aksGin
12-10-2019, 01:47 AM
ابن الأثير
هو الإمام البارع مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري ثم الموصلي المعروف بابن الأثير.
ولد في أحد الربيعين سنة أربع وأربعين وخمسمائة في جزيرة ابن عمر، وهي - على ما يقول ياقوت الحموي معاصر المؤلف - بلدة فوق الموصل؛ بينهما ثلاثة أيام، ونشأ بها وتلقى من علمائها معارفه الأولى، من تفسير وحديث ونحو ولغة وفقه، ثم تحول سنة (565 هـ) إلى الموصل، وفيها بدأت معارفه تنضج وثقافته تزداد، وأقام بها إلى أن توفي.
قرأ الأدب على ناصح الدين أبي محمد سعيد بن المبارك بن الدهان البغدادي، وأبي بكر يحيى بن سعدون القرطبي، وأبي الحزم مكي بن الريان بن شبَّة النحوي الضرير، وسمع الحديث بالموصل من جماعة، منهم خطيب الموصل أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد الطوسي، وقدم بغداد حاجًا فسمع بها من أبي القاسم صاحب ابن الخلِّ، وعبد الوهاب بن سُكينة، وعاد إلى الموصل فروى بها وحدَّث وانتفع به الناس.
وصفه من أرخ له بأنه كان من محاسن الزمن، ذا دين متين، وطريقة مستقيمة، عارِفًا، فاضلًا، وَرِعًا، عاقلًا، مطاعًا، رئيسًا، مُشاورًا، ذا بر وإحسان. قد جمع بين علم العربية والقرآن والنحو واللغة والحديث والفقه، وصنف تصانيف مشهورة وألف كتبًا مفيدة؛ منها: "غريب الحديث" على حروف المعجم، وهو المعروف بـ"النهاية"، و"الشافي شرح مسند الشافعي"، و"الإنصاف بين الكشف والكشاف" جمع فيه بين تفسيري الثعلبي والزمخشري، و"البديع" في النحو، و"الباهر في الفروق" في النحو أيضًا. و"تهذيب فصول ابن الدهان"، و"المصطفى المختار من الأدعية والأذكار" و"كتاب لطيف في صناعة الكتابة" وله رسائل في الحساب مُجَدْوَلات، وكتاب ديوان رسائله: كتاب البنين والبنات، والآباء والأمهات، والأذواء والذوات. و"جامع الأصول في أحاديث الرسول" وهو هذا الكتاب. إلى غير ذلك من المؤلفات القيمة والمصنفات النافعة.
قال ياقوت الحموي في "معجم الأدباء": حدثني أخوه أبو الحسن قال: تولى أخي أبو السعادات الخزانة لسيف الدين الغازي بن مودود بن زنكي، ثم ولاه ديوان جزيرة ابن عمر وأعمالها، ثم عاد إلى الموصل، فناب في الديوان عند الوزير جلال الدين أبي الحسن علي بن جمال الدين محمد بن منصور الأصبهاني، ثم اتصل بمجاهد الدين قايماز - وكان نائب المملكة - بالموصل أيضًا، فنال عنده درجة رفيعة، فلما قُبِضَ على مجاهد الدين سنة 589 هـ[1] اتصل بخدمة أتابَك عز الدين مسعود بن مودود إلى أن توفي عز الدين وآل الأمر إلى ولده نور الدين شاه، فاتصل بخدمته حتى صار واحد دولته حقيقة، بحيث إن السلطان كان يقصده في منزله في مهام نفسه، لأنه أُقعد في آخر زمانه، فكانت الحركة تصعب عليه، فكان يجيئه بنفسه أو يرسل إليه بدر الدين لؤلؤًا.
وكان قد عرض عليه غير مرة أن يستوزره، وهو يأبى، فركب السلطان إليه، فامتنع أيضًا، حتى غضب عليه، فاعتذر إليه وقال له: أنا رجل كبير، وقد خدمت العلم عمري واشتهر ذلك عني في البلاد، وأعلم أني لو اجتهدت في إقامة العدل بغاية جهدي ما قدرت أن أؤدي حقه، ولو ظُلم أكّار (حرَّاث) في ضيعة من أقصى أعمال السلطان لنسب ظلمه إليَّ، ورجعتَ أنت وغيرك باللائمة عليَّ، والملك لا يستقيم إلا بشيء من العسف والظلم، وأخذِ الخَلْق بالشدة، وأنا لا أقدر عليه، ولا يليق بي، فعذره وأعفاه.
ولما أُقعد آخر عمره، جاء رجل مغربي فعالجه بدهن صنعه، فبانت ثمرته، وتمكَّن من مدِّ رجليه، فقال لأخيه عز الدين أبي الحسن علي بن الأثير: أعطه ما يرضيه، واصرفه، فقال أخوه: لماذا وقد ظهر النُّجح؟! قال: هو كما تقول، ولكني في راحة من صحبة هؤلاء القوم - يعني الأمراء والسلاطين - وقد سكنت نفسي إلى الانقطاع والدعة، وبالأمس كنت أُذِل نفسي بالسعي إليهم، وهنا في منزلي لا يأتون إليَّ إلا في مشورة مهمة، ولم يبق من العمر إلا القليل، فدعني أعش باقيه حرًا سليمًا من الذل، قال أخوه: فقلبت قوله وصرفت الرجل بإحسان.
فلزم بيته صابرًا محتسبًا، يقصده العلماء، ويفد إليه السلاطين والأمراء، يقبسون من علمه، وينهلون من فيضه، حتى توفي رحمه الله بالموصل سنة 606 هـ.
المصدر: مقدمة تحقيق « جامع الأصول في أحاديث الرسول»، طـ مكتبة الحلواني - مطبعة الملاح، الطبعة الأولى
شكرا لمتابعتكم ق1
هو الإمام البارع مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري ثم الموصلي المعروف بابن الأثير.
