aksGin
12-10-2019, 01:36 AM
ظهور حركة التمرد لأول مرة في الإسلام
(الخوارج)[1]
لقد كانت قضيَّة التحكيم بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه هي الذَّريعة التي اتَّخذها الخوارج لظهورهم كقوى معارضة؛ فلقد ظهرَتْ من جرَّاء ذلك حركةٌ متمرِّدة معارضة سياسية جديدة في صفوف جبهة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، تحوَّلتْ فيما بعد إلى معارضة عسكريَّة، هؤلاء المتمرِّدون الجُدُد سُمُّوا بـ (الخوارج)؛ لأنَّهم خرجوا عن ولاء وبيعة رئيس الدولة أمير المؤمنين، وحرَّروا أنفسهم من لزوم طاعته؛ بل وصل الأمر لأبعد من ذلك بتكفيرهم لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه واستباحة دَمه، هو وكل مَن سعى وقبِل بالتحكيم من أهل الرأي والحَلِّ والعقد وأصحاب المشورة من جميع الأطراف، وحجَّتُهم أنَّ هؤلاء الرجال قد قبلوا بالتحكيم من أجل إيقاف القتل فحسب، في حين إنَّ الحكم لله سبحانه وتعالى.
وبعد تحرُّك جيش أمير المؤمنين رضي الله عنه عائدًا إلى الكوفة وقبل وصوله إليها، انفصل الخوارج[2]، ثمَّ انشقُّوا عن طاعة أمير المؤمنين، وتمردوا عليه وهم الذين كانوا قبل أيام قلائل يُقاتِلون معه، واختاروا لهم أميرًا للصلاة، فلمَّا وصل أمير المؤمنين رضي الله عنه الكوفة واستقرَّ هناك بعث إليهم عبدالله بن عباس رضي الله عنهما لمناظرتهم، ونجح عبدالله بن عباس رضي الله عنهما في إقناع الكثير منهم والعودة بهم إلى الكوفة.
ولكن الفكر المتطرِّف بقي يَسْرِي بين جماهير الخوارج؛ فلم يثوبوا إلى رشدهم، بل على عكس ذلك؛ خرجوا من الكوفة بصفتهم متمردين متمسكين بأفكارهم الهدَّامة إلى قرية يقال لها: حَرُورَاء، ثمَّ إنَّهم استباحوا دماء المسلمين، ومن جرائمهم المشهودة قتلُهم التابعيَّ عبدالله، وهو ابن الصحابي الجليل خبَّاب بن الأرَت، بغير وجه حقٍّ، وليس ذلك فحسب؛ بل قتلوا زوجتَه وبقَروا بطنها.
فلمَّا بلغ الأمر إلى درجة لا يمكن معها السكوت، خرج لهم رئيس الدولة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بجيشه، وقتلهم في وقعة النَّهروان.
قال الذهبي: "سارت الخوارج لحرب عليٍّ رضي الله عنه، فكانت بينهم وقعة النهروان، وكان على الخوارج عبدالله بن وهب السَّبائي، فهزمهم عليٌّ وقَتَل أكثرهم، وقتَل ابنَ وهب، وقُتِل من أصحاب علي رضي الله عنه اثنا عشر رجلًا، وقيل في تسميتهم: الحرورية؛ لأنَّهم خرجوا على علي من الكوفة، وعسكروا بقرية قريبة من الكوفة يقال لها: حروراء، واستحلَّ عليٌّ قتلهم؛ لِما فعلوا بابن خبَّاب وزوجته"[3].
ولم يكتفِ الخوارج بكلِّ ما جرُّوا إليه البلاد من الويلات والانشقاقات؛ بل راحوا يتآمرون لقتل رئيس الدولة أمير المؤمنين ومعارضيه في آنٍ واحد؛ فقد قرَّروا قَتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وعمرو بن العاص رضي الله عنه، ووضعوا لذلك الخطط اللازمة.
