شموع الحب
11-25-2020, 08:18 AM
باب المحافظة عَلَى الأعمال
قَالَ الله تَعَالَى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ [الحديد:16]، وَقالَ تَعَالَى: وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا [الحديد:27]، وَقالَ تَعَالَى: وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا [النحل:92]، وَقالَ تَعَالَى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99].
وَأَمَّا الأَحاديث؛ فمنها حديث عائشة: "وَكَانَ أَحَبُّ الدِّين إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ صَاحِبُهُ عَلَيهِ". وَقَدْ سَبَقَ في البَاب قَبْلَهُ.
1/153- وعن عمرَ بن الخطاب رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: منْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ مِنَ اللَّيْل، أَو عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَقَرأَه مَا بينَ صلاةِ الْفَجِر وَصلاةِ الظهرِ، كُتب لَهُ كأَنما قرأَهُ مِن اللَّيْلِ رواه مسلم.
2/154- وعن عبداللَّه بنِ عمرو بنِ العاص رضي اللَّه عنهما قَالَ: قَالَ لي رسولُ اللَّه ﷺ: يَا عبْدَ اللَّه لاَ تَكُنْ مِثلْ فُلانٍ، كَانَ يقُومُ اللَّيْلَ فَتَركَ قِيامَ اللَّيْل متفقٌ عَلَيهِ
3/155- وعن عائشةَ رضي اللَّه عنها قَالَتْ: "كَانَ رسولُ اللَّه ﷺ إذَا فَاتَتْهُ الصَّلاةُ مِنْ اللَّيْلِ مِنْ وجعٍ أَوْ غيْرِهِ، صلَّى مِنَ النَّهَارِ ثنْتَي عشْرَةَ رَكْعَةً" رواه مسلم.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الآيات الكريمات والأحاديث النبوية كلها تتعلق بالحث على المداومة على العمل، والمحافظة عليه، والاستمرار في طاعة الله جل وعلا، وعدم الكسل والضعف والتأخر، المؤمن مأمور بالمداومة على العمل والاستقامة على العمل، وعدم الترك أو الضعف أو التفريط لأن هذه الدار هي دار العمل، وأحب العمل إلى الله ما دام عليه صاحبه وإن قل، والله يقول جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ الآية [فصلت:30]، ويقول سبحانه: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ [هود:112]، ويقول جل وعلا: فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ [الشورى:15]، ويقول جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [الأحقاف:13]، ويقول جل وعلا: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16] لما طال الأمد قست قلوبهم وأعرضوا وغفلوا، ويقول جل وعلا: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، ويقول جل وعلا: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المؤمنون:9]، وفي الآية الأخرى عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المعارج:34]، ويقول ﷺ: أحب الأعمال إلى الله ما دام عليه صاحبه وإن قل.
كونه يوتر كل ليلة بثلاث أو خمس أفضل من كونه ليلة يوتر وليلة ما يوتر، كونه يداوم ولو على ثلاث أو واحدة كل ليلة أفضل من كونه ليلة يوتر وليلة يهمل، ويقول ﷺ: من فاته حزبه من الليل فقرأ من النهار قبل صلاة الظهر فكأنما قرأه بالليل.
وتقول عائشة رضي الله عنها: "كان النبي ﷺ إذا فاته ورده من الليل لمرض أو نوم صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة" كان وتره في الغالب إحدى عشرة ركعة، فإذا شغله شاغل من نوم أو مرض صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة، يعني ست تسليمات، كل هذا محافظة على العمل الصالح حرصا عليه، فالمشروع للمؤمن أن يعتني بأعماله الطيبة، وأن يحافظ عليها، وأن يسابق إليها، ويتحرى المداومة عليها وعدم التفريط، يرجو ما عند الله، يرجو ثواب الله وإن كانت نوافل، لكن كونه يداوم عليها هذا فيه الخير العظيم، يبقى له العمل الصالح، وفق الله الجميع.
16- باب الأمر بالمحافظة عَلَى السُّنَّة وآدابِها
قَالَ الله تَعَالَى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وَقالَ تَعَالَى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، وَقالَ تَعَالَى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، وَقالَ تَعَالَى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ [الأحزاب:21]، وَقالَ تَعَالَى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، وقال الله تَعَالَى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]. قَالَ العلماء: معناه إِلَى الكتاب والسُنّة.
وَقالَ تَعَالَى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]، وَقالَ تَعَالَى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52]، وَقالَ تَعَالَى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور: 63]، وَقالَ تَعَالَى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب:34]، والآيات في الباب كثيرة.
وَأَما الأحاديث:
1/156- فالأَوَّلُ: عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عنه عن النبيِّ ﷺ قَالَ: دَعُونِي مَا تَرَكتُكُمْ: إِنَّما أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قبْلكُم كَثْرةُ سُؤَالِهمْ، وَاخْتِلافُهُمْ عَلَى أَنْبيائِهمْ، فَإِذا نَهَيْتُكُمْ عنْ شَيْءٍ فاجْتَنِبُوهُ، وَإِذا أَمَرْتُكُمْ بأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ متفقٌ عَلَيهِ.
2/157- الثَّاني: عَنْ أَبِي نَجِيحٍ الْعِرْباضِ بْنِ سَارِيَة قَالَ: وَعَظَنَا رسولُ اللَّه ﷺ مَوْعِظَةً بَليغَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُون، فقُلْنَا: يَا رَسولَ اللَّه، كَأَنَهَا موْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا. قَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوى اللَّه، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وإِنْ تَأَمَّر عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حبشيٌ، وَأَنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيرى اخْتِلافًا كثِيرا، فَعَلَيْكُمْ بسُنَّتي وَسُنَّةِ الْخُلُفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عضُّوا عَلَيْهَا بالنَّواجِذِ، وإِيَّاكُمْ ومُحْدثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضلالَةٌ رواه أَبُو داود، والترمذِي، وَقالَ حديث حسن صحيح.
