو قول في مذهب الحنفية، وهو مذهب المالكية.
القول الثالث: أن الابتداء من الحجر شرطٌ لصحة الطواف؛ وعلى هذا يجب عليه الإعادة، ولا يعتد بما طاف؛ وهو مذهب الشافعية، والحنابلة.[44]
8- الترتيب: والمراد بالترتيب هنا أن يجعل البيت عن يساره ثم يطوف، فإن نكّسه ، فلا يعتد بطوافه عند جمهور أهل العلم.
9- الموالاة: واتفق الفقهاء على أن الفاصل اليسير كأداء الصلاة لا يؤثر في الطواف، فإن أقيمت الصلاة فإنه يصلي ثم يبني. وإنما اختلفوا إذا طال الفاصل؛ فهل يعتد بما طاف أو يستأنف؛ على قولين:
القول الأول: أن الموالاة سنة؛ وهو مذهب الحنفية، وهو المشهور من مذهب الشافعية، والحنابلة.
القول الثاني:أن الموالاة شرط لصحة الطواف؛ وهو مذهب المالكية، وقول في مذهب الشافعية، وهو المشهور من مذهب الحنابلة.[45]
10- المشي على القادر: قال الماوردي: "طواف الماشي أولى وأفضل من طواف الراكب، وهذا مما لا يعرف خلاف فيه"[46]. قال في المغني: ولا خلاف في أن الطواف راجلا أفضل ؛ لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم طافوا مشيا ، والنبي صلى الله عليه وسلم في غير حجة الوداع طاف مشيا ، وفي قول أم سلمة : { شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أني أشتكي ، فقال : طوفي من وراء الناس ، وأنت راكبة } .دليل على أن الطواف إنما يكون مشيا ، وإنما طاف النبي صلى الله عليه وسلم راكبا لعذر ، فإن ابن عباس روى { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر عليه الناس يقولون : هذا محمد هذا محمد .حتى خرج العواتق من البيوت ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرب الناس بين يديه ، فلما كثروا عليه ركب } .رواه مسلم .وكذلك في حديث جابر ، فإن الناس غشوه .
وروي عن ابن عباس ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف راكبا ؛ لشكاة به } .وبهذا يعتذر من منع الطواف راكبا عن طواف النبي صلى الله عليه وسلم والحديث الأول أثبت .فعلى هذا يكون كثرة الناس ، وشدة الزحام عذرا .ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قصد تعليم الناس مناسكهم ، فلم يتمكن منه إلا بالركوب ، والله أعلم .[47]
فإن طاف راكباً لغير عذر،
- فأشهر الروايات عن أحمد أنه لا يجزئه، قال في المغني: فأما الطواف راكبا أو محمولا لغير عذر ، فمفهوم كلام الخرقي أنه لا يجزئ . وهو إحدى الروايات عن أحمد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم { قال : الطواف بالبيت صلاة } .ولأنها عبادة تتعلق بالبيت ، فلم يجز فعلها راكبا لغير عذر ، كالصلاة .
- وعند مالك أبي حنيفة يجزئه ويجبره بدم.
وعند الشافعي يجزئه ولا شيء عليه.واختاره ابن المنذر لما روى جابر ( أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا ليراه الناس ويسألوه ) رواه مسلم. وحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم (طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن) رواه البخاري ومسلم .قال ابن المنذر : لا قول لأحد مع فعل النبي صلى الله عليه وسلم . ولأن الله تعالى أمر بالطواف مطلقا ، فكيفما أتى به أجزأه ، ولا يجوز تقييد المطلق بغير دليل . قال النووي: الافضل أن يطوف ماشيا ولا يركب إلا لعذر مرض أو نحوه أو كان ممن يحتاج الناس إلى ظهوره ليستفتى ويقتدى بفعله فان طاف راكبا بلا عذر جاز بلا كراهة لكنه خالف الأولى كذا قاله جمهور أصحابنا وكذا نقله الرافعي عن الأصحاب.
شاعر في المشاعر
10-02-2013, 11:17 AM
الركن الرابع (السعي بين الصفا والمروة)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن من أبرز الشعائر التي تُؤدى في الحج السعي بين الصفا والمروة، إذ فيه تأكيد اللجوء إلى الله ليكشف الضر عمن قصد مسعاه، طالباً غفران الذنوب، مبتهلاً إليه بأصفى القلوب، فقد كشف الله الضر عن هاجر وولدها إسماعيل، وفجَّر لهما نبع ماء زمزم، بعد أن بلغ بهما العطش كل مبلغ، وكاد يودي بهما قال ابن عباس رضي الله عنهما: "أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل، اتخذت منطقاً لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جراباً فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقاً، فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مراراً، وجعل لا يتلفت إليها.
فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا؟
قال: نعم.
قالت: إذن لا يضيعنا، ثم رجعت، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الكلمات، ورفع يديه فقال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ...الآية} (إبراهيم:37)، وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل، وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال يتلبط، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً فلم تر أحداً، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى إذا جاوزت الوادي، ثم أتت المروة، فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحداً فلم تر أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فذلك سعي الناس بينهما)) رواه البخاري (3364) قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: "قول النَّبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: ((فذلك سعي الناس بينهما)) فيه الإشارة الكافية إلى حكمة السعي بين الصفا والمروة، لأن هاجر سعت بينهما السعي المذكور وهي في أشد حاجة، وأعظم فاقة إلى ربها، لأن ثمرة كبدها وهو ولدها إسماعيل تنظره يتلوى من العطش في بلد لا ماء فيه ولا أنيس، وهي أيضاً في جوع وعطش في غاية الاضطرار إلى خالقها جل وعلا، وهي من شدة الكرب تصعد على هذا الجبل فإذا لم تر شيئاً جرت إلى الثاني فصعدت عليه لترى أحداً.
فأُمر الناس بالسعي بين الصفا والمروة ليشعروا بأن حاجتهم وفقرهم إلى خالقهم ورازقهم كحاجة وفقر تلك المرأة في ذلك الوقت الضيق، والكرب العظيم؛ إلى خالقها ورازقها، وليتذكروا أن من كان يطيع الله كإبراهيم عليه السلام، وعلى نبينا الصلاة والسلام؛ لا يضيعه، ولا يخيب دعاءه، وهذه حكمة بالغة ظاهرة ..."([1]).
ولذا كان للسعي بين الصفا والمروة أحكاماً بيَّنها أهل العلم في كتبهم، وسنتعرض في هذه الكلمات إلى أبرز الأحكام التي تخصُّ السعي:
حكم السعي بين الصفا والمروة:
اختلف الفقهاء في حكم السعي بين الصفا والمروة، فمنهم من قال: إنه ركن، ومنهم من قال: إنه واجب، ومنهم من قال: إنه سنة، ونذكر فيما يلي هذه الأقوال:
القول الأول: أنه ركن من أركان الحج والعمرة لا يتم واحد منهما إلا به، ولا يجبر بدم ، وهو قول جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين وقول الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد في رواية، وأبو ثور وإسحاق.وهو الذي اختاره فقهاء الحنابلة المتأخرون. ([2])
واستدلوا بأدلة كثيرة ، منها قوله تعالى ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ). وحديث عائشة رضي الله عنها قالت: " طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف المسلمون ـ يعني بين الصفا والمروة ـ فكانت سنة، ولعمري ما أتم حج من لم يطف بين الصفا والمروة" رواه مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: ( يجزئ عنك طوافك بين الصفا والمروة، عن حجك وعمرتك)، ومعناه أنها إن لم تطف بينهما لم يحصل إجزاء عن حجها وعمرتها.وحديث حبيبة بنت أبي تجراة رضي الله عنها قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة، والناس بين يديه، وهو وراءهم، وهو يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعي يدور به إزاره، وهو يقول: ((اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي))([3])، قال الإمام الشوكاني رحمه الله: استدل به من قال: إن السعي فرض وهم الجمهور([4]).
القول الثاني: أنه واجب وليس بركن، ويصح الحج والعمرة بدونه، ويجب بتركه دم، وهذا قول أبي حنيفة، والثوري، ورواية عن أحمد. وقال في المغني: وهو أولى.
