رحيل المشاعر
10-14-2020, 11:31 PM
يتطلّب إعداد دراسة شاملة آثاريّة وتاريخيّة وتراثيّة حول البنادق القديمة واستعمالاتها في دولة الإمارات العربية المتحدة، جهداً كبيراً لإحصاء وجمع المادّة العلميّة الخاصّة بهذا الموضوع المتناثر في بطون الكتب والمصادر المختلفة والروايات الشفهيّة. وتوجد بعض الصعوبات في سبيل إعداد هذا النوع مِن الدراسات، مِنها:
1. قلّة المعلومات وعدم توفّر وثائق دقيقة عن هذه الأسلحة، والغالبيّة العظمى منها لا تحتوي على تأريخ صناعتها ولا بيان مكان صنعها.
2. تتوزّع هذه الأسلحة في كافّة أنحاء الإمارات، وكان في السابق لا يكاد يخلو بيت من بندقيّة، وظهرتْ في الإمارات مجموعة مِن جامعي البنادق، مهنةً وهوايةً، وأقاموا لأنفسهم متاحف صغيرة أو غرف عرض في بيوتهم. ومِن أمثلة هؤلاء: محمد بن عبد الله المطوّع، عبد الله بن علي بن راشد الحبسي، أحمد بن خميس بن قيدوه. وكان حينها الوالد عبد الله بن خلفان بن عسكور، رحمه الله، أحد أشهر جامعي التحف التراثيّة والأسلحة القديمة في الإمارات، ولكن معلومات هؤلاء الجامعين قليلة.. كذلك أسماء هذه البنادق.
3. نظراً لقِدم هذه الأسلحة، لا يوجد أحد يعلم متى وصلت إلى المنطقة وأين استُخدِمت، سوى أنّ هذه البنادق كانت تستعمل
.في المعارك والمناسبات والوقائع المختلفة.
4. مع وجود مثل هذه الأسلحة في العديد مِن المتاحف والقلاع والحصون وضمن الممتلكات الخاصّة في الدولة، إلا أنّ أغلب المسؤولين في هذه الأماكن والمالكين لها، لا يعلمون تأريخ صناعة هذه الأسلحة.
5. بنادق كثيرة قد تقلّبت بها الأحوال والأحداث، وتغيّرت أماكنها ومواقعها لمرّات عديدة، وتنقّلت بين أيدي البائعين والمشترين والمالكين، دون تحديد تاريخ معيّن لانتقالها أو لشرائها أو لتحوّلها بين أيدي المالكين.
أنواع
يمكن تقسيم البنادق القديمة الموجودة في الإمارات إلى قسمين، ذلك بناء على طرق وأماكن وكيفيّة استخداماتها، وهي:
أوّلاً: بنادق الأسوار والأبراج: هذه النوعيّة من البنادق تتميّز بطول مواسيرها التي يصل طول بعضها إلى المترين تقريباً، وتستند في وسطها على محور، ولها مؤخّرة كبيرة. وهي مخصّصة للاستخدام مِن فوق أسوار القلاع والحصون والأبراج.. وبعضها مزخرف ومزيّن بالعاج والصدف وأحياناً بالفضّة والذهب. وتختلف هذه البنادق مِن حيث أعداد الطلقات.
ثانياً: بنادق الحمل: وهي بنادق ذات مواسير قصيرة وأوزان خفيفة، وهي عادة ما تحمل على
الأكتاف ولا تفارق الرجل سواء كان راكباً على الإبل أو الخيل أو كان راجلاً. ولهذه البنادق مؤخّرات خشبيّة صغيرة تساعد على الحمل. وأحياناً تشدّ هذه البنادق بأُطر مِن الفضّة أو الذهب، ولها أحزمة جلديّة تشدّ بها على الأكتاف.
