رحيل المشاعر
07-24-2018, 10:35 PM
نقدم لكم مجموعة من القصص التي تتناول موضوع الصمت و فضيلة السكوت . نرجو أن تنال اعجابكم .
http://حكم.net/wp-content/uploads/2017/03/img_58caf0680ef15.png
يحكى أن لويس الرابع عشر حينما كان شاباً يافعاً، كان يتباهى بقدرته على الحديث والكلام والجدال؛ لكنه حينما تولى مقاليد الحكم صار أقلّ كلاماً ، بل لقد كان صمته أحد أهم أسلحته ومنبعاً من منابع قوّته؛
فمما يروى أن وزراءه كانوا يمضون الساعات في مناقشة القضايا الهامة ويجلسون لاختيار رجلين منهما لعرضها على الملك لويس الرابع عشر، وكانوا يمضون وقتاً غير قليل في اختيار من سيرفع الأمر إلى الملك، وعن الوقت المناسب لهذا الأمر، وبعد أن ينتهوا من النقاش يذهب الشخصان اللذان تم اختيارهما إلى الملك ويقومان بعرض الأمر عليه بالتفصيل والخيارات المطروحة، ولويس يتابعهم في صمت مهيب،
تغلب عليه روح الغموض وبعد أن يعرضا أمرهما ويطلبا رأي الملك، لا يزيد على أن ينظر إليهما ويقول بهدوء ، سوف أرى ثم يذهب عنهما.
ولا يسمع أحد من الوزراء كلاماً حول ما تمّ عرضه؛ بل فقط تأتيهم النتائج والقرارات التي أمضاها الملك.
ولقد كان لصمت لويس الرابع عشر أثر بالغ في إبقاء من حوله في حالة ترقّب دائم لردود أفعاله، وهو ما ترجمه سان سيمون فيما بعد بقوله:
لم يكن أحد يعرف مثله كيف يبيع كلماته، وابتساماته، وحتى نظراته..
كان كل شيء فيه نفيساً؛ لأنه خلق فوارق، ولقد اتسعت للويس الرابع عشر من ندرة كلماته
http://حكم.net/wp-content/uploads/2017/03/img_58caf103e83ca.png
يحكى أنّ ثلاثة أشخاص حكم عليهم بالإعدام بالمقصلة ، وهم (عالم دين ، فيزيائي ، محامي ) –
وعند لحظة الإعدام تقدّم ( عالم الدين ) ووضعوا رأسه تحت المقصلة ، وسألوه : (هل هناك كلمة أخيرة توّد قولها؟ )
فقال ( عالم الدين ) : الله …الله.. الله… هو من سينقذني
وعند ذلك أنزلوا المقصلة ، فنزلت المقصلة وعندما وصلت لرأس عالم الدين توقفت . فتعجّب النّاس ، وقالوا : أطلقوا سراح عالم الدين فقد قال الله كلمته . ونجا عالم الدين .
وجاء دور المحامي إلى المقصلة ..
فسألوه : هل هناك كلمة أخيرة تودّ قولها ؟
فقال : أنا لا أعرف الله كعالم الدين ، ولكن أعرف أكثر عن العدالة ، العدالة .. العدالة .. العدالة هي من سينقذني .
ونزلت المقصلة على رأس المحامي ، وعندما وصلت لرأسه توقفت .. فتعجّب النّاس ، وقالوا : أطلقوا سراح المحامي ، فقد قالت العدالة كلمتها ، ونجا المحامي
وأخيرا جاء دور الفيزيائي ..
فسألوه : هل هناك كلمة أخيرة تودّ قولها ؟
فقال : أنا لا أعرف الله كعالم الدين ، ولا أعرف العدالة كالمحامي ، ولكنّي أعرف أنّ هناك عقدة في حبل المقصلة تمنع المقصلة من النزول …
فنظروا للمقصلة ووجدوا فعلا عقدة تمنع المقصلة من النزول ، فأصلحوا العقدة وانزلوا المقصلة على رأس الفيزيائي وقطع رأسه .