واحتجَّوا لقولهم إنه واجب: بأن ركن الحج هو زيارة البيت، والوقوف بعرفة، ولا دليل على أن السعي فرض حتى يعتبر ركناً من أركان الحج([5]). وأن قوله تعالى ( فلا جناح ) يستعمل مثله للإباحة، فينفي الركنية والإيجاب، إلا أننا عدلنا في الإيجاب، ولأن الركنية لا تثبت إلا بدليل مقطوع به، ولم يوجد. أما قول عائشة :" ما تم حج امرئ إلا بالسعي " فيه إشارة إلى أنه واجب وليس بفرض، لأنها وصفت الحج بدونه بالنقصان لا بالفساد.[6]
القول الثالث: أنه سنة ليس بركن ولا واجب، ولا يجب بتركه دم، وهذا قول عطاء، ورواية عن أحمد، وروي هذا القول عن ابن عباس، وأنس، وابن الزبير، وابن سيرين لقول الله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (البقرة: من الآية158)، ونفي الحرج عن فاعله دليل على عدم وجوبه، فإن هذا رتبة المباح([7]).
غير أن هذا القول مردود بحديث عائشة رضي الله عنها عن عروة بن الزبير قال: قلت لعائشة: ما أرى علي جناحاً أن لا أتطوف بين الصفا والمروة، قالت: لم؟ قلت: لأن الله عز وجل يقول: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (البقرة:من الآية158)، فقالت: لو كان كما تقول لكان فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، إنما أنزل هذا في أناس من الأنصار كانوا إذا أهلُّوا أهلُّوا لمناة في الجاهلية، فلا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما قدموا مع النبي صلى الله عليه وسلم للحج ذكروا ذلك له، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فلعمري ما أتمَّ الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة" رواه مسلم (1277).
والصحيح والله أعلم أن السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي))، ومعلوم عند علماء الأصول أن الأمر يقتضى الوجوب إلا إذا كانت هناك قرينة صارفة إلى الندب أو الاستحباب، ولا قرينة هنا.
وقد سئل الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله: ما حكم السعي في الحج والعمرة؟
فأجاب رحمه الله: "السعي ركن من أركان الحج والعمرة لقوله عليه الصلاة والسلام: "خذوا عني مناسككم"([8])، وفعله يفسر قوله، وقد سعى في حجته وعمرته عليه الصلاة والسلام"([9]).
هل تشترط الموالاة بين الطواف والسعي؟
قالت الحنابلة: لا تجب الموالاة، وقال الإمام أحمد: "لا بأس أن يؤخر السعي حتى يستريح إلى العشي، وكان عطاء والحسن لا يريان بأساً لمن طاف بالبيت أول النهار أن يؤخر الصفا والمروة إلى العشي، وفعله القاسم وسعيد بن جبير"([10]).
وعند الشافعية: الموالاة بين الطواف والسعي سنَّة وليس واجباً، فلو فرق بينهما تفريقاً قليلاً أو كثيراً صح سعيه، ولم يتخلل بينهما الوقوف على عرفة، فإن تخلل الوقوف لم يجز أن يسعى بعده قبل طواف الإفاضة، بل يتعين السعي بعد طواف الإفاضة، وإن أخَّره عن هذا الطواف زماناً طويلاً سنة أو أكثر جاز وأجزأ ([11]).
وسئل الشيخ بن باز رحمه الله سؤالاً هذا نصه: "أحرمت بالحج مفرداً من مكان إقامتي في جدة ليلة الثامن من ذي الحجة، وطفت طواف القدوم قبل يوم التروية، ثم سعيت سعي الحج بعد صلاة فجر يوم التروية، فهل الترتيب الزمني الذي أديت فيه المناسك المذكورة صحيح؟
فأجاب رحمه الله: لا حرج في ذلك، صحيح والحمد لله، لكن لو سعيت مع الطواف مباشرة فهو أفضل، ولكن تأخيره كونك طفت في ليلة الثامن، أو في اليوم التاسع، ثم طفت في الليلة الثامنة، أو في يوم الثامن، ثم سعيت في صباح يوم التاسع، أو يوم التروية لا بأس، المقصود الفصل بين السعي وبين الطواف لا يضر، لكن كون السعي يلي الطواف هذا هو الأفضل، فإذا طاف في اليوم الثامن، أو في السابع، ثم سعى بعد ذلك في اليوم الذي بعده، أو في الليلة؛ فلا حرج في ذلك([12]).
شروط السعي بين الصفا والمروة:
1- أن يكون بعد طواف صحيح: ويشترط لجواز السعي عند الجمهور أن يكون بعد طواف صحيح لأن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا فعله، وقال: ((لتأخذوا عني مناسككم))([13])، سواء كان الطواف الذي تقدمه مسنوناً كطواف القدوم، أو فرضاً كطواف الإفاضة([14]).وفي رواية عن أحمد: يجزئه إن كان ناسياً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن التقديم والتأخير قال: ( افعل ولا حرج ).[15]
2- الترتيب بأن يبدأ بالصفا ثم المروة: ومن شروط السعي الترتيب فيه، وهو أن يبدأ بالصفا ثم المروة، فإن بدأ بالمروة لم يعتدَّ بذلك الشوط لأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالصفا كما جاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصفا وقال: ((نبدأ بما بدأ الله به))، ثم قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}"([16])، وبهذا قال الفقهاء من مختلف المذاهب([17]).
3- استيعاب ما بين الصفا والمروة: وهو أن يقطع جميع المسافة بين الصفا والمروة، ولا يشترط في السعي الصعود على الصفا والمروة، وإن كان ذلك مستحباً وسنَّة . فإن لم يصعد إلى الصفا والمروة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، لزمه أن يلصق رجله بالابتداء والانتهاء. ولا يترك من هذه المسافة شيئاً.([18]).
4- إكمال سبعة أشواط: يحسب الذهاب من الصفا إلى المروة مرة، والرجوع من المروة إلى الصفا مرة ثانية، وبهذا قال الجمهور.
5ـ أن يسعى في موضع السعي: فلا يسعى بمحاذاة المسعى سواء داخل المسجد أو خارجه، وإنما يسعى في موضع السعي بين الصفا والمروة.
من سنن السعي:
1- المولاة بين أشواط السعي:
وظاهر كلام الإمام أحمد أن الموالاة غير مشترطة فيه، فإنه قال في رجل كان بين الصفا والمروة فلقيه، فإذا يعرفه يقف فيسلم عليه ويسائله، وهذا مذهب الحنفية والشافعية أيضاً([19]). وفي رواية عند الحنابلة أنها من شروط صحة السعي.
2- الرمل في السعي:
وهو السرعة في المشي مع تقارب الخطى، وهو سنَّة مستحبة في سعي ما بين الميلين الأخضرين، ويكون في كل سعيه، ثم المشي في باقي المسافة حتى يتم الساعي سعيه سبعة أشواط، ولو سعى في جميع المسافة أجزأه سعيه، وفاتته الفضيلة؛ لأن الرمل ليس بواجب، ولا شيء على تركه فإن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "إن أمش فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى، وإن أسع فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى، وأنا شيخ كبير([20])" ([21]).
ولا ترمل المرأة في طواف ولا سعي([22]).
3- الطهارة من الحدث في السعي:
ولا تشترط الطهارة من الحدث لجواز السعي بين الصفا والمروة، وهذا مذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وغيرهم، واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا لا نرى إلا الحج، فلما كنا بسرف حضت، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي قال: ((ما لك أنفست؟)) قلت: نعم، قال: ((إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت...)) رواه البخاري (5548)، ومسلم (1211)([23]). فالسعي عبادة لا تتعلق بالبيت كالوقوف بعرفة، لا تشترط له الطهارة.
4- السعي ماشياً للقادر:
وهو سنة عند الشافعية، ورواية عند الحنابلة والمالكية، وواجب عند الحنفية، يجب بتركه دم. وشرط صحة في رواية عند الحنابلة والمالكية. قال في المغني: " أما السعي راكباً فيجزئه لعذر ولغير عذر، لأن المعنى الذي منع الطواف راكباً غير موجود فيه. " وقال النووي في المجموع: " ذكرنا أن مذهبنا لو سعى راكباً جاز، ولا يقال مكروه، لكنه خلاف الأولى، ولا دم عليه"
هذه أبزر الأحكام الخاصة بالسعي بين الصفا والمروة، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى، والحمد الله رب العالمين.
