صاحبة السمو
06-05-2020, 11:09 PM
قال المصنف رحمه الله: (وَهُوَ: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبَرَاءَةُ مِنَ الشِّركِ وَأَهْلِهِ).
الشرح الإجمالي:
(وهو): أي الإسلام العام: (الاستسلام لله) لا لغيره، فالمستسلم لله ولغيره مشرك، والممتنع عن الاستسلام له مستكبر، ويكون الاستسلام (بالتوحيد)، وهو إفراد الله جل وعلا بالعبادة، فمن عبَد الله وحده لا شريك له، فقد استسلم له، (و) مع استسلام العبد بالتوحيد لله يجب عليه: (الانقياد) والإذعان (له)؛ أي: لله جل وعلا (بالطاعة)؛ وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ لأن الطاعة طاعة في الأمر بفعله، وطاعة في النهي بتركه، (و) هذا الاستسلام والانقياد يتضمن (البراءة) بأن يتبرأ المسلم (من) أعمال وأقوال (الشرك)، ويعتقد بطلانها، (و) يتبرأ من (أهله) معاديًا لهم، غير متشبه بهم في قول أو فعل، وهذه هي حقيقة الإسلام [1].
الشرح التفصيلي:
بيَّن المصنف هنا تعريف الإسلام بمعناه العام؛ فقال في تعريفه: (وهو: الاستسلام لله بالتوحيد)، ولو قال: (وهو: الإسلام لله بالتوحيد)، لصحَّ تعريفه، فالإسلام لله، والاستسلام لله بمعنى واحد؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [الزمر: 54]، وقوله: (بالتوحيد): يشمل: توحيد الله جل وعلا في ألوهيته، وفي ربوبيته، وفي أسمائه وصفاته، والمقصود الأخص من هذه الثلاثة هو: توحيد الألوهية والعبادة؛ لأن الخصومة وقعت فيه، وهذا التوحيد متضمن لتوحيد الربوبية ولتوحيد الأسماء والصفات[2]؛ فالاستسلام لله بالتوحيد معناه: الإذعان والانقياد والخضوع لله بتوحيده في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته [3]؛ فالاستسلام لله جل وعلا يجمعُ معنيين:
أحدهما: الانقياد لله، وهذا يتضمن الاستسلام لأمره، ولنهيه، ولقضائه؛ فيتناول فعل المأمور، وترك المحظور، والصبر على المقدور.
والثاني: إخلاص ذلك لله؛ كما قال تعالى: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 29]؛ أي: خالصًا له، ليس لأحدٍ فيه شيء، وهذا هو الاستسلام لله دون ما سواه، فمن لم ينقد لربه ويستسلم له لم يكن مسلمًا، ومن استسلم لغيره كما يستسلم له، لم يكن مسلمًا، ومن استسلم له وحده، فهو المسلم[4]، فالإسلام هو أن يستسلم العبد لله رب العالمين، فلا يعبد إلا الله وحده لا شريك له، ولا يستكبر عن عبادته وطاعته وطاعة رسله؛ فالإسلام ينافي الشرك والكبر[5].
قال المصنف: (والانقياد له بالطاعة): فلا يكون المرء مسلمًا إلا بانقياده لله جل وعلا ظاهرًا وباطنًا، فهذا هو دين الإسلام الذي ارتضاه الله كما دلَّت عليه نصوص الكتاب والسنة، فمن أسلم وانقاد بظاهره دون باطنه فهو منافق، والانقياد لله من لوازم الاستسلام لله تعالى، وإنما أفرده المصنف بذكر مستقل؛ لأنه أراد أن يحصل في هذا التعريف الإحاطة بالإسلام الظاهري والباطني.
قال المصنف: (والبراءة من الشرك وأهله).
أصل معنى البراء في اللغة: التباعد من الشيء ومزايلته ومفارقته[6]، ويدل هذا التعريف على أن الإسلام لا يتحقَّق بدون البراءة من الشرك وأهله، فلا يحصل تمام الاستسلام لله بالتوحيد إلا بالبراءة من الشرك وأهله؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 256]، فجَعَل الاستمساك بالعروة الوثقى مُرَتبة على الأمرين: الإيمان بالله تعالى، والكفر بالطاغوت، والكفر بالطاغوت هو: بُغضه، والبراءة منه، ومعاداة أهله، وهم أهل الشرك.
