صاحبة السمو
03-15-2022, 11:02 AM
عجوز عند الجسر
جلس رجل عجوز ذو نظارات ذات حافات معدنية بالقرب من جانب الطريق، يرتدي ملابسا متربة جدا.
كان هناك جسر عائم يقطع النهر، تعبره قوارب، وعربات، وشاحنات، ورجال، ونساء، وأطفال.
فوق الحافة الشديدة الانحدار من الجسر ترنحت العربات التي تجرها الثيران، فراح الجنود للمساعدة بدفع دواليب عجلاتها.
كانت الشاحنات تسير بصعوبة وهي تبتعد عن كل شيء، تاركة من ورائها الفلاحين ضاربين أقدامهم في التراب، مجاهدين في مشيهم؛ إلا أن العجوز جالس هناك دون تحرك. كان يبدو أنه مصاب بداء العي فلم يستطع مواصلة السير أكثر من ذلك.
كانت مهمتي عبور الجسر للقيام بدورة استطلاعية، والتأكد إلى أي مدى وصل إليه العدو. لقد قمت بواجباتي، وعدت فوق الجسر حيث لم أر سوى ملأ قليل من البشر المشاة، وقليل من العربات، لكن العجوز لم يبرح مكانه. فسألته:
- من أين جئت؟
رد مبتسما:
- من "سان كارلوس".
لأن هذه المدينة كانت مسقط رأسه، وعندما تذكرها غمر السرور نفسه فعبر عنه بالابتسام.
ثم استطرد قائلا:
- كنت أعتني بالحيوانات.
- آه!
تأوهت دون أن أفهم قصده!
- نعم، بقيت كما ترى! لأعتني بالحيوانات؛ لذلك كنت آخر من غادر "سان كارلوس".
لم تكن تبدو عليه سمات راعي الغنم، ولا حتى صاحب ماشية. نظرت إلى ثيابه السوداء المتربة، وإلى وجهه الأشعت، ونظاراته ذات الحافات المعدنية، ثم سألته:
- أي نوع من الحيوانات؟!
- حيوانات مختلفة.
قال هذا مطأطئا رأسه، ثم أضاف:
- وقد اضطررت لتركها.
كنت أراقب الجسر وريف (إيبرو ديلتا) الذي يبدو كمظهر إفريقي، وأنا أتساءل كم سيمضي من الوقت لنرى العدو؟ وبينما أنا أصغي في تلك الآونة إلى الأصوات الأولى التي قد تشير في أي وقت الى حادث مبهم، أو اشتباك يستدعي الاتصال؛ كان العجوز لا يزال جالسا هناك، فسألنه:
- أي أنواع الحيوانات كانت؟
- كانت هناك ثلاث حيوانات، معزتان، وقطة، وأربعة أزواج من الحمام.
- وكان لزاما عليك تركها؟!
- نعم! لقد أمرني القائد العسكري بالمغادرة بسبب قصف المدفعية.
وأنا أراقب النهاية البعيدة للجسر، عندما كانت العربات القليلة المتبقية تسرع إلى منحدر ضفة النهر سألته:
- أليست لك عائلة؟
- لا! فقط الحيوانات التي ذكرتها. والقطة سوف تكون على أحسن ما يرام؛ لأنها تعتمد على نفسها، لكن لا أستطيع أن أتصور ما يمكن أن يحدث للآخرين.
- ألديك معتقد سياسي؟
- لست سياسيا؛ لقد مضى من عمري ست وسبعون سنة؛ وقد مشيت اثنى عشرة كيلومترا إلى حد الساعة، وأعتقد أنني لا أستطيع مواصلة السير.
- هذا ليس مكانا آمنا لتتوقف فيه، فإن أردت فهناك شاحنات تتجه نحو "تورتوسا".
- سأنتظر فترة من الوقت، ثم سأتوجه حيث تمضي الشاحنات.
- اتجاه "برشلونة"؟
- لا أعرف أحدا في هذه الناحية، ومع ذلك أشكرك جزيلا، أشكرك جزيلا مرة أخرى.
نظر إلي نظرة المتعب المرهق، وهو يريد اقتسام معاناته مع أي كان، قائلا:
- القطة ستكون على أحسن ما يرام، لا داعي للقلق من ناحيتها؛ ولكن البقية؟ وما تظن بشأنها؟
- حسنا، ربما ستنجو.
- أتظن ذلك؟
- لم لا؟
قلتها وأنا أراقب الضفة الأخرى حيث الطريق قد خلا من العربات.
- لكن، ماذا سيفعلون تحت القصف المدفعي وأنت قد أمرت بالمغادرة بسبب هذا القصف؟ وهل تركت قفص الحمام مقتوحا؟
- نعم!
- إذن سيطير.
- نعم، بكل تأكيد سيطير؛ ولكن البقية؟ ومن الأفضل ألا أفكر فيها.
- إذا كنت قد استرحت فإني أرغب في الانصراف، فحاول أن تنهض لتسير الآن.
- شكرا.
هب واقفا، ترنح من جانب إلى آخر، ثم جلس فوق التراب في الاتجاه المعاكس. وقال بحزن شديد من غير أن يقصدني: "كنت أعتني بالحيوانات، كنت فقط أعتني بالحيوانات".
كان يوم أحد، وقد صادف "عيد الفصح"، ولم يكن في وسعي ما يمكن فعله من أجله، والفاشيون يتقدمون نحو "إيبرو"؛ وكان يوما سماءه مكفهرة، ملبدة بالغيوم، مما جعل طائراتهم لا تستطيع القيام بالطلعات الجوية.
كانت هذه حقيقة، إلى جانب حقيقة أن القطط تعرف كيف تدبر أمرها، وكان من حسن حظ العجوز كل ما بمقدوره أن يمتلك.
