شموع الحب
12-23-2020, 07:32 AM
شخص ما جلس في صالونه يشاهد مؤتمرا صحافيا لمسؤول في هيئة صحية. قطعة بيتزا في يده. المسؤول يقول ان الوضع يتحسن باطراد، ولكن يحتاج بعض الوقت. خارج المنزل، الشوارع مهجورة، باستثناء دورية شرطة، وعشرات السيارات المغبرة المتوقفة على جانبي الطريق. يمكن للمرء أن يلمح اثنين أو ثلاثة أشخاص يسيرون على عجل. المطاعم والمقاهي والمحال التجارية في الشارع مغلقة. أرفف السوبرماركت فارغة. عدد قليل من الزبائن الذين كانت لديهم الجرأة على الخروج يحاولون عبثا الحصول على كفايتهم من المطهرات أو ورق التواليت. فالناس خائفون من مغادرة المنازل. وقد طلب منهم البقاء في منازلهم. البعض خائف حتى من السلام على جيرانه. أطفاله طوال الوقت يبحلقون في هواتفهم أو متسمرون أمام «البلاي ستيشن». الطائرات على المدرجات. المطارات مغلقة. في بعض المدن باتت المشتريات تصل بواسطة الطائرات من دون طيار. مكالمات الفيديو هي الوسيلة الوحيدة للتواصل بين الأسر والأصدقاء. أعياد الميلاد والأفراح يحتفل بها عبر تبادل مقاطع الموسيقى المكررة والرموز التعبيرية (الأيموجي) التي لا معنى لها على الواتس أب. لم يكن هذا مشهدا معتادا من فيلم رعب، بل مجرد لمحة من واقع الحياة في كثير من مدن العالم في 2020، في زمن الكورونا. ونحن نطوي هذا العام، الذي ربما لم ير التاريخ الحديث مثيلا له في القسوة والبؤس، وفي ظل الأنباء المتسارعة عن بدء التطعيم، مايزال جزء ما من ذلك الواقع الأليم هو السائد في بعض الدول التي يبدو أنها تشهد موجة ثالثة من وباء كوفيد-19. الكلفة البشرية للوباء هي بالطبع الكلفة الأكثر أهمية. إلا أن الوباء كلف العالم كثيرا على الصعيد الاقتصادي الذي يمر بركود غير مسبوق. فقد خسرت الأسواق في جميع أنحاء العالم تريليونات الدولارات. وخسرت الدول المنتجة للنفط، في الخليج العربي وخارجه، عشرات المليارات من الدولارات من العائدات بسبب تدهور الطلب إثر تراجع الأنشطة الاقتصادية وتقلص النمو الاقتصادي في جميع أنحاء العالم. غير أن هناك ضحية أخرى برزت في هذه الأزمة لا يمكن حسابها بالأرقام، وهي أسلوب حياتنا، والتفاعل البشري الذي كان لآلاف السنين السمة الأساسية للمجتمعات،
البدائية والحديثة على حد سواء. طوال هذا العام، كان «التباعد الاجتماعي» هو التصرف الأمثل للتغلب على الوباء كما قيل لنا من قبل المتخصصين. الابتعاد عن الآخرين من حولك. لا تعانق أطفالك، لا تصافح أصدقاءك، حافظ على المسافة. أفضل من ذلك، قيل لنا، التزام المنزل طوال الوقت، اعمل عن بُعد، ادرس اونلاين، واطلب بقالتك ووجباتك على الانترنت. تحتاج المجتمعات عادة إلى وقت طويل لتنظيم أطر مقبولة للتعامل بين أفرادها، بما في ذلك التقاليد والعادات والسمات الثقافية لكل مجتمع. تلك لا تتطور بين ليلة وضحاها، حيث يحتاج الناس إلى وقت كاف لتعلم العادات الاجتماعية الجديدة وممارستها. فقد استغرقت المجتمعات مثلا أكثر من عقدين لتعلم وإتقان التواصل عبر الشبكات الاجتماعية الافتراضية، التي ربطت المجتمعات على اختلاف ثقافاتها ولغاتها من خلال هذه التكنولوجيا الجديدة. العالم يصبح أصغر فأصغر مع كل اختراع جديد. وقد أتاحت لنا هذه التكنولوجيا معرفة البلدان الأخرى. وبسبب التطور الهائل في صناعة الطيران، صار من السهل جدا زيارة هذه الأماكن. أصبح من السهل والممتع السفر إلى لندن في عطلة نهاية الأسبوع لمشاهدة مباراة ليفربول في الملعب، أو مجرد حضور حفل زفاف صديق في نيودلهي. في هذا العام الذي نودعه خلال أيام، كان علينا أن نتعلم من جديد أن ننسى كل ذلك. كان علينا أن نتخلى عن أسلوب الحياة الذي تعلمناه للتو. في عام 2020، صار لزاماً علينا أن نتعلم عادات اجتماعية جديدة، بين ليلة وضحاها، حرفياً، أن نتعلم العيش وحيدين، من دون أن نعلم إلى متى. مثل روبنسون كروزو الذي قاده حظه التعس إلى جزيرة معزولة بعد استيلاء القراصنة على السفينة التي كان يستقلها. وفي كل لحظة يخرج علينا خبير تلو الآخر يقدم لنا النصائح حول كيفية العيش في عزلة، وكيف تحافظ على سلامتك العقلية والجسدية في المنزل، بينما تنتظر صفارة الأمان من قبل السلطات. عام كامل من العزلة يقترب من نهايته. كثير منا بات قادرا على رؤية ضوء ما في آخر النفق. والبعض بالفعل حصل على جرعتي التطعيم. لكننا لن نعود كما كنا قبل عام بالسهولة التي ربما نود أن نظن. سيكون علينا انتظار بعض الوقت لاستعادة قدرتنا على التواصل مع الآخرين. حتى لو اختفى فيروس كورونا غدا، سيتعين علينا من جديد أن نتعلم الثقة بمحيطنا، في قدرتنا على مصافحة الآخرين دون الحاجة إلى تعقيم أيدينا بعد ذلك، وأن نمسك بمقبض باب السوبرماركت أو المكتب بلا خوف من التلوث. سيكون من الصعب مد جسر المسافة الاجتماعية والاختلاط مرة أخرى. فالتباعد الاجتماعي أدى بالتأكيد إلى نمط حياة سمته العزلة، والكآبة لدى عدد غير هين. سألت صديقاً قبل أشهر: ماذا سيفعل إذا استمر فيروس كورونا لمدة عام آخر؟ أجابني: انه «سيموت من الاكتئاب». تعبيرات وجهه لم تش بشيء. لكنني قطعاً أود الظن أنه كان يمزح.