فأمَّا عبدالرحمن بن ملجم الخارجي، فقد قتَل أميرَ المؤمنين ورئيس دولتهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأمَّا معاوية رضي الله عنه، فجُرح ولم يُقتل ثمَّ شفي بعدها، وأمَّا عمرو بن العاص رضي الله عنه، فأفلت وقُتل شخص آخر بالاشتباه، وهكذا لم يَشف غليلَ البغاة والخوارج المارقين من الإسلام إلَّا اغتيالُ أمير المؤمنين علي رضي الله عنه؛ فعن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: "قُتل علي رضي الله عنه يوم الجمعة، لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، سنة أربعين، وكانت خلافته خمس سنين إلَّا ثلاثة أشهر، قتله عبدالرحمن بن ملجم المرادي، وهو يوم قُتل ابن ثلاث وستين سنة، أو أربع وستين"[4].
[1] أخبر رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بخروجهم، ووصَفَهم بأوصاف انطبقت تمامًا على أولئك الذين خرجوا على أمير المؤمنين عليٍّ رضي الله عنه؛ فقد أخرج البخاري رحمه الله في صحيحه عند كتاب المناقب، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يأتي في آخر الزمان قوم، حُدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خيرِ قول البريَّة، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرميَّة، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتُلوهم؛ فإنَّ قتلهم أجرٌ لمن قتلهم يوم القيامة)).
[2] اختلفت كتب التاريخ في عددهم، فمنهم من قال: إنهم اثنا عشر ألفًا، ومنهم من قال: ثمانية آلاف، ومنهم من قال: إنهم أربعة عشر ألفًا، وربما أكثر أو أقل، ولكن في كل الأحوال فإن العدد كبير جدًّا ولا يُستهان به.
[3] تاريخ الإسلام للذهبي - الجزء الثالث، الصفحة (588).
[4] المستدرك على الصحيحين للحاكم - كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم - ذكر إسلام أمير المؤمنين علي رضي الله عنه.
ششششكرا لمتابعتكم ق1
(الخوارج)[1]
لقد كانت قضيَّة التحكيم بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه هي الذَّريعة التي اتَّخذها الخوارج لظهورهم كقوى معارضة؛ فلقد ظهرَتْ من جرَّاء ذلك حركةٌ متمرِّدة معارضة سياسية جديدة في صفوف جبهة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، تحوَّلتْ فيما بعد إلى معارضة عسكريَّة، هؤلاء المتمرِّدون الجُدُد سُمُّوا بـ (الخوارج)؛ لأنَّهم خرجوا عن ولاء وبيعة رئيس الدولة أمير المؤمنين، وحرَّروا أنفسهم من لزوم طاعته؛ بل وصل الأمر لأبعد من ذلك بتكفيرهم لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه واستباحة دَمه، هو وكل مَن سعى وقبِل بالتحكيم من أهل الرأي والحَلِّ والعقد وأصحاب المشورة من جميع الأطراف، وحجَّتُهم أنَّ هؤلاء الرجال قد قبلوا بالتحكيم من أجل إيقاف القتل فحسب، في حين إنَّ الحكم لله سبحانه وتعالى.
وبعد تحرُّك جيش أمير المؤمنين رضي الله عنه عائدًا إلى الكوفة وقبل وصوله إليها، انفصل الخوارج[2]، ثمَّ انشقُّوا عن طاعة أمير المؤمنين، وتمردوا عليه وهم الذين كانوا قبل أيام قلائل يُقاتِلون معه، واختاروا لهم أميرًا للصلاة، فلمَّا وصل أمير المؤمنين رضي الله عنه الكوفة واستقرَّ هناك بعث إليهم عبدالله بن عباس رضي الله عنهما لمناظرتهم، ونجح عبدالله بن عباس رضي الله عنهما في إقناع الكثير منهم والعودة بهم إلى الكوفة.