"النَّواجِذُ" بالذال المعجمةِ: الأَنْيَابُ، وقيلَ: الأَضْرَاسُ.
3/158- الثَّالِثُ: عَنْ أَبِي هريرةَ أَن رَسُولَ اللَّه ﷺ قالَ: كُلُّ أُمَّتِي يدْخُلُونَ الْجنَّةَ إِلاَّ مَنْ أَبِي. قِيلَ وَمَنْ يَأَبى يَا رَسُول اللَّه؟ قالَ: منْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجنَّةَ، ومنْ عصَانِي فَقَدْ أَبِي رواه البخاري.
الشيخ: هذه الآيات الكريمات والأحاديث النبوية كلها تدل على وجوب طاعة الرسول ﷺ، واتباعه والتسليم لما جاء به، والأخذ بسنته والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله بعثه دالا على الحق ومرشدا إليه ومفسرا لكتاب الله ومعلما للناس ما أنزل إليهم، فالواجب اتباعه والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام كما قال الله جل وعلا: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، من كان يحب الله صادقا فعليه باتباع الرسول ﷺ، فإن اتباعه سبب للنجاة في الدنيا والآخرة، ومن دلائل حب الله للعبد وحب العبد لله عز وجل.
قال تعالى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:1-4] هو يعلم ويرشد بما يوحي الله إليه يعلمه الله ويبلغنا كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب:45-46] فهو داع وسراج منير للأمة، قال تعالى مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]، وقال جل وعلا: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ [النور:63] يعني أمر الرسول ﷺ: أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63] الفتنة الشرك والبلاء نسأل السلامة.
وقال سبحانه: فَلَا وَرَبِّكَ [النساء:65] يحلف سبحانه وتعالى بنفسه فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ [النساء:65] يعني الناس حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء:65] يعني حتى يحكموا النبي ﷺ فيما شجر بينهم، لا بد من هذا الأمر أن يحكموا الرسول ﷺ فيما شجر بينهم وينقادوا لذلك ويسلموا لذلك، وقال جل وعلا: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52] يخاطب النبي ﷺ وَإِنَّكَ يعني يا محمد لَتَهْدِي تدل الناس إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52] ترشدهم إلى صراط مستقيم، وهو الإسلام.
الهداية هدايتان: هداية التوفيق وقذف النور في القلب، هذا إلى الله يقول سبحانه: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56]، لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272] الهداية التي معناها التوفيق لقبول الحق وإيثاره والرضا به هذه بيد الله.
أما الهداية الثانية: وهي البلاغ والبيان والإرشاد والدعوة، هذه بيد الرسل وأتباعهم، ولهذا قال: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52]، وقال تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى [فصلت:17] هديناهم أي دللناهم وبلغناهم وأرشدناهم ولكنهم أبوا.
فالواجب على جميع الأمة اتباع ما جاء به عليه الصلاة والسلام، وما تنازعوا فيه يرد إلى الله والرسول كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] أولو الأمر هم: الأئمة، الأمراء والعلماء هم أولو الأمر، فالواجب طاعتهم في طاعة الله، فإن جاء التنازع يرد الأمر إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، يقول النبي ﷺ: ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم هلك الناس سابقا باختلافهم على الأنبياء وتعنتهم، ولهذا قال: ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه يعني هذا الواجب على الأمة ما أمر به ﷺ وجب الأخذ به حسب الطاقة، وما نهى عنه وجب اجتنابه، من ذلك أمرنا أن نصلي قائمين فمنع عجز صلى قاعدا، ومن عجز عن القعود صلى على جنبه فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، كذلك أمرنا بالحج كما أمر الله من استطاع الحج ومن لم يستطع فلا شيء عليه، أما النهي فالواجب اجتنابه، ما نهى الله عنه ورسوله الواجب اجتنابه، نهانا سبحانه عن الشرك، عن العقوق، عن الزنا، عن شرب المسكر، عن الربا، عن الغيبة، عن النميمة، عن غير هذا مما نهى الله عنه يجب اجتناب ذلك، ما نهى الله عنه يجب اجتنابه والحذر منه.
وفي حديث العرباض بن سارية قال: خطبنا رسول الله خطبة بليغة، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع؛ لأن المودع ينصح في الموعظة يكرر ويؤكد، يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله تقوى الله هي جماع الدين، تقوى الله طاعة الله ورسوله، تقوى الله المعنى أوصيكم بطاعة الله ورسوله والاستقامة على دين الله، والسمع والطاعة من تقوى الله، السمع والطاعة لولاة الأمور وعدم الخلاف والنزاع لأن النزاع لولاة الأمور سبب للفرقة، وسبب لاختلال الأمن، وسبب للفتنة وأكل الناس بعضهم بعضا، وقتل الناس بعضهم بعضا.
فالواجب السمع والطاعة لولاة الأمور في المعروف، وإن تأمر على الناس عبد حبشي فالواجب السمع والطاعة حتى تستقر الأمور، حتى يستتب الأمن، حتى يردع الظالم، حتى ينصف المظلوم، حتى يحكم الشرع فلا يجوز الخروج على الأئمة السلاطين، قال الرسول: إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان، ومع هذا يكون عندهم قدرة على إزالة هذا الشيء، وإلا فالواجب السمع والطاعة وعدم الخروج.
السمع والطاعة في المعروف يعني ما هو في المنكر، السمع والطاعة في المعروف: فإنه من يعش منكم» يعني من يبقى منكم من تطول حياته فسيرى اختلافا كثيرا، وهذا وقع بعده ﷺ بعشرين سنة تقريبا، بخمس وعشرين سنة وقع الاختلاف في مقتل عثمان وما جرى بعده وقعت الفتن فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ عند الاختلاف يجب التمسك بالسنة، وما سار عليه الصحابة وأرضاهم دائما، دائما يجب على الناس أن يتمسكوا بالقرآن والسنة وما سار عليه أصحاب النبي ﷺ ودرجوا عليه، يجب على المكلفين أن يعملوا بالقرآن والسنة ويتمسكوا بهما، وعند النزاع يرد الأمر إليهما، إلى الكتاب والسنة بهما طريق النجاة مع وجوب الحذر من مقالات الناس وآراء الناس المخالفة لشرع الله عز وجل، هذا هو الواجب على المسلمين.