طرق
انتشر استعمال البنادق انتشاراً هائلاً في عموم منطقة الخليج العربي منذ القرن الثامن عشر وما بعده. وراجت تجارة تهريب الأسلحة في المنطقة
رواجاً كبيراً إمّا تهريباً أو بيعاً أو شراءً، ما أزعج المحتلّين البريطانيين، وتبيّن ذلك من التقارير التي دوّنها الملاحظون والمراقبون والمعتمدون والوكلاء حول هذه التجارة.
وقد نتج عن ذلك توقيع اتفاقية عام 1902 تحظر انتشار الأسلحة في مدن ومناطق الإمارات. وقد وقّع على الاتفاقية نيابة عن الجانب البريطاني العقيد تشارلز أرنولد كمبال، نائب المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي، ومن الإمارات: شيوخ أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القيوين، آنذاك. وألزمت هذه الاتفاقية شيوخ الإمارات حينذاك، بمنع استيراد وتصدير الأسلحة منعاً باتّا.
صناعة بريطانية
كانت البنادق الرائجة في المنطقة في القرن الـ19، التي انتعشت بانتشارها مع رواج تجارة الأسلحة التي ترجح مصادر كثيرة تشجيع البريطانيين لها، كانت في معظمها بريطانية الصنع، وكانت تهرّب من الساحل الشرقي إلى أفريقيا، وبالذّات مِن زنجبار، إلى مسقط، حيث كانت تباع إلى رجال القبائل.
ومن الغريب أنّ السلطات البريطانية كانت تحاول الحدّ مِن تهريب وتجارة الأسلحة وفي الوقت نفسه كانت العديد من شركات المتاجرة بها مشمولة بالحماية البريطانية. وما ساعد على رواج هذه التجارة الظروف السياسية والعسكرية التي كانت تمرّ بها مدن الإمارات وعموم منطقة الخليج العربي، إضافة إلى كثرة الحروب والاقتتال بين القبائل حينذاك.
كما أنّ الأهالي كانوا مغرمين بامتلاك السلاح والبنادق والرصاص، إذ يراه البعض
وسائل الدفاع والرجولة والحماية. وكان اقتناء البنادق مِن العادات المعروفة والمتوارثة في مجتمع الإمارات منذ القِدم، وكانت الرغبة في التسلّح بدافع الحماية الشخصيّة والدفاع عن النفس ضدّ أيّ خطر أو عدوّ، كما أصبح حمْل السلاح نوعاً مِن التزيّن والتباهي، وأصبح بعض الأهالي يعلّقون هذه البنادق على جدران الغرف للزينة، إضافة إلى استخدام هذه الأسلحة في القنص.
حرفة
تطلّب ازدهار تجارة السلاح في المنطقة وجود حِرفة إصلاحها وتركيبها وتصنيعها. وكان مصلّحو البنادق معروفين بين الناس على الرغم مِن قلّة أعدادهم، ومِن أشهر هؤلاء الجدّ جمعة بن يوسف بن صراي رحمه الله، الذي أمضى أكثر مِن 80 عاماً في مهنة إصلاح البنادق المختلفة.
ورأى الجد في تصليح الأسلحة مهنة مربحة فيها ابتكارات واختراعات تتفق مع ميوله. وكانت هذه الحرفة أطول الحرف مدة في حياته، واستمر عليها حتى سنة وفاته. وتفنّن في هذه الصناعة وكانت من أكبر
أسباب شهرته في الإمارات. وكان يعمل فيها مدّة طويلة من اليوم. كما أجاد في صناعة البارود وصناعة الرصاص وهما متصلان بصناعة الأسلحة.
وبفضل هذه المهنة اتّصل به العديد من الناس من مختلف الإمارات وأخذوا يرسلون له بنادقهم لإصلاحها وتركيبها. فمن دبي كان الشيخ سعيد بن مكتوم يرسل له بنادقه الخاصة، وكذلك الشيخ سلطان بن مقرن، ومن أبوظبي كان الشيخ محمد بن خليفة بن زايد آل نهيّان يرسل له البنادق أيضاً. ومن مصلّحي البنادق في الإمارات، أيضاً : حمدان بو دبس في دبي، علي بن عبيد بن ***ان، أحمد بن سالم المزروع في الشارقة.
