رحيل المشاعر
02-06-2023, 01:03 AM
إبراهيم بن يزيد بن الأسود النخعي:
يُكنى أبا عمران، وكان أعْورًا، وروى محمّد بن عبد الله الأنصاري، وروى ابن عون قال: رأيتُ على إبراهيم ملحفة حمراء قد ذهب عينها ــ يعني: صقالها، وروى مغيرة، عن إبراهيم أنّه أرخى العمامة من ورائه، وقال الأعمش: رأيتُ في يد إبراهيم خاتمًا من حديد في شماله، وكان نقش خاتم إبراهيم: ذُباب لله ونحن له، وروى وكيع بن الجرّاح، عن مُحِلّ قال: رأيتُ إبراهيم يصلّي في مُسْتَقة لا يُخْرج يديه، وروى سفيان، عن يزيد بن أبي زياد قال: رأيتُ إبراهيم يلبس قلنسوة ثعالب، وفي رواية: رأيتُ على إبراهيم كُمّة ثعالب.
وروى الحسن بن صالح، عن أبي الهَيْثَم القَصَّاب قال: رأيتُ على إبراهيم قلنسوة من طيالسة في مقدّمها جلد ثعلب، وفي رواية يزيد بن أبي زياد قال: رأيتُ على إبراهيم قُلَيْسِيَة ثعالب، وقال: مُحِلّ رأيتُ على إبراهيم مُسْتَقَة فِراءٍ، وسألته عن الفِراء فقال: دِباغها طهورها، وقال: رأيتُ على إبراهيم النخعي ملحفة حمراء، ودخلتُ عليه بيته فرأيت ثيابًا حُمْرًا والحِجَالُ حمر، وفي رواية سلَمة بن كُهيل قال: ما رأيتُ إبراهيم في صيف قطّ إلاّ وعليه ملحفة حمراء وإزار أصفر، وقال سليمان بن يسير: رأيتُ لإبراهيم مُلاءَتين صفراوين يخرج فيهما إلى المسجد الجامع ويجمّع فيهما، وحمراء يصلّي بنا فيها ها هنا.
وقال حَنَش بن الحارث: رأيتُ على إبراهيم قميصًا صَفيقًا وثوبين قد صُبغا بشيء من زعفران، وقال مُحِلّ: رأيتُ على إبراهيم ملحفة قد كانت مرّة حمراء قد غُسلت، وقال أُكَيل: ما رأيتُ إبراهيم في صيف قطّ إلا عليه ملحفة حمراء وإزار أصفر، وَسُئِلَ عبد الله بن عون: رأيتَ على إبراهيم معصفَرة؟ قال: نعم إن شاء الله ليس لها عين ولا صقال، وقال محلّ: رأيتُ على إبراهيم ملحفة متوشّحًا بها، وعليه طيلسانٌ متفضّلٌ به، وهو يصلّي وهو إمام، وروى إسرائيل، عن منصور أنّه رأى على إبراهيم طيلسانًا مدبّجًا، وروى سفيان، عن شيخٍ من النّخَع قال: رأيتُ إبراهيم يفتتح الصلاة في الشتاء في كسائه.
وقال شعبة: أَمّنا الحكم في قميص، قلنا: الكبر يحملك على هذا؟ قال: إذا كان صفيقًا فليس به بأس، كان إبراهيم يؤمّنا في قميص وملحفة، وعن أبي قيس عبد الرحمن بن ثَرْوان الأوْدي قال: سألتُ علقمة، وإبراهيم عنده كأنّه حَزَوّرٌ، وكان إبراهيم إذا أخذ النّاس منامهم لبس حُلّة طرائف وتطيّب ثم لا يبرح مسجده حتى يُصْبح أو ما شاء الله من ذلك، فإذا أصبح نزع تلك ولبس غيرها، وعن أبي الهَيْثَم قال: أوصى إليّ إبراهيم، وكان لامرأته الأولى عنده شيء، فأمرني أن أعطيه وَرَثَتَها، فقلت له: ألم تُخبرني أنّها وهبته لك؟ قال: إنّها وهبته لي وهي مريضة، فأمرني أن أدفعه إلى ورثتها فدفعته إليهم، وروى ميمون بن مِهْران قال: لقيتُ إبراهيم فقلُت: ما هذا المراء الذي بلغني عنك، وقال الأعمش: قلتُ لإبراهيم: آتيك فأعرض عليك؟ قال: إنّي لأكره أن أقول لشيء كذا وهو كذا.
وكان إبراهيم وعطاء لا يتكلّمان حتى يُسْألا، وعن أبي المِنْجاب البصري أنّ رجلًا كان يأتي إبراهيم النّخَعي فيتعلّم منه فيسمع قومًا يذكرون أمر عليّ وعثمان فقال: أنا أتعلّم من هذا الرجل وأرى الناس مختلفين في أمر عليّ وعثمان، فسأل إبراهيم النّخَعي عن ذلك فقال: ما أنا بِسَبَئِيٍّ ولا مُرِجئ، وقال رجل لإبراهيم: عليّ أحبّ إليّ من أبي بكر وعمر، فقال له إبراهيم: أما إنّ عليًّا لو سمع كلامك لأوجع ظهرك، إذا كنتم تُجالسوننا بهذا فلا تُجالسونا، وقال إبراهيم: عليّ أحَبّ إليّ من عثمان، ولأنْ أخِرّ من السماء أحبّ إليّ من أن أتناول عثمان بسوء، وروى الأعمش، عن إبراهيم قال: كان إذا قام سلّم، فإن سألناه عن شيء أعاد السلامَ فيختم به، وقالت هُنيْدة امرأة إبراهيم أنّ إبراهيم كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، وروى أبو مسكين قال: كان إبراهيم يُعْجِبُه أن يكون في بيته تمر، فإذا دخل عليه داخل ولم يكن عنده شيء قال: قَرّبوا لنا تمرًا، وإن جاء سائل أعطاه تمرًا.
