المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نظرات في الواسطة


المحبوب
07-10-2021, 10:54 PM
نظرات في الواسطة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.

ليس الجميع لديه الفرصة المناسبة للتعليم أو التطوير أو لنيل وظيفة ممتازة، فبعضهم لديه ظروف أجبرته أن يتخلى عن التعليم أو الوظيفة أو الدورات وأن يفرّط فيها، ومن الظروف الملجئة لترك التعليم قلة ذات اليد التي تقعد بك عن كثير من الدورات التي تطلب مالًا أو الجامعات القوية الأهلية أو معاهد اللغة التي تطلب مالًا لتعطيك اللغة وشهادة معتمدة، وكذلك الانشغال بالتكسب بالأقرباء حين يكونون مرضى ويحتاجون لمساعد أو معيل، فيضطر ابنهم لترك الدراسة ليعمل وينفق عليهم، أو ليعمل ليسد دين أبيه، أو ربما تقوم البنت بمرضى لها في البيت، أو لا تجد وسيلة نقل أو مصاريف الجامعة، أو كحالة كثير من الناس حين لا يجدون قبول في الجامعات الحكومية، ويُرفضون في تصفية بدرجات القياس أو حسب درجة الدبلوم التحضيري، وغالبًا المكان لا يتسع لهم فيمشي في طريق لم يختره وإنما ظرفه اختاره فيفشل، ظروف كثيرة جدًا لا تحصى.

وربما قال قائل تعلّم تعليمًا ذاتيًا كفلان وفلان، فهؤلاء الناجحين أتراهم انتظروا الفرص تأتيهم؟!، بل تعلموا وفعلوا وفعلوا حتى بلغوا ما بلغوا، فالرد عليهم بأن نقبض بأكفنا ترابًا ونقذف أفواههم به، ثم نقول الأمر ليس متيسّر للجميع، والناس قدرات، وربما كان الأحمق الذي تعلّم تعليمًا ذاتيًا وأشغلنا وأشغل المسلمين بما فعل تعلم كل ذلك وهو يرى ترقية ونفسه تتوق لنيل المكافأة، أو ظروفه مهيأة، أو لديه من الأمور المعينة ما لا تجد مثلها في غيره، والأصل التعليم الذي تتلقاه عن غيرك الذي يحتاج لظروف معينة.

أو ربما ليست ظروف مجبرة، ولكنها ظروف اختيارية، فاختار بعضهم الضياع والشتات والنوم والكسل على التعليم والاجتهاد والبحث عن فرص وظيفية وتطوير نفسه واكتساب لغات ومهارات كثيرة، وحين أفاق وندم على ما فرط ألا يستحق فرصة أخرى؟

شاب لعب بذيله طويلًا، لديه سوابق تماثل مميزات ودورات وخبرات السير الذاتية لأولاد الأغنياء أصحاب الملمس الناعم، ودخل السجن مرارًا، ثم تاب توبة صادقة، هل يُحرم من فرصة أخرى لأن يثبت نفسه ويكون شخصًا أفضل؟!.

فلأجل كل هذا كانت الواسطة ضرورية للمجتمع القائم على التعاون والمؤازرة، فضلًا عن المجتمع الإسلامي القائم على إيثار الغير على النفس، والتقرب لله بفعل الخير للناس، وما وُجد عمل يتصل بالناس خيرًا من ردم الأثقال عنهم، وإزاحة الطريق ليسيروا.

