المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أمنية الأحياء


شموع الحب
05-10-2022, 07:36 PM
فينا تتحرَّك.. فتحرِّكنا، نحملها فتَحملنا، الحياة بدونها موتٌ، والعيش بفقدها عناء، ومرور العمر بغيابها ليلٌ دامِس، هي للأحياء بهجة وسرور، كيف والسرور لا يشرِق إلَّا من شمسها؟!

في حياتنا إنْ طَعِم الإنسانُ أو شرِب ولم يجِدها فيهما، فهُما حنظل وعَلقَم، وإن دخل عُشَّ الزوجية ونجمُها آفلٌ عن سمائه، فحياته سجنٌ وقيدٌ يضيق يومًا فيومًا، ولو ولجَ مدينة العلم ولا معالم لها فيها، أو لها معالم إلَّا أنَّه لم يدركها، فسرعان ما يولِّيها ظهرَه راجعًا؛ فإنْ أصرَّ على البقاء، استضافه الملَل والاضطراب، أو بقي كالتَّائه الغريب.

للحصول عليها يظعن المقيم، ويفارق أُلَّافه ومحابَّه، ويركب لها الصَّعبَ والذلول، ويتناسى التعب والنَّصب، وقد يضحِّي لنيلها بمبادئه وأخلاقه، ويَسطو على أقاربه ومعارفه!

وكما خلَق الله تعالى الناسَ متباينين في الطِّباع والصور، نجدهم كذلك في هذه الأمنية المرجوَّة مختلفين؛ بين مستعجل ومستأجل، ومستقلٍّ ومستكثِر، وعليٍّ ودني، وكريمٍ ودنيء.

ذلك الهدف المنشود والأمنية المرادة للأحياء هي: اللذَّة، وأيُّ قدْر لحياة لا لذَّة فيها؟!
ولكن كيف نحصل عليها؟
إنَّ كثيرًا من الناس قد يتجاوزون حدودَ الحقِّ للحصول عليها؛ فمنهم من يَجِدُ لَذَّتَه في الجاه والتسلُّط على الآخرين، فيعبر لنَيل ذلك جسورًا من الظُّلم وإراقةِ الدِّماء، ومنهم من يجِد لذَّتَه في الشهرة وبُعد الصِّيت، فيسلك لأجلها آفاقَ الخطيئة ولا يبالي ما دامت ستوصله إلى لذَّته، ومنهم من يرومها في تعاطي مُذهِبات العقول ومُفسداته، ومنهم من يَبتغيها من الاستِطالة على الأعراض ونهْشِ الحرمات، ومنهم، ومنهم... إلخ.

فهل حقًّا وجَد هؤلاء لذَّةً حقيقية؟ إنَّهم قد وجدوا لذَّة، لكنها موهومة مزعومة، شابَتْها الأكدارُ والمنغصات، وعِظمُ التبعات؛ خوف وذل، عار وفَضيحة، حدٌّ وعقوبة، اكتئاب قد يَقود إلى الانتحار.

فأيُّ لذَّة تلك اللذَّة وهذه حقيقتُها وبعض مآلاتها؟!
أحلامُ نومٍ أو كظِلٍّ زائلٍ ♦♦♦ إنَّ اللَّبيب بمِثلِها لا يُخدعُ
فأين نجِد اللذَّة الحقيقية إذًا؟
يقول الله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، في هذه الآية الكريمة وأمثالِها من نصوص الشَّريعة إرشادٌ فائق إلى رياض اللذَّة ومعاهدها الحقيقية.

فاللذَّة التي يَنبغي أن يتَسابق إليها المتسابقون، ويتَنافس في نيلها المتنافِسون، هي طاعة الله تعالى، وطاعة رسوله الكريم عليه الصَّلاة والسلام - إيمانًا وعملًا - فإذا نِيلَتْ هذه اللذَّةُ طابت بها الحياة، والتذَّ معها كلُّ مباح، وإنَّ من أعظم مواطن اللذَّة في الطاعات: قراءة القرآن بتدبُّر، وقيام الليل، والصَّوم الشرعي، والإحسان إلى النَّاس، والعلم بدين الله تعالى.

قال ابن تيمية رحمه الله: "قال بعضُ الشيوخ: لقد كنتُ في حالٍ أقول فيها: إنْ كان أهل الجنَّة في الجنة في مثل هذا الحال إنَّهم لفي عيشٍ طيِّب، وقال آخر: إنَّه ليمرُّ على القلب أوقات يَرقص منها طربًا"[1].

وقال ابن القيم رحمه الله: "قال بعضُ العارفين: مساكين أهل الدينا! خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيبَ ما فيها، قيل: وما أطيَب ما فيها؟ قال: محبَّةُ الله والأنس به، والشوق إلى لقائه، والتنعُّم بذكره وطاعته...، وقال آخر: والله ما طابَت الدنيا إلَّا بمحبَّته وطاعتِه، ولا الجنَّةُ إلا برؤيته ومشاهدته، وقال أبو الحسين الوراق: حياةُ القلب في ذِكر الحيِّ الذي لا يموت، والعيش الهنيء الحياةُ مع الله تعالى لا غير"[2]، وقال أيضًا: "وكان بعضُ العارفين يقول: لو علِم الملوكُ وأبناء الملوك ما نحن فيه، لجالَدونا عليه بالسيوف"[3].