وروى الحسن بن عمرو أنّ إبراهيم كان يجلس عن العيدين والجمعة وهو خائف، وقال فُضيل: استأذنتُ لحمّاد على إبراهيم وهو مُسْتَخْفٍ في بيْتِ أبي مَعْشَر، وروى حَكيم بن جُبير، عن إبراهيم قال: ما بها عريف إلا كافر، وروى ابن عون قال: كنّا عند إبراهيم فجاء رجل فقال: يا أبا عمران ادْعُ الله أن يشفيني، فرأيتُ أنّه كرهه كراهيةً شديدة حتى رأيتُنا عرفنا كراهية ذلك في وجهه، أو حتى عرفتُ كراهية ذلك في وجهه، ثمّ قال: جاء رجل إلى حُذيفة فقال ادْعُ الله أن يغفر لي، قال: لا غفر الله لك، قال: فتنحَى الرجل ناحية فجلس، فلمّا كان بعد ذلك، قال: أدخلك الله مدخل حُذيفة، أقد رضيت الآن؟ قال: ويأتي أحدكم الرجلَ كأنّه قد أحصى شأنه، كأنّه كأنّه، فذكر إبراهيم السنّة فرَغّبَ فيها وذكر ما أحدث الناسُ فكرهه وقال فيه، وروى ابن عون قال: كان إبراهيم يأتي السلطان فيسألهم الجوائز، وروى منصور وإبراهيم بن مهاجر أو أحدهما أنّ إبراهيم خرج إلى ابن الأشتر فأجازه فقبل، وروى العلاء بن زُهير الأزدي قال: قدم إبراهيم على أبي وهو على حُلْوان فحمله على برذون وكساه أثوابًا وأعطاه ألف درهم فقبله.
وروى الأعمش قال: أهدى نُعيم بن أبي هند إلى إبراهيم دَنـًّا من طِلاء فقبله فوجده شديد الحلاوة فطبخه وجعله نبيذًا، وقال: ما رأيتُ إبراهيم يحسّن صوته ولا يرجّع، وكان إذا أراد أن يضرب خادمه قال: احمد الله لأضربنك، فيدعو بالسوط ثمّ يقول: ابْسُط، فيضربه ضربة كذاك، وروى فُضيل بن عمرو، عن إبراهيم قال: كانوا يقولون إذا بلغ الرجل أربعين سنة على خُلْق لم يتغيْر عنه حتى يموت، وكان يقال لصاحب الأربعين احتفظْ بنفسك.
وروى الحسن بن عمرو أنّ فَرْقَدًا السّبَخي أبصر عند إبراهيم رجلًا قد حلّ زِرّه ورجلًا مضفورًا شعره فقال فرقد: يا أبا عمران ألا تَنْهى هذا عن حل أزراره وهذا عن ضَفْر شعره؟ فقال إبراهيم: ما أدري أجفاء بني أسد غلب عليك أو غِلَظ بني تميم، أمّا هذا فوجد الحرّ فحلّ زرّه وأمّا هذا فيُرْخي شعرَه إذا أراد أن يُصلّي إن شاء الله، وروى الحسن بن عمرو قال: قال فرقد: يا أبا عمران أصبحتُ وأنا مهتمّ لضريبتي وهي ستّة دراهم وقد هلّ الهلال وليست عندي فدعوتُ، فبينا أنا أمشي على شطّ الفُرات إذا أنا بسِتّة دراهم فأخذتها فوزنتها فإذا هي ستّة لا تزيد ولا تنقص، فقال: تصدّقْ بها فإنّها ليست لك، وروى فُضيل بن عمرو قال: قال إبراهيم كان يُكْرَه للرجل إذا رُزق في شيء أن يَرْغب عنه، وقال الأعمش: ربّما رأيتُ مع إبراهيم الشيء يحمله يقول: إني لأرجو فيه الأجر، يعني في حمله، وروى منصور، عن إبراهيم، ومجاهد أنّهما كرها الجَماجم.
وقال مغيرة: سمعتُ صوت جلاجل في بيت إبراهيم، وكان إبراهيم يُسْأل كيف أصبحتَ أو أصبحتم؟ قال: {بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ}[سورة آل عمران: 171]، وقال إبراهيم: ما قرأتُ هذه الآية قطّ إلاّ ذكرتُ الماء البارد: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ}[سورة سـبأ: 54] وقال الأعمش: ربّما رأيتُ إبراهيم يصلّي ثمّ يأتينا فيمكث ساعةً من النهار كأنّه مريض، وروى أبو مَعْشَر، عن إبراهيم قال: لو كنتُ مُسْتحِلاًّ قتالَ أحَدٍ من أهل القبلة لاستحللتُ قتالَ هؤلاء الخَشَبيّة، وقال رأيتُ إبراهيم يوم الجمعة مُعْرِضًا عن الإمام، قال: وكان إذا لم يسمع الخطبة سبّح، وروى حمّاد بن أبي سليمان أنّ النّخَعي مرّ بقوم فلم يسلّم عليهم، فأنكر القوم ذلك، فرجع عليهم، فقال بعضهم: يا أبا عمران مررتَ بنا ولم تسلمّ علينا، قال: إني رأيتكم مشاغيل فكرهتُ أن أُوثِمكم.
