صاحبة السمو
11-11-2018, 11:07 PM
أن نعرف طبيعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
ونعرف شروطه ومسائله المتعلقة به ؛
ومن هنا جاء هذا الحديث ليسهم في تكوين التصور الواضح تجاه هذه القضية ،
ويبين لنا كيفية التعامل مع المنكر حين رؤيته .
لقد بين الحديث أن إنكار المنكر على مراتب ثلاث :
التغيير باليد ،
والتغيير باللسان ،
والتغيير بالقلب ،
وهذه المراتب متعلقة بطبيعة هذا المنكر ونوعه ،
وطبيعة القائم بالإنكار وشخصه ، فمن المنكرات ما يمكن تغييره مباشرة باليد ، ومن المنكرات ما يعجز المرء عن تغييره بيده دون لسانه ، وثالثة لا يُمكن تغييرها إلا بالقلب فحسب .
فيجب إنكار المنكر باليد على كل من تمكّن من ذلك ،
ولم يُؤدّ إنكاره إلى مفسدةٍ أكبر، وعليه :
يجب على الوالي أن يغير المنكر إذا صدر من الرعيّة ،
ويجب مثل ذلك على الأب في أهل بيته، والمعلم في مدرسته ، والموظف في عمله ، وإذا قصّر أحدٌ في واجبه هذا فإنه مضيّع للأمانة ،
ومن ضيّع الأمانة فقد أثم ، ولذلك جاءت نصوص كثيرة تنبّه المؤمنين على وجوب قيامهم بمسؤوليتهم الكاملة تجاه رعيتهم -
والتي يدخل فيها إنكار المنكر - ، فقد روى الإمام البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( كلكم راع ومسؤول عن رعيته ، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته ، والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها ،
والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته ،
فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيّته ) ،
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد بيّن عاقبة الذين يفرطون في هذه الأمانة فقال : ( ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة ) .
فإذا عجز عن التغيير باليد ، فإنه ينتقل إلى الإنكار باللسان ،
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فإن لم يستطع فبلسانه ) ، فيذكّر العاصي بالله ، ويخوّفه من عقابه ، على الوجه الذي يراه مناسبا لطبيعة هذه المعصية وطبيعة صاحبها .
فقد يكون التلميح كافيا - أحيانا - في هذا الباب ،
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ؟ ) ، وقد يقتضي المقام التصريح والتعنيف ، ولهذا جاءت في السنة أحداث ومواقف كان الإنكار فيها علناً ،
كإنكار النبي صلى الله عليه وسلم على أسامة بن زيد - رضي الله عنه - شفاعته في حد من حدود الله ، وإنكاره على من لبس خاتم الذهب من الرجال ، وغير ذلك مما تقتضي المصلحة إظهاره أمام الملأ.
وإن عجز القائم بالإنكار عن إبداء نكيره فعلا وقولا ،
فلا أقل من إنكار المنكر بالقلب ، وهذه هي المرتبة الثالثة ،
وهي واجبة على كل أحد ، ولا يُعذر شخص بتركها ؛
لأنها مسألة قلبيّة لا يُتصوّر الإكراه على تركها ، أو العجز عن فعلها ، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
" إن أول ما تغلبون عليه من الجهاد : جهادٌ بأيديكم ، ثم الجهاد بألسنتكم ، ثم الجهاد بقلوبكم ، فمتى لم يعرف قلبه المعروف وينكر قلبه المنكر انتكس " .
وإذا ضيعت الأمة هذا الواجب بالكلية ، وأهملت العمل به ، عمت المنكرات في المجتمعات ، وشاع الفساد فيها ، وعندها تكون الأمة مهددة بنزول العقوبة الإلهية عليها ، واستحقاق الغضب والمقت من الله تعالى .
والمتأمل في أحوال الأمم الغابرة ، يجد أن بقاءها كان مرهونا بأداء هذه الأمانة ،
وقد جاء في القرآن الكريم ذكر شيء من أخبار تلك الأمم ، ومن أبرزها أمة بني إسرائيل التي قال الله فيها : { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون } ( المائدة : 78 - 79 ) .
وتكمن خطورة التفريط في هذا الواجب ،
أن يألف الناس المنكر ، ويزول في قلوبهم بغضه ،
ثم ينتشر ويسري فيهم ، وتغرق سفينة المجتمع ، وينهدم صرحها ،
وفي ذلك يضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
مثلا رائعا يوضح هذه الحقيقة ،
فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها ، كمثل قوم استهموا على سفينة ، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها ، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم ، فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا ، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا ) رواه البخاري .
إن هذا الواجب هو مسؤولية الجميع ،
وكل فرد من هذه الأمة مطالب بأداء هذه المسؤولية على حسب طاقته ، والخير في هذه الأمة كثير ، بيد أننا بحاجة إلى المزيد من الجهود المباركة التي تحفظ للأمة بقاءها ، وتحول دون تصدع بنيانها ، وتزعزع أركانها.