كذلك حديث أبي هريرة، يقول ﷺ: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قيل: يا رسول الله، ومن يأبى؟! كل الناس ودهم بالجنة، قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى من أطاع الله ورسوله هذا هو الصادق في إرادة الجنة، ومن عصى الله ورسوله ما هو بصادق، لو أراد الجنة ما عصى الله ورسوله، من عصى الله فقد أبى، معناه يعني أبى دخول الجنة وأعرض، فطريق الجنة بطاعة الله ورسوله، وطريق النار بمعصية الله ورسوله، فالواجب على جميع المكلفين طاعة الله ورسوله، والاستقامة على دين الله، والتمسك بالقرآن العظيم والسنة الصحيحة المطهرة عن رسول الله ﷺ، هذا طريق النجاة، هذا سبيل النجاة، ومن حاد عنهما فإلى النار، نسأل الله العافية، وفق الله الجميع.
س: .....؟
ج: المقصود اتباع الكتاب والسنة، على الملوك وعلى الأمراء اتباع ما درج عليه رسول الله وأصحابه، وتنفيذ كتاب الله وتنفيذ السنة.
س: .....؟
ج: كثرة السؤال التعنت، يعني الأسئلة للتعنت والتعجيز.
4/159- الرَّابعُ: عن أَبِي مسلمٍ، وقيلَ: أَبِي إِيَاسٍ سلَمةَ بْنِ عَمْرو بنِ الأَكْوَعِ ، أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رسولِ اللَّه ﷺ بِشِمَالِهِ فقالَ: كُلْ بِيمِينكَ قَالَ: لا أَسْتَطِيعُ قالَ: لا استطعَت مَا منعَهُ إِلاَّ الْكِبْرُ، فَمَا رَفعَها إِلَى فِيهِ، رواه مسلم.
5/160-الْخامِسُ: عنْ أَبِي عبداللَّه النُّعْمَانِ بْنِ بَشيِرٍ رَضيَ اللَّه عنهما، قالَ: سمِعْتُ رسولَ اللَّه ﷺ يقولُ: لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّه بَيْنَ وُجُوهِكمْ" متفقٌ عَلَيهِ.
وفي روايةٍ لِمْسلمٍ: كَانَ رسولُ اللُّه ﷺ يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كأَنَّمَا يُسَوي بِهَا الْقِداحَ حَتَّى إِذَا رأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ ثُمَّ خَرَجَ يَومًا، فقامَ حتَّى كَادَ أَنْ يكبِّرَ، فَرأَى رجُلا بادِيًا صدْرُهُ فقالَ: عِبادَ اللَّه لَتُسوُّنَّ صُفوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّه بيْن وُجُوهِكُمْ.
6/161-السَّادِسُ: عن أَبِي موسى قَالَ: احْتَرق بيْتٌ بالْمدِينَةِ عَلَى أَهلِهِ مِنَ اللَّيْل فَلَمَّا حُدِّث رسولُ اللَّه ﷺ بِشَأْنِهمْ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ النَّار عَدُوٌّ لكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ متَّفقٌ عَلَيهِ.
الشيخ: هذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بالحث على اتباع السنة والمحافظة على الأوامر والتمسك بها والحذر من مخالفتها، فإن ارتكاب المعاصي وترك الأوامر من أسباب قسوة القلوب واختلاف الكلمة وكثرة النزاع وقلة البركة واختلاف القلوب، فالواجب الحذر، الواجب المحافظة على السنة والعناية بها والحذر مما يخالفها في جميع الأحوال، من هذا قوله ﷺ للرجل الذي أكل بشماله كل بيمينك.
فالسنة الأكل باليمين كما قال النبي ﷺ: إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله فالمؤمن يشرع له أن يأكل باليمين ويشرب باليمين، هذا هو الواجب، فلما رأى النبي ﷺ رجلا يأكل بيساره قال: كل بيمينك قال: لا أستطيع، فقال له النبي ﷺ: لا استطعت، فما رفعها إلى فيه بعد ذلك يعني عوقب في الحال، قبل الله الكلمة فعوقب في الحال حتى ما رفع يده بعد ذلك اليمنى لأنه منعه الكبر قال: لا استطعت، قال النبي ﷺ: ما منعه إلا الكبر يعني ما استطاع أن يأكل بيمينه تكبرا وتعاظما أن يساوي الناس، وأن يأكل مثل الناس، فعوقب في الحال بأن شلت يده، أصابها الشلل يعني تعطلت نسأل الله العافية.
وهكذا في حديث النعمان بن بشير يقول ﷺ للمصلين: لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم، ولما رأى رجلا باديا صدره قال: عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم، وفي اللفظ الآخر: لا تختلفوا فتختلف قلوبكم هذا يدل على أن الاختلاف في الصلاة وفي أمور الدين من أسباب اختلاف القلوب والوجوه وكثرة البدع والخلاف والنزاع حتى يكون لكل واحد وجه يخالف صاحبه.
فالتمسك بالحق والتعاون على البر والتقوى من أسباب جمع الكلمة ومن أسباب صلاح القلوب واتحادها، ومخالفة الشرع وركوب المعاصي من أسباب اختلاف القلوب واختلاف الكلمة وحصول النزاع والفرقة، فالواجب على المؤمن أن يتحرى الحق ويتحرى الاستقامة على الحق، ويحذر أسباب الفرقة والاختلاف لعله ينجو، لعله يسلم، ولا يقول: هذا كذا أو هذا كذا ويتأول، بل عليه أن يجتهد في لزوم السنة والاستقامة عليها، والحذر مما يخالفها رجاء فضل الله وثوابه وحذر عقابه سبحانه وتعالى.