شاعر في المشاعر
10-02-2013, 11:17 AM
دعاء يوم عرفة
يوم عرفة:
كل ما حولك يحرك وجدانك، ويهيج أشجانك، ويهز أركانك، منظر يتصدع له الفؤاد وإن كان قاسياً، وموطن يثير المكامن فينحني عنده العبد مخبتاً خاضعاً، تسمع هذا يبكي، وذا يشكي، وثالث يُشجِي.
إنه بحق:
يوم الدعاء والضراعة.
يوم الابتهال والمناجاة.
يوم التوجه والتمرغ.
وهذا ما أكد عليه النبي صلى الله عليه وسلم من أن خير الدعاء هو ما كان يوم عرفة فقال عليه الصلاة والسلام: ((أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة)) رواه مالك برقم (726) وحسنه الألباني، قال الباجي: "أي أعظمه ثواباً، وأقربه إجابة" 1 ، وقريباً من هذا التفسير نص عليه صاحب المنتقى إذ يقول مجلياً معنى الحديث: "يريد صلى الله عليه وسلم أنه أكثر ثواباً للداعي، وأقرب إلى الإجابة، فإن الفضل للداعي إنما هو في كثرة الثواب، وكثرة الإجابة" 2 ، ولذا كان صلى الله عليه وسلم يحيي يوم عرفة بالضراعة والابتهال؛ يقول ابن القيم واصفاً حجته عليه الصلاة والسلام: "فلما أتى الموقف - يعني عرفة - وقف في ذيل الجبل عند الصخرات، واستقبل القبلة، وجعل حبل المشاة بين يديه، وكان على بعيره، فأخذ في الدعاء والتضرع، والابتهال إلى غروب الشمس، وكان في دعائه رافعاً يديه إلى صدره كاستطعام المساكين" 3 .
ومن دلالة صفة حجته عليه الصلاة والسلام استحب أهل العلم لمن وفقه الله إلى الوقوف بعرفة أن يكثر من مطلق الدعاء يوم عرفة راكباً وراجلاًً، واقفاً وماشياً، ومضطجعاً، ويلح على الله عز وجل أن يكتبه من أهل المغفرة، ويمنَّ عليه بالعتق من النار، ويسأل ربه من خيري الدنيا والآخرة إلى أن تغرب الشمس تأسياً به في ذلك عليه الصلاة والسلام 4 ، قال ابنُ عبد البر: "وفيه من الفقه أن دعاء يوم عرفة أفضل من غيره، وفي الحديث أيضاً دليل على أن دعاء يوم عرفة مجاب في الأغلب" 5 .
وأما ما أُثِرَ وورد من الدعاء المستحب بخصوص يوم عرفة:
فأولاًً: ما ثبت من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)) رواه الترمذي برقم (3585)، وحسنه الألباني.
وهنا سؤال وجيه لماذا سمى قول لا إله إلا الله ... دعاء، ومعلوم أنه ذكر؟
يجيب على هذا التساؤل الإمام الطبري بقوله: "إنما سمي هذا الذكر دعاءاً لثلاثة أوجه:
أحدها: أنه لما كان الثناء يحصل أفضل مما يحصل الدعاء أطلق عليه لفظ الدعاء؛ لحصول مقصوده، يقول الحسين بن الحسن المروزي: سألت سفيان بن عيينة عن أفضل الدعاء يوم عرفة فقال: لا إله إلا الله ... إلخ، فقلت له: هذا ثناء وليس بدعاء، فقال: أما علمت ما قال أمية بن أبي الصلت حين أتى عبد الله بن جعدان يطلب نائله، فقلت: لا، فقال أمية:
أأذكر حاجتي أم قد كفــاني حيـاؤك إن شيمتك الحياء
وعلمك بالحقوق وأنت فضـل لك الحسب المهذب والثناء
إذ أثــنى عـليك المرء يوماً كفــاه من تعرضه الثناء
ثم قال: يا حسين هذا مخلوق يكتفي بالثناء عليه دون مسألة فكيف بالخالق!
الوجه الثاني: معناه أفضل ما يستفتح وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير"، ويدل عليه الحديث الآخر فإنه قال: ((أفضل الدعاء أن أقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له...)) رواه البيهقي برقم (4371).
الثالث: معناه أفضل ما يستبدل به عن الدعاء يوم عرفة لا إله إلا الله ...، والأول أوجه" 6 .
ثانياً: يستحب للحاج الإكثار من التهليل والتكبير يوم عرفة، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غداة عرفة، فمنّا المكبر، ومنا المهلل ..." رواه مسلم برقم (1284)، والتهليل والتكبير دعاء؛ لأنه بمنزلة استجلاب لطف الله تعالى كما ذكر ذلك الملا على القاري 7 ، ولذا كان السلف يفضِّلون التكبير يوم عرفة كما يقول محمد بن سيرين: "حججت زمن ابن الزبير فسمعته يوم عرفة يقول: ألا وإن أفضل الدعاء اليوم التكبير، وهذا على الأفضل عنده، والله أعلم، وعن وبرة قال: سألت ابن عمر عن التلبية يوم عرفة، فقال: التكبير أحب إلي" 8 .
ثالثاً: التلبية، وهي مشروعة للمحرم متى بلغ ميقاته، فيلبي عند اجتماع الرفاق، أو متى علا شرفاً، أو هبط وادياً، وفي أدبار الصلوات، وإقبال الليل، وإدبار النهار، ولا يقطعها إلا عند ابتداء رمي جمرة العقبة يوم النحر كما نص على ذلك جمهور الفقهاء، ومن جملة تلك المواطن التي يتأكد فيها التلبية يوم عرفة ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أنَّ أسامة ابن زيد كان رِدْف النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من عرفة إلى المزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، قال: فكلاهما قالا: لم يزل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يلبِّي حتَّى رمى جمرة العقبة" رواه البخاري برقم (1687)، ومسلم برقم (1281)، يقول ابن باز رحمه الله: "ويبقى فيها (أي: في عرفة) إلى غروب الشمس مشتغلاً بالذكر، والدعاء، وقراءة القرآن، والتلبية؛ حتى تغيب الشمس، ويشرع الإكثار من قول" إلا إله إلا الله وحده لا شريك له..." 9 .
وعموماً فإنه ينبغي في موقف عرفة الإكثار من الأذكار والأدعية الواردة في الشرع في كل وقت، لاسيما في هذا الموضع، وفي هذا اليوم العظيم، وعلى العبد أن يختار جوامع الذكر والدعاء.
فهنيئاً لك عبد الله
يا من وقفت بعرفة بجوار قوم يجأرون إلى الله بقلوب محترقة، ودموع مستبقة، فكم فيهم من خائف أزعجه الخوف وأقلقه، ومحب ألهبه الشوق وأحرقه، وراج أحسن الظن بوعد الله وصدَّقه، وهارب لجأ إلى باب الله وطرقه، فكم هنالك من مستوجب للنار أنقذه الله وأعتقه، ومن أعسر الأوزار فكه وأطلقه، وحينئذ يطَّلع عليهم أرحم الرحماء، ويباهي بجمعهم أهل السماء، ويدنو ثم يقول: ما أراد هؤلاء؟ لقد قطعنا عند وصولهم الحرمان، وأعطاهم نهاية سؤالهم الرحمن 10 .
شاعر في المشاعر
10-02-2013, 11:18 AM
أدعية وأذكار الطواف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحج عبادة من العبادات، وشعيرة من الشعائر التي أوجبها الشارع الحكيم، وفرض لها هيئات محددة؛ وأذكاراً خاصة بهذه الشعيرة؛ ليتحقق المقصد السامي من هذه الشعيرة.
وهذه الأذكار على ضربين: أذكار في سفره، وأذكار في نفس الحجّ، فأما التي في سفره فليس المقام هنا مقام ذكرها، وإنما سنقف مع الأذكار الخاصة بالحج نفسه فنقول:
الحج بكل شعائره وهيئاته: السعي، والطواف، وعرفة، مزدلفة، ومنى، و... إلخ كلها ما جعلت إلا لذكر الله عز وجل، ولتحقيق التقوى، ولهذا نجد ارتباطاً كبيراً واضحاً بين آيات التقوى والحج، وهذا لكي يؤدي الحاج هذه الشعيرة وتقوى الله نصب عينيه.