وأصل البراءة: بُغض القلب للشرك وأهله، ويتبع هذا البغض تكفير من كفَّره الله جل وعلا ورسوله، ومعاداتهم، وجهادهم عند مشروعية الجهاد، فالبراءة من الشرك أصلها البغض، ويَتْبَعُ البغضَ أشياءُ، هي: المعاداة، والتكفير، والمقاتلة، وكلها تَبَعٌ للعلم، فالعامة - وهم من ليسوا علماء - عليهم من البراءة أصلها وهو البُغض، وأما فروعها فإنما هي بحسب درجات العلم، فلا بد أن يُبْغِض الشرك، فلو كان يحب الإسلام وأهله، ولكنه لا يبغض الشرك وأهله، فإنه ليس بمسلم، وقد يبغض الشرك وأهل الشرك باعتبار الأصل، لكنه يحب بعض المشركين لغرض من أغراض الدنيا، فهذا ليس بمشرك، وإنما ناقصٌ إسلامه[7]، وقد ورد في بعض نسخ رسالة: "ثلاثة الأصول" عبارة: (والخلوص من الشرك) بدلًا من: (والبراءة من الشرك وأهله)، وهذه ليست في النسخ المعتمدة، وإنما الموجود في النسخ المعتمدة: (الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله)، ولفظ (البراءة من الشرك وأهله)، أدل على المراد من لفظ: (الخلوص من الشرك)؛ لأن الخلوص من الشرك إنما هو خروج عن الشرك، وليس فيه معنى البراءة من الشرك وأهله، ويؤيده أن هذا اللفظ هو المناسب للاستدلال الذي استدل به الشيخ لاحقًا، وهو قوله تعالى في سورة الزخرف: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ﴾ [الزخرف: 26]، فذَكَر في الآية لفظ البراءة، وهو الذي يناسب هذا التعريف[8]؛ فالتعبير بالبراءة أولى من التعبير بالخلوص؛ لأنها هي الواردة في الخطاب الشرعي، ولأن الخلوص لا يدل على وفاء الترك كما يدله لفظ البراءة؛ فإن لفظ البراءة أدل على الموافاة بترك ما يُباين ذلك بخلاف لفظ الخلوص، فلا يدل على ذلك بالقوة نفسها [9].
والإسلام الشرعي له إطلاقان:
أحدهما: عام، وهو الدين المشترك لجميع الأنبياء والرسل، فالإسلام العام هو دين الأنبياء جميعًا، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وهو الذي بُعث به جميع الأنبياء، وخوطب به جميع الخلق، وقد عرَّفه المصنف هنا بقوله: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، وحقيقته: هو الاستسلام لله بالتوحيد، فالجملتان الآتيتان بعده من الانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، هما من جملة الاستسلام لله، فإن العبد إذا استسلم لله انقاد له بالطاعة، وبَرِئَ مِن الشرك وأهله، لكن صُرِّح بهما اعتناءً بهما[10].
والآخر: خاص، وله معنيان أيضًا:
أولهما: ما اختصَّ به محمد صلى الله عليه وسلم من الدين والشرعة والمنهاج؛ فإنه يسمى إسلامًا.
والثاني: الأعمال الظاهرة، فإنها تسمى إسلامًا، وهذا المعنى هو المقصود إذا قُرِنَ الإسلام بالإيمان والإحسان[11].
والمصنف رحمه الله تعالى جمع في تعريفه للإسلام بمعناه العام بين الحقيقة الشرعية للإسلام وأصوله، والمعاني اللغوية التي ذكرها اللغويون في تعريفه من الإخلاص والانقياد والسلامة والبراءة، وهو أفضل من عَرَّف الإسلام، وأتى بحقيقته وأوضَحه وفسَّره، وبين أصوله وقواعده، بتعريف جامع مانع[12]، فلا يصح إسلام العبد حتى يوحِّد الله جل وعلا، وينقاد له بالطاعة، ويتبرأ من الشرك وأهله[13].