ونعرف شروطه ومسائله المتعلقة به ؛
ومن هنا جاء هذا الحديث ليسهم في تكوين التصور الواضح تجاه هذه القضية ،
ويبين لنا كيفية التعامل مع المنكر حين رؤيته .
لقد بين الحديث أن إنكار المنكر على مراتب ثلاث :
التغيير باليد ،
والتغيير باللسان ،
والتغيير بالقلب ،
وهذه المراتب متعلقة بطبيعة هذا المنكر ونوعه ،
وطبيعة القائم بالإنكار وشخصه ، فمن المنكرات ما يمكن تغييره مباشرة باليد ، ومن المنكرات ما يعجز المرء عن تغييره بيده دون لسانه ، وثالثة لا يُمكن تغييرها إلا بالقلب فحسب .
فيجب إنكار المنكر باليد على كل من تمكّن من ذلك ،
ولم يُؤدّ إنكاره إلى مفسدةٍ أكبر، وعليه :
يجب على الوالي أن يغير المنكر إذا صدر من الرعيّة ،
ويجب مثل ذلك على الأب في أهل بيته، والمعلم في مدرسته ، والموظف في عمله ، وإذا قصّر أحدٌ في واجبه هذا فإنه مضيّع للأمانة ،
ومن ضيّع الأمانة فقد أثم ، ولذلك جاءت نصوص كثيرة تنبّه المؤمنين على وجوب قيامهم بمسؤوليتهم الكاملة تجاه رعيتهم -
والتي يدخل فيها إنكار المنكر - ، فقد روى الإمام البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( كلكم راع ومسؤول عن رعيته ، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته ، والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها ،
والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته ،
فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيّته ) ،
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد بيّن عاقبة الذين يفرطون في هذه الأمانة فقال : ( ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة ) .
فإذا عجز عن التغيير باليد ، فإنه ينتقل إلى الإنكار باللسان ،
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فإن لم يستطع فبلسانه ) ، فيذكّر العاصي بالله ، ويخوّفه من عقابه ، على الوجه الذي يراه مناسبا لطبيعة هذه المعصية وطبيعة صاحبها .
فقد يكون التلميح كافيا - أحيانا - في هذا الباب ،
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ؟ ) ، وقد يقتضي المقام التصريح والتعنيف ، ولهذا جاءت في السنة أحداث ومواقف كان الإنكار فيها علناً ،
كإنكار النبي صلى الله عليه وسلم على أسامة بن زيد - رضي الله عنه - شفاعته في حد من حدود الله ، وإنكاره على من لبس خاتم الذهب من الرجال ، وغير ذلك مما تقتضي المصلحة إظهاره أمام الملأ.
وإن عجز القائم بالإنكار عن إبداء نكيره فعلا وقولا ،
فلا أقل من إنكار المنكر بالقلب ، وهذه هي المرتبة الثالثة ،
وهي واجبة على كل أحد ، ولا يُعذر شخص بتركها ؛
لأنها مسألة قلبيّة لا يُتصوّر الإكراه على تركها ، أو العجز عن فعلها ، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
" إن أول ما تغلبون عليه من الجهاد : جهادٌ بأيديكم ، ثم الجهاد بألسنتكم ، ثم الجهاد بقلوبكم ، فمتى لم يعرف قلبه المعروف وينكر قلبه المنكر انتكس " .
وإذا ضيعت الأمة هذا الواجب بالكلية ، وأهملت العمل به ، عمت المنكرات في المجتمعات ، وشاع الفساد فيها ، وعندها تكون الأمة مهددة بنزول العقوبة الإلهية عليها ، واستحقاق الغضب والمقت من الله تعالى .
والمتأمل في أحوال الأمم الغابرة ، يجد أن بقاءها كان مرهونا بأداء هذه الأمانة ،
وقد جاء في القرآن الكريم ذكر شيء من أخبار تلك الأمم ، ومن أبرزها أمة بني إسرائيل التي قال الله فيها : { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون } ( المائدة : 78 - 79 ) .
وتكمن خطورة التفريط في هذا الواجب ،
أن يألف الناس المنكر ، ويزول في قلوبهم بغضه ،
ثم ينتشر ويسري فيهم ، وتغرق سفينة المجتمع ، وينهدم صرحها ،
وفي ذلك يضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
مثلا رائعا يوضح هذه الحقيقة ،
فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها ، كمثل قوم استهموا على سفينة ، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها ، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم ، فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا ، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا ) رواه البخاري .
إن هذا الواجب هو مسؤولية الجميع ،
وكل فرد من هذه الأمة مطالب بأداء هذه المسؤولية على حسب طاقته ، والخير في هذه الأمة كثير ، بيد أننا بحاجة إلى المزيد من الجهود المباركة التي تحفظ للأمة بقاءها ، وتحول دون تصدع بنيانها ، وتزعزع أركانها.