المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معاهدات الرسول مع القبائل


رحيل المشاعر
01-17-2021, 12:05 AM
لم تكن فكرة التعاهد والتفاوض والتعايش مع المشركين بعيدة عن ذهن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا غريبة عليه، وهذا قد يستغربه كثير من المحلِّلين؛ لأن الأيديولوجية([1]) المشركة مختلفة تمام الاختلاف عن العقيدة الإسلامية؛ ومن ثَمَّ يُصبح مفهوم التعايش بين الطائفتين مستحيلًا في أذهان الكثيرين.
لكن واقع حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم يُشير إلى رغبته الصادقة في التعايش السلمي مع مَنْ حوله من الطوائف على اختلاف عقائدهم، حتى يصل الأمر إلى التعايش مع أولئك الذين يسجدون للأصنام من دون الله، أو يعبدون نجمًا أو شجرًا أو غير ذلك.
ومن أهمِّ صور هذا التعايش السلمي المنشود: عقدُ المعاهدات والمواثيق، بل والتحالف أحيانًا في سبيل تحقيق المصلحة في قضية مشتركة؛ وهذا الفكر القائم على حُبِّ السلام والرغبة فيه، لم يكن نتيجة رؤية ويلات الحروب، أو مصائب المعارك؛ إنما هو فكر أصيل حرص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول يوم صارت له فيه دولة.

معاهداته صلى الله عليه وسلم مع القبائل حول المدينة

لقد أوردت كتب السيرة كنوزًا عدَّة من أمثال هذه المعاهدات والأحلاف؛ وكان منها -على سبيل المثال- المعاهدة التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بني ضَمْرَة([2])، وكان على رأسهم آنذاك «مخشي بن عمرو الضمري»، وفيها -كما تقول الرواية([3])-: وادعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وانظر إلى هذه الكلمة: (الموادعة)([4])، وما تحمله من معاني السلم والسكينة والهدوء والأمان..
وكانت هذه الموادعة في صفر سنة (2هـ)([5])، أي بعد أقل من عام من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ مما يُوَضِّح وجود هذا الفكر التعايشي من بداية نشأة الدولة الإسلامية.
وكذلك وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني مُدْلِج، الذين يعيشون في منطقة ينبع، وذلك في جمادى الأولى من السنة الثانية من الهجرة([6]).
وفعل الشيء نفسه -أيضًا- مع قبائل جهينة، وهي قبائل كبيرة تسكن في الشمال الغربي للمدينة المنورة([7]).
لقد حاول رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيش هو والمسلمون في جوٍّ هادئ مسالم مع مَنْ يُجاورونهم من القبائل والبطون، ولم يَسْعَ إلى قتال قط، بل كان دائمًا مُؤْثِرًا السلم على الحرب، والوفاق على الشقاق.


معاهداته صلى الله عليه وسلم مع قبائل الجزيرة العربية الأخرى

لقد كان تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قريش في حال معاهدتهم أرقى من أن يُوصف، وأَجَلَّ من أن يُحاط بعظمته، ولم يكن ذلك بدافع الرَّحِمِ فقط، بل كان سلوكًا طبيعيًّا له صلى الله عليه وسلم مع كل المعاهدين له، وقد فعل مثل هذا مع كلِّ القبائل التي عاهدته وأبى أن يُخالف عهدًا، أو أن ينقض ميثاقًا في أي لحظة من لحظات حياته.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مطبِّقًا للإسلام في سلوكه هذا الذي وصفنا، وكان طائعًا لربِّه الذي أمره بحفظ العهود، واحترام المواثيق، ولم يكن هذا خاصًّا بمرحلة مُعَيَّنَة أو ظروف خاصَّة، إنما ظلَّ معه إلى آخر حياته، وها هي سورة التوبة تنزل في أخريات حياته صلى الله عليه وسلم لتُعلن له ولكلِّ المسلمين؛ بل لكل العالمين، أن إتمام العهد إلى آخره شيمة كلِّ مسلم صادق..
يقول تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 3، 4].
هذا هو الدين الذي ندين به!
إنه أمر إلهي مباشر لنا ولعامَّة المسلمين أن نُتِمَّ العهود، وأن نوفي بالعقود، مع أنها عُقِدَتْ مع مشركين ما زالوا يسجدون لأصنامهم، ويُشركون بربهم؛ لكنَّ هذا هو أمر الإله الذي يُشركون به.. ألا ما أعظمه من إله! وما أَجَلَّه من ربٍّ!
ويأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يقرأ هذه الآيات على كل الحجيج بشتَّى طوائفهم، وذلك في العام التاسع من الهجرة([8])، وكان يحجُّ في هذا العام مسلمون ومشركون من شتَّى قبائل الجزيرة العربية..
إنه الإعلان العام الذي لا استثناء فيه، والحكم الثابت الذي لا نسخ له، والأمر الذي تواترت في آيات كثيرة، وفي أحاديث شتى:
{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34].
{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: 8].
{وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} [البقرة: 177].
{بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 76].
{إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [التوبة: 7].
{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل: 91].
والأمر أوسع من أن يُستَقْصَى، وأكبر من أن يُحْصَى!
هذا ديننا..
وهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم..
وما أحسب أن هناك شرعًا ولا قانونًا في الأرض حضَّ أتباعه، وحثَّ مُطَبِّقيه على رعاية حقوق الآخرين كما فعل هذا الدين العظيم «الإسلام»، وكما أمر النبي الكريم رسول الله صلى الله عليه وسلم..
قد قامت الحُجَّة وظهرت البيِّنَة..
ولا أفضل -ختامًا لهذا الكتاب- من آية من آيات قرآننا العظيم؛ تأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن يحكموا بين الناس بشرع الله تعالى، ولا يندفعوا وراء أحكام الناس وقوانينهم؛ فشتَّان بين حُكمٍ شَرَعَهُ وأحكمه وفصَّله ربُّ العالمين، وحكم آخر من أحكام البشر..
يقول تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [المائدة: 48].