وقال أيضًا: "وأما اللذَّة العقليَّة الروحانية، فهي كلذَّة المعرفة والعلم، والاتِّصاف بصفات الكمال؛ من الكرم والجود، والعفَّة والشجاعة، والصبر والحلم، والمروءة وغيرها؛ فإنَّ الالتذاذ بذلك من أعظم اللذَّات، وهو لذَّةُ النَّفس الفاضلة العلويَّة الشريفة، فإذا انضمَّت اللذَّة بذلك إلى لذَّة معرفة الله تعالى ومحبَّته، وعبادته وحده لا شريك له والرِّضا به؛ عوَّضَا عن كلِّ شيء، ولا يتعوَّض بغيره عنه، فصاحب هذه اللذَّة في جنَّة عاجلة، نسبتها إلى لذَّات الدنيا كنِسبة لذَّة الجنَّة إلى لذة الدنيا؛ فإنه ليس للقلب والروح ألذُّ ولا أطيب ولا أحلى ولا أنعم من محبَّة الله والإقبال عليه، وعبادته وحده وقرَّةِ العين به، والأنسِ بقربه والشوق إلى لقائه ورؤيته، وإن مِثقال ذرَّة من هذه اللذَّة لا يعدل بأمثال الجبال من لذَّات الدنيا؛ ولذلك كان مثقال ذرَّةٍ من إيمان بالله ورسوله يخلِّص من الخلود في دار الآلام، فكيف بالإيمان الذي يَمنع دخولها؟! قال بعضُ العارفين: (مَن قرَّت عينُه بالله، قرَّت به كلُّ عين، ومن لم تقرَّ عينه بالله، تقطَّعَت نفسه على الدنيا حسرات)، ويكفي في فضل هذه اللذَّة وشرفها: أنَّها تُخرج من القلب ألَمَ الحسرة على ما يَفوت من هذه الدنيا، حتى إنَّه ليتألَّم بأعظم ما يلتذُّ به أهلها، ويفر منه فرارهم من المؤلم، وهذا موضعٌ الحاكمُ فيه الذَّوق، لا مجرَّد لِسان العلم"[4].



وقال أيضًا: "فإنه لا نعيم له ولا لذَّة ولا ابتِهاج ولا كمال إلَّا بمعرفة الله ومحبَّته والطُّمأنينة بذِكره، والفرح والابتهاج بقُربه، والشَّوق إلى لقائه، فهذه جنَّته العاجلة، كما أنَّه لا نعيم له في الآخرة ولا فوز إلَّا بجواره في دار النَّعيم في الجنَّة الآجلة، فله جنَّتان لا يدخُل الثانيةَ منهما إن لم يدخُل الأُولى، وسمعتُ شيخَ الإسلام ابن تيمية قدَّس الله روحه يقول: (إنَّ في الدنيا جنَّةً مَن لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة)"[5].

وقال الغزاليُّ رحمه الله: "وقال أبو سليمان: (أهل الليل في ليلهم ألذُّ من أهل اللَّهو في لهوهم، ولولا اللَّيل ما أحببتُ البقاء في الدنيا)، وقال أيضًا: (لو عوَّض الله أهلَ الليل من ثواب أعمالهم ما يَجدونه من اللذَّة، لكان ذلك أكثر من ثواب أعمالهم)، وقال بعضُ العلماء: (ليس في الدنيا وقت يشبِه نعيمَ أهل الجنَّة إلا ما يجده أهل التملُّق في قلوبهم بالليل من حلاوة المناجاة)، وقال بعضهم: (لذَّة المناجاة ليست من الدنيا، إنما هي من الجنَّة، أظهرها الله تعالى لأوليائه، لا يجدها سواهم)، وقال ابن المنكدر: (ما بقي من لذَّات الدنيا إلَّا ثلاث: قيام الليل، ولقاء الإخوان، والصلاة في الجماعة)"[6].

إنَّ المؤمن لا يزال يترقَّى في مصاعد اللذَّة، حتى تَكتمل عنده بأول قدَم يضعها في الجنَّة، فيجد لذائذ الرُّوح والجسد، والسَّمع والبصر، والزمان والمكان، والجار والأنيس.

بيد أنَّ هذه اللَّذائذ التامَّة في الجنة تبقى في حدٍّ أمام أعظم لذَّة، وأنعم نِعمة فيها؛ ألا وهي النَّظر إلى وجه الله الكريم، جاء في صحيح مسلم عن صهيب عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا دخل أهل الجنَّة الجنَّةَ - قال -: يقول اللهُ تبارك وتعالى تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيِّض وجوهَنا، ألم تُدخِلْنا الجنَّة، وتنجِّنا من النار؟ قال: فيَكشِف الحجاب، فما أُعطوا شيئًا أحبَّ إليهم من النَّظر إلى ربهم عزَّ وجل))، وجاء في الحديث من الدعاء: ((وأسألك لذَّةَ النَّظر إلى وجهك، والشَّوق إلى لقائك))[7]، فاللهمَّ لا تَحرمنا من جنَّة الدنيا، ولا من جنَّة الآخرة.