وقال منصور: ذكرتُ لإبراهيم لَعْنَ الحجّاج أو بعض الجبابرة فقال: أليس الله يقول: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}[سورة هود:18]، وروى سُفيان، عن زيد شيخ يكون في محارب قال: سمعتُ إبراهيم يسبّ الحجّاج، وقال: كفى به عمًى أن يعمى الرجلُ عن أمر الحجّاج، وقال الشيباني: ذُكر أنّ إبراهيم التيمي بُعث إلى الخوارج يدعوهم، فقال له إبراهيم النخعي: إلى من تدعوهم؟ إلى الحجّاج؟ وروى أبو حنيفة، عن حمّاد قال: بشّرتُ إبراهيم بموت الحجّاج فسجد، وقال حمّاد: ما كنتُ أرى أنّ أحدًا يبكي من الفرح حتى رأيتُ إبراهيم يبكي من الفرح.
وقال العوّام بن حَوْشَب: كان مكتب إبراهيم براذان، وكان على تلك الناحية أَبِي حَوْشَب بن يزيد الشيباني، قال فاستأذنه الجندُ إلى عيالهم فأذن لهم وأجلهم أجلًا وقال: من غاب أكثر من الأجل ضربتُه لكلّ يوم سوطًا، قال: فقلتُ لإبراهيم: أقِمْ أنت ما شئتً فليس عليك مكروهٌ، فأقام بعد الأجل عشرين يومًا، وعرض أبي الناسَ وقد وقّع على اسم كلّ رجل منهم ما غاب فجعل يضربهم حتى دعا إبراهيم فإذا هو قد غاب عشرين يومًا بعد الأجل، فأمر به، فقمنا إليه ونحن عشرة إخوة، فقال لنا: من كانت أمّه حُرّة فهي طالق ومن كانت أمّه أمة فهي حرّة إن لم تجلسوا وَلا تكلّموا حتى أُنْفِذ فيه أمري كما أنفذتُه في غيره، فجلسنا حتى ضربه عشرين سوطًا.
وروى وكيع بن الجرّاح، عن مُحِلّ قال: رأيتُ إبراهيم يصلّي في مُسْتَقة لا يُخْرج يديه، وقال محمّد بن سيرين يومًا: إني لأحسب إبراهيم الذي تذكرون فتًى كان يجالسنا فيما أعلم عند مسروق كأنّه ليس معنا وهو معنا، وقال ابن عون: وصفتُ إبراهيم لمحمد بن سيرين فقال: لعلّه ذلك الفتى الأعور الذي كان يجالسنا عند علقمة هو في القوم كأنّه ليس فيهم، وقال إبراهيم: ما كتبتُ شيئًا قطّ، وقال منصور: لأن أكون كتبتُ أحبّ إليّ من كذا وكذا، وقال عبد الملك بن أبي سليمان: رأيتُ سعيد بن جُبير يُسْتَفْتى فيقول: أتسْتفتوني وفيكم إبراهيم، وروى سفيان، عن أبيه قال: ربّما سمعتُ إبراهيم يعجب يقول: احْتِيجَ إليّ احْتِيجَ إليّ! وروى الأعمش قال: كنّا نأتي شَقيقًا ونأتي ذا ونأتي ذا ولا نرى أنّ عند إبراهيم شيئًا.
وقال الأعمش: ما ذكرتُ لإبراهيم حديثًا قطّ إلاّ زادني فيه، وقال زُبيد: ما سألتُ إبراهيم عن شيء قطّ إلا عرفتُ فيه الكراهية، وقال مُغيرة: كنّا نهاب إبراهيم هيبة الأمير، وروى مالك بن مِغْوَل، عن طلحة قال: ما بالكوفة أعجب إليّ من إبراهيم وخَيْثَمَة، وقال فُضيل: قلتُ لإبراهيم إني أجيئك وقد جمعتُ مسائل فكأنمّا تخلّسها الله منّي، وأراك تكره الكتاب، فقال: إنّه قلّ ما كتب إنسانٌ كتابًا إلاّ اتّكل عليه، وقلّ ما طلب إنسان علْمًا إلاّ آتاه الله منه ما يكفيه.
وروى أبو مَعْشَر، عن إبراهيم أنّه كان يدخل على بعض أزواج النبي صَلَّى الله عليه وسلم وهي عائشة فيرى عليهنّ ثيابًا حُمْرًا، فقال أيّوب لأبي معشر: وكيف كان يدخل عليهنّ؟ قال: كان يحجّ مع عمّه وخاله علقمة والأسود قبل أن يحتلم قال: وكان بينهم وبين عائشة إخاء وودّ، وعن زُبيد قال: سألتُ إبراهيم عن مسألة فقال: ما وجدتَ فيما بيني وبينك أحدًا تسأله غيري؟ وكان إبراهيم يحدّث بالحديث بالمعاني، وروى الحسن بن عبيد الله قال: قلتُ لإبراهيم ألا تحدّثنا؟ فقال: تريد أن أكون مثل فلان؟ ائتِ مسجد الحيّ فإن جاء إنسانٌ يسأل عن شيء فستسمعه، وروى الأعمش قال: قلتُ لإبراهيم: إذا حدّثتَني عن عبد الله فأسْنِدْ، قال: إذا قلتُ قال عبد الله فقد سمعتُه مِنْ غَيْرِ واحدٍ من أصحابه، وإذا قلتُ حدّثني فلان فحدّثني فلان.
وقال أبو هاشم: قلتُ لإبراهيم يا أبا عمران أما بلغك حديث عن النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم تُحدّثنا؟ قال: بلى ولكن أقول قال عُمر، وقال عبد الله، وقال علقمة، وقال الأسود أجِدُ ذاك أهْوَنَ عليّ، وروى عبد الله بن عون قال: دخلتُ على إبراهيم قال: فدخل عليه حمّاد، قال: فجعل يسأله ومعه أطراف فقال: ما هذا؟ قال: إنّما هي أطراف، قال: ألم أنْهَكَ عن هذا؟ وروى عاصم قال: كان أبو وائل إذا جاءه إنسان يستفتيه قال له: اذهبْ فسلْ أبا رَزين ثمّ ائْتِني فأخبرْني ما ردّ عليك، وكان أبو رزين معه في الدار، وكان أيضًا إذا سُئل يقول: ائْتِ إبراهيم فسَلْه ثمّ ائْتِني فأخْبرْني ما قال لك.
