صاحبة السمو
06-19-2019, 02:11 AM
في كل إنسان داخلنا مخلوقات تتنازعه، وتميل به نحوها، فأحد تلك المخلوقات عقلٌ بنى بيته في أعلى نقطة في كِيان الجسد، وهو بذلك يَربَأُ بنفسه عن المناطق السفلية المتوترة والمشتعلة بالشهوات واللذات الدنيوية، في حين يسكن القلبُ المجنون العاشق الولهان قريبًا من المناطق المحظورة؛ ليوقد نار العاطفة ويُؤثر على مراكز الإحساس، فيُصيبها باضطرابات النوم وسرحان العقل، ويؤثر في الجسد ليأكل بعضه بعضًا، وحين يعجِز القلبُ عن الوصول لمبتغاه، فإنه يضطر لغزو العقل واختراق نظامه، والاستيلاء على غرف التحكُّم؛ ليقود سكان الجسد لحتْفهم وهم ينظرون.
وعلى الرغم من أن القلب مخلوق مشاكس، فإنه رقيق المشاعر، مرهف الإحساس، يفيض على الجسد طمأنينةً وسلامًا، ويسقيه من خمر الحب تارة ومن علقم البُعد ومرارة الوهن ورعشة الخوف تارات أخرى، وهو مع ذلك يتقاسم مع الضعيف همَّه، ومع الحبيب شغفه، فيعتصر ألَمًا، وتسيل دمعته من منفذ العين، كما أنه وفيٌّ لأحبابه، يتذكرهم فيرسم صورهم في المُخيلة، ويَبيت في مناجاتهم وقد أسهر ليله وأقضَّ مضجع العقل بأنينه وحنينه؛ ليضطرب الجسد، ويتقلب بشحمه ولحمه وعصبه على فراش النوم.
ويبدو أن علاقة الجسد بالقلب أقوى من علاقته بالعقل، فحين يمرض القلب فإن الجسد يذبل وينكمش حزنًا على حال رفيقه، ولنا في قصص الحب وهيام العشَّاق وورودهم المهالكَ، دليلٌ على ذلك، وقد قال الحبيب عليه الصلاة والسلام: ((ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلَحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)).
والمدهش أن القلب له عقل ورؤية يخترق بها عالم المرئيات والحسابات، ويحلِّق بها في عالم الإحساس المستعصي على المعقول، فالقلب له ذبذبات غير مرئية ترصد ما غاب عن رادارات العقل، وفي ذلك يقول الله تعالى عن الكفار: ﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾ [الأعراف: 179]، في إشارة إلى أن القلب له قدرة يَعجِز عن استيعابها العقلُ.
وبين جدية العقل وجنون القلب، تقف الأنا حائرةً يتجاذبها الاثنان دون مراعاة للحال والمقام، فقد يتدخل العقل ويتخطَّى حدوده؛ ليتدخل في اختصاص القلب، ويحاول أن يُعقلِن المشاعر، كما يحاول القلب أحيانًا أن يلقي بسحره، فَيُخيِّل للعقل ما لا يرى ليلبس جلباب القلب.
إن الأنا ذات الشخصية القوية والواعية، تدرك الأخطار المحدقة بها من جرَّاء القتال المحتدم بين القلب والعقل على ساحتها الممتدة من الرأس شمالًا إلى أخمص القدمين جنوًبا، ومن هنا ينبغي للأنا أن تقف في المنتصف، فتحتاط وتأخذ من العقل ما تحسب به خطواتها، ومن القلب ما يمدها بالطاقة الروحية، ويزيل عنها وعثاء التعقل.
إن النفوس البشرية لها مزيج من المشاعر الرطبة والعقول الجافة، تتقاسم جميعها جسدًا واحدًا، ويريد كل واحد منهما فرض شخصيته وبسط سيطرته على كامل التراب، وإن لم تقف الأنا في المنتصف، فتُليِّن من صلابة الرأس، وتُقلِّم من عنفوان القلب، فإن الجسد سيسقط ويأكل بعضه بعضًا.
وعلى الرغم من أن القلب مخلوق مشاكس، فإنه رقيق المشاعر، مرهف الإحساس، يفيض على الجسد طمأنينةً وسلامًا، ويسقيه من خمر الحب تارة ومن علقم البُعد ومرارة الوهن ورعشة الخوف تارات أخرى، وهو مع ذلك يتقاسم مع الضعيف همَّه، ومع الحبيب شغفه، فيعتصر ألَمًا، وتسيل دمعته من منفذ العين، كما أنه وفيٌّ لأحبابه، يتذكرهم فيرسم صورهم في المُخيلة، ويَبيت في مناجاتهم وقد أسهر ليله وأقضَّ مضجع العقل بأنينه وحنينه؛ ليضطرب الجسد، ويتقلب بشحمه ولحمه وعصبه على فراش النوم.
ويبدو أن علاقة الجسد بالقلب أقوى من علاقته بالعقل، فحين يمرض القلب فإن الجسد يذبل وينكمش حزنًا على حال رفيقه، ولنا في قصص الحب وهيام العشَّاق وورودهم المهالكَ، دليلٌ على ذلك، وقد قال الحبيب عليه الصلاة والسلام: ((ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلَحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)).
والمدهش أن القلب له عقل ورؤية يخترق بها عالم المرئيات والحسابات، ويحلِّق بها في عالم الإحساس المستعصي على المعقول، فالقلب له ذبذبات غير مرئية ترصد ما غاب عن رادارات العقل، وفي ذلك يقول الله تعالى عن الكفار: ﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾ [الأعراف: 179]، في إشارة إلى أن القلب له قدرة يَعجِز عن استيعابها العقلُ.
وبين جدية العقل وجنون القلب، تقف الأنا حائرةً يتجاذبها الاثنان دون مراعاة للحال والمقام، فقد يتدخل العقل ويتخطَّى حدوده؛ ليتدخل في اختصاص القلب، ويحاول أن يُعقلِن المشاعر، كما يحاول القلب أحيانًا أن يلقي بسحره، فَيُخيِّل للعقل ما لا يرى ليلبس جلباب القلب.
إن الأنا ذات الشخصية القوية والواعية، تدرك الأخطار المحدقة بها من جرَّاء القتال المحتدم بين القلب والعقل على ساحتها الممتدة من الرأس شمالًا إلى أخمص القدمين جنوًبا، ومن هنا ينبغي للأنا أن تقف في المنتصف، فتحتاط وتأخذ من العقل ما تحسب به خطواتها، ومن القلب ما يمدها بالطاقة الروحية، ويزيل عنها وعثاء التعقل.
إن النفوس البشرية لها مزيج من المشاعر الرطبة والعقول الجافة، تتقاسم جميعها جسدًا واحدًا، ويريد كل واحد منهما فرض شخصيته وبسط سيطرته على كامل التراب، وإن لم تقف الأنا في المنتصف، فتُليِّن من صلابة الرأس، وتُقلِّم من عنفوان القلب، فإن الجسد سيسقط ويأكل بعضه بعضًا.