هذه الواسطة كنت أكرهها ومؤمن أنها فساد في فساد، وأن كل أطراف الواسطة فاسدون، وأن الباحث عن الواسطة متكلٌ على غيره ليجلب لنفسه مالا يستحق!، فلا هو بالذي اجتهد ونال ما يستحق، ولا بالذي كسل ورضى بما أورده كسله عليه، ثم مكثتُ زمنًا رأيتُ فيه اضطرار الناس إليها، وتوقف مصالحهم عليها، وأن الأنظمة والقوانين بشكل عام يصلح بها العباد والبلاد، ولكن لا تستوعب كل الناس وأحوالهم الخاصة، ودائمًا هناك ظروف تلجأ العباد لأمور لا يرضونها، والمشقة تجلب التيسير، وبعض النوازل تجبر الناس على ترك مأمور أو ارتكاب محظور شرعًا عرفًا، أما الشرع فعفا عما هو خارج قدرة الإنسان حسب ضوابط مبيّنة لذلك في كتب الفقهاء، وهذه الواسطة لا نستطيع أن نقول أنها مقبولة دائمًا بلا ضوابط، فينكب الناس كلهم على الخطأ غير مبالين بالعواقب، بل هناك بعض التقييد لكي نعرف المتكل على الواسطة المتذرع بأعذار واهية لقضاء حوائجه أو المضطر إليها لرفع الضرر عنه.

فنعرّف الواسطة التي نقصد: "وهي أن يتوسط صاحب قدرة عند مالك منفعة لمصلحة آخر"، فلابد أن يكون هناك ثلاثة أطراف:
الأول: "صاحب القدرة"، واستمداد قدرته غالبًا من منصب سواءًا في وظيفة عامة أو خاصة، أو مستمدًا قدرته بمال يملكه، بشرط أن لا يمنح مالًا لهذه المنفعة المتحصل، أو بسمعته بين الناس ومكانته بينهم كالأمراء والعلماء والوجهاء.

والطرف الثاني: هو مالك منفعة، سواءًا كان مُلكًا حقيقيًا أو موكّلًا بها، فالمُلك الحقيقي كصاحب أموال وشركات ومؤسسات ومتاجر وغيرها، أو موكّلًا عليها كصاحب منصب في الوظيفة العامة أو في وظيفة خاصة، فهو لا يملك المنفعة ملكًا ذاتيًا يتصرف فيها كيف يشاء، بل يملك حق التصرف وفق الشروط التي وضعها صاحب المنفعة الأصلي، والذي أوكله لأن يتصرف بها حسب صفة معيّنة، والطرف الثالث هو الذي ينال المصلحة، وهو الذي لا يستطيع نيلها أو جزءٍ منها إلا بوساطة.

وأما من يمنح مالًا فينتفع بمقابله فهو إما يتجاوز بها أمر ولي الأمر أو صاحب المال فتكون من قبيل الرشوة، أو كان ذلك سائغًا غير مجرّم فلا بأس به، كمن يدفع مالًا لساعٍ يسعى له لتحقيق أمر مشروع نظامًا، وهذين الصنفين خارج كلامنا.

والواسطة تجري في أمور الدراسة والوظائف وإدخال المرضى للمستشفيات الحكومية خاصة المختصصة منها والمتزاحم عليها، وكذلك في رفع بعض المخالفات والغرامات أو تخفيفها، أو في التهم والجرائم، وغيرها من الأمور.

وغالب قضايا الواسطة تكون في القرابة والأصهار وكل ذا نسب قريب، وبلغني أن أحدهم توسّط لفلانٍ وهو لم يعرفه إلا ساعة توسطه لأن لهما جد مشترك منذ مئتي عام!، وأحد آخر توسّط لمن لا يعرفه لأن أجدادهما ولدا قبل مئة عام في نفس المنطقة، فتعصّب الإنسان لبعض الأمور أمر فطري مركوز، إن لم يُهذّب كان خطأ وتعصب أعمى، والتعصب يقتضي النفع ودفع الضر، ولكن ليس على حساب غيره وبسبيلٍ خاطئ، فلا نعالج الضرر بضرر، والمقصود أن صاحب الواسطة غالبًا يعلم خفايا لا يعلمها غيره عن المتوسط له بحكم قربه منه كما بيّنا، وربما رأى صلاحه وأنه ينتفع بهذا الأمر غاية النفع، أو أنه مهيأ له، فلكل ذلك كانت الواسطة بين القرابة ومن تعرفهم أنفع وأكثر.

وبعض قضايا الواسطة لا يكون بين الطرفين أية روابط ولا معرفة، بل ربما استنجد به ففزع له، أو رحمه وعطف عليه، ولكل هذه الأصناف هناك شروط أزعمُ أنها إن تحققت كانت الواسطة مفيدة ومؤدية لغرض نبيل.