كذلك الحديث الثالث فيه أن بيتا احترق على أهله في المدينة في عهد النبي ﷺ فقال ﷺ: إن هذه النار عدو لكم فإن نمتم فأطفئوها هذا يدل على أن المشروع للناس عند النوم إطفاء النار حذرا من شرها، ومن ذلك إطفاء الكهرباء، فهذه من أسباب السلامة إطفاء السراج، إطفاء الكهرباء عند النوم من أسباب السلامة.
وفق الله الجميع.
7/162- السَّابِعُ: عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه ﷺ: إِنَّ مَثَل مَا بعَثني اللَّه بِهِ منَ الْهُدَى والْعلْمِ كَمَثَلَ غَيْثٍ أَصَاب أَرْضًا فكَانَتْ طَائِفَةٌ طَيبَةٌ قبِلَتِ الْمَاءَ فأَنْبَتتِ الْكلأَ والْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمسكَتِ الماءَ، فَنَفَعَ اللَّه بِهَا النَّاس فَشَربُوا مِنْهَا وسَقَوْا وَزَرَعَوا، وأَصَابَ طَائِفَةٌ مِنْهَا أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلا تُنْبِتُ كَلأ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينَ اللَّه وَنَفَعَه بمَا بعَثَنِي اللَّه بِهِ، فَعَلِمَ وعَلَّمَ، وَمثلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذلِكَ رَأْسًا وِلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ متفقٌ عَلَيهِ.
"فقُهَ" بِضم الْقَافِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وقيلَ: بكَسْرِهَا، أَيْ: صارَ فَقِيهًا.
8/163-الثَّامِنُ: عن جابرٍ قَالَ: قالَ رسول اللَّه ﷺ: مثَلِي ومثَلُكُمْ كَمَثَل رجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَراشُ يَقَعْنَ فيهَا وهُوَ يذُبُّهُنَّ عَنهَا وأَنَا آخذٌ بحُجَزِكُمْ عَنِ النارِ، وأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ منْ يَدِي رواه مسلمٌ.
"الْجَنَادبُ": نَحْوُ الجَراد والْفرَاشِ، هَذَا هُوَ المَعْرُوفُ الَّذِي يَقعُ في النَّار. "والْحُجَزُ": جَمْعُ حُجْزَةٍ، وهِي معْقِدُ الإِزَار والسَّراويلِ.
9/164- التَّاسعُ: عَنْهُ أَنْ رسولَ اللَّه ﷺ أَمَر بِلَعْقِ الأَصابِعِ وَالصحْفةِ وَقَالَ: إِنَّكُم لا تَدْرُونَ في أَيِّهَا الْبَرَكَةَ رواه مسلم.
وفي رواية لَهُ: إِذَا وَقَعتْ لُقْمةُ أَحدِكُمْ. فَلْيَأْخُذْهَا فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى، وَلْيَأْكُلْهَا، وَلا يَدَعْهَا لَلشَّيْطانِ، وَلا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمَندِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعهُ، فَإِنَّهُ لاَ يدْرِي في أَيِّ طَعَامِهِ الْبَركَةَ.
وفي رواية لَهُ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيءٍ مِنْ شَأْنِهِ حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمْ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَان بِهَا منْ أَذًى، فَلْيأْكُلْها، وَلا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ.
الشيخ: هذه الأحاديث كلها تتعلق بالعناية بالسنة والشرع والحرص على المحافظة عليها، وأن الله جل وعلا بعث نبيه ﷺ بالهدى ودين الحق، فالواجب على الأمة من الجن والإنس أن يتمسكوا بذلك، وأن يستقيموا عليه، وأن يحذروا مخالفته، فإن الله بعث رسوله ﷺ هاديا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الحق بإذن الله.
فالواجب اتباعه والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام، والحذر من مخالفة شرعه، فإن السعادة كل السعادة في اتباع شريعته وتعظيم أمره ونهيه، والسير على منهاجه، والهلاك كل الهلاك في مخالفة ما جاء به واتباع الهوى، قال جل وعلا: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ [القصص:50] كل إنسان لا يستجيب للرسول ولا ينقاد لشرعه فهو متبع لهواه، هذا حكم الله عليه فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ يعني يا محمد فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ [القصص:50] فالواجب على كل مؤمن أن يتبع الحق وأن يحذر اتباع الهوى، فالمشركون شأنهم اتباع الهوى إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ [النجم:23]، ويقول الله لداود يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ص:26].
يقول عليه الصلاة والسلام: مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب يعني أرضا لينة مطمئنة منخفضة أمسكت الماء فنفع الله به الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ هذه حال الناس مع الوحي، ولهذا قال: فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعمل، ومثل من لا يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به» هذا مثل الناس مع شرع الله، بين النبي صلى الله عليه وسلم أنهم مثل ثلاث أرضين.
الناس قلوب الناس وعقولهم مع الوحي ثلاثة أقسام: مثل الأراضي التي ينزل عليها المطر أرض طيبة تقبل الماء تقبل المطر تنبت العشب الكثير والأشياء الطيبة فهذه الأرض مثل قلوب المتقين المؤمنين الذين قبلوا الوحي وانتفعوا بالعلم وعملوا وعلموا، وطائفة ثانية: منخفضة ما تنبت لكنها منخفضة تمسك الماء، يبقى فيها غدران تنفع الناس يشربون منها يسقون منها دوابهم.
والطائفة الثالثة: قيعان ... ما يبقى فيها ماء ولا تنبت، فهذه أمثال قلوب الناس، قلوب طيبة تقبل العلم والفقه في الدين وتعمل به وتعلمه الناس، وقلوب تقبل الحق وتحمل الحق ولكن ما عندها فقه فيه وبصيرة حتى تفرع وتبين وترشد الناس، تحمل العلم وتبلغه ولكن ليس عندها من البصيرة والتفصيل والتفسير والبيان مثل ما عند الطائفة الأولى فهي مثل الأجادب.