وروى مغيرة، عن إبراهيم أنّه كره أن يستند إلى السارية، وقال أبو قيس: رأيتُ إبراهيم غُلامًا محلوقًا يُمْسِك لعلقمة بالركاب يوم الجمعة، وقال أبو بكر بن عيّاش: سألتُ الأعمش: كم كان يجتمع عند إبراهيم؟ قال: أربعة خمسة، قال أبو بكر: وما رأيتُ عند حبيب عشرة وما رأيت اثنين يسألانه، وقال الأعمش: قال لي خَيْثَمَة تذهبُ أنت وإبراهيم فتجلسون في المسجد الأعظم فيجلس إليكم العريف والشّرَطي، فذكرتُه لإبراهيم فقال: نجلس في المسجد فيجلس إلينا العَريف والشّرَطي أحبّ من أن نعتزل فيرمينا الناسُ برَأي يَهْوي، وروى الحسن بن عمرو قال: قال إبراهيم: ما خاصمتُ رجلًا قطّ، وقال ابن عون: جلستُ إلى إبراهيم النّخَعي فذكر المُرْجِئَة فقال فيهم قولًا غيره أحسنُ منه، وروى الحارث العُكْلي، عن إبراهيم قال: إيّاكم وأهلَ هذا الرأي المُحْدَث ــ يعني المُرْجئة ــ وروى مُحِل يروي عن إبراهيم قال: الإرْجاء بِدْعة، وقال مُحِلّ: كان رجل يجالس إبراهيم يقال له: محمد، فبلغ إبراهيم أنّه يتكلّم في الإرجاء فقال له إبراهيم: لا تجالسنا.
وروى مسلم الأعور، عن إبراهيم قال: تركوا هذا الدّين أرقّ من الثوب السابري، وقال مُحِلّ: قلتُ لإبراهيم إنّهم يقولون لنا مؤمنون أنتم؟ قال: إذا سألوكم فقولوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ}[سورة البقرة: 136] إلى آخر الآية، وروى حكيم بن جبير، عن إبراهيم قال: لأنا على هذه الأمّة من المرجئة أخْوَفُ عليهم من عُدّتهم من الأزارقة، وروى غالب أبو الهُذيل أنّه كان عند إبراهيم فدخل عليه قوم من المُرْجئة، قال: فكلّموه فغضب، وقال: إن كان هذا كلامكم فلا تدخلوا عليّ، وروى أبو حمزة، عن إبراهيم قال: لو أنّ أصحاب محمّد صَلَّى الله عليه وسلم لم يمسحوا إلاّ على ظُفُر ما غسلتُه التماس الفضل، وحسبنا من إزراء على قوم أن نسأل عن فقههم ونخالف أمرَهم، وقال الأعمش: ذُكر عند إبراهيم المرجئةُ فقال: والله إنّهم أبغض إليّ من أهل الكتاب.
وروى مُغيرة عن إبراهيم قال: من رغب عن المسح فقد رغب عن السّنّة ولا أعلم ذلك إلاّ من الشيطان، قال فُضيل: يعني تركه المسح، وروى مغيرة، عن إبراهيم قال: مَن رغب عن المسح فقد رغب عن سُنّة النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وروى يحيَى بن سعيد قال: لم يكن إبراهيم مع ابن الأشعث، وروى أبي الهيثم قال: دخلتُ على إبراهيم وهو مريض فبكى فقلت: ما يُبكيك يا أبا عمران؟ فقال: ما أبكي جَزَعًا على الدنيا ولكن ابنتيّ هاتين، قال: فجئتُ من الغد فإذا هو قد مات، وإذا امرأته قد أخرجته من البيت إلى الصّفّة وهي تبكيه، وروى ابن عون قال: لمّا توفي إبراهيم أتينا منزله فقلنا: بأيّ شيء أوْصى؟ قالوا: أوصى أن لا تجعلوا في قبري لَبِنًا عَرْزَميًّا والحدوا لي لحدًا ولا تُتْبِعوني بنار، وروى أبو الهيثم، عن إبراهيم أنّه أوصى قال: إذا كنتم أربعة فلا تُؤذِنُوا بي أحدًا، وروى ابن عون قال: دفنّا إبراهيم ليلًا ونحن خائفون، وعنه قال: أتيتُ الشعبيّ بعد موت إبراهيم فقال لي: أكنتَ فيمن شهد دفنَ إبراهيم؟ فالتويتُ عليه فقال: واللهِ ما ترك بعده مثله، قلتُ: بالكوفة؟ قال: لا بالكوفة ولا بالبصرة ولا بالشأم ولا بكذا ولا بكذا، زاد محمّد بن عبد الله: ولا بالحجاز، وقال ابن أبْجَر: أخبرتُ الشعبيّ بموت إبراهيم فقال: احمد الله أما إنّه لم يخلّف خلفه مثله، قال: وهو ميّتًا أفْقَهُ منه حيًّا.
وقال أحمد بن عبد الله بن يونس: سمعتُ أبا بكر بن عيّاش يقول: أتى على إبراهيم النخعي نحو الخمسين، وقال محمّد بن سعد: وقال غيره: وأجمعوا على أنّه توفّي في سنة ستٍّ وتسعين في خلافة الوليد بن عبد الملك بالكوفة، وهو ابن تسعٍ وأربعين سنة لم يستكمل الخمسين، وكان يحيَى بن سعيد القطّان يقول: مات إبراهيم وهو ابن نيّفٍ وخمسين سنة، وقال أبو نُعيم: سألتُ ابن بنت إبراهيم عن موته فقال: بعد الحجّاج بأشهر أربعة أو خمسة، قال أبو نُعيم: كأنّه مات أوّل سنة ستٍّ وتسعين.