وتتضمّن صناعة الأسلحة صناعة خشب مرافس البنادق المعروفة باسم «التخشيب». مع توفّر عدد من الآلات والأدوات في ورشة العمل لاستخدامها في الصناعة والتصليح، مثل المجدح: أي المثقاب، المسامير مختلفة الأنواع والأحجام، المساحل المتعدّدة الأنواع والأحجام والأشكال، المهابيش، المناشير القاطعة للحديد وللأخشاب بأنواعها المختلفة، المصاقيل، الصموغ، آلة مسك الحديد. وكان على مصلّح الأسلحة مراقبة فروقات الأسعار بدقّة وتتبع تطوّرها عبر السنين.
تقانة ودقة
يحتوي البارود على ثلاثة عناصر، هي: ملح الأرض والكبريت والفحم، وكانت صناعته في الإمارات معروفة على الأقلّ بين مصلّحي
وصانعي البنادق والأسلحة، ولذا فهي محدودة الانتشار. وقد أصبحت هذه الصناعة مِن الحِرف التقليديّة التي تتطلّب أيادي ماهرة وخبرة كبيرة.
والمواد المستخدمة هي: قالب لصبّ الرصاص، الرصاص الحلو والصفر والنحاس، وعاء مِن الصفر، شجر الأشخر والشورة والكبريت والقهوة. وتؤخذ أخشاب أو جذوع الأشخر ذات الأحجام المتوسّطة فتقطّع ثمّ توضع في الشمس لتجف ثم توضع في حفرة وتوقد فيها نار هادئة إلى أن تصبح جمراً ثم يوضع على الحفر إناء مِن النحاس وتسدّ منافذ الحفرة بالتراب حتى يظلّ الدخان محبوساً بالداخل مدّة 7 ساعات.
وبعد ذلك تفتح الحفرة ويتمّ استخراج الفحم الأسود ثم تحضّر «الشورة» وتوزن بميزان محدّد ويضاف إليها الكبريت الأصفر بمقدار كيس واحد، وتقلى القهوة وتحمّص بدقّة حتى لا تحترق، وتكون كمّيّة القهوة حسب قبضة اليد وتخلط كلّها وتترك في وعاء محكم بعيداً عن الغبار أو الهواء.
كما يخلط قليل مِن الشورة ومعها مقدار فنجان مِن عصير الليمون وسبع فصوص مِن الثوم وتوضع كلّها في قدر مِن النحاس مع قليل مِن الماء، ثم توضع على النار. وبعدها يتمّ خلط كلّ هذه المواد في قدر كبير، ويجب مراعاة الدقّة في المكاييل والموازين.
متخصصون مهرة
كان يقوم بصناعة الرصاص محلياً، أناس متخصّصون ماهرون، ومِن أشهرهم: الجدّ جمعة بن صراي رحمه الله، الوالد محمد بن سعيد الحبسي
رحمه الله. وتتطلّب عمليّة صنع الرصاصة وجود قالب مِن الحديد وطين منخول ومنقّى مِن الحصى، فيُعجن الطين بالماء ثم يوضع الخليط في القالب الحديدي، وتُحفر في الطين أنواع وأشكال مِن الرصاصات ثم يصبّ في الحفر زيت مقلي ليكوّن مادّة عازلة، ثم يحمّى الرصاص على النار فيصبّ بعد ذلك في الحفر الموجودة في القالب الحديدي.
أمّا صناعة القمعة أو الكبسولة فتتمّ أوّلاً عن طريق تقطيع صفيحة مِن النحاس إلى أشكال مختلفة تشبه الكبسولات ثم توضع داخل آلة حديديّة صغيرة الحجم تتولّى عمليّة ضغط وتركيب الكبسولة على الخشرة أو الصفرة، وهي في الأصل مِن مخلّفات الأواني الفخاريّة، وتعبّأ الخشرة بالبارود بمكيال دقيق ثمّ تسدّ الفتحة بورقة شفّافة رقيقة تلصق بصمغ القرط وتوضع المواد داخل الآلة وتضبط الرصاصة أو الطلقة فيها بشكل محكم، بحيث تكون بحجم الرصاصة.