لذا كان ينبغي على الحاج أن يتعلم دقائق الحج، ويسأل أهل العلم عن أمور الحج وتفاصيله ليحقق تلك التقوى {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}(سورة النحل: 43)، وقال صلى الله عليه وسلم: ((ألم يكن شفاء العي السؤال)) 1 .
صفة الطواف:
يتقدم من يريد الطواف إلى الحجر الأسود ليبتدئ الطواف باستلامه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فيستقبله ثم يستلمه بيمينه ويقبله، ويقول عند استلامه: بسم الله والله أكبر، فإن لم يتيسر له استلامه وتقبيله لمشقة الزحام؛ استلمه بيده بأن يضع طرف يده أو أصابعه عليه ولو عن بعد، أو استلمه بعصى وقبَّل ما استلمه به، وقال: الله أكبر، فإن لم يستطع استلامه لا بيده ولا بشيء أشار إليه وكبّر، ولا يقبّل ما يشير به، ولا يزاحم من أجل الاستلام، والتقبيل، فيؤذي الناس، فإن ذلك مما يوجب الإثم، رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه: ((إنك رجل قوي؛ لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبله وهلل وكبر)) 2 ، وكذلك المرأة يحرم عليها أن تزاحم الرجال من أجل الاستلام، فإن مفسدة مزاحمتها للرجال، وما يترتب على ذلك من الفتنة؛ أعظم من مصلحة استلامها، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
ثم بعد ذلك يتجه في طوافه ذات اليمين جاعلاً الكعبة وحجر إسماعيل عن يساره، فإذا بلغ الركن اليماني استلمه بأن يضع يده عليه من غير تقبيل، فإن لم يتيسر له فلا يزاحم عليه، ولا يشير إليه، ويدعو بين الركن اليماني والحجر الأسود، فإذا وصل الحجر الأسود أو حاذاه فقد تم شوطه.
وكل دورة كاملة على الكعبة وحجر إسماعيل من عند الحجر الأسود أو محاذاته إلى أن يرجع إلى ما ابتدأ منه فهي شوط، فإذا فعل ذلك سبع مرات فقد أتم طوافه، والمشروع أن يستلم الحجر الأسود ويقبله في ابتداء كل شوط ويقول: الله أكبر ، فإن لم يتيسر له ذلك فإذا حاذه استقبله، وأشار إليه، وفي البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا طاف الطواف الأول يعني القدوم خب ثلاثاً، ومشى أربعاً، وفيه عنه: طاف بالبيت سبعاً، وصلى خلف المقام ركعتين" رواه البخاري (1562)، ومسلم (230).
أدعية وأذكار الطواف:
- إذا وصل إلى الكعبة قطع التلبية قبل أن يشرع في الطواف إن كان متمتعاً أو معتمراً.
- ثم يقصد الحجر الأسود ويستقبله، ثم يستلمه بيمينه، ويقبله إن تيسر ذلك، ولا يؤذ الناس بالمزاحمة، ويقول عند استلامه: "بسم الله والله أكبر"، فإن شق استلامه أشار إليه وقال: "الله أكبر"، ولا يقبِّل ما يشير به.
- روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا استلم الحجر قال : اللهم إيمانا بك ، وتصديقا بكتابك ، واتباعاً لسنة نبيك ، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويستلمه " 3
- إذا حاذى الركن اليماني استلمه بيمينه، وقال: "بسم الله والله أكبر" ولا يقبله، عن ابن عمر قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوفة " 4 فإن شق عليه استلامه تركه ومضى في طوافه، ولا يشير إليه، ولا يكبر عند محاذاته؛ لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
- يقول بين الركنين وهما الحجر الأسود والركن اليماني: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} صحيح أبي داود ( 1892 ).
- يجتهد في طوافه بالدعاء والذكر والمناجاة وقراءة القرآن والاستغفار، ولا ينشغل بحديث مع أحد أو التفات هنا وهناك. وليس هناك دعاء محدد لكل شوط، بل يدعو العبد بما أراد من خيري الدنيا والآخرة،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "دعاء الطواف، والصلاة بعده، وشرب زمزم:
ويستحب له في الطواف أن يذكر الله تعالى، ويدعوه بما شرع، وإن قرأ القرآن سراً فلا بأس، وليس فيه ذكر محدود عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية، وما يذكره كثير من الناس من دعاء معين تحت الميزاب ونحو ذلك فلا أصل له، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يختم طوافه بين الركنين بقوله: {ربنا ءاتِنَا في الدُّنيَا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(سورة البقرة:201)، كما كان يختم سائر دعائه بذلك.
والطواف بالبيت كالصلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام فلا يتكلم فيه إلا بخير، ويؤمر الطائف أن يكون متطهراً الطهارتين الصغرى والكبرى، مستور العورة، مجتنب النجاسة التي يجتنبها المصلى، فإذا قضى الطواف صلى ركعتين للطواف، وإن صلاهما عند مقام إبراهيم فهو أحسن، ويستحب أن يقرأ فيهما بسورتي الإخلاص، والكافرون، ولو صلى المصلي في المسجد والناس يطوفون أمامه؛ لم يكره سواء مرَّ أمامه رجل أو امرأة، وهذا من خصائص البيت، ثم إذا صلاهما استحب له أن يستلم الحجر، وأن يشرب من ماء زمزم، ويتضلع منه، ويدعو عند شربه بما شاء من الأدعية الشرعية، ولا يستحب الاغتسال منها، ومن حمل شيئاً من ماء زمزم جاز، فقد كان السلف يحملونه" 5 .
قال الإمام النووي: "فصل في أذكار الطواف: يستحب أن يقول عند استلام الحجر الأسود أولاً، وعند ابتداء الطواف أيضاً: بسم الله، والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، ويستحب أن يكرر هذا الذكر عند محاذاة الحجر الأسود في كل طوفة، ويقول في رمله في الأشواط الثلاثة "اللهم اجعله حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وسعياً مشكوراً"، ويقول في الأربعة الباقية: "اللهم اغفر وارحم، واعف عما تعلم، وأنت الأعز الأكرم، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار"، قال الشافعي رحمه الله: أحب ما يقال في الطواف: اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة إلى آخره، قال: وأحب أن يقال في كله، ويستحب أن يدعو فيما بين طوافه بما أحب من دين ودنيا، ولو دعا واحد وأمَّن جماعة فحسن.
وحُكي عن الحسن رحمه الله أن الدعاء يستجاب هنالك في خمسة عشر موضعاً: في الطواف، وعند الملتزم، وتحت الميزاب، وفي البيت، وعند زمزم، وعلى الصفا والمروة، وفي المسعى، وخلف المقام، وفي عرفات، وفي المزدلفة، وفي منى، وعند الجمرات الثلاث، فمحروم من لا يجتهد في الدعاء فيها.
ومذهب الشافعي وجماهير أصحابه أنه يستحب قراءة القرآن في الطواف؛ لأنه موضع ذكر، وأفضل الذكر قراءة القرآن، ويستحب إذا فرغ من الطواف ومن صلاة ركعتي الطواف أن يدعو بما أحب، ومن الدعاء المنقول فيه: "اللهم أنا عبدك، وابن عبدك، أتيتك بذنوب كثيرة، وأعمال سيئة، وهذا مقام العائذ بك من النار، فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم" 6 .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن أدعية الطواف "وهل للطواف والسعي في الحج أدعية محددة كما في كتاب يقرؤه الحجاج والمعتمرون، أم أن الدعاء بما ورد وصحَّ من آيات وأحاديث بدون تحديد أولى؟ أفتوني مأجورين، وجزيتم خيراً.
فأجاب رحمه الله بقوله: يشرع في الدعاء والذكر والطواف والسعي بما يسر الله من الأذكار الشرعية، والدعوات الطيبة التي لا محذور فيها، وليس في ذلك شيء محدود، إلا أنه يستحب ختم كل شوط من أشواط الطواف السبعة بالدعاء المعروف: {وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، بين الركنين: اليماني والأسود؛ لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما يشرع التكبير عند استلام الحجر الأسود وتقبيله، وعند الإشارة إليه إذا لم يتيسر استلامه، وهكذا يشرع عند استلام الركن اليماني أن يقول الطائف: ((بسم الله، والله أكبر))، ويشرع على الصفا والمروة جميع الأذكار والدعاء الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مع رفع اليدين، واستقبال الكعبة، وقراءة قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ} عند البدء في السعي كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: ((إن الصفا والمروة من شعائر الله" نبدأ بما بدأ الله به))، والله ولي التوفيق" 7 .