قَالَ الله تَعَالَى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ [الحديد:16]، وَقالَ تَعَالَى: وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا [الحديد:27]، وَقالَ تَعَالَى: وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا [النحل:92]، وَقالَ تَعَالَى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99].
وَأَمَّا الأَحاديث؛ فمنها حديث عائشة: "وَكَانَ أَحَبُّ الدِّين إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ صَاحِبُهُ عَلَيهِ". وَقَدْ سَبَقَ في البَاب قَبْلَهُ.
1/153- وعن عمرَ بن الخطاب رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: منْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ مِنَ اللَّيْل، أَو عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَقَرأَه مَا بينَ صلاةِ الْفَجِر وَصلاةِ الظهرِ، كُتب لَهُ كأَنما قرأَهُ مِن اللَّيْلِ رواه مسلم.
2/154- وعن عبداللَّه بنِ عمرو بنِ العاص رضي اللَّه عنهما قَالَ: قَالَ لي رسولُ اللَّه ﷺ: يَا عبْدَ اللَّه لاَ تَكُنْ مِثلْ فُلانٍ، كَانَ يقُومُ اللَّيْلَ فَتَركَ قِيامَ اللَّيْل متفقٌ عَلَيهِ
3/155- وعن عائشةَ رضي اللَّه عنها قَالَتْ: "كَانَ رسولُ اللَّه ﷺ إذَا فَاتَتْهُ الصَّلاةُ مِنْ اللَّيْلِ مِنْ وجعٍ أَوْ غيْرِهِ، صلَّى مِنَ النَّهَارِ ثنْتَي عشْرَةَ رَكْعَةً" رواه مسلم.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الآيات الكريمات والأحاديث النبوية كلها تتعلق بالحث على المداومة على العمل، والمحافظة عليه، والاستمرار في طاعة الله جل وعلا، وعدم الكسل والضعف والتأخر، المؤمن مأمور بالمداومة على العمل والاستقامة على العمل، وعدم الترك أو الضعف أو التفريط لأن هذه الدار هي دار العمل، وأحب العمل إلى الله ما دام عليه صاحبه وإن قل، والله يقول جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ الآية [فصلت:30]، ويقول سبحانه: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ [هود:112]، ويقول جل وعلا: فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ [الشورى:15]، ويقول جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [الأحقاف:13]، ويقول جل وعلا: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16] لما طال الأمد قست قلوبهم وأعرضوا وغفلوا، ويقول جل وعلا: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، ويقول جل وعلا: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المؤمنون:9]، وفي الآية الأخرى عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المعارج:34]، ويقول ﷺ: أحب الأعمال إلى الله ما دام عليه صاحبه وإن قل.
كونه يوتر كل ليلة بثلاث أو خمس أفضل من كونه ليلة يوتر وليلة ما يوتر، كونه يداوم ولو على ثلاث أو واحدة كل ليلة أفضل من كونه ليلة يوتر وليلة يهمل، ويقول ﷺ: من فاته حزبه من الليل فقرأ من النهار قبل صلاة الظهر فكأنما قرأه بالليل.
وتقول عائشة رضي الله عنها: "كان النبي ﷺ إذا فاته ورده من الليل لمرض أو نوم صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة" كان وتره في الغالب إحدى عشرة ركعة، فإذا شغله شاغل من نوم أو مرض صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة، يعني ست تسليمات، كل هذا محافظة على العمل الصالح حرصا عليه، فالمشروع للمؤمن أن يعتني بأعماله الطيبة، وأن يحافظ عليها، وأن يسابق إليها، ويتحرى المداومة عليها وعدم التفريط، يرجو ما عند الله، يرجو ثواب الله وإن كانت نوافل، لكن كونه يداوم عليها هذا فيه الخير العظيم، يبقى له العمل الصالح، وفق الله الجميع.
16- باب الأمر بالمحافظة عَلَى السُّنَّة وآدابِها
قَالَ الله تَعَالَى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وَقالَ تَعَالَى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، وَقالَ تَعَالَى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، وَقالَ تَعَالَى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ [الأحزاب:21]، وَقالَ تَعَالَى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، وقال الله تَعَالَى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]. قَالَ العلماء: معناه إِلَى الكتاب والسُنّة.
وَقالَ تَعَالَى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]، وَقالَ تَعَالَى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52]، وَقالَ تَعَالَى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور: 63]، وَقالَ تَعَالَى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب:34]، والآيات في الباب كثيرة.
وَأَما الأحاديث:
1/156- فالأَوَّلُ: عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عنه عن النبيِّ ﷺ قَالَ: دَعُونِي مَا تَرَكتُكُمْ: إِنَّما أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قبْلكُم كَثْرةُ سُؤَالِهمْ، وَاخْتِلافُهُمْ عَلَى أَنْبيائِهمْ، فَإِذا نَهَيْتُكُمْ عنْ شَيْءٍ فاجْتَنِبُوهُ، وَإِذا أَمَرْتُكُمْ بأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ متفقٌ عَلَيهِ.
2/157- الثَّاني: عَنْ أَبِي نَجِيحٍ الْعِرْباضِ بْنِ سَارِيَة قَالَ: وَعَظَنَا رسولُ اللَّه ﷺ مَوْعِظَةً بَليغَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُون، فقُلْنَا: يَا رَسولَ اللَّه، كَأَنَهَا موْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا. قَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوى اللَّه، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وإِنْ تَأَمَّر عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حبشيٌ، وَأَنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيرى اخْتِلافًا كثِيرا، فَعَلَيْكُمْ بسُنَّتي وَسُنَّةِ الْخُلُفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عضُّوا عَلَيْهَا بالنَّواجِذِ، وإِيَّاكُمْ ومُحْدثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضلالَةٌ رواه أَبُو داود، والترمذِي، وَقالَ حديث حسن صحيح.