[1] ينظر: حاشية ثلاثة الأصول، عبدالرحمن بن قاسم (46)؛ وتيسير الوصول شرح ثلاثة الأصول، د. عبدالمحسن القاسم (113-116).
[2] شرح ثلاثة الأصول، صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ (127).
[3] شرح ثلاثة الأصول، خالد بن علي الغامدي (124)، الناشر: دار أطلس الخضراء، الرياض، ط الأولى: 1435هـ.
[4] ينظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية (28/ 174)؛ وجامع المسائل، لابن تيمية (6/ 219)، تحقيق: محمد عزيز؛ وكتاب النبوات، لابن تيمية (1/ 328)، تحقيق: د. عبدالعزيز الطويان.
[5] جامع المسائل، لابن تيمية (6/ 230)، تحقيق: محمد عزيز، مطبوعات: مجمع الفقه الإسلامي.
[6] ينظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس (111)؛ والقاموس المحيط، للفيروزآبادي (42).
[7] شرح ثلاثة الأصول، صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ (129).
[8] ينظر: التنبيهات المختصرة شرح الواجبات المتحتمات المعرفة على كل مسلم ومسلمة، إبراهيم الخريصي (21)؛ وشرح ثلاثة الأصول، صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ (124).
[9] التعليقات على القول السديد فيما يجب لله تعالى على العبيد، للشيخ صالح بن عبدالله العصيمي (19).
[10] تعليقات على ثلاثة الأصول، صالح بن عبدالله العصيمي.
[11] ينظر: الفتاوى، لابن تيمية (7/ 635-636)؛ وشرح ثلاثة الأصول، صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ (125)؛ وتعليقات على ثلاثة الأصول، صالح بن عبدالله العصيمي (32).
[12] ينظر: شرح ثلاثة الأصول، خالد بن علي الغامدي (124).
[13] شرح ثلاثة الأصول، حمد بن عبدالله الحمد (16).
الشرح الإجمالي:
(وهو): أي الإسلام العام: (الاستسلام لله) لا لغيره، فالمستسلم لله ولغيره مشرك، والممتنع عن الاستسلام له مستكبر، ويكون الاستسلام (بالتوحيد)، وهو إفراد الله جل وعلا بالعبادة، فمن عبَد الله وحده لا شريك له، فقد استسلم له، (و) مع استسلام العبد بالتوحيد لله يجب عليه: (الانقياد) والإذعان (له)؛ أي: لله جل وعلا (بالطاعة)؛ وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ لأن الطاعة طاعة في الأمر بفعله، وطاعة في النهي بتركه، (و) هذا الاستسلام والانقياد يتضمن (البراءة) بأن يتبرأ المسلم (من) أعمال وأقوال (الشرك)، ويعتقد بطلانها، (و) يتبرأ من (أهله) معاديًا لهم، غير متشبه بهم في قول أو فعل، وهذه هي حقيقة الإسلام [1].
الشرح التفصيلي:
بيَّن المصنف هنا تعريف الإسلام بمعناه العام؛ فقال في تعريفه: (وهو: الاستسلام لله بالتوحيد)، ولو قال: (وهو: الإسلام لله بالتوحيد)، لصحَّ تعريفه، فالإسلام لله، والاستسلام لله بمعنى واحد؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [الزمر: 54]، وقوله: (بالتوحيد): يشمل: توحيد الله جل وعلا في ألوهيته، وفي ربوبيته، وفي أسمائه وصفاته، والمقصود الأخص من هذه الثلاثة هو: توحيد الألوهية والعبادة؛ لأن الخصومة وقعت فيه، وهذا التوحيد متضمن لتوحيد الربوبية ولتوحيد الأسماء والصفات[2]؛ فالاستسلام لله بالتوحيد معناه: الإذعان والانقياد والخضوع لله بتوحيده في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته [3]؛ فالاستسلام لله جل وعلا يجمعُ معنيين:
أحدهما: الانقياد لله، وهذا يتضمن الاستسلام لأمره، ولنهيه، ولقضائه؛ فيتناول فعل المأمور، وترك المحظور، والصبر على المقدور.