ولد في أحد الربيعين سنة أربع وأربعين وخمسمائة في جزيرة ابن عمر، وهي - على ما يقول ياقوت الحموي معاصر المؤلف - بلدة فوق الموصل؛ بينهما ثلاثة أيام، ونشأ بها وتلقى من علمائها معارفه الأولى، من تفسير وحديث ونحو ولغة وفقه، ثم تحول سنة (565 هـ) إلى الموصل، وفيها بدأت معارفه تنضج وثقافته تزداد، وأقام بها إلى أن توفي.
قرأ الأدب على ناصح الدين أبي محمد سعيد بن المبارك بن الدهان البغدادي، وأبي بكر يحيى بن سعدون القرطبي، وأبي الحزم مكي بن الريان بن شبَّة النحوي الضرير، وسمع الحديث بالموصل من جماعة، منهم خطيب الموصل أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد الطوسي، وقدم بغداد حاجًا فسمع بها من أبي القاسم صاحب ابن الخلِّ، وعبد الوهاب بن سُكينة، وعاد إلى الموصل فروى بها وحدَّث وانتفع به الناس.
وصفه من أرخ له بأنه كان من محاسن الزمن، ذا دين متين، وطريقة مستقيمة، عارِفًا، فاضلًا، وَرِعًا، عاقلًا، مطاعًا، رئيسًا، مُشاورًا، ذا بر وإحسان. قد جمع بين علم العربية والقرآن والنحو واللغة والحديث والفقه، وصنف تصانيف مشهورة وألف كتبًا مفيدة؛ منها: "غريب الحديث" على حروف المعجم، وهو المعروف بـ"النهاية"، و"الشافي شرح مسند الشافعي"، و"الإنصاف بين الكشف والكشاف" جمع فيه بين تفسيري الثعلبي والزمخشري، و"البديع" في النحو، و"الباهر في الفروق" في النحو أيضًا. و"تهذيب فصول ابن الدهان"، و"المصطفى المختار من الأدعية والأذكار" و"كتاب لطيف في صناعة الكتابة" وله رسائل في الحساب مُجَدْوَلات، وكتاب ديوان رسائله: كتاب البنين والبنات، والآباء والأمهات، والأذواء والذوات. و"جامع الأصول في أحاديث الرسول" وهو هذا الكتاب. إلى غير ذلك من المؤلفات القيمة والمصنفات النافعة.
قال ياقوت الحموي في "معجم الأدباء": حدثني أخوه أبو الحسن قال: تولى أخي أبو السعادات الخزانة لسيف الدين الغازي بن مودود بن زنكي، ثم ولاه ديوان جزيرة ابن عمر وأعمالها، ثم عاد إلى الموصل، فناب في الديوان عند الوزير جلال الدين أبي الحسن علي بن جمال الدين محمد بن منصور الأصبهاني، ثم اتصل بمجاهد الدين قايماز - وكان نائب المملكة - بالموصل أيضًا، فنال عنده درجة رفيعة، فلما قُبِضَ على مجاهد الدين سنة 589 هـ[1] اتصل بخدمة أتابَك عز الدين مسعود بن مودود إلى أن توفي عز الدين وآل الأمر إلى ولده نور الدين شاه، فاتصل بخدمته حتى صار واحد دولته حقيقة، بحيث إن السلطان كان يقصده في منزله في مهام نفسه، لأنه أُقعد في آخر زمانه، فكانت الحركة تصعب عليه، فكان يجيئه بنفسه أو يرسل إليه بدر الدين لؤلؤًا.
وكان قد عرض عليه غير مرة أن يستوزره، وهو يأبى، فركب السلطان إليه، فامتنع أيضًا، حتى غضب عليه، فاعتذر إليه وقال له: أنا رجل كبير، وقد خدمت العلم عمري واشتهر ذلك عني في البلاد، وأعلم أني لو اجتهدت في إقامة العدل بغاية جهدي ما قدرت أن أؤدي حقه، ولو ظُلم أكّار (حرَّاث) في ضيعة من أقصى أعمال السلطان لنسب ظلمه إليَّ، ورجعتَ أنت وغيرك باللائمة عليَّ، والملك لا يستقيم إلا بشيء من العسف والظلم، وأخذِ الخَلْق بالشدة، وأنا لا أقدر عليه، ولا يليق بي، فعذره وأعفاه.
ولما أُقعد آخر عمره، جاء رجل مغربي فعالجه بدهن صنعه، فبانت ثمرته، وتمكَّن من مدِّ رجليه، فقال لأخيه عز الدين أبي الحسن علي بن الأثير: أعطه ما يرضيه، واصرفه، فقال أخوه: لماذا وقد ظهر النُّجح؟! قال: هو كما تقول، ولكني في راحة من صحبة هؤلاء القوم - يعني الأمراء والسلاطين - وقد سكنت نفسي إلى الانقطاع والدعة، وبالأمس كنت أُذِل نفسي بالسعي إليهم، وهنا في منزلي لا يأتون إليَّ إلا في مشورة مهمة، ولم يبق من العمر إلا القليل، فدعني أعش باقيه حرًا سليمًا من الذل، قال أخوه: فقلبت قوله وصرفت الرجل بإحسان.
فلزم بيته صابرًا محتسبًا، يقصده العلماء، ويفد إليه السلاطين والأمراء، يقبسون من علمه، وينهلون من فيضه، حتى توفي رحمه الله بالموصل سنة 606 هـ.
المصدر: مقدمة تحقيق « جامع الأصول في أحاديث الرسول»، طـ مكتبة الحلواني - مطبعة الملاح، الطبعة الأولى
شكرا لمتابعتكم ق1