"النَّواجِذُ" بالذال المعجمةِ: الأَنْيَابُ، وقيلَ: الأَضْرَاسُ.
3/158- الثَّالِثُ: عَنْ أَبِي هريرةَ أَن رَسُولَ اللَّه ﷺ قالَ: كُلُّ أُمَّتِي يدْخُلُونَ الْجنَّةَ إِلاَّ مَنْ أَبِي. قِيلَ وَمَنْ يَأَبى يَا رَسُول اللَّه؟ قالَ: منْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجنَّةَ، ومنْ عصَانِي فَقَدْ أَبِي رواه البخاري.
الشيخ: هذه الآيات الكريمات والأحاديث النبوية كلها تدل على وجوب طاعة الرسول ﷺ، واتباعه والتسليم لما جاء به، والأخذ بسنته والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله بعثه دالا على الحق ومرشدا إليه ومفسرا لكتاب الله ومعلما للناس ما أنزل إليهم، فالواجب اتباعه والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام كما قال الله جل وعلا: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، من كان يحب الله صادقا فعليه باتباع الرسول ﷺ، فإن اتباعه سبب للنجاة في الدنيا والآخرة، ومن دلائل حب الله للعبد وحب العبد لله عز وجل.
قال تعالى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:1-4] هو يعلم ويرشد بما يوحي الله إليه يعلمه الله ويبلغنا كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب:45-46] فهو داع وسراج منير للأمة، قال تعالى مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]، وقال جل وعلا: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ [النور:63] يعني أمر الرسول ﷺ: أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63] الفتنة الشرك والبلاء نسأل السلامة.
وقال سبحانه: فَلَا وَرَبِّكَ [النساء:65] يحلف سبحانه وتعالى بنفسه فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ [النساء:65] يعني الناس حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء:65] يعني حتى يحكموا النبي ﷺ فيما شجر بينهم، لا بد من هذا الأمر أن يحكموا الرسول ﷺ فيما شجر بينهم وينقادوا لذلك ويسلموا لذلك، وقال جل وعلا: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52] يخاطب النبي ﷺ وَإِنَّكَ يعني يا محمد لَتَهْدِي تدل الناس إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52] ترشدهم إلى صراط مستقيم، وهو الإسلام.
الهداية هدايتان: هداية التوفيق وقذف النور في القلب، هذا إلى الله يقول سبحانه: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56]، لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272] الهداية التي معناها التوفيق لقبول الحق وإيثاره والرضا به هذه بيد الله.
أما الهداية الثانية: وهي البلاغ والبيان والإرشاد والدعوة، هذه بيد الرسل وأتباعهم، ولهذا قال: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52]، وقال تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى [فصلت:17] هديناهم أي دللناهم وبلغناهم وأرشدناهم ولكنهم أبوا.
فالواجب على جميع الأمة اتباع ما جاء به عليه الصلاة والسلام، وما تنازعوا فيه يرد إلى الله والرسول كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] أولو الأمر هم: الأئمة، الأمراء والعلماء هم أولو الأمر، فالواجب طاعتهم في طاعة الله، فإن جاء التنازع يرد الأمر إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، يقول النبي ﷺ: ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم هلك الناس سابقا باختلافهم على الأنبياء وتعنتهم، ولهذا قال: ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه يعني هذا الواجب على الأمة ما أمر به ﷺ وجب الأخذ به حسب الطاقة، وما نهى عنه وجب اجتنابه، من ذلك أمرنا أن نصلي قائمين فمنع عجز صلى قاعدا، ومن عجز عن القعود صلى على جنبه فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، كذلك أمرنا بالحج كما أمر الله من استطاع الحج ومن لم يستطع فلا شيء عليه، أما النهي فالواجب اجتنابه، ما نهى الله عنه ورسوله الواجب اجتنابه، نهانا سبحانه عن الشرك، عن العقوق، عن الزنا، عن شرب المسكر، عن الربا، عن الغيبة، عن النميمة، عن غير هذا مما نهى الله عنه يجب اجتناب ذلك، ما نهى الله عنه يجب اجتنابه والحذر منه.
وفي حديث العرباض بن سارية قال: خطبنا رسول الله خطبة بليغة، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع؛ لأن المودع ينصح في الموعظة يكرر ويؤكد، يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله تقوى الله هي جماع الدين، تقوى الله طاعة الله ورسوله، تقوى الله المعنى أوصيكم بطاعة الله ورسوله والاستقامة على دين الله، والسمع والطاعة من تقوى الله، السمع والطاعة لولاة الأمور وعدم الخلاف والنزاع لأن النزاع لولاة الأمور سبب للفرقة، وسبب لاختلال الأمن، وسبب للفتنة وأكل الناس بعضهم بعضا، وقتل الناس بعضهم بعضا.
فالواجب السمع والطاعة لولاة الأمور في المعروف، وإن تأمر على الناس عبد حبشي فالواجب السمع والطاعة حتى تستقر الأمور، حتى يستتب الأمن، حتى يردع الظالم، حتى ينصف المظلوم، حتى يحكم الشرع فلا يجوز الخروج على الأئمة السلاطين، قال الرسول: إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان، ومع هذا يكون عندهم قدرة على إزالة هذا الشيء، وإلا فالواجب السمع والطاعة وعدم الخروج.
السمع والطاعة في المعروف يعني ما هو في المنكر، السمع والطاعة في المعروف: فإنه من يعش منكم» يعني من يبقى منكم من تطول حياته فسيرى اختلافا كثيرا، وهذا وقع بعده ﷺ بعشرين سنة تقريبا، بخمس وعشرين سنة وقع الاختلاف في مقتل عثمان وما جرى بعده وقعت الفتن فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ عند الاختلاف يجب التمسك بالسنة، وما سار عليه الصحابة وأرضاهم دائما، دائما يجب على الناس أن يتمسكوا بالقرآن والسنة وما سار عليه أصحاب النبي ﷺ ودرجوا عليه، يجب على المكلفين أن يعملوا بالقرآن والسنة ويتمسكوا بهما، وعند النزاع يرد الأمر إليهما، إلى الكتاب والسنة بهما طريق النجاة مع وجوب الحذر من مقالات الناس وآراء الناس المخالفة لشرع الله عز وجل، هذا هو الواجب على المسلمين.
كذلك حديث أبي هريرة، يقول ﷺ: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قيل: يا رسول الله، ومن يأبى؟! كل الناس ودهم بالجنة، قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى من أطاع الله ورسوله هذا هو الصادق في إرادة الجنة، ومن عصى الله ورسوله ما هو بصادق، لو أراد الجنة ما عصى الله ورسوله، من عصى الله فقد أبى، معناه يعني أبى دخول الجنة وأعرض، فطريق الجنة بطاعة الله ورسوله، وطريق النار بمعصية الله ورسوله، فالواجب على جميع المكلفين طاعة الله ورسوله، والاستقامة على دين الله، والتمسك بالقرآن العظيم والسنة الصحيحة المطهرة عن رسول الله ﷺ، هذا طريق النجاة، هذا سبيل النجاة، ومن حاد عنهما فإلى النار، نسأل الله العافية، وفق الله الجميع.
س: .....؟
ج: المقصود اتباع الكتاب والسنة، على الملوك وعلى الأمراء اتباع ما درج عليه رسول الله وأصحابه، وتنفيذ كتاب الله وتنفيذ السنة.
س: .....؟
ج: كثرة السؤال التعنت، يعني الأسئلة للتعنت والتعجيز.
4/159- الرَّابعُ: عن أَبِي مسلمٍ، وقيلَ: أَبِي إِيَاسٍ سلَمةَ بْنِ عَمْرو بنِ الأَكْوَعِ ، أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رسولِ اللَّه ﷺ بِشِمَالِهِ فقالَ: كُلْ بِيمِينكَ قَالَ: لا أَسْتَطِيعُ قالَ: لا استطعَت مَا منعَهُ إِلاَّ الْكِبْرُ، فَمَا رَفعَها إِلَى فِيهِ، رواه مسلم.
5/160-الْخامِسُ: عنْ أَبِي عبداللَّه النُّعْمَانِ بْنِ بَشيِرٍ رَضيَ اللَّه عنهما، قالَ: سمِعْتُ رسولَ اللَّه ﷺ يقولُ: لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّه بَيْنَ وُجُوهِكمْ" متفقٌ عَلَيهِ.
وفي روايةٍ لِمْسلمٍ: كَانَ رسولُ اللُّه ﷺ يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كأَنَّمَا يُسَوي بِهَا الْقِداحَ حَتَّى إِذَا رأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ ثُمَّ خَرَجَ يَومًا، فقامَ حتَّى كَادَ أَنْ يكبِّرَ، فَرأَى رجُلا بادِيًا صدْرُهُ فقالَ: عِبادَ اللَّه لَتُسوُّنَّ صُفوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّه بيْن وُجُوهِكُمْ.
6/161-السَّادِسُ: عن أَبِي موسى قَالَ: احْتَرق بيْتٌ بالْمدِينَةِ عَلَى أَهلِهِ مِنَ اللَّيْل فَلَمَّا حُدِّث رسولُ اللَّه ﷺ بِشَأْنِهمْ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ النَّار عَدُوٌّ لكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ متَّفقٌ عَلَيهِ.
الشيخ: هذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بالحث على اتباع السنة والمحافظة على الأوامر والتمسك بها والحذر من مخالفتها، فإن ارتكاب المعاصي وترك الأوامر من أسباب قسوة القلوب واختلاف الكلمة وكثرة النزاع وقلة البركة واختلاف القلوب، فالواجب الحذر، الواجب المحافظة على السنة والعناية بها والحذر مما يخالفها في جميع الأحوال، من هذا قوله ﷺ للرجل الذي أكل بشماله كل بيمينك.
فالسنة الأكل باليمين كما قال النبي ﷺ: إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله فالمؤمن يشرع له أن يأكل باليمين ويشرب باليمين، هذا هو الواجب، فلما رأى النبي ﷺ رجلا يأكل بيساره قال: كل بيمينك قال: لا أستطيع، فقال له النبي ﷺ: لا استطعت، فما رفعها إلى فيه بعد ذلك يعني عوقب في الحال، قبل الله الكلمة فعوقب في الحال حتى ما رفع يده بعد ذلك اليمنى لأنه منعه الكبر قال: لا استطعت، قال النبي ﷺ: ما منعه إلا الكبر يعني ما استطاع أن يأكل بيمينه تكبرا وتعاظما أن يساوي الناس، وأن يأكل مثل الناس، فعوقب في الحال بأن شلت يده، أصابها الشلل يعني تعطلت نسأل الله العافية.
وهكذا في حديث النعمان بن بشير يقول ﷺ للمصلين: لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم، ولما رأى رجلا باديا صدره قال: عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم، وفي اللفظ الآخر: لا تختلفوا فتختلف قلوبكم هذا يدل على أن الاختلاف في الصلاة وفي أمور الدين من أسباب اختلاف القلوب والوجوه وكثرة البدع والخلاف والنزاع حتى يكون لكل واحد وجه يخالف صاحبه.
فالتمسك بالحق والتعاون على البر والتقوى من أسباب جمع الكلمة ومن أسباب صلاح القلوب واتحادها، ومخالفة الشرع وركوب المعاصي من أسباب اختلاف القلوب واختلاف الكلمة وحصول النزاع والفرقة، فالواجب على المؤمن أن يتحرى الحق ويتحرى الاستقامة على الحق، ويحذر أسباب الفرقة والاختلاف لعله ينجو، لعله يسلم، ولا يقول: هذا كذا أو هذا كذا ويتأول، بل عليه أن يجتهد في لزوم السنة والاستقامة عليها، والحذر مما يخالفها رجاء فضل الله وثوابه وحذر عقابه سبحانه وتعالى.