وقال رحمه الله فيمن يحدد دعاءً معيناً: "وأما ما أحدثه بعض الناس من تخصيص كل شوط من الطواف، أو السعي؛ بأذكار مخصوصة، أو أدعية مخصوصة؛ فلا أصل له، بل مهما تيسر من الذكر والدعاء كفى، فإذا حاذى الركن اليماني استلمه بيمينه، وقال: "بسم الله، والله أكبر" ولا يقبله، فإن شق عليه استلامه تركه ومضى في طوافه، ولا يشير إليه ولا يكبر عند محاذاته؛ لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم" 8 .
وعلى هذا فإنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خصَّص دعاءً، أو ذكراً معيناً في الطواف أو السعي، وللحاج أن يتخير من الدعاء ما أراد، وأن يكثر من التضرع بين يدي الله عز وجل، وأن يستغل الأوقات ولا يضيعها فيما لا فائدة منه.
شاعر في المشاعر
10-02-2013, 11:18 AM
الدعاء عند شرب زمزم
"ماء زمزم سيد المياه وأشرفها، وأجلّها قدراً, وأحبّها إلى النفوس, وأغلاها ثمناً, وأنفسها عند الناس, وهو هزمة جبريل[1], وسقيا نبي الله إسماعيل عليه السلام"[2].
والقاصد لبيت الله الحرام يجعل نصب عينيه التروِّي من تلك العين التي لم تنقطع منذ أجراها الله عز وجل لهاجر أم إسماعيل عليهما السلام، لتتبو أ بعد ذلك أسمى وسام بكونها أشرف ماء على وجه الأرض كما وصفها صلى الله عليه وسلم في قوله: ((خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم...))[3]، ووسام آخر نالته عندما قال عنها صلى الله عليه وسلم: ((إنها مباركة، إنها طعام طعم)) رواه مسلم برقم (4520)، وزاد الطيالسي ((وشفاء سقم))[4].
ومن أجل هذا كان عليه الصلاة والسلام يحب كثيراً أن يشرب من تلك العين التي لا تنضب، والرواء الذي به شاربه يرغب؛ بل ها هو يبعث صلى الله عليه وسلم إلى واليه بمكة عتَّاب بن أسيد يأمره أن يوقر البعير بماء زمزم، ويبعثه إليه بالمدينة"[5]، ونقل جمع من الصحابة رضوان الله عليهم عنه شربه منها في وقائع معينة شاهدوها بأم أعينهم فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "سقيت النبي صلى الله عليه وسلم من زمزم فشرب" رواه البخاري برقم (1556)، ومسلم برقم (2027).
وعند جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم قال: "... ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر، فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم، فقال: ((انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم))، فناولوه دلواً فشرب منه..." رواه مسلم برقم (3009)، ومن هنا استحب الفقهاء للحاجّ والمعتمر أن يتضلع من ماء زمزم (أي: يكثر الشرب منه حتى يمتلئ، ويرتوي منه حتى يشبع ريّاً)؛ يقول العلامة التبريزي رحمه الله: "وفيه دليل على استجاب الشرب للناسك من ماء زمزم، والإكثار منه"[6]، ويؤكد ابن قدامة رحمه الله في كتابه المغني هذا بقوله: "ويستحب أن يأتي زمزم (أي: الحاج) فيشرب من مائه لما أحب، ويتضلع منه"[7]، ونص على ذلك أيضاً الشيخ ابن باز رحمه الله في مجموع الفتاوى بقوله: "يستحب للحاج والمعتمر وغيرهما أن يشرب من ماء زمزم إذا تيسر له ذلك"[8].
من مظان الإجابة:
واستحب أهل العلم أيضاً الدعاء عند شرب ماء زمزم كما يقول ابن عثيمين رحمه الله: "وأما الدعاء عند شربه فقد استحب كثير من العلماء أن يدعو الله سبحانه وتعالى عند شربه"[9]، بل وعدُّوه من مظان الإجابة استناداً إلى حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ماء زمزم لما شرب له))[10] قال صاحب شرح سنن ابن ماجه: "لما شرب له من مهمات الدنيا والآخرة"[11]، ويا له من خبر دل على صدقه، ويقين علمه؛ أجيال أمته من بعده، فها هي تتحدث عن بركته، وصدق منفعته لمن تضلع وشرب من معينه. يقول ابن القيم رحمه الله معلقاً: "وقد جربت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أموراً عجيبة، واستشفيت به من عدة أمراض فبرأت بإذن الله، وشاهدت من يتغذى به الأيام ذوات العدد قريباً من نصف الشهر أو أكثر ولا يجد جوعاً، ويطوف مع الناس، كأحدهم أخبرني أنه ربما بقي عليه أربعين يوماً وكان له قوة يجامع بها أهله، ويصوم ويطوف مراراً"[12].
ويؤكد هذا الإمام المنَّاوي رحمه الله بقوله: "إن التجربة دلَّت على صحته، فإن شربته تستشفي به شفاك الله، وإن شربته مستعيذاً أعاذك الله، وإن شربته لتقطع ظمأك قطعه الله، وإن شربته لشبعك أشبعك الله؛ لأن أصله من الرحمة، بدأ غياثاً؛ فدام غياثاً"[13]، "وكذلك يكون إلى يوم القيامة لمن صحَّت نيته، وسلمت طويته, ولم يكن به مكذباً, أو شربه مُجَرِّباً, فإن الله مع المتوكلين"[14].
ومع هذا فـ"لم يثبت عن رسول صلى الله عليه وسلم عند شربه دعاء مخصوص"[15] يقول ابن عثيمين رحمه الله معلقاً على قول ابن قدامة في المستقنع: "ويدعو بما ورد"، ثم ساق دعاء ذكره صاحب الروض قال: "فيقول: بسم الله، اللهم اجعله لنا علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، ورياً، وشبعاً، وشفاء من كل داء، واغسل به قلبي، واملأه من خشيتك» قال: هذا يحتاج إلى إثبات"[16].
وكل ما ثبت من الدعاء المخصوص عند شرب زمزم هو ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان إذا شرب ماء زمزم قال: "اللهم إني أسألك علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاءً من كل داء"[17] يقول الإمام الفاسي المالكي: "ولا يقتصر على هذا الدعاء، بل يدعو بما أحبه من أمر الآخرة في الدعاء، ويتجنب الدعاء بما فيه مأثمة"[18]، وكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ويدعو عند شربه (أي: ماء زمزم) بما شاء من الأدعية الشرعية"[19].
لأجلها تضلَّعوا من زمزم:
وقد جرَّبه العلماء والصالحون رحمهم الله تعالى فشربوا وتضلعوا لأجل مقاصد جليلة، وحوائج جزيلة؛ أخروية ودنيوية فنالوها[20]من ذلك:
أنه كان بعض السلف الصالح يرجون بشرب زمزم جمع شتات العلم، ولـمَّ متفرقه: قال الإمام السيوطي رحمه الله: "حُكي عن شيخ الإسلام أبي الفضل بن حجر رحمه الله أنه قال: "شربت ماء زمزم لأصل إلى مرتبة الذهبي في الحفظ" قال: فبلغها، وزاد عليها"[21]، وقال ابن عساكر رحمه الله: "سمعت الحسين بن محمد يحدث عن أبي الفضل بن خيرون أو غيره أن الخطيب البغدادي ذكر أنه لما حجَّ شرب من ماء زمزم ثلاث شربات، وسأل الله ثلاث حاجات:
فالحاجة الأولى: أن يحدِّث بتاريخ بغداد بها.
الثانية: أن يملي الحديث بجامع المنصور.
الثالثة: أن يدفن عند بشر الحافي, فقضى الله له ذلك"[22].