المصدر: كتاب عندما عاهد الرسول، للدكتور راغب السرجاني.
([1]) الأيديولوجيا: العقيدة السياسية أو الفكرية؛ وهي مجموعة من الأفكار تُشَكِّل رؤية متماسكة شاملة وطريقة لرؤية القضايا والأمور اليومية.

([2]) بنو ضمرة: قبيلة من بطون عدنان، تسكن في منطقة ودان غرب المدينة المنورة.

([3]) ابن هشام: السيرة النبوية 1/591، 2/210، والطبري: تاريخ الرسل والملوك، 2/403، 559، والكلاعي: الاكتفاء، 1/317، وابن كثير: السيرة النبوية، 2/356.

([4]) الموادعة: المصالَحَةُ والمُمايَلةُ. انظر لسان العرب 3/439، وتاج العروس 1/2366، ومختار الصحاح 1/740.

([5]) ابن حبان: السيرة النبوية 1/157، وابن هشام: السيرة النبوية 1/591.

([6]) انظر: ابن هشام: السيرة النبوية 1/599، وابن كثير: السيرة النبوية، 2/362، 363.

([7]) ابن سعد: الطبقات الكبرى 1/264.

([8]) البخاري: كتاب التفسير، باب سورة براءة التوبة (4379)، والنسائي (3949)، وابن سيد الناس: عيون الأثر 2/284.

طبعي حنون
01-17-2021, 12:11 AM
أهنيك على هذا الطرح الرائع
والجميل
أعجبني كثيراً وراق لي
لاحرمنا الله من تجدد مواضيعك
يعطيك الف عافيه
مودتي.

جنون الحرف
01-17-2021, 04:26 AM
نقل مميز وجهد مبدع وعطاء مستمر
سلمت يمينك على ما بذلت كل الشكر لك

aksGin
01-17-2021, 08:05 AM
جزاتس الله خير غلاتي ق1
شكرآ لمجهودك وإختيارك الرائع والمميز:137:

شموع الحب
01-17-2021, 08:21 PM
جزاگ اللهُ خَيرَ الجَزاءْ..
جَعَلَ يومگ نُوراً وَسُرورا
وَجَبالاُ مِنِ الحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحورا
جَعَلَهُا آلله في مُيزانَ آعمآلَگ
دَآمَ لَنآ عَطآئُگ

ولد الذيب
01-17-2021, 11:21 PM
عافااك الله على الطرح الرااااائع والجميل http://www.tra-sh.com/vb/images/smilies/s2/137.gif






http://www.tra-sh.com/vb/images/smilies/s2/136.gif




اعتدنا منك المميز دائماً ونتطلع لجديدك http://www.tra-sh.com/vb/images/smilies/s2/81.gif

عين الثريا
01-17-2021, 11:28 PM
جزاك الله خير
جعلها فى ميزان حسناتك يارب

بحـر
01-21-2021, 03:37 AM
اثَآبك الله الأجْر
دُمتي بخير .

الجنرال
01-21-2021, 07:36 PM
جزاك الله خير
وبارك الله فيك ونفع بطرحك
وجعلها الله في موازين حسناتك
مودتي وتقديري

صاحبة السمو
01-21-2021, 11:17 PM
جزيت خير الجزاء
على ماخطه لنا قلمك من طرح قيم
وجعله المولى في موازين حسناتك

..

المحبوب
01-23-2021, 02:30 AM
جزاااك الله الف خيررر

رحيل المشاعر
01-23-2021, 10:08 PM
اكس
يعطيك العافية
ويسلم يدينك لروحك الجوري
ودي

رحيل المشاعر
01-23-2021, 10:08 PM
ولد يعطيك العافية
ويسلم يدينك لروحك الجوري
ودي

رحيل المشاعر
01-23-2021, 10:08 PM
المحبوب
يعطيك العافية
ويسلم يدينك لروحك الجوري
ودي

رحيل المشاعر
01-23-2021, 10:08 PM
طبعي
يعطيك العافية
ويسلم يدينك لروحك الجوري
ودي

رحيل المشاعر
01-23-2021, 10:08 PM
الجنرال يعطيك العافية
ويسلم يدينك لروحك الجوري
ودي

رحيل المشاعر
01-23-2021, 10:08 PM
بحر
يعطيك العافية
ويسلم يدينك لروحك الجوري
ودي

رحيل المشاعر
01-23-2021, 10:09 PM
جنون
يعطيك العافية
ويسلم يدينك لروحك الجوري
ودي

رحيل المشاعر
01-23-2021, 10:09 PM
شموع
يعطيك العافية
ويسلم يدينك لروحك الجوري
ودي

رحيل المشاعر
01-23-2021, 10:09 PM
صاحبه
يعطيك العافية
ويسلم يدينك لروحك الجوري
ودي

رحيل المشاعر
01-23-2021, 10:09 PM
عين يعطيك العافية
ويسلم يدينك لروحك الجوري
ودي

رحيل المشاعر
01-23-2021, 10:09 PM
عزتي
يعطيك العافية
ويسلم يدينك لروحك الجوري
ودي

ابو الملكات
01-28-2021, 08:20 AM
اللهم صلى وسلم على الحبيب المصطفى عليه افضل الصلاة والتسليم
جزاك الله خير ورحم والديك شكراً على طرحك الكريم

ليث
02-02-2021, 04:37 AM
جزاك ألمولى خير الجزاء
بموآزين أعمالك ودمتم .