انغام
12-14-2018, 02:21 AM
وُضع شمبانزي صغير في بيت مع طفل بشري، ورّبيا معاً حسب أسلوب واحد: لكل منهما مهد وعلبة «حفاضات» ومقعد أطفال. بعد ثلاثة أعوام، تبيّن أن صغير الشمبانزي تفوّق طبعاً بكثير على الطفل البشري في المهارة اليدوية، والسبق والتسلّق وسواها من الميزات البدنية. لكن، بعدما تمكّن الطفل البشري من التكلم بطلاقة، لم يستطع الشمبانزي إلا التلعثم بصعوبة كليّة ببعض ألفاظ نظير: ماما، بابا، كوب. ومن هذا الاختبار الطويل تبيّن أيضاً أن كل ما يتعلّق بالنطق والتفكير والمواهب العقلية الأخرى، من مستوى معيّن، كانت فيه مقدرة الشمبانزي متدنية للغاية، لأن البهائم غير قادرة على استيعاب كل ما هو عقليّ مجرّد. مع ذلك، عند إعادة درس تفاصيل هذه الاختبارات، أيقن عالمان نفسيّان من جامعة نيفادا، هما روبرت وبياتريس كاردنر، أن حنجرة الشمبانزي وبلعومه غير مؤهّلين للكلام البشري. فالإنسان يستخدم فمه للتنفّس والأكل والتكلم، بينما في الحشرات، مثل الجراد الذي يتفاهم بعضه مع بعض بواسطة ملامسة القوائم، هذه الوظائف الثلاث تقوم بها أجهزة منفردة. فهل تتسنى للشمبانزي إمكانيات ماديّة للنطق، لا سبيل إلى التعبير عنها بسبب محدودية تكوينها ؟ هل من تخاطب رمزي يتيحه اللجوء إلى وسائل يسمح تكوين الشمبانزي باستخدامها ؟
خطرت ببال العالمين النفسيّين الأميركيين فكرة لامعة: تعليم الشمبانزي لغة الإشارات كالتي يستعملها الصمّ والبكم. فتبيّن بعد عدة دروس أن هذا الاختبار حاسم، إذ حفظ ثلاثة من الشمبانزي مفردات يبلغ عددها مئتين من الكلمات. وتوصّل الثلاثة إلى فهم عدة قواعد لغوية واستعمالها، كما توصّل هؤلاء «الطلاب» إلى التفاهم، بتركيب عبارات واستنباط أخرى جديدة لم يتعلّموها من قبل. حين رأى الشمبانزي الأول، واسمه واشو بطة تسبح في بركة ماء، قام بحركات تعني «عصفور ماء». ولأن لانا الشمبانزي الثاني، لم يبصر قبلاً أية فاكهة كروية غير التفاحة، وهو يعرف الإشارات المتعلقة بالألوان، عندما شاهد أحد التقنيّين يأكل برتقالة، قام بإشارات تعني «تفاحة برتقالية اللون». والشمبانزي الثالث لوسي، وصفت الجَبَس (البطيخ الأحمر) الذي ذاقته بأنه «مشروب فواكه». وحيال دمية وُضِعت في فنجان واشو كانت ردّة الفعل لديه أنه أشار إليها بأنها: «طفل في مشروبي». ويبدو أن قرود الشمبانزي تتمتع بروح الدعابة. فذات يوم، بينما كان واشو يتنزّه محمولاً على كتف مدرّبه، بال عليه بدون انتباه، وأخذ يشير بكلمة: «مضحك، مضحك». وبينما كان واشو ذاته يتصفّح مجلة، بدرت منه إشارة معناها «قِطّ» عندما أبصر صورة نمر، و«مشروب» حين شاهد دعاية عن مشروب. ولقد حاول عبثاً أن يتفاهم وقِطّ المختبر، فتعجّب بالطبع من قلة تهذيب هذا القطّ الذي لم يردّ على إشارته. أخيراً حين غادر المختبر شخص يهتّم بلوسي، نظر الشمبانزي وقام بإشارة تعني: «أنا أبكي».