ولكن الفكر المتطرِّف بقي يَسْرِي بين جماهير الخوارج؛ فلم يثوبوا إلى رشدهم، بل على عكس ذلك؛ خرجوا من الكوفة بصفتهم متمردين متمسكين بأفكارهم الهدَّامة إلى قرية يقال لها: حَرُورَاء، ثمَّ إنَّهم استباحوا دماء المسلمين، ومن جرائمهم المشهودة قتلُهم التابعيَّ عبدالله، وهو ابن الصحابي الجليل خبَّاب بن الأرَت، بغير وجه حقٍّ، وليس ذلك فحسب؛ بل قتلوا زوجتَه وبقَروا بطنها.
فلمَّا بلغ الأمر إلى درجة لا يمكن معها السكوت، خرج لهم رئيس الدولة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بجيشه، وقتلهم في وقعة النَّهروان.
قال الذهبي: "سارت الخوارج لحرب عليٍّ رضي الله عنه، فكانت بينهم وقعة النهروان، وكان على الخوارج عبدالله بن وهب السَّبائي، فهزمهم عليٌّ وقَتَل أكثرهم، وقتَل ابنَ وهب، وقُتِل من أصحاب علي رضي الله عنه اثنا عشر رجلًا، وقيل في تسميتهم: الحرورية؛ لأنَّهم خرجوا على علي من الكوفة، وعسكروا بقرية قريبة من الكوفة يقال لها: حروراء، واستحلَّ عليٌّ قتلهم؛ لِما فعلوا بابن خبَّاب وزوجته"[3].
ولم يكتفِ الخوارج بكلِّ ما جرُّوا إليه البلاد من الويلات والانشقاقات؛ بل راحوا يتآمرون لقتل رئيس الدولة أمير المؤمنين ومعارضيه في آنٍ واحد؛ فقد قرَّروا قَتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وعمرو بن العاص رضي الله عنه، ووضعوا لذلك الخطط اللازمة.
فأمَّا عبدالرحمن بن ملجم الخارجي، فقد قتَل أميرَ المؤمنين ورئيس دولتهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأمَّا معاوية رضي الله عنه، فجُرح ولم يُقتل ثمَّ شفي بعدها، وأمَّا عمرو بن العاص رضي الله عنه، فأفلت وقُتل شخص آخر بالاشتباه، وهكذا لم يَشف غليلَ البغاة والخوارج المارقين من الإسلام إلَّا اغتيالُ أمير المؤمنين علي رضي الله عنه؛ فعن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: "قُتل علي رضي الله عنه يوم الجمعة، لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، سنة أربعين، وكانت خلافته خمس سنين إلَّا ثلاثة أشهر، قتله عبدالرحمن بن ملجم المرادي، وهو يوم قُتل ابن ثلاث وستين سنة، أو أربع وستين"[4].
[1] أخبر رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بخروجهم، ووصَفَهم بأوصاف انطبقت تمامًا على أولئك الذين خرجوا على أمير المؤمنين عليٍّ رضي الله عنه؛ فقد أخرج البخاري رحمه الله في صحيحه عند كتاب المناقب، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يأتي في آخر الزمان قوم، حُدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خيرِ قول البريَّة، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرميَّة، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتُلوهم؛ فإنَّ قتلهم أجرٌ لمن قتلهم يوم القيامة)).
[2] اختلفت كتب التاريخ في عددهم، فمنهم من قال: إنهم اثنا عشر ألفًا، ومنهم من قال: ثمانية آلاف، ومنهم من قال: إنهم أربعة عشر ألفًا، وربما أكثر أو أقل، ولكن في كل الأحوال فإن العدد كبير جدًّا ولا يُستهان به.
[3] تاريخ الإسلام للذهبي - الجزء الثالث، الصفحة (588).
[4] المستدرك على الصحيحين للحاكم - كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم - ذكر إسلام أمير المؤمنين علي رضي الله عنه.
ششششكرا لمتابعتكم ق1