1879
لم تكن المنطقة تعرف تجارة الأسلحة بصورة منتظمة، إلا بعد ظهور الأوروبيين لا سيما البريطانيين والفرنسيين والهولنديين. وبدأ رواجها في الربع الأخير من القرن التاسع عشر (1879 ـ 1898)، ثم ازدادت بعد ذلك. ولم تتمكّن المعاهدات والقوانين والتنظيمات وسلطة الاحتلال البريطاني والسلطات العمانية والفارسية من إيقاف هذه التجارة.. وقد كانت البنادق أكثر الأسلحة انتشاراً ورواجاً.
أحجام وأحزمة
كانت الطلقات في البداية تشبه حبّة البندق، وبعضها اسطواني الشكل تقريباً، كبير الحجم نوعاً ما. ومع تطوّر صناعة البنادق وزيادة مداها أضحت الطلقات كبيرة الحجم. وكانت توضع في أحزمة خاصّة ذات حلقات جلديّة تثبّت فيها، ويعلّق في وسط المحزم خنجر، وتسمّى طلقات الأسلحة (الرصاص) باسم «الزانة».
«أم خمس»
تعدّدت أسماء البنادق في اللهجة المحلّيّة، حسب أشكالها وأحجامها وطريقة استعمالها وحسب إطلاق النار فيها وإشعالها وأعداد طلقاتها وأماكن صناعتها وطريقة نطقها في لغاتها الأصليّة. ومِن أشهر هذه البنادق: أم خمس وأم صلبوخ وأم عشر وأم فتيلة وبيكر وسكتون والصمعة والمشرّخ وميزر. ومِن الملاحظ على هذه الأسماء أنّها غالباً ما تكون ألفاظاً محلّيّة تشير إلى شكل البندقيّة، وبعض الأسماء هي عبارة عن ألفاظ محرّفة مِن أسماء أوروبيّة، وبعضها أخذت أسماءها مِن أسماء الشركات التي صنعتها
1. قلّة المعلومات وعدم توفّر وثائق دقيقة عن هذه الأسلحة، والغالبيّة العظمى منها لا تحتوي على تأريخ صناعتها ولا بيان مكان صنعها.
2. تتوزّع هذه الأسلحة في كافّة أنحاء الإمارات، وكان في السابق لا يكاد يخلو بيت من بندقيّة، وظهرتْ في الإمارات مجموعة مِن جامعي البنادق، مهنةً وهوايةً، وأقاموا لأنفسهم متاحف صغيرة أو غرف عرض في بيوتهم. ومِن أمثلة هؤلاء: محمد بن عبد الله المطوّع، عبد الله بن علي بن راشد الحبسي، أحمد بن خميس بن قيدوه. وكان حينها الوالد عبد الله بن خلفان بن عسكور، رحمه الله، أحد أشهر جامعي التحف التراثيّة والأسلحة القديمة في الإمارات، ولكن معلومات هؤلاء الجامعين قليلة.. كذلك أسماء هذه البنادق.
3. نظراً لقِدم هذه الأسلحة، لا يوجد أحد يعلم متى وصلت إلى المنطقة وأين استُخدِمت، سوى أنّ هذه البنادق كانت تستعمل
.في المعارك والمناسبات والوقائع المختلفة.
4. مع وجود مثل هذه الأسلحة في العديد مِن المتاحف والقلاع والحصون وضمن الممتلكات الخاصّة في الدولة، إلا أنّ أغلب المسؤولين في هذه الأماكن والمالكين لها، لا يعلمون تأريخ صناعة هذه الأسلحة.