يُكنى أبا عمران، وكان أعْورًا، وروى محمّد بن عبد الله الأنصاري، وروى ابن عون قال: رأيتُ على إبراهيم ملحفة حمراء قد ذهب عينها ــ يعني: صقالها، وروى مغيرة، عن إبراهيم أنّه أرخى العمامة من ورائه، وقال الأعمش: رأيتُ في يد إبراهيم خاتمًا من حديد في شماله، وكان نقش خاتم إبراهيم: ذُباب لله ونحن له، وروى وكيع بن الجرّاح، عن مُحِلّ قال: رأيتُ إبراهيم يصلّي في مُسْتَقة لا يُخْرج يديه، وروى سفيان، عن يزيد بن أبي زياد قال: رأيتُ إبراهيم يلبس قلنسوة ثعالب، وفي رواية: رأيتُ على إبراهيم كُمّة ثعالب.
وروى الحسن بن صالح، عن أبي الهَيْثَم القَصَّاب قال: رأيتُ على إبراهيم قلنسوة من طيالسة في مقدّمها جلد ثعلب، وفي رواية يزيد بن أبي زياد قال: رأيتُ على إبراهيم قُلَيْسِيَة ثعالب، وقال: مُحِلّ رأيتُ على إبراهيم مُسْتَقَة فِراءٍ، وسألته عن الفِراء فقال: دِباغها طهورها، وقال: رأيتُ على إبراهيم النخعي ملحفة حمراء، ودخلتُ عليه بيته فرأيت ثيابًا حُمْرًا والحِجَالُ حمر، وفي رواية سلَمة بن كُهيل قال: ما رأيتُ إبراهيم في صيف قطّ إلاّ وعليه ملحفة حمراء وإزار أصفر، وقال سليمان بن يسير: رأيتُ لإبراهيم مُلاءَتين صفراوين يخرج فيهما إلى المسجد الجامع ويجمّع فيهما، وحمراء يصلّي بنا فيها ها هنا.
وقال حَنَش بن الحارث: رأيتُ على إبراهيم قميصًا صَفيقًا وثوبين قد صُبغا بشيء من زعفران، وقال مُحِلّ: رأيتُ على إبراهيم ملحفة قد كانت مرّة حمراء قد غُسلت، وقال أُكَيل: ما رأيتُ إبراهيم في صيف قطّ إلا عليه ملحفة حمراء وإزار أصفر، وَسُئِلَ عبد الله بن عون: رأيتَ على إبراهيم معصفَرة؟ قال: نعم إن شاء الله ليس لها عين ولا صقال، وقال محلّ: رأيتُ على إبراهيم ملحفة متوشّحًا بها، وعليه طيلسانٌ متفضّلٌ به، وهو يصلّي وهو إمام، وروى إسرائيل، عن منصور أنّه رأى على إبراهيم طيلسانًا مدبّجًا، وروى سفيان، عن شيخٍ من النّخَع قال: رأيتُ إبراهيم يفتتح الصلاة في الشتاء في كسائه.
وقال شعبة: أَمّنا الحكم في قميص، قلنا: الكبر يحملك على هذا؟ قال: إذا كان صفيقًا فليس به بأس، كان إبراهيم يؤمّنا في قميص وملحفة، وعن أبي قيس عبد الرحمن بن ثَرْوان الأوْدي قال: سألتُ علقمة، وإبراهيم عنده كأنّه حَزَوّرٌ، وكان إبراهيم إذا أخذ النّاس منامهم لبس حُلّة طرائف وتطيّب ثم لا يبرح مسجده حتى يُصْبح أو ما شاء الله من ذلك، فإذا أصبح نزع تلك ولبس غيرها، وعن أبي الهَيْثَم قال: أوصى إليّ إبراهيم، وكان لامرأته الأولى عنده شيء، فأمرني أن أعطيه وَرَثَتَها، فقلت له: ألم تُخبرني أنّها وهبته لك؟ قال: إنّها وهبته لي وهي مريضة، فأمرني أن أدفعه إلى ورثتها فدفعته إليهم، وروى ميمون بن مِهْران قال: لقيتُ إبراهيم فقلُت: ما هذا المراء الذي بلغني عنك، وقال الأعمش: قلتُ لإبراهيم: آتيك فأعرض عليك؟ قال: إنّي لأكره أن أقول لشيء كذا وهو كذا.
وكان إبراهيم وعطاء لا يتكلّمان حتى يُسْألا، وعن أبي المِنْجاب البصري أنّ رجلًا كان يأتي إبراهيم النّخَعي فيتعلّم منه فيسمع قومًا يذكرون أمر عليّ وعثمان فقال: أنا أتعلّم من هذا الرجل وأرى الناس مختلفين في أمر عليّ وعثمان، فسأل إبراهيم النّخَعي عن ذلك فقال: ما أنا بِسَبَئِيٍّ ولا مُرِجئ، وقال رجل لإبراهيم: عليّ أحبّ إليّ من أبي بكر وعمر، فقال له إبراهيم: أما إنّ عليًّا لو سمع كلامك لأوجع ظهرك، إذا كنتم تُجالسوننا بهذا فلا تُجالسونا، وقال إبراهيم: عليّ أحَبّ إليّ من عثمان، ولأنْ أخِرّ من السماء أحبّ إليّ من أن أتناول عثمان بسوء، وروى الأعمش، عن إبراهيم قال: كان إذا قام سلّم، فإن سألناه عن شيء أعاد السلامَ فيختم به، وقالت هُنيْدة امرأة إبراهيم أنّ إبراهيم كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، وروى أبو مسكين قال: كان إبراهيم يُعْجِبُه أن يكون في بيته تمر، فإذا دخل عليه داخل ولم يكن عنده شيء قال: قَرّبوا لنا تمرًا، وإن جاء سائل أعطاه تمرًا.