الشرط الأول: ألَّا يترتب على عملية الواسطة اعتداء على أحد كائنًا من كان، كمثل آلية القبول لمدرسة أو جامعة أو كلية أو منشأة حكومية أو خاصة، فيكون هناك مسابقة وظيفية تجري، أو اختبار قبول جامعي، أو قائمة بأسماء المرضى في المستشفى.

فعند الترشيح النهائي تكون القائمة مكونة من عشرة أسماء مثلًا، فإذا أسقطنا واحدًا منهم ووضعنا المتوسط له كان ظلمًا، أو نضعه أولًا ثم نضع بعده تسعة، فيكون أخذ مزاحمةً مكان آخر مستحق، فكل هذا يعني اعتداء على آخر، فكيف يرجو أن يُبارك له في عمله وماله وصحته ومبدؤه فيه بظلم واعتداء، ومن يبني بيته على أنقاض غيره اُبتلي بمن يهدم عليه بنيانه ويشتت شمله.

والأصح أنه إن أُغلق الترشيح وأخذ كل طالبٍ مكانه فيتوسط فيدخلونه من غير أن يأخذ مكان آخر، وبلغني أن دكتورًا جامعيًا كان إن توسّط لأحد لإدخاله للجامعة تمهّل حتى ينتهى التسجيل والترشيح المبدئي وعمل المقابلات ثم الترشيح النهائي، ثم يذهب إلى صاحب الصلاحية فيتوسّط للطالب في دراسة مسائية، فإن اجتهد الطالب وأتى بمعدل مناسب انتقل في المستوى الثاني إلى الدراسة الصباحية، ويقول وضعته في نصف الطريق فإن رام النجاح اجتهد.

الشرط الثاني: أن يكون المتوسط له مستحقًا للمنفعة، وأحيانًا محققًا شروط المنفعة، فلا يمكن أن نولّي من لا شهادة له مثلًا منصبًا يتطلب شهادة أو خبرة، أو نرقيه لمرتبة وهو لا يستحق ذلك لأدائه الضعيف، فيكون أخذها بلا استحقاق.

ولكن هذا الشرط يزيح ثلاثة أرباع المحتاجين للواسطة!، فهم لو كانوا مستحقين ومحققي الشروط لما احتاجوا للمتوسط، فنقوم باستثناء بسيط، وهو إذا كانت المنفعة ضرورية وليس كمالية، وكان العُرف يجيز مثل هذه التصرفات، كمن يريد واسطة لكسب عمل يقتات منه ويسد ضرورة، أو ليدخل الجامعة وهو لم يحقق النسبة الموزونة، ومعلوم أن الشهادة الجامعية في هذا الزمان ضرورية لكسب العيش بعكس شهادة الماجستير فهي كمالية، وهذا الاستثناء لا ضابط له بل يرجع لتقدير صاحب القدرة ينظر لما هو ضروري، فمثلًا رجل يريد عمل يأكل منه وأهله ولا شهادة معه لظروف خلت، فيتوسط له ليدخله الجامعة ليتأهل للوظيفة، أو يمنحه وظيفة يستحقها وفق شهاداته وخبراته.

الشرط الثالث: ألَّا يكون في الواسطة خيانة للأمانة الموكلة إلى صاحب القدرة، فإن اشترط ولي الأمر أو صاحب المال ألَّا يُعيّن إلا كذا وكذا وكان العرف لا يجيز أي استثناء لزم قوله، وإن مُنح مالك المنفعة سلطة تعيين خارج الشروط سواءًا كانت سلطة قانونية أو عرفية فله ذلك مع تحقيق بقية الشروط.

وبعضهم يكونُ مسؤولًا عن إعلان مسابقة لاختيار الأكفأ، فيختار من يعرفهم ولا يجري مسابقة، أو يجريها بشكل صوري فهذه خيانة وكذب ولو ألبسها بلباس المساعدة والخير.