جلس رجل عجوز ذو نظارات ذات حافات معدنية بالقرب من جانب الطريق، يرتدي ملابسا متربة جدا.
كان هناك جسر عائم يقطع النهر، تعبره قوارب، وعربات، وشاحنات، ورجال، ونساء، وأطفال.
فوق الحافة الشديدة الانحدار من الجسر ترنحت العربات التي تجرها الثيران، فراح الجنود للمساعدة بدفع دواليب عجلاتها.
كانت الشاحنات تسير بصعوبة وهي تبتعد عن كل شيء، تاركة من ورائها الفلاحين ضاربين أقدامهم في التراب، مجاهدين في مشيهم؛ إلا أن العجوز جالس هناك دون تحرك. كان يبدو أنه مصاب بداء العي فلم يستطع مواصلة السير أكثر من ذلك.
كانت مهمتي عبور الجسر للقيام بدورة استطلاعية، والتأكد إلى أي مدى وصل إليه العدو. لقد قمت بواجباتي، وعدت فوق الجسر حيث لم أر سوى ملأ قليل من البشر المشاة، وقليل من العربات، لكن العجوز لم يبرح مكانه. فسألته:
- من أين جئت؟
رد مبتسما:
- من "سان كارلوس".
لأن هذه المدينة كانت مسقط رأسه، وعندما تذكرها غمر السرور نفسه فعبر عنه بالابتسام.
ثم استطرد قائلا:
- كنت أعتني بالحيوانات.
- آه!
تأوهت دون أن أفهم قصده!
- نعم، بقيت كما ترى! لأعتني بالحيوانات؛ لذلك كنت آخر من غادر "سان كارلوس".
لم تكن تبدو عليه سمات راعي الغنم، ولا حتى صاحب ماشية. نظرت إلى ثيابه السوداء المتربة، وإلى وجهه الأشعت، ونظاراته ذات الحافات المعدنية، ثم سألته:
- أي نوع من الحيوانات؟!
- حيوانات مختلفة.
قال هذا مطأطئا رأسه، ثم أضاف:
- وقد اضطررت لتركها.
كنت أراقب الجسر وريف (إيبرو ديلتا) الذي يبدو كمظهر إفريقي، وأنا أتساءل كم سيمضي من الوقت لنرى العدو؟ وبينما أنا أصغي في تلك الآونة إلى الأصوات الأولى التي قد تشير في أي وقت الى حادث مبهم، أو اشتباك يستدعي الاتصال؛ كان العجوز لا يزال جالسا هناك، فسألنه:
- أي أنواع الحيوانات كانت؟
- كانت هناك ثلاث حيوانات، معزتان، وقطة، وأربعة أزواج من الحمام.
- وكان لزاما عليك تركها؟!
- نعم! لقد أمرني القائد العسكري بالمغادرة بسبب قصف المدفعية.
وأنا أراقب النهاية البعيدة للجسر، عندما كانت العربات القليلة المتبقية تسرع إلى منحدر ضفة النهر سألته:
- أليست لك عائلة؟
- لا! فقط الحيوانات التي ذكرتها. والقطة سوف تكون على أحسن ما يرام؛ لأنها تعتمد على نفسها، لكن لا أستطيع أن أتصور ما يمكن أن يحدث للآخرين.
- ألديك معتقد سياسي؟
- لست سياسيا؛ لقد مضى من عمري ست وسبعون سنة؛ وقد مشيت اثنى عشرة كيلومترا إلى حد الساعة، وأعتقد أنني لا أستطيع مواصلة السير.
- هذا ليس مكانا آمنا لتتوقف فيه، فإن أردت فهناك شاحنات تتجه نحو "تورتوسا".
- سأنتظر فترة من الوقت، ثم سأتوجه حيث تمضي الشاحنات.
- اتجاه "برشلونة"؟
- لا أعرف أحدا في هذه الناحية، ومع ذلك أشكرك جزيلا، أشكرك جزيلا مرة أخرى.
نظر إلي نظرة المتعب المرهق، وهو يريد اقتسام معاناته مع أي كان، قائلا:
- القطة ستكون على أحسن ما يرام، لا داعي للقلق من ناحيتها؛ ولكن البقية؟ وما تظن بشأنها؟
- حسنا، ربما ستنجو.
- أتظن ذلك؟
- لم لا؟
قلتها وأنا أراقب الضفة الأخرى حيث الطريق قد خلا من العربات.
- لكن، ماذا سيفعلون تحت القصف المدفعي وأنت قد أمرت بالمغادرة بسبب هذا القصف؟ وهل تركت قفص الحمام مقتوحا؟
- نعم!
- إذن سيطير.
- نعم، بكل تأكيد سيطير؛ ولكن البقية؟ ومن الأفضل ألا أفكر فيها.
- إذا كنت قد استرحت فإني أرغب في الانصراف، فحاول أن تنهض لتسير الآن.
- شكرا.
هب واقفا، ترنح من جانب إلى آخر، ثم جلس فوق التراب في الاتجاه المعاكس. وقال بحزن شديد من غير أن يقصدني: "كنت أعتني بالحيوانات، كنت فقط أعتني بالحيوانات".
كان يوم أحد، وقد صادف "عيد الفصح"، ولم يكن في وسعي ما يمكن فعله من أجله، والفاشيون يتقدمون نحو "إيبرو"؛ وكان يوما سماءه مكفهرة، ملبدة بالغيوم، مما جعل طائراتهم لا تستطيع القيام بالطلعات الجوية.
كانت هذه حقيقة، إلى جانب حقيقة أن القطط تعرف كيف تدبر أمرها، وكان من حسن حظ العجوز كل ما بمقدوره أن يمتلك.