وربما شربوه لمقاصد رفيعة أخرى فأصابوها وظفروا بها فقد قال ابن حجر رحمه الله: "واشتُهر عن الشافعي الإمام أنه شرب ماء زمزم للرمي فكان يصيب من كل عشرة تسعة، وشربه أبو عبد الله الحاكم رحمه الله لحسن التصنيف وغيره فكان أحسن أهل عصره تصنيفاً"[23]، وقال الحافظ السَّخاويُّ في ترجمة ابن الجزري: "كان أبوه تاجراً، ومكث أربعين سنة لم يرزق وَلَداً، فحجَّ وشرب ماء زمزم بنية أن يرزقه الله ولداً عالماً فوُلِدَ له محمد الجزري بعد صلاة التراويح"[24]، وابن الجزري هو من هو في الحفظ والعلم وبالأخص في علم القراءات.
وهمَّة أخرى لأجلها تضلعوا:
فقد دخل ابن المبارك رحمه الله زمزم فقال: "اللهم إن ابن المؤمل حدثني عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ماء زمزم لما شُرب له))، اللهم فإني أشربه لعطش يوم القيامة"[25]، وقال ابن عيينة: "قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اللهم إني أشربه لظمأ يوم القيامة"[26].
مقدار شربه:
سُئل العلامة ابن عثيمين رحمه الله: هل يشترط لتحقيق الشرب كمية معينة؟
فأجاب رحمه الله بقوله: "ظاهر الحديث أنه لا يشترط لذلك كمية معينة، لكن أهل العلم قالوا: إنه ينبغي للإنسان أن يشرب من ماء زمزم، ويتضلع منه (أي: يملأ بطنه منه)، ولا شك أن ماء زمزم ماء مبارك، وأنه ((طعام طعم، وشفاء سقم)) بإذن الله عز وجل"[27].
وقت الدعاء:
ذكر الرملي أنه ينبغي لمن أراد أن يشرب من ماء زمزم أن يقول: "اللهم إنه بلغني عن نبيك صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ماء زمزم لما شرب له))، اللهم إني أشربه لكذا، ويذكر ما يريد دين ودنيا"[28]، ويُفهم من كلامه هذا أن الدعاء يكون قبل أن يرتشف العبد من ماء زمزم، ولكن الذي يظهر من مجموع وقائع السلف عند شربهم لماء زمزم أنهم كانوا يدعون قبل وبعد تضلعهم منه دون تفريق، مما يعنى أن الأمر والله تعالى أعلم فيه سعة، فلا بأس أن يدعو المرء قبل الشرب أو بعده.
فيا عبد الله:
ما أجمل وأروع وأنت تتضلع من ماء زمزم أن تستحضر نية صالحة، وترفع دعوة خالصة، وتستجمع آداب الدعاء، وتلزم أسباب إجابته، ثم تدعو ربك بقلب حاضر، وقصد خالص، عساك أن تُسدَّد وتوفَّق لخيري الدنيا والآخرة.
أيها المبارك:
إنها فرصتك؛ لتدعو ربك بما يختلج في صدرك، ويعتلج في داخلك، وكلنا ذاك الفقير المحتاج إلى عون ربه، وتسديده وتوفيقه. يقول العلامة ابن باز رحمه الله: "ويستحب للحاج الشرب من ماء زمزم، والتضلع منه، والدعاء بما تيسر من الدعاء النافع، فماء زمزم لما شُرب له كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم"[29
شاعر في المشاعر
10-02-2013, 11:18 AM
الدعاء في مزدلفة
الإحرام بالنسك هو رحلة تعبدية معمورة بالذكر، مغمورة بالدعاء من حين أن يضع الحاج رجله في الغرز مسافراً، وحتى موعد إيابه بدخوله قريته التي سافر منها.
والواقع أن مشاهد الابتهال والضراعة متكررة يعيشها الحاج في مواقف عديدة: عند الصفا والمروة، ويوم عرفة، وبعد رمي الجمرتين الصغرى والوسطى، وحين شرب ماء زمزم، وهذا يؤكد متانة الصلة بين الدعاء وبين سائر العبادات بما في ذلك الحج، فلا تكاد عبادة تخلو من دعاء وذكر. وتأمل ما كتبته أنامل العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله مؤكداً أثر هذا الملمح يقول: "إنّ وَضْع كلمة ((الدين)) في قوله تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (سورة غافر:14)، موضع كلمة العبادة (وهو في القرآن كثير جداً) يدل على أن الدعاء هو لبُّ الدين، وروح العبادة"[1].
ولعلك تلمس هذا الارتباط أيضاً في قول سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء هو العبادة))، يقول الإمام الشوكاني موضحاً مراد الحديث: "أي: أن الدعاء هو أعلى أنواع العبادة، وأرفعها، وأشرفها"[2].
وهنا نود الإشارة إلى موطن من مواطن الدعاء في الحج ينبغي للعبد أن يقف فيه بقلبه قبل أن تمسه جارحة رجله، وأن يعيش فيه موقف الانكسار والافتقار بين يدي العظيم جل جلاله؛ يسأله من فضله، ويرجوه من خيره، وهذا الموطن هو "مشعر مزدلفة" (المشعر الحرام) كما قال ابن عمر رضي الله عنه: "المشعر الحرام المزدلفة كلها"[3].
فبعد أن يقضي الحجاج لحظات الإنابة والإخبات بقلوب مرتاعة، ودموع رقراقة على صعيد عرفات؛ إذا بهم يفيضون إلى مزدلفة بعد غروب شمس يوم عرفة، فيبيتون ليلتهم فيها، حتى إذا صلوا الفجر وقفوا عند المشعر الحرام إلى أن يسفر الصبح جداً؛ يدعون ربهم بأكباد محترقة، ودموع مستبقة، كم فيهم من خائف أزعجه الخوف وأقلقه، ومحب ألهبه الشوق وأحرقه، وراج أحسن الظن بوعد الله وصدقه.
يقفون بالمشعر الحرام مستشعرين هيبة المشعر، وجلالة الموقف، معلنين افتقارهم، قد رفعوا أكفَّ الضراعة إلى بارئهم امتثالاً لأمره يوم أن قال: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} (سورة البقرة:198)؛ قال شيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: "يعني بذلك جل ثناؤه: فإذا أفضتم فكررتم راجعين من عرفة إلى حيث بدأتم الشخوص إليها منه، {فَاذْكُرُواْ اللّهَ} يعني بذلك: الصلاة، والدعاء عند المشعر الحرام"[4].
ويشير الإمام القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" إلى هذا المعنى بقوله: "{فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِِ أي: اذكروه بالدعاء، والتلبية عند المشعر الحرام"، ثم قال: "وسمي المشعر مشعراً من الشعار وهو العلامة؛ لأنه معلم للحج والصلاة، والمبيت به، والدعاء عنده من شعائر الحج"[5].
يحتذون في ذلك بصفوة الخلق محمد صلى الله عليه وسلم الذي ثبت عنه أن وقف في المشعر، ودعا ربه عنده. يقول جابر بن عبد الله واصفاً حجته عليه الصلاة والسلام: "ثم ركب القصواء، حتى إذا أتى المشعر الحرام؛ فاستقبل القبلة، فدعاه، وكبره، وهلله، ووحده، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً" رواه مسلم برقم (3009).
يقول العلامة ابن باز رحمه الله: "ويسن رفع اليدين مع الدعاء في مزدلفة مستقبلاً القبلة كما فعل في عرفة"[6].
وقد يغفل كثير من الحجاج عن الدعاء في هذا الموطن، فتجدهم بمجرد أن يصلُّوا الفجر يشرعون في النفر من مزدلفة، وهذا فيه تفويت لهذه الفرصة العظيمة لمناجاة المولى سبحانه وتعالى ودعائه، وفيه أيضاً تقصير في الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
ويحسن الإشارة إلى مسألتين متعلقتين بالدعاء في مزدلفة:
الأولى: أشار إليها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في كتابه "الشرح الممتع"، وهي: "إذا انصرف الحاج من مزدلفة قبل الفجر فهل يشرع له أن يدعو عند المشعر الحرام؟ فأجاب رحمه الله: أن نعم، فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يرسل أهله فيذكرون الله عند المشعر الحرام، ثم يأمرهم بالانصراف قبل الفجر"[7].