والثاني: إخلاص ذلك لله؛ كما قال تعالى: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 29]؛ أي: خالصًا له، ليس لأحدٍ فيه شيء، وهذا هو الاستسلام لله دون ما سواه، فمن لم ينقد لربه ويستسلم له لم يكن مسلمًا، ومن استسلم لغيره كما يستسلم له، لم يكن مسلمًا، ومن استسلم له وحده، فهو المسلم[4]، فالإسلام هو أن يستسلم العبد لله رب العالمين، فلا يعبد إلا الله وحده لا شريك له، ولا يستكبر عن عبادته وطاعته وطاعة رسله؛ فالإسلام ينافي الشرك والكبر[5].
قال المصنف: (والانقياد له بالطاعة): فلا يكون المرء مسلمًا إلا بانقياده لله جل وعلا ظاهرًا وباطنًا، فهذا هو دين الإسلام الذي ارتضاه الله كما دلَّت عليه نصوص الكتاب والسنة، فمن أسلم وانقاد بظاهره دون باطنه فهو منافق، والانقياد لله من لوازم الاستسلام لله تعالى، وإنما أفرده المصنف بذكر مستقل؛ لأنه أراد أن يحصل في هذا التعريف الإحاطة بالإسلام الظاهري والباطني.
قال المصنف: (والبراءة من الشرك وأهله).
أصل معنى البراء في اللغة: التباعد من الشيء ومزايلته ومفارقته[6]، ويدل هذا التعريف على أن الإسلام لا يتحقَّق بدون البراءة من الشرك وأهله، فلا يحصل تمام الاستسلام لله بالتوحيد إلا بالبراءة من الشرك وأهله؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 256]، فجَعَل الاستمساك بالعروة الوثقى مُرَتبة على الأمرين: الإيمان بالله تعالى، والكفر بالطاغوت، والكفر بالطاغوت هو: بُغضه، والبراءة منه، ومعاداة أهله، وهم أهل الشرك.
وأصل البراءة: بُغض القلب للشرك وأهله، ويتبع هذا البغض تكفير من كفَّره الله جل وعلا ورسوله، ومعاداتهم، وجهادهم عند مشروعية الجهاد، فالبراءة من الشرك أصلها البغض، ويَتْبَعُ البغضَ أشياءُ، هي: المعاداة، والتكفير، والمقاتلة، وكلها تَبَعٌ للعلم، فالعامة - وهم من ليسوا علماء - عليهم من البراءة أصلها وهو البُغض، وأما فروعها فإنما هي بحسب درجات العلم، فلا بد أن يُبْغِض الشرك، فلو كان يحب الإسلام وأهله، ولكنه لا يبغض الشرك وأهله، فإنه ليس بمسلم، وقد يبغض الشرك وأهل الشرك باعتبار الأصل، لكنه يحب بعض المشركين لغرض من أغراض الدنيا، فهذا ليس بمشرك، وإنما ناقصٌ إسلامه[7]، وقد ورد في بعض نسخ رسالة: "ثلاثة الأصول" عبارة: (والخلوص من الشرك) بدلًا من: (والبراءة من الشرك وأهله)، وهذه ليست في النسخ المعتمدة، وإنما الموجود في النسخ المعتمدة: (الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله)، ولفظ (البراءة من الشرك وأهله)، أدل على المراد من لفظ: (الخلوص من الشرك)؛ لأن الخلوص من الشرك إنما هو خروج عن الشرك، وليس فيه معنى البراءة من الشرك وأهله، ويؤيده أن هذا اللفظ هو المناسب للاستدلال الذي استدل به الشيخ لاحقًا، وهو قوله تعالى في سورة الزخرف: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ﴾ [الزخرف: 26]، فذَكَر في الآية لفظ البراءة، وهو الذي يناسب هذا التعريف[8]؛ فالتعبير بالبراءة أولى من التعبير بالخلوص؛ لأنها هي الواردة في الخطاب الشرعي، ولأن الخلوص لا يدل على وفاء الترك كما يدله لفظ البراءة؛ فإن لفظ البراءة أدل على الموافاة بترك ما يُباين ذلك بخلاف لفظ الخلوص، فلا يدل على ذلك بالقوة نفسها [9].