وختامًا: الأصل من كل مسلم أن يتوكل على الله حق التوكل ويعمل بالأسباب المشروعة، فإن نزلت به نازلة أو فاقة أنزلها بالله وألح بالدعاء وأحسن ظنه، ويقينه بما عند الله أعظم من يقينه بما في يمينه، وحريٌّ بهذا أن يُستجاب له ويُفرج عنه.

ادمنتك حب
07-10-2021, 11:27 PM
اسهد الله محبوبنا الغالي ع المشاركه والطرح الطيب

جنون الحرف
07-11-2021, 01:02 AM
جزاك الله خير الجزاء

هيبة مشاعر
07-11-2021, 04:57 AM
http://www.tra-sh.com/up/uploads/1625967432781.gif (http://www.tra-sh.com/up/)

خلود المشاعر
07-11-2021, 06:43 AM
موضوع رائع وقيم
سلمت يمينك اخوي على اختيارك لهالطرح
اشكرك على حسن ماقدمت لنا في المنتدى
والله يعطيك العافيه على اختيارك
كنت هنا
غزلان

aksGin
07-11-2021, 11:10 AM
جزاك الله خير ق1

ورد ..
07-11-2021, 03:01 PM
جزاك الله خير
وجعله في ميزان حسناتك ..

شموع الحب
07-11-2021, 09:11 PM
جزاك الله خير
وجعله في موازين حسناتك
وانارالله دربك بالايمان
ماننحرم من جديدك المميز
امنياتي لك بدوام التألق والابداع
دمـت بحفظ الله ورعايته

ولد الذيب
07-12-2021, 12:48 AM
عافااك الله على الطرح الرااااائع والجميل :137:






:136:




اعتدنا منك المميز والإبداع دائماً ونتطلع لجديدك :81:

خياط
07-12-2021, 12:30 PM
بارك الله فيــــــــــك
وجعل ما كتبت في ميزان حسناتك يوم القيامة .
أنار الله قلبك ودربك ورزقك برد عفوه وحلاوة حبه ..
ورفع الله قدرك في أعلى عليين ...
حفظك المولى ورعاك وسدد بالخير خطاك

الجنرال
07-12-2021, 07:15 PM
جزاك الله خير
وبارك الله فيك ونفع بطرحك
وجعلها الله في موازين حسناتك
مودتي وتقديري

المحبوب
07-12-2021, 10:43 PM
ادمنتك

مرورك المعطر اسعدني

شكرااا لك

المحبوب
07-12-2021, 10:43 PM
غزلان

مرورك المعطر اسعدني

شكرااا لك

المحبوب
07-12-2021, 10:43 PM
اوكسجين

مرورك المعطر اسعدني

شكرااا لك

المحبوب
07-12-2021, 10:43 PM
غزلان

مرورك المعطر اسعدني

شكرااا لك

المحبوب
07-12-2021, 10:44 PM
وردد

مرورك المعطر اسعدني

شكرااا لك

المحبوب
07-12-2021, 10:44 PM
جنون

مرورك المعطر اسعدني

شكرااا لك

المحبوب
07-12-2021, 10:44 PM
خياط

مرورك المعطر اسعدني

شكرااا لك

المحبوب
07-12-2021, 10:44 PM
ولد الذيب

مرورك المعطر اسعدني

شكرااا لك

المحبوب
07-12-2021, 10:44 PM
هيبة

مرورك المعطر اسعدني

شكرااا لك

المحبوب
07-12-2021, 10:44 PM
جنرال

مرورك المعطر اسعدني

شكرااا لك

صاحبة السمو
07-18-2021, 12:32 PM
جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائماً

وطنَّ ْ
07-21-2021, 04:19 PM
الله يجزاك كل خير على مجهودك
ويجعل الأجر الاوفر بميزان حسناتك
ننتظر جديدك

المحبوب
07-28-2021, 11:56 PM
صاحبة

مرورك المعطر اسعدني

شكرا

المحبوب
07-28-2021, 11:56 PM
وطن

مرورك المعطر اسعدني

شكرا