البدائية والحديثة على حد سواء. طوال هذا العام، كان «التباعد الاجتماعي» هو التصرف الأمثل للتغلب على الوباء كما قيل لنا من قبل المتخصصين. الابتعاد عن الآخرين من حولك. لا تعانق أطفالك، لا تصافح أصدقاءك، حافظ على المسافة. أفضل من ذلك، قيل لنا، التزام المنزل طوال الوقت، اعمل عن بُعد، ادرس اونلاين، واطلب بقالتك ووجباتك على الانترنت. تحتاج المجتمعات عادة إلى وقت طويل لتنظيم أطر مقبولة للتعامل بين أفرادها، بما في ذلك التقاليد والعادات والسمات الثقافية لكل مجتمع. تلك لا تتطور بين ليلة وضحاها، حيث يحتاج الناس إلى وقت كاف لتعلم العادات الاجتماعية الجديدة وممارستها. فقد استغرقت المجتمعات مثلا أكثر من عقدين لتعلم وإتقان التواصل عبر الشبكات الاجتماعية الافتراضية، التي ربطت المجتمعات على اختلاف ثقافاتها ولغاتها من خلال هذه التكنولوجيا الجديدة. العالم يصبح أصغر فأصغر مع كل اختراع جديد. وقد أتاحت لنا هذه التكنولوجيا معرفة البلدان الأخرى. وبسبب التطور الهائل في صناعة الطيران، صار من السهل جدا زيارة هذه الأماكن. أصبح من السهل والممتع السفر إلى لندن في عطلة نهاية الأسبوع لمشاهدة مباراة ليفربول في الملعب، أو مجرد حضور حفل زفاف صديق في نيودلهي. في هذا العام الذي نودعه خلال أيام، كان علينا أن نتعلم من جديد أن ننسى كل ذلك. كان علينا أن نتخلى عن أسلوب الحياة الذي تعلمناه للتو. في عام 2020، صار لزاماً علينا أن نتعلم عادات اجتماعية جديدة، بين ليلة وضحاها، حرفياً، أن نتعلم العيش وحيدين، من دون أن نعلم إلى متى. مثل روبنسون كروزو الذي قاده حظه التعس إلى جزيرة معزولة بعد استيلاء القراصنة على السفينة التي كان يستقلها. وفي كل لحظة يخرج علينا خبير تلو الآخر يقدم لنا النصائح حول كيفية العيش في عزلة، وكيف تحافظ على سلامتك العقلية والجسدية في المنزل، بينما تنتظر صفارة الأمان من قبل السلطات. عام كامل من العزلة يقترب من نهايته. كثير منا بات قادرا على رؤية ضوء ما في آخر النفق. والبعض بالفعل حصل على جرعتي التطعيم. لكننا لن نعود كما كنا قبل عام بالسهولة التي ربما نود أن نظن. سيكون علينا انتظار بعض الوقت لاستعادة قدرتنا على التواصل مع الآخرين. حتى لو اختفى فيروس كورونا غدا، سيتعين علينا من جديد أن نتعلم الثقة بمحيطنا، في قدرتنا على مصافحة الآخرين دون الحاجة إلى تعقيم أيدينا بعد ذلك، وأن نمسك بمقبض باب السوبرماركت أو المكتب بلا خوف من التلوث. سيكون من الصعب مد جسر المسافة الاجتماعية والاختلاط مرة أخرى. فالتباعد الاجتماعي أدى بالتأكيد إلى نمط حياة سمته العزلة، والكآبة لدى عدد غير هين. سألت صديقاً قبل أشهر: ماذا سيفعل إذا استمر فيروس كورونا لمدة عام آخر؟ أجابني: انه «سيموت من الاكتئاب». تعبيرات وجهه لم تش بشيء. لكنني قطعاً أود الظن أنه كان يمزح.