وروى الحسن بن عمرو أنّ إبراهيم كان يجلس عن العيدين والجمعة وهو خائف، وقال فُضيل: استأذنتُ لحمّاد على إبراهيم وهو مُسْتَخْفٍ في بيْتِ أبي مَعْشَر، وروى حَكيم بن جُبير، عن إبراهيم قال: ما بها عريف إلا كافر، وروى ابن عون قال: كنّا عند إبراهيم فجاء رجل فقال: يا أبا عمران ادْعُ الله أن يشفيني، فرأيتُ أنّه كرهه كراهيةً شديدة حتى رأيتُنا عرفنا كراهية ذلك في وجهه، أو حتى عرفتُ كراهية ذلك في وجهه، ثمّ قال: جاء رجل إلى حُذيفة فقال ادْعُ الله أن يغفر لي، قال: لا غفر الله لك، قال: فتنحَى الرجل ناحية فجلس، فلمّا كان بعد ذلك، قال: أدخلك الله مدخل حُذيفة، أقد رضيت الآن؟ قال: ويأتي أحدكم الرجلَ كأنّه قد أحصى شأنه، كأنّه كأنّه، فذكر إبراهيم السنّة فرَغّبَ فيها وذكر ما أحدث الناسُ فكرهه وقال فيه، وروى ابن عون قال: كان إبراهيم يأتي السلطان فيسألهم الجوائز، وروى منصور وإبراهيم بن مهاجر أو أحدهما أنّ إبراهيم خرج إلى ابن الأشتر فأجازه فقبل، وروى العلاء بن زُهير الأزدي قال: قدم إبراهيم على أبي وهو على حُلْوان فحمله على برذون وكساه أثوابًا وأعطاه ألف درهم فقبله.
وروى الأعمش قال: أهدى نُعيم بن أبي هند إلى إبراهيم دَنـًّا من طِلاء فقبله فوجده شديد الحلاوة فطبخه وجعله نبيذًا، وقال: ما رأيتُ إبراهيم يحسّن صوته ولا يرجّع، وكان إذا أراد أن يضرب خادمه قال: احمد الله لأضربنك، فيدعو بالسوط ثمّ يقول: ابْسُط، فيضربه ضربة كذاك، وروى فُضيل بن عمرو، عن إبراهيم قال: كانوا يقولون إذا بلغ الرجل أربعين سنة على خُلْق لم يتغيْر عنه حتى يموت، وكان يقال لصاحب الأربعين احتفظْ بنفسك.
وروى الحسن بن عمرو أنّ فَرْقَدًا السّبَخي أبصر عند إبراهيم رجلًا قد حلّ زِرّه ورجلًا مضفورًا شعره فقال فرقد: يا أبا عمران ألا تَنْهى هذا عن حل أزراره وهذا عن ضَفْر شعره؟ فقال إبراهيم: ما أدري أجفاء بني أسد غلب عليك أو غِلَظ بني تميم، أمّا هذا فوجد الحرّ فحلّ زرّه وأمّا هذا فيُرْخي شعرَه إذا أراد أن يُصلّي إن شاء الله، وروى الحسن بن عمرو قال: قال فرقد: يا أبا عمران أصبحتُ وأنا مهتمّ لضريبتي وهي ستّة دراهم وقد هلّ الهلال وليست عندي فدعوتُ، فبينا أنا أمشي على شطّ الفُرات إذا أنا بسِتّة دراهم فأخذتها فوزنتها فإذا هي ستّة لا تزيد ولا تنقص، فقال: تصدّقْ بها فإنّها ليست لك، وروى فُضيل بن عمرو قال: قال إبراهيم كان يُكْرَه للرجل إذا رُزق في شيء أن يَرْغب عنه، وقال الأعمش: ربّما رأيتُ مع إبراهيم الشيء يحمله يقول: إني لأرجو فيه الأجر، يعني في حمله، وروى منصور، عن إبراهيم، ومجاهد أنّهما كرها الجَماجم.
وقال مغيرة: سمعتُ صوت جلاجل في بيت إبراهيم، وكان إبراهيم يُسْأل كيف أصبحتَ أو أصبحتم؟ قال: {بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ}[سورة آل عمران: 171]، وقال إبراهيم: ما قرأتُ هذه الآية قطّ إلاّ ذكرتُ الماء البارد: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ}[سورة سـبأ: 54] وقال الأعمش: ربّما رأيتُ إبراهيم يصلّي ثمّ يأتينا فيمكث ساعةً من النهار كأنّه مريض، وروى أبو مَعْشَر، عن إبراهيم قال: لو كنتُ مُسْتحِلاًّ قتالَ أحَدٍ من أهل القبلة لاستحللتُ قتالَ هؤلاء الخَشَبيّة، وقال رأيتُ إبراهيم يوم الجمعة مُعْرِضًا عن الإمام، قال: وكان إذا لم يسمع الخطبة سبّح، وروى حمّاد بن أبي سليمان أنّ النّخَعي مرّ بقوم فلم يسلّم عليهم، فأنكر القوم ذلك، فرجع عليهم، فقال بعضهم: يا أبا عمران مررتَ بنا ولم تسلمّ علينا، قال: إني رأيتكم مشاغيل فكرهتُ أن أُوثِمكم.
وقال منصور: ذكرتُ لإبراهيم لَعْنَ الحجّاج أو بعض الجبابرة فقال: أليس الله يقول: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}[سورة هود:18]، وروى سُفيان، عن زيد شيخ يكون في محارب قال: سمعتُ إبراهيم يسبّ الحجّاج، وقال: كفى به عمًى أن يعمى الرجلُ عن أمر الحجّاج، وقال الشيباني: ذُكر أنّ إبراهيم التيمي بُعث إلى الخوارج يدعوهم، فقال له إبراهيم النخعي: إلى من تدعوهم؟ إلى الحجّاج؟ وروى أبو حنيفة، عن حمّاد قال: بشّرتُ إبراهيم بموت الحجّاج فسجد، وقال حمّاد: ما كنتُ أرى أنّ أحدًا يبكي من الفرح حتى رأيتُ إبراهيم يبكي من الفرح.
وقال العوّام بن حَوْشَب: كان مكتب إبراهيم براذان، وكان على تلك الناحية أَبِي حَوْشَب بن يزيد الشيباني، قال فاستأذنه الجندُ إلى عيالهم فأذن لهم وأجلهم أجلًا وقال: من غاب أكثر من الأجل ضربتُه لكلّ يوم سوطًا، قال: فقلتُ لإبراهيم: أقِمْ أنت ما شئتً فليس عليك مكروهٌ، فأقام بعد الأجل عشرين يومًا، وعرض أبي الناسَ وقد وقّع على اسم كلّ رجل منهم ما غاب فجعل يضربهم حتى دعا إبراهيم فإذا هو قد غاب عشرين يومًا بعد الأجل، فأمر به، فقمنا إليه ونحن عشرة إخوة، فقال لنا: من كانت أمّه حُرّة فهي طالق ومن كانت أمّه أمة فهي حرّة إن لم تجلسوا وَلا تكلّموا حتى أُنْفِذ فيه أمري كما أنفذتُه في غيره، فجلسنا حتى ضربه عشرين سوطًا.
وروى وكيع بن الجرّاح، عن مُحِلّ قال: رأيتُ إبراهيم يصلّي في مُسْتَقة لا يُخْرج يديه، وقال محمّد بن سيرين يومًا: إني لأحسب إبراهيم الذي تذكرون فتًى كان يجالسنا فيما أعلم عند مسروق كأنّه ليس معنا وهو معنا، وقال ابن عون: وصفتُ إبراهيم لمحمد بن سيرين فقال: لعلّه ذلك الفتى الأعور الذي كان يجالسنا عند علقمة هو في القوم كأنّه ليس فيهم، وقال إبراهيم: ما كتبتُ شيئًا قطّ، وقال منصور: لأن أكون كتبتُ أحبّ إليّ من كذا وكذا، وقال عبد الملك بن أبي سليمان: رأيتُ سعيد بن جُبير يُسْتَفْتى فيقول: أتسْتفتوني وفيكم إبراهيم، وروى سفيان، عن أبيه قال: ربّما سمعتُ إبراهيم يعجب يقول: احْتِيجَ إليّ احْتِيجَ إليّ! وروى الأعمش قال: كنّا نأتي شَقيقًا ونأتي ذا ونأتي ذا ولا نرى أنّ عند إبراهيم شيئًا.
وقال الأعمش: ما ذكرتُ لإبراهيم حديثًا قطّ إلاّ زادني فيه، وقال زُبيد: ما سألتُ إبراهيم عن شيء قطّ إلا عرفتُ فيه الكراهية، وقال مُغيرة: كنّا نهاب إبراهيم هيبة الأمير، وروى مالك بن مِغْوَل، عن طلحة قال: ما بالكوفة أعجب إليّ من إبراهيم وخَيْثَمَة، وقال فُضيل: قلتُ لإبراهيم إني أجيئك وقد جمعتُ مسائل فكأنمّا تخلّسها الله منّي، وأراك تكره الكتاب، فقال: إنّه قلّ ما كتب إنسانٌ كتابًا إلاّ اتّكل عليه، وقلّ ما طلب إنسان علْمًا إلاّ آتاه الله منه ما يكفيه.
وروى أبو مَعْشَر، عن إبراهيم أنّه كان يدخل على بعض أزواج النبي صَلَّى الله عليه وسلم وهي عائشة فيرى عليهنّ ثيابًا حُمْرًا، فقال أيّوب لأبي معشر: وكيف كان يدخل عليهنّ؟ قال: كان يحجّ مع عمّه وخاله علقمة والأسود قبل أن يحتلم قال: وكان بينهم وبين عائشة إخاء وودّ، وعن زُبيد قال: سألتُ إبراهيم عن مسألة فقال: ما وجدتَ فيما بيني وبينك أحدًا تسأله غيري؟ وكان إبراهيم يحدّث بالحديث بالمعاني، وروى الحسن بن عبيد الله قال: قلتُ لإبراهيم ألا تحدّثنا؟ فقال: تريد أن أكون مثل فلان؟ ائتِ مسجد الحيّ فإن جاء إنسانٌ يسأل عن شيء فستسمعه، وروى الأعمش قال: قلتُ لإبراهيم: إذا حدّثتَني عن عبد الله فأسْنِدْ، قال: إذا قلتُ قال عبد الله فقد سمعتُه مِنْ غَيْرِ واحدٍ من أصحابه، وإذا قلتُ حدّثني فلان فحدّثني فلان.
وقال أبو هاشم: قلتُ لإبراهيم يا أبا عمران أما بلغك حديث عن النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم تُحدّثنا؟ قال: بلى ولكن أقول قال عُمر، وقال عبد الله، وقال علقمة، وقال الأسود أجِدُ ذاك أهْوَنَ عليّ، وروى عبد الله بن عون قال: دخلتُ على إبراهيم قال: فدخل عليه حمّاد، قال: فجعل يسأله ومعه أطراف فقال: ما هذا؟ قال: إنّما هي أطراف، قال: ألم أنْهَكَ عن هذا؟ وروى عاصم قال: كان أبو وائل إذا جاءه إنسان يستفتيه قال له: اذهبْ فسلْ أبا رَزين ثمّ ائْتِني فأخبرْني ما ردّ عليك، وكان أبو رزين معه في الدار، وكان أيضًا إذا سُئل يقول: ائْتِ إبراهيم فسَلْه ثمّ ائْتِني فأخْبرْني ما قال لك.