وهكذا من الأفضل أن تبقي فمك مقفلا أحيانا ، حتى وإن كنت تعرف الحقيقة .
من الذكاء أن تكون غبياً في بعض المواقف
http://حكم.net/wp-content/uploads/2017/03/img_58caf1bb35d9a.png
دعا الثريُّ زملاءه التجار الكبار إلى مأدبة عشاء في حديقة بيته الريفي الكبير، ودعا كذلك صديقه المثقف الموسوعي، ليتحف به الضيوف الذين لا يعرفونه.
في أثناء الغداء الدسم الحافل بما لذ وطاب، كان المثقف صامتًا، منشغلاً بالأصناف المتعددة من لحم الطيور والفطائر، في حين كان باقي الضيوف وصاحب المأدبة يتبادلون الأحاديث عن السوق وأحواله ما بين المضغة والرشفة.
بعد مدة، رفع عامل الحديقة بقايا الطعام، في حين كانت أنفاس الرجال تخرج بصعوبة من التخمة، وقد بدا على بعضهم النعاس.
ثم تفرَّغ لوضع الشاي على (الكانون)، وهو جالس تحت أرجلهم. وبعد قليل، عندما بدأت أنفاسهم الثقيلة تنتظم قليلا مع النسيم المنعش، فاتَحَ صاحبُ المأدبة صديقَه في قضية ساخنة من قضايا الساعة، كأنما يفتتح الجلسة، أو كحاوٍ يخرج ثعبانه.. ففهم المعنيُّ الإشارة.
أسند ظهره، ومط شفتيه، وحرك فمه يمنة ويسرة؛ كأنما ينشطه، بدأ يتكلّم ببطء شديد، والكلمات تخرج ممطوطة مفخَّمة، منتفخة، كحية مستنفرة. ثم أسرع شيئًا فشيئًا، فبدأت تسعى، فتمطوا واحدًا تلو الآخر، وبدءوا يتكلمون، هذا على استحياء؛ خوفًا من أن يتهم بالجهل، وهذا بحماسة؛ يريد أن يعجب المثقف والبقية، والجالس عند الأرض لم يبرح مكانه إلا ليوزع الأكواب الصغيرة من الشاي الثقيل، كان رأسه يلف ببطء في البدء، حسبما كانت سرعة المحاورة حوله وعدد من ابتدروها، وشيئاً فشيئاً بدأ الرأس يلف سريعًا.. ونجمُ الجلسة حريص على السيطرة، وقد شم شهوةَ البعض لمناجزته.
بدأ يصحح لهذا، ويشرح لهذا، وينتقد رأي هذا، في ساعتين من الكلام في السياسة والأدب والاقتصاد والبورصة والفن، ونميمة المجتمع. والرجل الجالس أمامهم على الأرض، ينفخ في الحطب حينًا، وينظر للنجم حينًا، بعين حمراء قد آذاها الدخان، يقدم الأكواب ويتراجع جالساً ينظر للرجل المتكلّم أو لمناجزيه أو للمختبئين فيه.
والخلاصة أن المثقف أثار إعجابَ الحضور جميعًا، وبدا الفارقُ بينه وبين من حاوروه واضحًا، فهدأت السرعة، وارتفعت الأفعى في الختام؛ كلمات ممطوطة مفخَّمة، ثم ارتخت معلنة انتصارها بصمت الحاضرين إزاء الأبهة.. ثم سأله صاحب المأدبة؛ متباهيا به، عن عدد اللغات التي يتكلَّم بها؟ فأجاب: أتكلم بست لغات.
ونظر النجم للغريم الذي لم ينزل الحلبة، أي للرجل الأحمر العينين المنكب على النفخ في الحطب، فوضع الرجل وجهه في عُدته بين السطل والحطب المشتعل، لا يصدق أنه على مرمى بصر هذا، وقال:
– وماذا عنك أنت؟
– أنا؟!…. أستطيع أن أسكت بستّ لغات..!