بايس رنسْبركر صحافي موهوب يعمل في جريدة «نيويورك تايمز». كان أبوه وأمه كلاهما أصمّين أبكَمين. أمّا هو فكان في حالة طبيعية تماماً. مع ذلك جاء أول تخاطبه، في لغة الصمّ والبكم. وعندما أراد أن يُجري تحقيقاً صحافياً على اختبارات هذين العالمين النفسيين الأميركيين، قضى بعض الوقت بصحبة الشمبانزي واشو. وفي نهاية هذا اللقاء، كتب رنسْبركر: «بغتةً أيقنت بأني كنت أحاور بلغة طفولتي، فرداً من نوع آخر». على أثر هذه الاختبارات الحاسمة – تشهد على ذلك عدة وثائق – جرت محاولة اختبارات أخرى في مدينة أطْلَنتا حيث تعلّم أحد قرود الشمبانزي الاتصال بالكمبيوتر والتعبير عن طلبات دقيقة وهو يكبس الأزرار المناسبة. في ما بعد تعلّم الشمبانزي أن يؤلف جملاً كاملة بواسطة الكمبيوتر. وهكذا يمكن القول إن الشمبانزي تعلّم أن «يتكلّم» وأن «يكتب» أيضاً. ودلّت الدراسات التي أجريت على أساس هذه الاختبارات أن الشمبانزي الثلاثة كانت قادرة على طرح الأسئلة وعلى نقض تأكيدات صدرت أمامها. ومن هذا الواقع، يبدو أن من الصعب تبيّن فرقٍ، له بعض الأهمية، بين التخاطب بالإشارة كما تفعل قرود الشمبانزي هذه، والتخاطب العادي الذي ينطق به أولاد البشر، ونَنْسبه بدون أي تحفّظ إلى الذكاء. فالحيوانات – أو على الأقلّ بعضها – لها قدرة استيعاب المسائل العقلية المجرّدة، ولكن بصورة محدودة جداً
خطرت ببال العالمين النفسيّين الأميركيين فكرة لامعة: تعليم الشمبانزي لغة الإشارات كالتي يستعملها الصمّ والبكم. فتبيّن بعد عدة دروس أن هذا الاختبار حاسم، إذ حفظ ثلاثة من الشمبانزي مفردات يبلغ عددها مئتين من الكلمات. وتوصّل الثلاثة إلى فهم عدة قواعد لغوية واستعمالها، كما توصّل هؤلاء «الطلاب» إلى التفاهم، بتركيب عبارات واستنباط أخرى جديدة لم يتعلّموها من قبل. حين رأى الشمبانزي الأول، واسمه واشو بطة تسبح في بركة ماء، قام بحركات تعني «عصفور ماء». ولأن لانا الشمبانزي الثاني، لم يبصر قبلاً أية فاكهة كروية غير التفاحة، وهو يعرف الإشارات المتعلقة بالألوان، عندما شاهد أحد التقنيّين يأكل برتقالة، قام بإشارات تعني «تفاحة برتقالية اللون». والشمبانزي الثالث لوسي، وصفت الجَبَس (البطيخ الأحمر) الذي ذاقته بأنه «مشروب فواكه». وحيال دمية وُضِعت في فنجان واشو كانت ردّة الفعل لديه أنه أشار إليها بأنها: «طفل في مشروبي». ويبدو أن قرود الشمبانزي تتمتع بروح الدعابة. فذات يوم، بينما كان واشو يتنزّه محمولاً على كتف مدرّبه، بال عليه بدون انتباه، وأخذ يشير بكلمة: «مضحك، مضحك». وبينما كان واشو ذاته يتصفّح مجلة، بدرت منه إشارة معناها «قِطّ» عندما أبصر صورة نمر، و«مشروب» حين شاهد دعاية عن مشروب. ولقد حاول عبثاً أن يتفاهم وقِطّ المختبر، فتعجّب بالطبع من قلة تهذيب هذا القطّ الذي لم يردّ على إشارته. أخيراً حين غادر المختبر شخص يهتّم بلوسي، نظر الشمبانزي وقام بإشارة تعني: «أنا أبكي».
بايس رنسْبركر صحافي موهوب يعمل في جريدة «نيويورك تايمز». كان أبوه وأمه كلاهما أصمّين أبكَمين. أمّا هو فكان في حالة طبيعية تماماً. مع ذلك جاء أول تخاطبه، في لغة الصمّ والبكم. وعندما أراد أن يُجري تحقيقاً صحافياً على اختبارات هذين العالمين النفسيين الأميركيين، قضى بعض الوقت بصحبة الشمبانزي واشو. وفي نهاية هذا اللقاء، كتب رنسْبركر: «بغتةً أيقنت بأني كنت أحاور بلغة طفولتي، فرداً من نوع آخر». على أثر هذه الاختبارات الحاسمة – تشهد على ذلك عدة وثائق – جرت محاولة اختبارات أخرى في مدينة أطْلَنتا حيث تعلّم أحد قرود الشمبانزي الاتصال بالكمبيوتر والتعبير عن طلبات دقيقة وهو يكبس الأزرار المناسبة. في ما بعد تعلّم الشمبانزي أن يؤلف جملاً كاملة بواسطة الكمبيوتر. وهكذا يمكن القول إن الشمبانزي تعلّم أن «يتكلّم» وأن «يكتب» أيضاً. ودلّت الدراسات التي أجريت على أساس هذه الاختبارات أن الشمبانزي الثلاثة كانت قادرة على طرح الأسئلة وعلى نقض تأكيدات صدرت أمامها. ومن هذا الواقع، يبدو أن من الصعب تبيّن فرقٍ، له بعض الأهمية، بين التخاطب بالإشارة كما تفعل قرود الشمبانزي هذه، والتخاطب العادي الذي ينطق به أولاد البشر، ونَنْسبه بدون أي تحفّظ إلى الذكاء. فالحيوانات – أو على الأقلّ بعضها – لها قدرة استيعاب المسائل العقلية المجرّدة، ولكن بصورة محدودة جداً