كذلك الحديث الثالث فيه أن بيتا احترق على أهله في المدينة في عهد النبي ﷺ فقال ﷺ: إن هذه النار عدو لكم فإن نمتم فأطفئوها هذا يدل على أن المشروع للناس عند النوم إطفاء النار حذرا من شرها، ومن ذلك إطفاء الكهرباء، فهذه من أسباب السلامة إطفاء السراج، إطفاء الكهرباء عند النوم من أسباب السلامة.
وفق الله الجميع.
7/162- السَّابِعُ: عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه ﷺ: إِنَّ مَثَل مَا بعَثني اللَّه بِهِ منَ الْهُدَى والْعلْمِ كَمَثَلَ غَيْثٍ أَصَاب أَرْضًا فكَانَتْ طَائِفَةٌ طَيبَةٌ قبِلَتِ الْمَاءَ فأَنْبَتتِ الْكلأَ والْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمسكَتِ الماءَ، فَنَفَعَ اللَّه بِهَا النَّاس فَشَربُوا مِنْهَا وسَقَوْا وَزَرَعَوا، وأَصَابَ طَائِفَةٌ مِنْهَا أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلا تُنْبِتُ كَلأ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينَ اللَّه وَنَفَعَه بمَا بعَثَنِي اللَّه بِهِ، فَعَلِمَ وعَلَّمَ، وَمثلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذلِكَ رَأْسًا وِلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ متفقٌ عَلَيهِ.
"فقُهَ" بِضم الْقَافِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وقيلَ: بكَسْرِهَا، أَيْ: صارَ فَقِيهًا.
8/163-الثَّامِنُ: عن جابرٍ قَالَ: قالَ رسول اللَّه ﷺ: مثَلِي ومثَلُكُمْ كَمَثَل رجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَراشُ يَقَعْنَ فيهَا وهُوَ يذُبُّهُنَّ عَنهَا وأَنَا آخذٌ بحُجَزِكُمْ عَنِ النارِ، وأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ منْ يَدِي رواه مسلمٌ.
"الْجَنَادبُ": نَحْوُ الجَراد والْفرَاشِ، هَذَا هُوَ المَعْرُوفُ الَّذِي يَقعُ في النَّار. "والْحُجَزُ": جَمْعُ حُجْزَةٍ، وهِي معْقِدُ الإِزَار والسَّراويلِ.
9/164- التَّاسعُ: عَنْهُ أَنْ رسولَ اللَّه ﷺ أَمَر بِلَعْقِ الأَصابِعِ وَالصحْفةِ وَقَالَ: إِنَّكُم لا تَدْرُونَ في أَيِّهَا الْبَرَكَةَ رواه مسلم.
وفي رواية لَهُ: إِذَا وَقَعتْ لُقْمةُ أَحدِكُمْ. فَلْيَأْخُذْهَا فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى، وَلْيَأْكُلْهَا، وَلا يَدَعْهَا لَلشَّيْطانِ، وَلا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمَندِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعهُ، فَإِنَّهُ لاَ يدْرِي في أَيِّ طَعَامِهِ الْبَركَةَ.
وفي رواية لَهُ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيءٍ مِنْ شَأْنِهِ حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمْ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَان بِهَا منْ أَذًى، فَلْيأْكُلْها، وَلا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ.
الشيخ: هذه الأحاديث كلها تتعلق بالعناية بالسنة والشرع والحرص على المحافظة عليها، وأن الله جل وعلا بعث نبيه ﷺ بالهدى ودين الحق، فالواجب على الأمة من الجن والإنس أن يتمسكوا بذلك، وأن يستقيموا عليه، وأن يحذروا مخالفته، فإن الله بعث رسوله ﷺ هاديا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الحق بإذن الله.
فالواجب اتباعه والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام، والحذر من مخالفة شرعه، فإن السعادة كل السعادة في اتباع شريعته وتعظيم أمره ونهيه، والسير على منهاجه، والهلاك كل الهلاك في مخالفة ما جاء به واتباع الهوى، قال جل وعلا: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ [القصص:50] كل إنسان لا يستجيب للرسول ولا ينقاد لشرعه فهو متبع لهواه، هذا حكم الله عليه فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ يعني يا محمد فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ [القصص:50] فالواجب على كل مؤمن أن يتبع الحق وأن يحذر اتباع الهوى، فالمشركون شأنهم اتباع الهوى إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ [النجم:23]، ويقول الله لداود يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ص:26].
يقول عليه الصلاة والسلام: مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب يعني أرضا لينة مطمئنة منخفضة أمسكت الماء فنفع الله به الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ هذه حال الناس مع الوحي، ولهذا قال: فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعمل، ومثل من لا يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به» هذا مثل الناس مع شرع الله، بين النبي صلى الله عليه وسلم أنهم مثل ثلاث أرضين.
الناس قلوب الناس وعقولهم مع الوحي ثلاثة أقسام: مثل الأراضي التي ينزل عليها المطر أرض طيبة تقبل الماء تقبل المطر تنبت العشب الكثير والأشياء الطيبة فهذه الأرض مثل قلوب المتقين المؤمنين الذين قبلوا الوحي وانتفعوا بالعلم وعملوا وعلموا، وطائفة ثانية: منخفضة ما تنبت لكنها منخفضة تمسك الماء، يبقى فيها غدران تنفع الناس يشربون منها يسقون منها دوابهم.
والطائفة الثالثة: قيعان ... ما يبقى فيها ماء ولا تنبت، فهذه أمثال قلوب الناس، قلوب طيبة تقبل العلم والفقه في الدين وتعمل به وتعلمه الناس، وقلوب تقبل الحق وتحمل الحق ولكن ما عندها فقه فيه وبصيرة حتى تفرع وتبين وترشد الناس، تحمل العلم وتبلغه ولكن ليس عندها من البصيرة والتفصيل والتفسير والبيان مثل ما عند الطائفة الأولى فهي مثل الأجادب.