5. بنادق كثيرة قد تقلّبت بها الأحوال والأحداث، وتغيّرت أماكنها ومواقعها لمرّات عديدة، وتنقّلت بين أيدي البائعين والمشترين والمالكين، دون تحديد تاريخ معيّن لانتقالها أو لشرائها أو لتحوّلها بين أيدي المالكين.
أنواع
يمكن تقسيم البنادق القديمة الموجودة في الإمارات إلى قسمين، ذلك بناء على طرق وأماكن وكيفيّة استخداماتها، وهي:
أوّلاً: بنادق الأسوار والأبراج: هذه النوعيّة من البنادق تتميّز بطول مواسيرها التي يصل طول بعضها إلى المترين تقريباً، وتستند في وسطها على محور، ولها مؤخّرة كبيرة. وهي مخصّصة للاستخدام مِن فوق أسوار القلاع والحصون والأبراج.. وبعضها مزخرف ومزيّن بالعاج والصدف وأحياناً بالفضّة والذهب. وتختلف هذه البنادق مِن حيث أعداد الطلقات.
ثانياً: بنادق الحمل: وهي بنادق ذات مواسير قصيرة وأوزان خفيفة، وهي عادة ما تحمل على
الأكتاف ولا تفارق الرجل سواء كان راكباً على الإبل أو الخيل أو كان راجلاً. ولهذه البنادق مؤخّرات خشبيّة صغيرة تساعد على الحمل. وأحياناً تشدّ هذه البنادق بأُطر مِن الفضّة أو الذهب، ولها أحزمة جلديّة تشدّ بها على الأكتاف.
طرق
انتشر استعمال البنادق انتشاراً هائلاً في عموم منطقة الخليج العربي منذ القرن الثامن عشر وما بعده. وراجت تجارة تهريب الأسلحة في المنطقة
رواجاً كبيراً إمّا تهريباً أو بيعاً أو شراءً، ما أزعج المحتلّين البريطانيين، وتبيّن ذلك من التقارير التي دوّنها الملاحظون والمراقبون والمعتمدون والوكلاء حول هذه التجارة.
وقد نتج عن ذلك توقيع اتفاقية عام 1902 تحظر انتشار الأسلحة في مدن ومناطق الإمارات. وقد وقّع على الاتفاقية نيابة عن الجانب البريطاني العقيد تشارلز أرنولد كمبال، نائب المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي، ومن الإمارات: شيوخ أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القيوين، آنذاك. وألزمت هذه الاتفاقية شيوخ الإمارات حينذاك، بمنع استيراد وتصدير الأسلحة منعاً باتّا.
صناعة بريطانية
كانت البنادق الرائجة في المنطقة في القرن الـ19، التي انتعشت بانتشارها مع رواج تجارة الأسلحة التي ترجح مصادر كثيرة تشجيع البريطانيين لها، كانت في معظمها بريطانية الصنع، وكانت تهرّب من الساحل الشرقي إلى أفريقيا، وبالذّات مِن زنجبار، إلى مسقط، حيث كانت تباع إلى رجال القبائل.
ومن الغريب أنّ السلطات البريطانية كانت تحاول الحدّ مِن تهريب وتجارة الأسلحة وفي الوقت نفسه كانت العديد من شركات المتاجرة بها مشمولة بالحماية البريطانية. وما ساعد على رواج هذه التجارة الظروف السياسية والعسكرية التي كانت تمرّ بها مدن الإمارات وعموم منطقة الخليج العربي، إضافة إلى كثرة الحروب والاقتتال بين القبائل حينذاك.
كما أنّ الأهالي كانوا مغرمين بامتلاك السلاح والبنادق والرصاص، إذ يراه البعض
وسائل الدفاع والرجولة والحماية. وكان اقتناء البنادق مِن العادات المعروفة والمتوارثة في مجتمع الإمارات منذ القِدم، وكانت الرغبة في التسلّح بدافع الحماية الشخصيّة والدفاع عن النفس ضدّ أيّ خطر أو عدوّ، كما أصبح حمْل السلاح نوعاً مِن التزيّن والتباهي، وأصبح بعض الأهالي يعلّقون هذه البنادق على جدران الغرف للزينة، إضافة إلى استخدام هذه الأسلحة في القنص.