جنون الحرف
05-10-2022, 10:08 PM
جزاك الله خير الجزاء
وكتب الله أجرك في الدارين

صاحبة السمو
05-10-2022, 10:26 PM
طرح قيم جزاك الله خير
يعطيك العافية على ماقدمت
لقلبك السعادة

سحاب
05-10-2022, 10:34 PM
جَزآكـ الله جَنةٌ عَرضُهآ آلسَموآتَ وَ الآرضْ
بآرَكـَ الله فيكـ عَ آلمَوضوعْ
آسْآل الله آنْ يعَطرْ آيآمكـ بآلريآحينْ
دمْت بـِ طآعَة الله ..}

شموع الحب
05-12-2022, 12:00 AM
جزاك الله خير الجزاء
وكتب الله أجرك في الدارين
كل الشكر والامتنان على مرورك الطيب
نورت الموضوع بوجودك
https://img-fotki.yandex.ru/get/6739/102699435.b61/0_daa95_98ca751f_S.png

شموع الحب
05-12-2022, 12:00 AM
طرح قيم جزاك الله خير
يعطيك العافية على ماقدمت
لقلبك السعادة
كل الشكر والامتنان على مرورك الطيب
نورت الموضوع بوجودك
https://img-fotki.yandex.ru/get/6739/102699435.b61/0_daa95_98ca751f_S.png

شموع الحب
05-12-2022, 12:00 AM
جَزآكـ الله جَنةٌ عَرضُهآ آلسَموآتَ وَ الآرضْ
بآرَكـَ الله فيكـ عَ آلمَوضوعْ
آسْآل الله آنْ يعَطرْ آيآمكـ بآلريآحينْ
دمْت بـِ طآعَة الله ..}
كل الشكر والامتنان على مرورك الطيب
نورت الموضوع بوجودك
https://img-fotki.yandex.ru/get/6739/102699435.b61/0_daa95_98ca751f_S.png

ابو الملكات
05-12-2022, 04:48 PM
جزاك الله خير ورحم والديك وانار قلبك وعقلك بنور الايمان وجعل عملك هذا في ميزان حسناتك وجعل الجنة مثواك امين يارب

شموع الحب
05-13-2022, 01:34 PM
كل الشكر والامتنان على مرورك الطيب
نورت الموضوع بوجودك
https://img-fotki.yandex.ru/get/6739/102699435.b61/0_daa95_98ca751f_S.png

خياط
05-13-2022, 08:50 PM
بارك الله فيــــــــــك
وجعل ما كتبت في ميزان حسناتك يوم القيامة .
أنار الله قلبك ودربك ورزقك برد عفوه وحلاوة حبه ..
ورفع الله قدرك في أعلى عليين ...
حفظك المولى ورعاك وسدد بالخير خطاك

شموخ وايليه
05-13-2022, 09:17 PM
’،

جزاك الله خير الجزاء .. ونفع بك ,, على الطرح القيم
وجعله في ميزان حسناتك
وألبسك لباس التقوى والغفران
وجعلك ممن يظلهم الله في يوم لا ظل الا ظله
وعمر الله قلبك بالأيمان
على طرحك المحمل بنفحات ايمانيه

ضوء القمر
05-15-2022, 02:38 PM
_



اسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتك
وَ يجعل الفردوس الأعلى سكنك
تقديري:137:

شموع الحب
05-18-2022, 07:37 AM
شموخ



كل الشكر والامتنان على مرورك الطيب
نورت الموضوع بوجودك
https://img-fotki.yandex.ru/get/6739/102699435.b61/0_daa95_98ca751f_S.png

شموع الحب
05-18-2022, 07:37 AM
ضوء



كل الشكر والامتنان على مرورك الطيب
نورت الموضوع بوجودك
https://img-fotki.yandex.ru/get/6739/102699435.b61/0_daa95_98ca751f_S.png

شموع الحب
05-18-2022, 07:38 AM
خياط



كل الشكر والامتنان على مرورك الطيب
نورت الموضوع بوجودك
https://img-fotki.yandex.ru/get/6739/102699435.b61/0_daa95_98ca751f_S.png

هيبة مشاعر
05-24-2022, 01:27 PM
http://www.tra-sh.com/up/uploads/165338384932.gif (http://www.tra-sh.com/up/)

شموع الحب
05-28-2022, 07:43 PM
كل الشكر والامتنان على مروركم الطيب
نورتم الموضوع بوجودكم
https://upload.3dlat.com/uploads/135747359516.gif

ولد الذيب
06-05-2022, 06:25 PM
عافااك الله على الطرح الرااااائع والجميل :137:






:136:




اعتدنا منك المميز والإبداع دائماً ونتطلع لجديدك :81:

شموع الحب
06-07-2022, 09:48 PM
كل الشكر والامتنان على مروركم الطيب
نورتم الموضوع بوجودكم
https://upload.3dlat.com/uploads/135747359516.gif