ملاك الورد
03-07-2018, 10:11 PM
وأنا أعبر الشارع لمحته، بابتسامته الواسعة، ووجهه الأسمر، مرتديا بنطاله الجينز الأسود، وبروفله الأحمر، واقفا، منتظرا الباص القادم.
هرعت إليه أناديه، إلا أن الباص كان أسرع مني، وأخذه ومضى به بعيدا.
مرة أخرى رأيته يهمُ في الشارع المزدحم بالناس، وما إن وصلت إليه كان قد اختفى.
مرات عديدة يحدث ذلك وفي كل مرة يتلاشى من أمامي كظل لنور ينطفئ. كان ذلك بالغ الحيرة، فتساءلت في قلق: لم يفعل ذلك معي؟
استرجعت ما بيننا، وهدير الذكريات كصور حية تتوالى أمام عيني.. تعود أولى الذكريات حين تم اقتيادنا ذات صباح من أعمالنا بصحبة آخرين، بعد نشوب الحرب الباردة، والمفاجئة بين الدولتين المتجاورتين، وتم حبسنا في معسكر مفتوح بتهمة أننا صرنا لهم من الأعداء.
بقينا لأيام، شهور، سنوات نلهث وراء أمل المصالحة، ومن ثمَّ عودتنا إلى وطننا.
كانت أيام صعبة تقاسمنا فيها الهم والملابس القديمة، ولقم العيش الناشف المغموس بالجبن القديم بطعم الدود.
لم نكن نملك سوى الانتظار، يدفعني الأمل الذي كان يزرعه في صدري بابتسامته كل صباح.
كان فياضا بالأمل وهو يقول: لا تقلق، حتما سيتصالحون، وسنرجع يوما إلى وطننا.
حتى في مرضي المعدي، وحين خاف الجميع كان وحده إلى جواري يهدهدني كطفله الذي لم يره، يلقمني الطعام والشراب.
قالت الممرضة: هنيئا لك به.. أحسست أنه جزء منك يتألم لألمك.
تهاوى السؤال ثانية فوق رأسي: " ما الذي جرى حتى يبتعد عني؟"
آخر مرة كان يجلس جواري في المقعد، شعرت بأنفاسه الحارة في وجهي، وشممت رائحة جلده وملابسه، مددت إليه يدي أصافحه، إلا أن نظرته الجامدة كأنه تمثال جعلتني أتراجع. عاتبته قائلا: لم يا صديقي؟
لم يتكلم، ظل صامتا، قبل أن يبعد وجهه عني، وصوته الهامس فقط يأتيني: ربنا يلطف بالناس.
أفزعني ذلك، وغصت في مقعدي كمدا، حتى توقف الباص، ونزلت منه مهموما، أحدق في عشرات الوجوه، أتذكر أنني فقدت صاحبا ذات يوم، وهو يلوح لي مهللا بحدوث المصالحة، ومبشرا بعودتنا إلى الوطن.
***
هرعت إليه أناديه، إلا أن الباص كان أسرع مني، وأخذه ومضى به بعيدا.
مرة أخرى رأيته يهمُ في الشارع المزدحم بالناس، وما إن وصلت إليه كان قد اختفى.
مرات عديدة يحدث ذلك وفي كل مرة يتلاشى من أمامي كظل لنور ينطفئ. كان ذلك بالغ الحيرة، فتساءلت في قلق: لم يفعل ذلك معي؟
استرجعت ما بيننا، وهدير الذكريات كصور حية تتوالى أمام عيني.. تعود أولى الذكريات حين تم اقتيادنا ذات صباح من أعمالنا بصحبة آخرين، بعد نشوب الحرب الباردة، والمفاجئة بين الدولتين المتجاورتين، وتم حبسنا في معسكر مفتوح بتهمة أننا صرنا لهم من الأعداء.
بقينا لأيام، شهور، سنوات نلهث وراء أمل المصالحة، ومن ثمَّ عودتنا إلى وطننا.
كانت أيام صعبة تقاسمنا فيها الهم والملابس القديمة، ولقم العيش الناشف المغموس بالجبن القديم بطعم الدود.
لم نكن نملك سوى الانتظار، يدفعني الأمل الذي كان يزرعه في صدري بابتسامته كل صباح.
كان فياضا بالأمل وهو يقول: لا تقلق، حتما سيتصالحون، وسنرجع يوما إلى وطننا.
حتى في مرضي المعدي، وحين خاف الجميع كان وحده إلى جواري يهدهدني كطفله الذي لم يره، يلقمني الطعام والشراب.
قالت الممرضة: هنيئا لك به.. أحسست أنه جزء منك يتألم لألمك.
تهاوى السؤال ثانية فوق رأسي: " ما الذي جرى حتى يبتعد عني؟"
آخر مرة كان يجلس جواري في المقعد، شعرت بأنفاسه الحارة في وجهي، وشممت رائحة جلده وملابسه، مددت إليه يدي أصافحه، إلا أن نظرته الجامدة كأنه تمثال جعلتني أتراجع. عاتبته قائلا: لم يا صديقي؟
لم يتكلم، ظل صامتا، قبل أن يبعد وجهه عني، وصوته الهامس فقط يأتيني: ربنا يلطف بالناس.
أفزعني ذلك، وغصت في مقعدي كمدا، حتى توقف الباص، ونزلت منه مهموما، أحدق في عشرات الوجوه، أتذكر أنني فقدت صاحبا ذات يوم، وهو يلوح لي مهللا بحدوث المصالحة، ومبشرا بعودتنا إلى الوطن.
***