المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كــوبـــري الـعــشــــــاق


رحيل المشاعر
02-19-2022, 02:48 AM
http://img-fotki.yandex.ru/get/6601/39663434.179/0_77314_2d4f3691_L.jpg

قـصــــــة قـصـــــيرة

كــوبـــري الـعــشــــــاق

بــقـــلـم / حــســــن زايــــــــد

أذاع الميكرفون الوحيد الموجود في الكفر بياناً عاجلاً : " يا أهالي الكفر ، لقد انقلب الجرار الزراعي ، العائد بالأنفار في الرشاح الكبير". وأخذ قاريئ البيان يكرر إذاعته ، حتي يسمع جميع من بالكفر النبأ . فإذا بالأهالي من كل حدب ينسلون . كأنهم يساقون إلي يوم الحشر العظيم . تدافعوا إلي مدخل الكفر ، عند الكوبري الذي يصل طريقاً تقطعه الترعة المارة أمام الكفر . وهو الطريق الوحيد الذي يصل الكفر بالعالم الخارجي ، وكانت الشمس تقاوم الغروب خلف التخوم ، فوق المباني الطينية الواطئة ، المحاصرة بالزراعات ، التي تداعب أطرافها نسمات هواء باردة ، تهب من جهة الشمال . وأمسي الكفر خالياً من سكانه ، كأنه قد اتشح بأردية القبور ، حين يلفها الظلام . عند منطقة التجمع فوق الكوبري المسمي كوبري العشاق ، تسمع جلبة ولغط ، ووجوه تتلمس الأخبار بتلهف وفزع . واتهامات لأشخاص نافذين في الكفر ، بالإهمال والتقصير والجشع . وهذا عجوز يسأل بتوسل :

ــ أمات أحد ؟ .

ــ لا أحد يعلم .

ويرد آخر :

ــ يقال أن هناك مصابين فقط .

تضاربت الأنباء الواردة . وصب عدم اليقين الزيت علي نار القلق والترقب . تشرئب الأعين إلي كل قادم ، أملاً في تكذيب الخبر، أو تخفيفه . وحين يستقرأمامهم ، لا تجد معه ما يشفي الغليل ، أو يروي الظمأ ، أو يطفيء لظي التلهف . ووسط هذا الزحام تجد فتاة يأكل ملامحها الدقيقة القلق ، ولا تكاد عيناها تستقران . وطفل صغير ، يتعلق بيدها اليمني ، يجذبها وهو يبكي ، وقد تعلقت عيناه بوجهها . ولم يسكت إلا عندما رفعته ، وحملته علي كتفها .

بدأت غبشة الليل تزحف رويداً رويداً ، في تحالف مع الدقائق الكابوسية ، الزاحفة في خطوات متثاقلة ، لزجة ، خانقة . انصرف الرجال إلي المسجد المجاور لآداء صلاة المغرب ، وجلس النساء في الإنتظار ، بينما الأطفال لا يعبأون ، أو لا يدركون ، وغابت نجوم الليل ، مع هبوب روائح الموت ، القادم من بعيد . بينما أخذ النوم بالطفل النائم علي حجر أمه ، وهي تهزساقها في رتابة ، بينما كفها يطبطب برفق علي ظهره . قدم أحدهم بدراجته النارية ، وفور رؤيته ، هبت واقفة ، وقد رفعت طفلها بين يديها ، وهي تبسمل ، وألقت به علي كتفها ، ووقف تستمع إليه وهو يطلب منهم الإنصراف إلي منازلهم ، إذ أنه رأي ألا لزوم لقعدتهم تلك .فقد جري انتشال المصابين ، وحملتهم سيارات الإسعاف إلي المستشفي الكبير في المدينة ، وجميعهم إصاباتهم طفيفة ، وسطحية . وأنه لم يمت في الحادث سوي السائق ، ومرافقه . فقد انقلب فوقهم الجرار .هدأت فورة القلق قليلاً ، وعاد معظم الناس إلي منازلهم ، وظل البعض متمسكاً بموقعه فوق الكوبري ، متوجساً ، لم يزايله القلق .وهي عاودت افتراش الأرض ، وأعادت طفلها إلي حجرها مرة أخري . مرت ساعات الليل ثقيلة ، متثائبة باردة ،وجيوش البعوض الجائعة تشن عليهم غارات مستمرة ، وقد أشبعتهم قرصاً ، ومصاً للدماء . تحللت من طرحتها ، وغطت بها الطفل ، وانكفأت عليه بنصفها العلوي ، كي تتلمس له الدفء ، وتصد عنه غارات البعوض القارصة . قام مجموعة من الشباب بتجميع الحطب من الغيطان ، وتكويمه ، وإشعال النيران فيه ، فارتفعت ألسنة اللهب ، التي أشاعت جواً من الدفء في النفوس ، وقد تحلقوا حولها، وجعلوا يمدون أياديهم بالقرب منها ، يغترفون الدفء ، ويمسحون به علي وجوههم . كان يغلبها النعاس ، فتسقط رأسها بين كتفيها . فتراه معها ، يناديها من بعيد ، فتجري ناحيته ، فيفتح لها أحضانه، ويأخذها بين يديه ، ويلف حول نفسه ، ويدور حول الأشجار هامساً في أذنها " أحبك " . فتصرخ من فرط السعادة ، فإذا بها تستيقظ من غفوتها، متلفتة خشية أن يكون قد سمعها أحد . فيغلبها النعاس ثانية ، فيأتيها وهو في عجلة من أمره ، فتستيقظ ، شعرت بانقباض في صدرها ، وإحساس بالفقد يداهمها . شعرت بالرغبة في البكاء ، فسحت عيناها الدموع الساخنة ، وقد تساقطت كالمطر علي طفلها الذي لا يزال نائماً في حجرها . لاحت غبشة الفجر في الأفق البعيد، معلنة ميلاد يوم جديد . أول مرة يغيب عنها بعد زواجهما ، وأول مرة تشعر بالفقد . بدأ الأهالي يتجمعون من جديد ، عند مدخل الكفر ، فوق الكوبري ، الذي يصل الطريق الذي تقطعه الترعة المارة أمام المدخل . ليس هناك وسيلة اتصال ، ولا وسيلة مواصلات تصلهم بالعالم الخارجي .

مع بزوغ الشمس المغموسة في الدم ، ظهرت من بعيد سيارة إسعاف تنهب الأرض نهباً . إنتفض الأهالي من رقدتهم ، واشرأبت العيون إلي القادم المجهول . وما أن وصلت السيارة إلي الكوبري ، حتي استوقفوها ، وتحلقوا حولها ، تعالت الأصوات وتداخلت ، وارتفعت الأيادي في الهواء ، وبالكاد تبينوا اسم صاحب الجثة من الأصوات المتداخلة . إنه هو . صرخت ، وصرخ الطفل ، ولم يلتفت أحد لصراخهما ، وتحركت السيارة ، وهي تتحسس حركتها بصعوبة ، بين الجموع المحتشدة ، الزاحفة . وقد جري نفر من الشباب في اتجاه المقابر ، كي يحفروا القبر ، ويجهزوه لاستقبال الوافد الجديد .

حــســــــن زايـــــــــــد
"

http://img-fotki.yandex.ru/get/6601/39663434.179/0_77314_2d4f3691_L.jpg

aksGin
02-19-2022, 02:54 AM
الله قصة رائعة
لآعِدَمَنِآ هـَ الَعَطَآءْ وَلَآَ هَـ الَمْجَهُودَ الَرَائَعْ ق1

صاحبة السمو
02-19-2022, 03:03 PM
طرح في قمه الروعه والجمال
سلمت اناملك ويعطيك العافيه علي مجهودك
في أنتظار المزيد
من عطائك والمزيد ومواضيعك الرائعة والجميله
ودائما في إبداع مستمر

خلود المشاعر
02-21-2022, 04:27 AM
يسعدك ربي
على روعة اختيارك وانتقائك للقصه
والله يعطيك العافيه على روعة الاختيار

جنون الحرف
02-23-2022, 11:01 PM
نقل مميز وجهد مبدع وعطاء مستمر
سلمت يمينك على ما بذلت كل الشكر لك

عين الثريا
02-25-2022, 04:44 AM
https://www.sqorebda3.com/vb/attachments/20388/


http://www.karom.net/up/uploads/13343230542.gif

المحبوب
02-26-2022, 03:09 AM
يعطيك العافيه

طرح موفق لاعدمنا جديدك

تحياتي

هيبة مشاعر
02-27-2022, 09:21 PM
http://www.tra-sh.com/up/uploads/1645985581692.gif (http://www.tra-sh.com/up/)

ولد الذيب
03-04-2022, 02:54 PM
عافااك الله على الطرح الرااااائع والجميل :137:






:136:




اعتدنا منك المميز والإبداع دائماً ونتطلع لجديدك :81:

شموع الحب
05-30-2022, 07:54 PM
تسلم الاياادي
الله لا يحرمنا جمال عطائك
عوافي.