والإسلام الشرعي له إطلاقان:
أحدهما: عام، وهو الدين المشترك لجميع الأنبياء والرسل، فالإسلام العام هو دين الأنبياء جميعًا، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وهو الذي بُعث به جميع الأنبياء، وخوطب به جميع الخلق، وقد عرَّفه المصنف هنا بقوله: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، وحقيقته: هو الاستسلام لله بالتوحيد، فالجملتان الآتيتان بعده من الانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، هما من جملة الاستسلام لله، فإن العبد إذا استسلم لله انقاد له بالطاعة، وبَرِئَ مِن الشرك وأهله، لكن صُرِّح بهما اعتناءً بهما[10].
والآخر: خاص، وله معنيان أيضًا:
أولهما: ما اختصَّ به محمد صلى الله عليه وسلم من الدين والشرعة والمنهاج؛ فإنه يسمى إسلامًا.
والثاني: الأعمال الظاهرة، فإنها تسمى إسلامًا، وهذا المعنى هو المقصود إذا قُرِنَ الإسلام بالإيمان والإحسان[11].
والمصنف رحمه الله تعالى جمع في تعريفه للإسلام بمعناه العام بين الحقيقة الشرعية للإسلام وأصوله، والمعاني اللغوية التي ذكرها اللغويون في تعريفه من الإخلاص والانقياد والسلامة والبراءة، وهو أفضل من عَرَّف الإسلام، وأتى بحقيقته وأوضَحه وفسَّره، وبين أصوله وقواعده، بتعريف جامع مانع[12]، فلا يصح إسلام العبد حتى يوحِّد الله جل وعلا، وينقاد له بالطاعة، ويتبرأ من الشرك وأهله[13].
[1] ينظر: حاشية ثلاثة الأصول، عبدالرحمن بن قاسم (46)؛ وتيسير الوصول شرح ثلاثة الأصول، د. عبدالمحسن القاسم (113-116).
[2] شرح ثلاثة الأصول، صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ (127).
[3] شرح ثلاثة الأصول، خالد بن علي الغامدي (124)، الناشر: دار أطلس الخضراء، الرياض، ط الأولى: 1435هـ.
[4] ينظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية (28/ 174)؛ وجامع المسائل، لابن تيمية (6/ 219)، تحقيق: محمد عزيز؛ وكتاب النبوات، لابن تيمية (1/ 328)، تحقيق: د. عبدالعزيز الطويان.
[5] جامع المسائل، لابن تيمية (6/ 230)، تحقيق: محمد عزيز، مطبوعات: مجمع الفقه الإسلامي.
[6] ينظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس (111)؛ والقاموس المحيط، للفيروزآبادي (42).
[7] شرح ثلاثة الأصول، صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ (129).
[8] ينظر: التنبيهات المختصرة شرح الواجبات المتحتمات المعرفة على كل مسلم ومسلمة، إبراهيم الخريصي (21)؛ وشرح ثلاثة الأصول، صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ (124).
[9] التعليقات على القول السديد فيما يجب لله تعالى على العبيد، للشيخ صالح بن عبدالله العصيمي (19).
[10] تعليقات على ثلاثة الأصول، صالح بن عبدالله العصيمي.
[11] ينظر: الفتاوى، لابن تيمية (7/ 635-636)؛ وشرح ثلاثة الأصول، صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ (125)؛ وتعليقات على ثلاثة الأصول، صالح بن عبدالله العصيمي (32).
[12] ينظر: شرح ثلاثة الأصول، خالد بن علي الغامدي (124).
[13] شرح ثلاثة الأصول، حمد بن عبدالله الحمد (16).