رماها، وألقى وجهه ناحية الحطب مرة أخرى
http://حكم.net/wp-content/uploads/2017/03/img_58caf0680ef15.png
يحكى أن لويس الرابع عشر حينما كان شاباً يافعاً، كان يتباهى بقدرته على الحديث والكلام والجدال؛ لكنه حينما تولى مقاليد الحكم صار أقلّ كلاماً ، بل لقد كان صمته أحد أهم أسلحته ومنبعاً من منابع قوّته؛
فمما يروى أن وزراءه كانوا يمضون الساعات في مناقشة القضايا الهامة ويجلسون لاختيار رجلين منهما لعرضها على الملك لويس الرابع عشر، وكانوا يمضون وقتاً غير قليل في اختيار من سيرفع الأمر إلى الملك، وعن الوقت المناسب لهذا الأمر، وبعد أن ينتهوا من النقاش يذهب الشخصان اللذان تم اختيارهما إلى الملك ويقومان بعرض الأمر عليه بالتفصيل والخيارات المطروحة، ولويس يتابعهم في صمت مهيب،
تغلب عليه روح الغموض وبعد أن يعرضا أمرهما ويطلبا رأي الملك، لا يزيد على أن ينظر إليهما ويقول بهدوء ، سوف أرى ثم يذهب عنهما.
ولا يسمع أحد من الوزراء كلاماً حول ما تمّ عرضه؛ بل فقط تأتيهم النتائج والقرارات التي أمضاها الملك.
ولقد كان لصمت لويس الرابع عشر أثر بالغ في إبقاء من حوله في حالة ترقّب دائم لردود أفعاله، وهو ما ترجمه سان سيمون فيما بعد بقوله:
لم يكن أحد يعرف مثله كيف يبيع كلماته، وابتساماته، وحتى نظراته..
كان كل شيء فيه نفيساً؛ لأنه خلق فوارق، ولقد اتسعت للويس الرابع عشر من ندرة كلماته
http://حكم.net/wp-content/uploads/2017/03/img_58caf103e83ca.png
يحكى أنّ ثلاثة أشخاص حكم عليهم بالإعدام بالمقصلة ، وهم (عالم دين ، فيزيائي ، محامي ) –
وعند لحظة الإعدام تقدّم ( عالم الدين ) ووضعوا رأسه تحت المقصلة ، وسألوه : (هل هناك كلمة أخيرة توّد قولها؟ )
فقال ( عالم الدين ) : الله …الله.. الله… هو من سينقذني
وعند ذلك أنزلوا المقصلة ، فنزلت المقصلة وعندما وصلت لرأس عالم الدين توقفت . فتعجّب النّاس ، وقالوا : أطلقوا سراح عالم الدين فقد قال الله كلمته . ونجا عالم الدين .
وجاء دور المحامي إلى المقصلة ..
فسألوه : هل هناك كلمة أخيرة تودّ قولها ؟
فقال : أنا لا أعرف الله كعالم الدين ، ولكن أعرف أكثر عن العدالة ، العدالة .. العدالة .. العدالة هي من سينقذني .
ونزلت المقصلة على رأس المحامي ، وعندما وصلت لرأسه توقفت .. فتعجّب النّاس ، وقالوا : أطلقوا سراح المحامي ، فقد قالت العدالة كلمتها ، ونجا المحامي
وأخيرا جاء دور الفيزيائي ..
فسألوه : هل هناك كلمة أخيرة تودّ قولها ؟
فقال : أنا لا أعرف الله كعالم الدين ، ولا أعرف العدالة كالمحامي ، ولكنّي أعرف أنّ هناك عقدة في حبل المقصلة تمنع المقصلة من النزول …
فنظروا للمقصلة ووجدوا فعلا عقدة تمنع المقصلة من النزول ، فأصلحوا العقدة وانزلوا المقصلة على رأس الفيزيائي وقطع رأسه .