حرفة
تطلّب ازدهار تجارة السلاح في المنطقة وجود حِرفة إصلاحها وتركيبها وتصنيعها. وكان مصلّحو البنادق معروفين بين الناس على الرغم مِن قلّة أعدادهم، ومِن أشهر هؤلاء الجدّ جمعة بن يوسف بن صراي رحمه الله، الذي أمضى أكثر مِن 80 عاماً في مهنة إصلاح البنادق المختلفة.
ورأى الجد في تصليح الأسلحة مهنة مربحة فيها ابتكارات واختراعات تتفق مع ميوله. وكانت هذه الحرفة أطول الحرف مدة في حياته، واستمر عليها حتى سنة وفاته. وتفنّن في هذه الصناعة وكانت من أكبر
أسباب شهرته في الإمارات. وكان يعمل فيها مدّة طويلة من اليوم. كما أجاد في صناعة البارود وصناعة الرصاص وهما متصلان بصناعة الأسلحة.
وبفضل هذه المهنة اتّصل به العديد من الناس من مختلف الإمارات وأخذوا يرسلون له بنادقهم لإصلاحها وتركيبها. فمن دبي كان الشيخ سعيد بن مكتوم يرسل له بنادقه الخاصة، وكذلك الشيخ سلطان بن مقرن، ومن أبوظبي كان الشيخ محمد بن خليفة بن زايد آل نهيّان يرسل له البنادق أيضاً. ومن مصلّحي البنادق في الإمارات، أيضاً : حمدان بو دبس في دبي، علي بن عبيد بن ***ان، أحمد بن سالم المزروع في الشارقة.
وتتضمّن صناعة الأسلحة صناعة خشب مرافس البنادق المعروفة باسم «التخشيب». مع توفّر عدد من الآلات والأدوات في ورشة العمل لاستخدامها في الصناعة والتصليح، مثل المجدح: أي المثقاب، المسامير مختلفة الأنواع والأحجام، المساحل المتعدّدة الأنواع والأحجام والأشكال، المهابيش، المناشير القاطعة للحديد وللأخشاب بأنواعها المختلفة، المصاقيل، الصموغ، آلة مسك الحديد. وكان على مصلّح الأسلحة مراقبة فروقات الأسعار بدقّة وتتبع تطوّرها عبر السنين.
تقانة ودقة
يحتوي البارود على ثلاثة عناصر، هي: ملح الأرض والكبريت والفحم، وكانت صناعته في الإمارات معروفة على الأقلّ بين مصلّحي
وصانعي البنادق والأسلحة، ولذا فهي محدودة الانتشار. وقد أصبحت هذه الصناعة مِن الحِرف التقليديّة التي تتطلّب أيادي ماهرة وخبرة كبيرة.
والمواد المستخدمة هي: قالب لصبّ الرصاص، الرصاص الحلو والصفر والنحاس، وعاء مِن الصفر، شجر الأشخر والشورة والكبريت والقهوة. وتؤخذ أخشاب أو جذوع الأشخر ذات الأحجام المتوسّطة فتقطّع ثمّ توضع في الشمس لتجف ثم توضع في حفرة وتوقد فيها نار هادئة إلى أن تصبح جمراً ثم يوضع على الحفر إناء مِن النحاس وتسدّ منافذ الحفرة بالتراب حتى يظلّ الدخان محبوساً بالداخل مدّة 7 ساعات.
وبعد ذلك تفتح الحفرة ويتمّ استخراج الفحم الأسود ثم تحضّر «الشورة» وتوزن بميزان محدّد ويضاف إليها الكبريت الأصفر بمقدار كيس واحد، وتقلى القهوة وتحمّص بدقّة حتى لا تحترق، وتكون كمّيّة القهوة حسب قبضة اليد وتخلط كلّها وتترك في وعاء محكم بعيداً عن الغبار أو الهواء.