والثانية: اعتبار محل الوقوف للدعاء في مزدلفة يقول العلامة ابن بار رحمه الله: "وحيثما وقفوا (أي: الحجاج) من مزدلفة أجزأهم ذلك، ولا يجب عليهم القرب من المشعر ولا صعوده لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((وقفت هاهنا (يعني: على المشعر)، وجمع كلها موقف)) رواه مسلم برقم (3009)، وجمع: هي مزدلفة"[8]، ولما سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يلزم أن يكون الدعاء عند المشعر الحرام؟ قال رحمه الله: "الذي يظهر من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((وقفت هاهنا، وجمع كلها موقف)) أنه لا ينبغي للإنسان أن يتكلف ويتحمل مشقة من أجل الوصول إلى المشعر، بل يقف في مكانه الذي هو فيه، وإذا صلى الفجر فيدعو الله عز وجل إلى أن يسفر جداً، ثم يدفع إلى منى"[9].
فيا أيها المبارك: انثر العبرات، واسكب الدمعات في هذه العرصات، عساك أن تُرحم مع المرحومين، وتُكتب من التائبين، وتزجُّ في المقبولين، وليكن لسان حالك:
أمولاي إني عبد ضعيــف أتيـتك أرغب فيما لديك
أتيتك أشكو مصاب الذنوب وهل يُشتكى الضر إلا إليك
فمنَّ بعفوك يا سيـــدي فليـس اعتمادي إلا عليك
أيها الموفق:
الله الله بالدعاء فإنك في موطن إجابة، ومحل ضراعة، وموقف التجاء، وقد اجتمع لك شرف المكان، وفضيلة الزمان، فأظهر الفقر والفاقة، وألح على ربك جهدك والطاقة، وتيقن أن الدعاء سلاحك أيها المؤمن فخذ بمجامعه تغنم أعظم الغنم قال الحسن بن عمران بن عيينة: أن سفيان قال له بجمع آخر حجة حجها: "قد وافيت هذا الموضع سبعين مرة، أقول في كل سنة: "اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا المكان، وإني قد استحييت من الله من كثرة ما أسأله ذلك، فرجع فتوفي في السنة الداخلة"[10].
شاعر في المشاعر
10-02-2013, 11:19 AM
التلبية والتكبير
إن الله تعالى شرع الحج لأمور عظيمة، ومن أجل هذه الأمور هو ما نسمعه من تكبير وتلبية، وتعظيم لله عز وجل في تلك المشاعر المقدسة، التي لا يدعى فيها إلا الله، ولا ينادى فيها إلا الله، ولا يرجى إلا الله، تعود الخلائق إلى بارئها، وتلهج الألسنة بذكر خالقها ومبدئها، فيبين ذلك الله جل في علاه في كتابه، وأن ذكره وشكره من أبرز وظائف الحاج، يقول سبحانه: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (سورة الحـج:27-28)، وذكر الله تعالى يعيشه الحجيج في مواطن الحج المختلفة، فيبدأ إحرامه بالذكر، ويطوف ذاكراً، ويسعى ذاكراً، ويقف في عرفة ذاكراً، ويرمي ذاكراً، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنما جعل الطواف بالكعبة، وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله عز وجل))[1]، وللتلبية والتكبير في الحج شأن آخر فهما الرفيق الملازم للحاج، وينال الحاج بهما فضلاً كبيراً، وأولَ أعمال الحج تبدأُ بإعلان التوحيد الذي يشملُه الإهلالُ بالتلبية، فمن أجل تحقيق التوحيد لله وحده، والكفر بالطاغوت، شُرع للحاج أن يستهل حجه بالتلبية. جاء في التكبير عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أهل مهل قط إلا بُشر، ولا كبر مكبر قط إلا بشر))، قيل: يا رسول الله بالجنة؟ قال: ((نعم))[2]، وفي التلبية عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من ملب يلبي إلا لبى ما عن يمينه وشماله من حجر، أو شجر، أو مدر حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا))[3].
قال المطلب بن عبد الله : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أصواتهم بالتلبية حتى تبح أصواتهم.
وقال أيوب: رأيت سعيد بن جبير يوقظ ناساً من أهل اليمن في المسجد ويقول : قوموا لبوا ، فإن زينة الحج التلبية.
ولفظ التلبية هو: ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبياً يقول: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك)) لا يزيد على هؤلاء الكلمات"، وزاد مسلم: "وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يهل بإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الكلمات، ويقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك، والخير في يديك لبيك، والرغباء إليك والعمل" رواه البخاري (5460)، ومسلم (2031).
وعند ابن ماجه: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في تلبيته: ((لبيك إله الحق لبيك))[4].
ولفظ ابن عمر رضي الله عنهما كما في الصحيحين عند ذكر صيغة التلبية قال: "يهل" ومعناه كما قال الإمام النووي رحمه الله: "قال العلماء: الإهلال رفع الصوت بالتلبية عند الدخول في الإحرام، وأصل الإهلال في اللغة رفع الصوت، ومنه استهل المولود، أي صاح، ومنه قوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ} (سورة البقرة:173) أي رفع الصوت عند ذبحه بغير ذكر الله تعالى، وسمي الهلال هلالاً لرفعهم الصوت عند رؤيته"[5]، فمن هذا نعلم استحباب رفع الصوت بالتلبية، وهذا معنى الحديث الذي رواه ابن ماجه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: ((العج والثج))[6]، و"العج بالعين المهملة رفع الصوت بالتلبية"[7]، وهذا خاص بالرجال، وأما النساء فلا يرفعن أصواتهن بالتلبية خشية الفتنة، قال ابن عبد البر رحمه الله: "وأجمع أهل العلم أن السنة في المرأة أن لا ترفع صوتها، وإنما عليها أن تسمع نفسها، فخرجت من جملة ظاهر الحديث، وخصت بذلك، وبقي الحديث في الرجال"[8].
ومواطن التكبير والتلبية هي كالتالي:
1- تستحب التلبية حينما يركب المحرم دابته (أو ما ينقله) من عند الميقات، فيلبي بنسكه، فيقول القارن: لبيك عمرة وحجة، ويقول المفرد بالحج: لبيك حجًّا، ويقول المتمتع والمعتمر: لبيك عمرة؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أَهل بهما جميعًا، لبيك عمرة وحجاً، لبيك عمرة وحجاً" رواه البخاري (1467)، ومسلم بلفظه (2194)، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "قدمنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلم ونحن نقول لبيك اللهم لبيك بالحج" رواه البخاري (1468)، ويمسك عن التلبية إذا دخل حدود الحرم، فعن نافع قال: "كان ابن عمر: إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية، ثم يبيت بذي طوى، ثم يصلي به الصبح ويغتسل، ويحدث أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك" رواه البخاري (1470)، والمتمتِّع يعود للتلبية إذا أحرم بالحج، وكذلك المفرِد والقارن حين التوجُّه للمشاعر وفيها.
2- التكبير عند الحجر الأسود في بداية الطواف في أول كل شوط يستحب أن يقول: الله أكبر؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت وهو على بعير، كلما أتى على الركن أشار إليه بشيء في يده وكبر" رواه البخاري (1525)، وقد زاد ابن عمر رضي الله عنهما مع التكبير البسملة فعن نافع: "أن ابن عمر كان إذا استلم الركن، قال: بسم الله والله أكبر"[9].
3- التكبير إذا رقى على الصفا عند السعي بين الصفا والمروة فإنه يستقبل الكعبة، ويكبر ثلاثاً، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا وقف على الصفا يكبر ثلاثا"[10]، وفي حديث جابر رضي الله عنهما: "حتى رأى البيت فاستقبل القبلة، فوحَّد الله وكبره..." رواه مسلم (2137).
4- التلبية والتكبير عند الذهاب من منى إلى عرفة، فعن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك -وهما غاديان من منى إلى عرفة-: كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه، ويكبر منا المكبر فلا ينكر عليه" رواه البخاري (1549) بلفظه، ومسلم (2254).
5- التلبية والتكبير حين الخروج من عرفة إلى مزدلفة، والخروج من مزدلفة إلى منى غداة النحر، حين يرمي الجمرة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن أسامة بن زيد رضي الله عنهما كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى المزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، قال فكلاهما قالا: "لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة" رواه البخاري (1574).
6- التكبير عند المشعر الحرام (المزدلفة)، حتى يسفر الصباح، قال تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ} (سورة البقرة:198)، ويدخل في الذكر التهليل والتكبير والتلبية، يقول جابر رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعا الله وكبره، وهلله ووحده، ولم يزل واقفاً، حتى أسفر جداً" رواه مسلم (2137)، عن عكرمة قال: أفضت مع الحسين بن علي رضي الله عنهما من المزدلفة، فلم أزل أسمعه يلبى حتى رمى جمرة العقبة، فسألته، فقال: أفضت مع أبي من المزدلفة فلم أزل أسمعه يلبي حتى رمى جمرة العقبة، فسألته، فقال: أفضت مع النبي صلى الله عليه وسلم من المزدلفة فلم أزل أسمعه يلبي حتى رمى جمرة العقبة"[11].