وهكذا من الأفضل أن تبقي فمك مقفلا أحيانا ، حتى وإن كنت تعرف الحقيقة .
من الذكاء أن تكون غبياً في بعض المواقف
http://حكم.net/wp-content/uploads/2017/03/img_58caf1bb35d9a.png
دعا الثريُّ زملاءه التجار الكبار إلى مأدبة عشاء في حديقة بيته الريفي الكبير، ودعا كذلك صديقه المثقف الموسوعي، ليتحف به الضيوف الذين لا يعرفونه.
في أثناء الغداء الدسم الحافل بما لذ وطاب، كان المثقف صامتًا، منشغلاً بالأصناف المتعددة من لحم الطيور والفطائر، في حين كان باقي الضيوف وصاحب المأدبة يتبادلون الأحاديث عن السوق وأحواله ما بين المضغة والرشفة.
بعد مدة، رفع عامل الحديقة بقايا الطعام، في حين كانت أنفاس الرجال تخرج بصعوبة من التخمة، وقد بدا على بعضهم النعاس.
ثم تفرَّغ لوضع الشاي على (الكانون)، وهو جالس تحت أرجلهم. وبعد قليل، عندما بدأت أنفاسهم الثقيلة تنتظم قليلا مع النسيم المنعش، فاتَحَ صاحبُ المأدبة صديقَه في قضية ساخنة من قضايا الساعة، كأنما يفتتح الجلسة، أو كحاوٍ يخرج ثعبانه.. ففهم المعنيُّ الإشارة.
أسند ظهره، ومط شفتيه، وحرك فمه يمنة ويسرة؛ كأنما ينشطه، بدأ يتكلّم ببطء شديد، والكلمات تخرج ممطوطة مفخَّمة، منتفخة، كحية مستنفرة. ثم أسرع شيئًا فشيئًا، فبدأت تسعى، فتمطوا واحدًا تلو الآخر، وبدءوا يتكلمون، هذا على استحياء؛ خوفًا من أن يتهم بالجهل، وهذا بحماسة؛ يريد أن يعجب المثقف والبقية، والجالس عند الأرض لم يبرح مكانه إلا ليوزع الأكواب الصغيرة من الشاي الثقيل، كان رأسه يلف ببطء في البدء، حسبما كانت سرعة المحاورة حوله وعدد من ابتدروها، وشيئاً فشيئاً بدأ الرأس يلف سريعًا.. ونجمُ الجلسة حريص على السيطرة، وقد شم شهوةَ البعض لمناجزته.
بدأ يصحح لهذا، ويشرح لهذا، وينتقد رأي هذا، في ساعتين من الكلام في السياسة والأدب والاقتصاد والبورصة والفن، ونميمة المجتمع. والرجل الجالس أمامهم على الأرض، ينفخ في الحطب حينًا، وينظر للنجم حينًا، بعين حمراء قد آذاها الدخان، يقدم الأكواب ويتراجع جالساً ينظر للرجل المتكلّم أو لمناجزيه أو للمختبئين فيه.
والخلاصة أن المثقف أثار إعجابَ الحضور جميعًا، وبدا الفارقُ بينه وبين من حاوروه واضحًا، فهدأت السرعة، وارتفعت الأفعى في الختام؛ كلمات ممطوطة مفخَّمة، ثم ارتخت معلنة انتصارها بصمت الحاضرين إزاء الأبهة.. ثم سأله صاحب المأدبة؛ متباهيا به، عن عدد اللغات التي يتكلَّم بها؟ فأجاب: أتكلم بست لغات.
ونظر النجم للغريم الذي لم ينزل الحلبة، أي للرجل الأحمر العينين المنكب على النفخ في الحطب، فوضع الرجل وجهه في عُدته بين السطل والحطب المشتعل، لا يصدق أنه على مرمى بصر هذا، وقال:
– وماذا عنك أنت؟
– أنا؟!…. أستطيع أن أسكت بستّ لغات..!
رماها، وألقى وجهه ناحية الحطب مرة أخرى