كما يخلط قليل مِن الشورة ومعها مقدار فنجان مِن عصير الليمون وسبع فصوص مِن الثوم وتوضع كلّها في قدر مِن النحاس مع قليل مِن الماء، ثم توضع على النار. وبعدها يتمّ خلط كلّ هذه المواد في قدر كبير، ويجب مراعاة الدقّة في المكاييل والموازين.
متخصصون مهرة
كان يقوم بصناعة الرصاص محلياً، أناس متخصّصون ماهرون، ومِن أشهرهم: الجدّ جمعة بن صراي رحمه الله، الوالد محمد بن سعيد الحبسي
رحمه الله. وتتطلّب عمليّة صنع الرصاصة وجود قالب مِن الحديد وطين منخول ومنقّى مِن الحصى، فيُعجن الطين بالماء ثم يوضع الخليط في القالب الحديدي، وتُحفر في الطين أنواع وأشكال مِن الرصاصات ثم يصبّ في الحفر زيت مقلي ليكوّن مادّة عازلة، ثم يحمّى الرصاص على النار فيصبّ بعد ذلك في الحفر الموجودة في القالب الحديدي.
أمّا صناعة القمعة أو الكبسولة فتتمّ أوّلاً عن طريق تقطيع صفيحة مِن النحاس إلى أشكال مختلفة تشبه الكبسولات ثم توضع داخل آلة حديديّة صغيرة الحجم تتولّى عمليّة ضغط وتركيب الكبسولة على الخشرة أو الصفرة، وهي في الأصل مِن مخلّفات الأواني الفخاريّة، وتعبّأ الخشرة بالبارود بمكيال دقيق ثمّ تسدّ الفتحة بورقة شفّافة رقيقة تلصق بصمغ القرط وتوضع المواد داخل الآلة وتضبط الرصاصة أو الطلقة فيها بشكل محكم، بحيث تكون بحجم الرصاصة.
1879
لم تكن المنطقة تعرف تجارة الأسلحة بصورة منتظمة، إلا بعد ظهور الأوروبيين لا سيما البريطانيين والفرنسيين والهولنديين. وبدأ رواجها في الربع الأخير من القرن التاسع عشر (1879 ـ 1898)، ثم ازدادت بعد ذلك. ولم تتمكّن المعاهدات والقوانين والتنظيمات وسلطة الاحتلال البريطاني والسلطات العمانية والفارسية من إيقاف هذه التجارة.. وقد كانت البنادق أكثر الأسلحة انتشاراً ورواجاً.
أحجام وأحزمة
كانت الطلقات في البداية تشبه حبّة البندق، وبعضها اسطواني الشكل تقريباً، كبير الحجم نوعاً ما. ومع تطوّر صناعة البنادق وزيادة مداها أضحت الطلقات كبيرة الحجم. وكانت توضع في أحزمة خاصّة ذات حلقات جلديّة تثبّت فيها، ويعلّق في وسط المحزم خنجر، وتسمّى طلقات الأسلحة (الرصاص) باسم «الزانة».
«أم خمس»
تعدّدت أسماء البنادق في اللهجة المحلّيّة، حسب أشكالها وأحجامها وطريقة استعمالها وحسب إطلاق النار فيها وإشعالها وأعداد طلقاتها وأماكن صناعتها وطريقة نطقها في لغاتها الأصليّة. ومِن أشهر هذه البنادق: أم خمس وأم صلبوخ وأم عشر وأم فتيلة وبيكر وسكتون والصمعة والمشرّخ وميزر. ومِن الملاحظ على هذه الأسماء أنّها غالباً ما تكون ألفاظاً محلّيّة تشير إلى شكل البندقيّة، وبعض الأسماء هي عبارة عن ألفاظ محرّفة مِن أسماء أوروبيّة، وبعضها أخذت أسماءها مِن أسماء الشركات التي صنعتها