وروى مغيرة، عن إبراهيم أنّه كره أن يستند إلى السارية، وقال أبو قيس: رأيتُ إبراهيم غُلامًا محلوقًا يُمْسِك لعلقمة بالركاب يوم الجمعة، وقال أبو بكر بن عيّاش: سألتُ الأعمش: كم كان يجتمع عند إبراهيم؟ قال: أربعة خمسة، قال أبو بكر: وما رأيتُ عند حبيب عشرة وما رأيت اثنين يسألانه، وقال الأعمش: قال لي خَيْثَمَة تذهبُ أنت وإبراهيم فتجلسون في المسجد الأعظم فيجلس إليكم العريف والشّرَطي، فذكرتُه لإبراهيم فقال: نجلس في المسجد فيجلس إلينا العَريف والشّرَطي أحبّ من أن نعتزل فيرمينا الناسُ برَأي يَهْوي، وروى الحسن بن عمرو قال: قال إبراهيم: ما خاصمتُ رجلًا قطّ، وقال ابن عون: جلستُ إلى إبراهيم النّخَعي فذكر المُرْجِئَة فقال فيهم قولًا غيره أحسنُ منه، وروى الحارث العُكْلي، عن إبراهيم قال: إيّاكم وأهلَ هذا الرأي المُحْدَث ــ يعني المُرْجئة ــ وروى مُحِل يروي عن إبراهيم قال: الإرْجاء بِدْعة، وقال مُحِلّ: كان رجل يجالس إبراهيم يقال له: محمد، فبلغ إبراهيم أنّه يتكلّم في الإرجاء فقال له إبراهيم: لا تجالسنا.
وروى مسلم الأعور، عن إبراهيم قال: تركوا هذا الدّين أرقّ من الثوب السابري، وقال مُحِلّ: قلتُ لإبراهيم إنّهم يقولون لنا مؤمنون أنتم؟ قال: إذا سألوكم فقولوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ}[سورة البقرة: 136] إلى آخر الآية، وروى حكيم بن جبير، عن إبراهيم قال: لأنا على هذه الأمّة من المرجئة أخْوَفُ عليهم من عُدّتهم من الأزارقة، وروى غالب أبو الهُذيل أنّه كان عند إبراهيم فدخل عليه قوم من المُرْجئة، قال: فكلّموه فغضب، وقال: إن كان هذا كلامكم فلا تدخلوا عليّ، وروى أبو حمزة، عن إبراهيم قال: لو أنّ أصحاب محمّد صَلَّى الله عليه وسلم لم يمسحوا إلاّ على ظُفُر ما غسلتُه التماس الفضل، وحسبنا من إزراء على قوم أن نسأل عن فقههم ونخالف أمرَهم، وقال الأعمش: ذُكر عند إبراهيم المرجئةُ فقال: والله إنّهم أبغض إليّ من أهل الكتاب.
وروى مُغيرة عن إبراهيم قال: من رغب عن المسح فقد رغب عن السّنّة ولا أعلم ذلك إلاّ من الشيطان، قال فُضيل: يعني تركه المسح، وروى مغيرة، عن إبراهيم قال: مَن رغب عن المسح فقد رغب عن سُنّة النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وروى يحيَى بن سعيد قال: لم يكن إبراهيم مع ابن الأشعث، وروى أبي الهيثم قال: دخلتُ على إبراهيم وهو مريض فبكى فقلت: ما يُبكيك يا أبا عمران؟ فقال: ما أبكي جَزَعًا على الدنيا ولكن ابنتيّ هاتين، قال: فجئتُ من الغد فإذا هو قد مات، وإذا امرأته قد أخرجته من البيت إلى الصّفّة وهي تبكيه، وروى ابن عون قال: لمّا توفي إبراهيم أتينا منزله فقلنا: بأيّ شيء أوْصى؟ قالوا: أوصى أن لا تجعلوا في قبري لَبِنًا عَرْزَميًّا والحدوا لي لحدًا ولا تُتْبِعوني بنار، وروى أبو الهيثم، عن إبراهيم أنّه أوصى قال: إذا كنتم أربعة فلا تُؤذِنُوا بي أحدًا، وروى ابن عون قال: دفنّا إبراهيم ليلًا ونحن خائفون، وعنه قال: أتيتُ الشعبيّ بعد موت إبراهيم فقال لي: أكنتَ فيمن شهد دفنَ إبراهيم؟ فالتويتُ عليه فقال: واللهِ ما ترك بعده مثله، قلتُ: بالكوفة؟ قال: لا بالكوفة ولا بالبصرة ولا بالشأم ولا بكذا ولا بكذا، زاد محمّد بن عبد الله: ولا بالحجاز، وقال ابن أبْجَر: أخبرتُ الشعبيّ بموت إبراهيم فقال: احمد الله أما إنّه لم يخلّف خلفه مثله، قال: وهو ميّتًا أفْقَهُ منه حيًّا.
وقال أحمد بن عبد الله بن يونس: سمعتُ أبا بكر بن عيّاش يقول: أتى على إبراهيم النخعي نحو الخمسين، وقال محمّد بن سعد: وقال غيره: وأجمعوا على أنّه توفّي في سنة ستٍّ وتسعين في خلافة الوليد بن عبد الملك بالكوفة، وهو ابن تسعٍ وأربعين سنة لم يستكمل الخمسين، وكان يحيَى بن سعيد القطّان يقول: مات إبراهيم وهو ابن نيّفٍ وخمسين سنة، وقال أبو نُعيم: سألتُ ابن بنت إبراهيم عن موته فقال: بعد الحجّاج بأشهر أربعة أو خمسة، قال أبو نُعيم: كأنّه مات أوّل سنة ستٍّ وتسعين.