7- التكبير عند رمي الجمرات، فعن جابر رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى الجمرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف" رواه مسلم (2137)، عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة،...، فيقول: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله" رواه البخاري (1633).
8- ويذكر الله في أيَّام التشريق في مكانه الذي هو حالٌّ فيه، ومن الذكر التكبير؛ لقوله - تعالى -: {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (سورة البقرة:203)، وقد بوب الإمام البخاري رحمه الله: (باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة)،
ثم علق أثراًَ بصورة الجزم فقال: "وكان عمر رضي الله عنه يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل السوق، حتى ترج منى تكبيراً، وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فسطاطه، ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعاً" صحيح البخاري (1/329).
9- يشرع التكبير للحاج وغير الحاج من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، وهو الثالث عشر من شهر ذي الحجة، قال تعالى: {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ}، وصفته: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد". روى ذلك ابن أبي شيبة عن ابن مسعود، وصححه الألباني، وقال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «هو المنقول عن أكثر الصحابة».
ويجهر الرجال به في المساجد والأسواق، والبيوت وأدبار الصلوات، إعلاناً بتعظيم الله، وإظهاراً لعبادته وشكره.
ويشرع التكبير المطلق من أول أيام ذي الحجة ، والمقيد أدبار الصلوات من فجر عرفة . فيجتمع التكبير المطلق والمقيد في أصح أقوال العلماء في خمسة أيام هي: يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق الثلاثة .
شاعر في المشاعر
10-02-2013, 11:19 AM
كل عام وانت بالف خير ،،،
ونحن على اعتاب حج هذا العام
1434 هـ ،،،
قاهرهم
10-02-2013, 02:13 PM
جزك الله خير
علا ابدعك جميل
♪ تْرآتْيِلَ آلروُحَ ♥♥
10-04-2013, 02:36 PM
الله يجزإك كل الخير واثابك الجنه
والشرب من حوض النبي المصطفى
و كل عآم وانت إلى الله اقرب
قاهرهم
10-05-2013, 10:30 PM
جزك الله كل خير
يسلامو علا ابدعك
بارك الله فيك
وجزاك الله كل خير
النظماوي
01-17-2014, 04:19 PM
http://up.3dlat.com/uploads/12932306644.gif (http://vb.almastba.com/t51057.html)
الأوُركيديآ❀
01-22-2014, 03:01 PM
جزاك الله خير الجزاء واحسن اليك
وُجَعَلَ كل ايامك نُوراً وَسُروراً
وجبآلاُ مِنِ آلحسناتْ تعانقُهآ بحوراً..
جعلَها لله في مُوآزين حسناتك
وشاهد لك لاعليك
شكري وتقديري~
متمرده
03-04-2014, 02:16 PM
https://lh3.googleusercontent.com/-THRsWknPPhg/Tx2jSbpQSSI/AAAAAAAABrw/Xan9GmHZt3I/h80/0_5b123_a8b43966_M.jpg.gif
طرح رائع
جزاك الله عنا كل خير
وأثابك حسن الدارين
ومتعك برؤية وجهه الكريم
شكرا جميلا لقلبك
ورضا ورضوان من الله تعالى
https://lh5.googleusercontent.com/-uoh1VjspJbw/Tx2jL2M4ZEI/AAAAAAAABq8/VY6uPFgXokA/h80/0_5b13b_6e1d6cf0_M.jpg.png
القيصر
03-04-2014, 06:07 PM
جزاك الله خير على الطرح المفيد
ودي وتقديري
انسان عادي
عاشقه الورد
03-05-2014, 01:22 AM
جزاك الله خيرا
طرحْ ممُيَّز جِدَاً وَرآِئعْ
تِسَلّمْ الأيَادِيْ
ولآحُرمِناْ مِنْ جَزيلِ عَطّائِهاْ
دُمتْ ودامَ نبضُ متصفحك متوهجاً بِروَعَةْ الطَرحْ
لروحَك جِنآئِن وَرديهّـ..,
وَأمنيآت بِـ أيآم أَجّملّ
http://im33.gulfup.com/JAxqQ.png
ڤَيوُلـآ
03-05-2014, 03:07 PM
http://www.lamst-a.net/upfiles/XFZ56682.gif
النظماوي
03-06-2014, 10:56 PM
http://www.karom.net/up/uploads/13256119281.gif (http://www.7lwthom.com/vb/t7436/)
الذوق
03-29-2014, 09:28 AM
http://my.mec.biz/attachment.php?attachmentid=126300&d=1337552168 (http://www.girls-ly.com/vb/girls-ly1471/)
۩۞۩ رآقـيے بطبعيے ۩۞۩
03-29-2014, 11:28 AM
http://im39.gulfup.com/1bqts.gif
http://im39.gulfup.com/UUkxY.gifhttp://im39.gulfup.com/2RqG8.gifhttp://im39.gulfup.com/2RqG8.gifhttp://im39.gulfup.com/2RqG8.gifhttp://im39.gulfup.com/UUkxY.gif
ألف شكر
http://www.vb.fll2.com/storeimg/img_1352595176_215.gif
http://img101.imageshack.us/img101/8063/60ly3.gif
يَآَ مَآَلْ اََلَعَآَفِيَهَ
لَآعِدَمَنِآ هـَ الَعَطَآءْ وَلَآَ هَـ الَمْجَهُودَ الَرَائَعْ
كُْلَ مَآتَجَلَبَهْ أًنَآَمِلكْ بًأًذخْ بَاَلَجَّمَآلْ مُتًرّفْ بَ تمًّيِزْ
وُدِيِّ
http://i0.tagstat.com/p1/0/8uWFqFE9v2u-sECeX5o7l47Rg4gd3i6t4wCtzb5SLVgPdyIUsdnTZg==.gif
كنت هنا
http://im39.gulfup.com/UUkxY.gifhttp://im39.gulfup.com/2RqG8.gifhttp://im39.gulfup.com/2RqG8.gifhttp://im39.gulfup.com/2RqG8.gifhttp://im39.gulfup.com/UUkxY.gif
http://im39.gulfup.com/1bqts.gif
♔ queen ♔
03-29-2014, 08:30 PM
جزاك الله كل خير
وجعله بمؤازيين حسناتك
وانار قلبك بالآيمان
ودى
حسآيف
03-30-2014, 09:58 AM
الله يكتب أجرك ويجزاك جنة عرضها السماوات والأرض ..
موضوع مهم ونافع
تقديري
وحش العبدلي
03-31-2014, 07:37 PM
بارك الله فيك واثابك الجنه
جزاك الله خيرا
ورزقنا باب من ابواب الجنه
وجعله في ميزان حسناتك
دمت برضى الله
http://n4hr.com/up/uploads/887f5a2c7c.png
ندى الورد
03-31-2014, 09:09 PM
https://encrypted-tbn1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQ3IGEtqGVpYNCG1kzHdOoqZO3KX7SN8 zDjqOYZEE5sZpVoQSM_
مہلہك الہعہيہونے
04-01-2014, 07:59 PM
جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض
بآرك الله فيك على الطَرح القيم
آسأل الله أن يَرزقـك فسيح آلجنات
دمتـمّ بـِ طآعَة الله
جزَآك آللَه خَيِرآ علىَ طرحكَ الرٍآَئع وَآلقيَم
وًجعلهآ فيِ ميِزآن حسًنآتكْ
وًجعلَ مُستقرَ نَبِضّكْ الفًردوسَ الأعلى ًمِن الجنـَه
حَمآك آلرحمَن ,,~
بحــۃً صمت ♪
02-24-2016, 02:52 PM
جزَآك لله الفردوسْ الأعلَى
ونفَع بِطرحك الجَميع .. ولآ حرمك جَميلَ اجرِه
لك منَ الشكر أجزَلِه "
(دُمت بــ حفظ الله )
http://www.tratel3asheq.com/up/uploads/13485296812.gif
vBulletin® v3.8.8, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir